الصاحب ساحب إما إلى الحق وإما إلى الباطل

عايد القزلان التميمي
1445/03/27 - 2023/10/12 15:21PM
الحمدُ للهِ معزِّ من أطاعَه واتقاه، ومذلِّ من خالفَ أمرَه وعصاه، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه  صلى الله عليه وعلى آلِه وصحبِه أجمعين.
أَمّا بَعْدُ فيا عِبادَ اللهِ، فَإِنِّي أُوصِيكُمْ ونَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ .
أيها المؤمنون: حديثنا هذا اليوم عن موضوع مهم بالغ الأهمية؛ لاهتمام الإسلام به، ولأن به فلاح الدنيا وكذا الآخرة، إنه موضوع الصحبة أو الصداقة .
لأنّ كل صداقةٍ في غير الله تعالى تنقلب يوم القيامة عداوة، قال تعالى: (( الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ )) ،
فالأصدقاء في هذه الحياة يعادي بعضهم بعضًا يوم القيامة إلا أصدقاء الإيمان، الذين بنوا صداقاتهم على الحب في الله والبغض في الله. قال تعالى: (( وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً   يَا وَيْلَتِي لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلاً   لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنْ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولاً ))  
ولقد جاء التأكيد علي اختيار الصحبة الصالحة في مواضع عديدة من الكتاب والسنة ، وذلك لأنها تُعين على طاعة الله ، فهذا موسي كليم الله عليه السلام يطلب من الله صحبة أخيه (( وَاجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي* هَارُونَ أَخِي* اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي* وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي* كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً* وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً* إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيراً)).
عباد الله إن الجليس والصاحب له أثر كبير، بل ومباشر على جليسه وصاحبه، ففي الحديث المتفق عليه عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( إنِّما مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ ، وجَلِيسِ السُّوءِ ، كَحامِلِ المِسْكِ ، ونافِخِ الكِيرِ ، فَحامِلُ المِسْكِ ، إِمَّا أنْ يَحْذِيَكَ ، وإِمَّا أنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ ، وإِمَّا أنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً ، ونافِخُ الكِيرِ ، إِمَّا أنْ يَحْرِقَ ثَيابَكَ ، وإِمَّا أنْ تَجِدَ رِيحًا خَبيثَةً ))
ففي هذا الحديثِ يَضْرِبُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِثالَينِ لِصِنْفَيْنِ مِنَ النَّاسِ، فالمثالُ الأوَّلُ للجليسِ الصَّالحِ، الذي يَدُلُّ جَليسَهُ على اللهِ تعالَى وما يُقَرِّبُ إليه؛ مِن قَولٍ، أو عَمَلٍ؛ فيُخبِرُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ هذا الجَليسَ الصَّالحَ مِثلُ صاحِبِ المِسكِ، لن تَفْقِدَ منه أَحَدَ أمرَيْنِ: إمَّا أنْ تَشتريَ مِن مِسكِهِ وعُطُورِهِ، أو تَجِدَ وَتَشَمَّ مِن رِيحِهِ الطَّيِّبَةِ، وكذلك الجليسُ الصَّالحُ؛ إمَّا أنْ تَأخُذَ منه خَيرًا، وتَنتفِعَ به، أو أنْ تَجِدَ مِن مُجالَستِهِ سُمعةً طيبة وذكرا حسناً.
