الصدقة مغفرة ونماء وبركة ( تعميم الوزارة )

محمد بن سليمان المهوس
1444/08/24 - 2023/03/16 08:13AM

الخُطْبَةُ الأُولَى

الْحَمْدُ للهِ الَّذِي يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ، وَيَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ، وَيُخْلِفُ عَلَى الْمُنْفِقِينَ، وَلاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ عَلَى نِعَمِهِ الْعَظِيمَةِ، وَآلاَئِهِ الْجَسِيمَةِ، وَصِفَاتِهِ الْكَرِيمَةِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا النَّاسُ: أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُمْ مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: مِنْ أَفْضَلِ الأَعْمَالِ وَأَطْيَبِهَا وَأَعْظَمِهَا وَأَزْكَاهَا عِنْدَ اللهِ تَعَالَى:

بَذْلُ الصَّدَقَاتِ ؛ فَهِيَ قُرْبَةٌ وَإِحْسَانٌ، وَبَرَكَةٌ وَنَمَاءٌ مِنَ الدَّيَّانِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾

[آل عمران: 134].

وَقَالَ: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 261].

وَبَذْلُ الصَّدَقَاتِ أَعْمَالٌ مُبَارَكَةٌ ، مِنْ أَعْظَمِ ثِمَارِهَا:

مَغْفِرَةُ الذُّنُوبِ؛ قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: «الصَّلَاةُ بُرْهَانٌ، وَالصَّوْمُ جُنَّةٌ حَصِينَةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ» [رواه الترمذي، وصححه الألباني].

وَمِنْ ثِمَارِهَا: أَنَّهَا تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ؛ قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: « الصَّومُ جُنَّةٌ، وَالصَّدقةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ».

وَمِنْ ثِمَارِهَا: الْخَلَفُ وَالزِّيَادَةُ وَالْبَرَكَةُ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ العِبَادُ فِيهِ، إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا».

وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: «مَن تَصَدَّقَ بعَدْلِ تَمْرَةٍ مِن كَسْبٍ طَيِّبٍ، ولَا يَقْبَلُ اللَّهُ إلَّا الطَّيِّبَ، وإنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ، كما يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ، حتَّى تَكُونَ مِثْلَ الجَبَلِ ». [ رواه البخاري ]

 

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ» [رواه مسلم].

وَاعْلَمُوا -عِبَادَ اللهِ- أَنَّ الصَّدَقَاتِ يَتَنَوَّعُ فَضْلُهَا، وَيَعْظُمُ أَجْرُهَا، كُلَّمَا كَانَتْ خَفِيَّةً بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ، فَهِيَ أَقْرَبُ إِلَى الإِخْلاَصِ ! إِلَّا إِذَا تَرَجَّحَتِ الْمَصْلَحَةُ فِيِ إِظْهَارِهَا ؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿ إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾  [ البقرة: 271]، وَأَيْضًا كُلَّمَا اجْتَهَدَ الْمُتَصَدِّقُ فِي إِيصَالِ صَدَقَتِهِ لِمَنْ هُمْ أَشَدُّ حَاجَةً وَفَاقَةً، وَكُرْبَةً وَعِفَّةً؛ الَّذِينَ قَالَ اللهُ فِيهِمْ: ﴿ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾  [البقرة: 273].

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَنَحْنُ نَسْتَقْبِلُ شَهْرَ رَمَضَانَ الْمُبَارَكَ جَمِيلٌ مِنَّا تَفَقُّدُ أَحْوَالِ أَقْرِبَائِنَا وَجِيرَانِنَا الْمُحْتَاجِينَ، وَالْمُبَادَرَةُ لَهُمْ بِسِلاَلٍ غِذَائِيَّةٍ مَثَلاً ، نَضَعُ فِيهَا مَا يَحْتَاجُونَهُ مِنْ ضَرُورِيَّاتٍ بِهَذَا الشَّهْرِ الْكَرِيمِ؛ فَخَيْرُ الصَّدَقَاتِ مَا كَانَ لِلأَقَارِبِ وَالأَرْحَامِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقةٌ، وَعَلَى ذِي الرَّحِمِ ثِنْتَانِ: صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ» وَكَذَلِكَ تَفَقُّدُ الْجِيرَانِ، فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: «خَيْرُ الأَصْحَابِ عِنْدَ اللهِ خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ، وَخَيْرُ الْجِيرَانِ عِنْدَ اللهِ خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ»

[رواه الترمذي، وصححه الألباني].

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ، وَتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ، وَحُبَّ الْمَسَاكِينِ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.

أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اتَّقُوا اللهَ تَعَالَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ الإِحْسَانَ لِكُلِّ مُحْتَاجٍ، وَالْعَطْفَ عَلَى كُلِّ يَتِيمٍ وَمِسْكِينٍ؛ مِنْ أَقْرَبِ الطُّرُقِ الْمُوَصِّلَةِ إِلَى مَرْضَاةِ اللهِ تَعَالَى؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ [ الحديد : 7]

فَبَادِرُوا -أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ- بِالْبَذْلِ وَالْعَطَاءِ لِكُلِّ مُسْتَحِقٍ لِلْعَطَاءِ وَالْجُودِ مِنْكُمْ، وَمِنْ  ذَلِكَ أَصْحَابُ الدُّيُونِ الَّذِينَ حُرِمُوا مُشَارَكَةَ أُسَرِهِمْ مَوَاسِمَ الْخَيْرَاتِ، وَأُوقِفُوا وَسُجِنُوا بِسَبَبِ مَا تَرَاكَمَ عَلَيْهِمْ مِنْ دُيُونٍ، وَكَذَلِكَ أُسَرُهُمْ الَّتِي غَابَ عَنْهُمْ عَائِلُهُمْ، وَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ سِوَى إِحْسَانُ الْمُحْسِنِينَ إِلَيْهِمْ، فَحَرِيٌّ بِنَا أَنْ يَكُونَ مِنَّا إِلَيْهِمْ إِحْسَانٌ وَعَطْفٌ وَحَنَانٌ.

وَهَا هِيَ دَوْلَتُنَا الْمُبَارَكَةُ وَضَعَتْ مَنَصَّاتٍ رَسْمِيَّةً لِلْمُتَبَرِّعِينَ؛ لِتَصِلَ تَبَرُّعَاتُكُمْ لإِخْوَانِهِمْ بِأَمْنٍ وَأَمَانٍ.

هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56]، وَقَالَ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» [رَوَاهُ مُسْلِم].

المشاهدات 2877 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا