الصبر على البلاء والاحتراز من الوباء 23-6-1442هـ
محمد آل مداوي
الصبر على البلاء والاحتراز من الوباء الجمعة 23-6-1442هـ
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أمّا بعد: فاتقوا الله -عباد الله- حقَّ التقوى؛ فالتقوى لا يَقْبَلُ ربُّنا غيرَها، ولا يَرْحَمُ إلاّ أهلَها.
أيها المسلمون: خَلَقَ اللهُ الموتَ والحياةَ؛ ابتلاءً لعبادِه، قال تعالى: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ). وخَلَقَ سبحانه الخَلْقَ لِيَخْتَبِرَهُم: (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ).
ابتُليَ يعقوبُ عليه السلام ففقَدَ أحبَّ أبنائِه إليه، ثم فقَدَ آخر، وبكى على فَقْدِهِما حتى جَفَّ دَمْعُه، وفَقَدَ بصَرَه، (وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ) فبَثَّ شكواهُ وحُزنَهُ إلى الله؛ فجَمَعَ له ولدَيْه، ورفعَهُ يوسُف على عَرْشِه.
وأيوبُ عليه السلام طالَ عليه كربُ المرض، فما أيِسَ من الله، وكان يدعُوه: (أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) ، فرفعَ الله ضُرَّه ووهبَ له أهلَه وضِعفَيْنِ معهم.
وزكريَّا عليه السلام وهَنَ عَظْمُه، واشتعلَ رأسُه شيبًا، وبلَغَ مِنَ الكِبَرِ عِتيًّا، وحُرِمَ الولد، فدعا ربَّهُ نِداءً خفيًّا أنْ يهبَهُ ولدًا، فرزَقَه الله يحيى وأقرَّ عينَه بصَلاحِه، وجعلَهُ نبيًّا رسولاً.
ولما ثقُلَ نبيُّنا محمدٌ r؛ جعلَ يتَغَشَّاهُ الموت، فقالت فاطمةُ رضي الله عنها: واكربَ أبتاه!. فقال لها: "ليسَ على أبيكِ كَرْبٌ بعد اليوم" أي: مِنْ كُروبِ الدنيا. رواه البخاري.
أيها المسلمون: وتوحيدُ اللهِ؛ أسْرَعُ مُخلِّصٍ للكُروب، وقد فَزِعَ إلى ذلك يونسُ عليه السلام فنُجِّيَ مِنَ الغمِّ؛ قال النبيُّ r: "دعوةُ ذي النُّونِ: لا إله إلا أنت سُبحانك إني كنتُ من الظالمين، ما دعا بها مكروبٌ سبعَ مراتٍ إلا فرَّجَ اللهُ كربَه" رواه أبوداود.
والتوكُّلُ على الله يَكشِفُ ما نَزَلَ، قال سبحانه: (قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ).
والتضرُّعُ إلى اللهِ بالدُّعاءِ؛ سببُ تغيُّرِ الحال، قال سبحانه: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ)
والصلاةُ مُزِيلَةٌ للهموم، كاشِفةٌ للغموم، وهي العَونُ عند حُلولِ المصائبِ، قال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ).
والاستغفارُ سَبَبُ تفريجِ الخُطوبِ؛ لأنَّ الذنوبَ هي مُوجِبُ الكُروب، قال سبحانه: (وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)
ومَنْ عاملَ اللهَ بالتقوى والطاعةِ حالَ رخائِه؛ عامَلَهُ اللهُ باللُّطفِ والإعانةِ حالَ شِدَّتِه، قال عليه الصلاة والسلام: "تعرَّفْ إلى اللهِ في الرّخاءِ؛ يَعْرِفْكَ في الشِدَّة".
وحُسنُ الظنِّ بالله واجبٌ، والتفاؤُلُ بزوالِ ما نزَلَ مِنَ المصائبِ؛ مِنْ حُسْنِ المُعتَقَد، قال سبحانه: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا).
وبعدُ عبادَ الله: فالصبرُ أجرُه بلا حِسَاب، واختيارُ اللهِ لِعَبْدِه أرحَمُ مِن اختيارِ العبدِ لنفسِه، والحياةُ الباقيةُ هي الدارُ الآخرة.. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم.. واستغفروا الله، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه.
أما بعد: ومِنَ الابتِلاءِ -عبادَ الله- ما يَشْهَدُهُ العالمُ مِن انتشارٍ لموجةٍ ثانيةٍ مِنَ الوباء، وزيادةٍ مَلْحُوظَةٍ في عددِ المُصَابين بالمرض؛ ممّا يؤكِّدُ علينا اتّباعَ التعليمات، والتقيُّدَ بالتوجيهاتِ الصادرةِ مِنْ وُلاةِ أمرِنا، ومِنَ الجهاتِ المختصَّةِ في الدولة؛ حتَّى لا نَمَسَّ أنفسَنا وأحبابَنا والمسلمين بِضُرّ.. ومن تلك التعليمات: لزومُ التباعُد، وتغطيةُ الأنفِ والفم، وتركُ المصافحة، والبُعدُ عن التجمُّعات، ونحوُ ذلك من التدابيرِ الاحترازيةِ لمنعِ انتشارِ الدَّاء.
ومَنْ تهاوَنَ في تلك الإجراءات، أو حَضَرَ إلى المسجدِ وفيه أعْرَاضٌ يُشْتَبَهُ أنّها مِنْ أعراضِ هذا الداء؛ فهو آثِمٌ بتعريضِه الآخرينَ للخَطر. كما يجبُ علينا أَخْذُ المعلوماتِ مِنْ مصَادرِها الرسمية، والابتعادُ عن الشائعات والأخبارِ المغلوطَة.
ألا فاتقوا الله عبادَ الله.. اشْكُروه على النَّعماء، واصبروا على البلاء، واتَّقوا هذا الوباء.. توَكَّلوا على الله وحدَه، وخُذوا بالأسبابِ المشروعة، وتوجَّهوا إلى ربِّكم، فهو المُستعَان، وعليهِ التُّكلان.
ثم صلُّوا وسلِّمُوا -رحمكم الله- على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) ،