والمثالُ الثاني للجَليسِ السَّوءِ، فشَبَّهَه رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ بـ«كِيرِ الحدَّادِ»، أي: إنَّه كصاحبِ الكِيرِ، إمَّا أنْ يُحرِقَ بدَنَك أو ثِيابَك مِن شرَرِه المُتطايرِ، أو تَجِدَ مِن مُجالَستِه رِيحًا خَبيثةً، وهكذا
الجليسُ السَّوءُ إمَّا أنْ يصلك منه شرّ أفعالِه، فتُشارِكَه أوزارَه، وإمَّا أنْ تَرى القبيحَ وسُوءَ الفعلِ أمامَك، فتُذمَّ لمُصاحبةِ ومُجالَسةِ مَن هذا حالُه.
عباد الله ولكم أن تسألوا أهل السجون كيف وصلوا إلى قضبان الحديد، وكيف وضعت في أيديهم وأرجلهم القيود، إنهم بلا شك بواسطة أصدقاء السوء.
عباد الله :إن الصاحب ساحب إما إلى الحق وإما
إلى الباطل ، 
فقد روى البخاري ومسلم ))أنَّه لمَّا حضَرت أبا طالبٍ الوفاةُ جاءه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فوجد عنده أبا جَهلِ بنَ هِشامٍ، وعبدَ اللهِ بنَ أبي أُمَيَّةَ بنِ المغيرةِ، قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لأبي طالبٍ: يا عَمِّ، قُلْ: لا إلهَ إلَّا اللَّهُ، كَلِمةً أشهَدُ لك بها عندَ اللَّهِ. فقال أبو جهلٍ، وعبدُ اللهِ بنُ أبي أُمَيَّةَ: يا أبا طالبٍ، أترغَبُ عن مِلَّةِ عبدِ المُطَّلِبِ؟ فلم يَزَلْ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَعرِضُها عليه، ويعودانِ بتلك المقالةِ حتَّى قال أبو طالِبٍ آخِرَ ما كَلَّمَهم: هو على مِلَّةِ عبدِ المطَّلِبِ، وأبى أن يقولَ: لا إلهَ إلَّا اللَّهُ )).
فاحْرِصْ أَخِي الْمُسْلِمَ عَلى مُخالَطَةِ التَّقِيِّ فَإِنَّ فِيهِ حِفْظَ دِينِكَ فقد قالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ (( لا تُصَاحِبْ إِلاَّ مُؤْمِنًا وَلاَ يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلاَّ تَقِيٌّ )) رَواهُ ابْنُ حِبّان وحسّنه الألباني.
هَذا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ لي ولَكُمْ......
الخطبة الثانية
الحمد لله مُوَفِق من شاء إلى طاعته، وهادي من أراد إلى دُرُوب محبته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا . أما بعد فيا عِبَادَ الله : وفي هذه الأزمان توجد صَّدَاقَاتِ  عَنْ طَرِيقِ مَا يُعْرَفُ اليَوْمَ بِشَبَكَاتِ التَّوَاصُلِ ، فعَلَى المُسلم أَنْ يَعْرِفَ فِيهَا حُقُوقَ الآخَرِينَ الَّذِينَ يَتَوَاصَلُ مَعَهُمْ وَيُصَادِقُهُمْ، وَيَأْتِيَ بِالآدَابِ الإسلامية وَأن
يُحَافِظَ عَلَى دينه وعقيدته وتوحيده ، وَلا يَقَعَ فِي المَذْمُومِ والمُحَرّم مِنَ الأَقْوَالِ وَالأَفْعَالِ.
فَاتَّقُوا اللهَ – عِبَادَ اللهِ -، وَاسلُكُوا طُرُقَ الخَيْرِ وَالسَّلاَمَةِ، وَابتَعِدُوا عَنِ الشَّرِّ وَالنَّدَامَةِ، وَاحذَرُوا الصَّدَاقَاتِ الوَهْـمِيَّةَ الضَّارَّةَ، سَوَاءً أَكَانَتْ فِي الوَاقِعِ أَمْ عَبْرَ شَبَكَاتِ التَّوَاصُلِ .
وعلى المُسلم العاقل
الناصح لنفسِه الذي يُريد النجاة والسعادة في الدنيا والآخرة أن يختار لنفسه أصدقاء خير وبر وهداية، ويجتنب أصدقاء السوء والشر والغواية،
هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى إِمَامِ المُرْسَلِينَ، .....
المرفقات

1697113296_الصاحب ساحب إما إلي الحق وإما إلي الباطل.doc

المشاهدات 769 | التعليقات 0