الصدقات في شهر الرحمات(تعميم) 1445/9/5ه
يوسف العوض
الخطبة الأولى
عِبادَ اللهِ:نقفُ اليومَ معَ حديثٍ شريفٍ يُبينُ حالَ نبيّنا صلى اللهُ عليه وسلم في رمضانَ نستلهمُ منه الهدى والنّور فعن عبدِاللهِ بنِ عباسٍ رضي اللهُ عنهما قال: "كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم أجودَ الناسِ بالخيرِ وكان أجودَ ما يكون في شهرِ رمضانَ حتى ينسلِخَ فيأتيه جبريلُ فيعرضُ عليه القرآنَ ، فإذا لقِيَه جبريلُ كان رسولُ اللهِ أجودَ بالخيرِ من الرِّيحِ الْمُرسَلَةِ"الجُودُ -عباد الله - هو الكَرَمُ والبَذْلُ والإنفاقُ مِن غَيرِ سُؤالٍ، وقد كانَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن أبلَغِ النَّاسِ في العَطاءِ والإنفاقِ.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ عَبدُ اللهِ بنُ عَبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان أعظَمَ النَّاسِ وأكثَرَهم جُودًا على الإطلاقِ، وكان جُودُه يَبلُغُ الغايةَ في شَهرِ رَمَضانَ، والسَّببُ في زِيادةِ كَرَمِه ومُضاعَفةِ جُودِه، أمْرانِ الأوَّلُ: التِقاؤُه بالرُّوحِ الأمينِ جِبريلَ عليه السَّلامُ، وهو المَلَكُ المُوَكَّلُ بالوَحْيِ، والأمْرُ الآخَرُ: مُدارَسةُ القُرآنِ، وفي رِوايةٍ: «يُعارِضُه القُرآنَ»، والمُدارَسةُ والمُعارَضةُ بمَعنًى واحِدٍ، وهو المُقابَلةُ في القِراءةِ عن ظَهْرِ قَلبٍ، فيُدارِسُه جَميعَ ما نَزَلَ مِنَ القُرآنِ، يقول: فلَرَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أكرَمُ وأكثَرُ عَطاءً وفِعلًا لِلخَيرِ، وأعظَمُ نَفعًا لِلخَلقِ مِنَ الرِّيحِ الطَّيِّبةِ التي يُرسِلُها اللهُ بالغَيثِ والرَّحمةِ.وقد وَرَدَ في الصَّحيحَيْن أنَّ جِبريلَ عليه السَّلامُ كان يُعارِضُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالقُرآنِ مَرَّةً واحِدةً كُلَّ عامٍ، حتى إذا كان العامُ الذي ماتَ فيه عارَضَه مَرَّتَيْن.
عِبادَ اللهِ: وَمِنْ الأَعْمالِ الصالِحَةِ في رمضانَ: الصَّدَقّةُ ، فَإِنَّ الصَّدَقَةَ دَلِيلٌ على إيمانِ العَبْدِ، قال النبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم: ( وَالصَّدَقَةُ بُرْهانٌ )، أيْ عَلامَةٌ على صِدْقِ الإيمان، وهِيَ سَبَبٌ لِلشِّفَاءِ والسلامَةِ مِن الأَمْراضِ، وعِنْدَما يُحْشَرُ الناسُ حُفاةً عُراةً غُرْلاً، وَتَدْنُو مِنْهُم الشمسُ وَيُلْجِمُهُم العَرَقُ، يَكُونُ الْمُسْلِمُ في ظِلِّ صَدَقَتِه، والصَّدَقَةُ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ، وهِيَ سَبَبٌ لِزِيادَةِ الرِّزْقِ ونُزُولِ البَرَكاتِ، والصَّدَقَةُ مِن أَعْظَمِ أبْوابِ البِرِّ والإيمانِ وذَوْقِ حَلاوَتِه، والصَّدَقَةُ الجارِيَةُ يَبْقَى ثَوابُها حَتَّى بَعْدَ الْمَوْتِ، وهِيَ سَبَبٌ لِإِطْفاءِ الخَطايَا وتَكْفِيرِ الذُّنُوبِ.وهِي حِجابٌ عَن النارِ والصَّدَقَةُ مِنْ أَفْضَلِ صَنائِعِ الْمَعْروفِ التي تَقِي مَصارِعَ السُّوءِ.
الخطبة الثانية
عِبادَ اللهِ: َتَذَكَّرُوا قَوْلَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: ( مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ على العبادِ إلا وَمَلَكانِ يَنْزِلانِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُما: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، ويَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا )، والْمُرادُ بِالْمُمْسِكِ: مَنْ أَمْسَكَ عن النَّفَقَةِ الواجِبَةِ. وقالَ النبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم فِيمَا يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ: ( ابْنَ آدَمَ: أَنْفِق، أُنْفِقْ عَلَيْكَ )، فَلَا تَنْسَوْا هذا الفَضْلَ يا عِبادَ اللهِ: ثُمَّ اعْلَمُوا أَنَّه يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَتَحَرَّى الْمَحاوِيجَ والْمُتَعَفِّفِينَ، والأَرامِلَ وأَسَرَ السُّجَناءِ، وَمَنْ تَراكَمَتْ عَلَيْهِمْ الدُّيُونُ، وَمَنْ لا يَعْرِفُ كَيْفَ يَصِلُ إلَيْهِم، فَهُناكَ مَنَصَّاتٌ رَسْمِيَّةٌ مَوْثُوقَةٌ وَللهِ الحَمْدِ كَمَنَصَّةِ إِحْسانَ وَفُرِجَتْ، يَسْتَطِيعُ الْمُسْلِمُ أَنْ يَتَعامَلَ مَعَها ويُتابِعَها بِنَفْسِه، حَتَى تَصِلَ إلى مُسْتَحِقِّها، وكذلك خِدْمَةِ تَيَسَّرَت، ودَوْرِها في التَّيْسِيرِ عَلى الْمُعْسِرينَ وَقَضاءِ الدينِ عن الْمدِينينَ بِكلِّ يُسْرٍ وسُهُولَةٍ.