الشيطان مصدر الشرّ في الوجود

نحمدك اللهم على ما أنعمت و أوليت.. و نشكرك على ما هديت ووفّقت، و نستسلم إلى ما قدّرت و قضيت، لا إله إلاّ أنت ربّ العالمين، و هادي الغافلين، و راحم الناس أجمعين، لا إله إلاّ الله قبل كل أحد، لا إله إلاّ الله بعد كل أحد، لا إله إلاّ الله يبقى ربّنا و يفنى كل أحد..

و أشهد أن لا إله إلاّ الله الواحد الأحد، الفرد الصمد، و أشهد أنّ سيّدنا محمدا عبد الله و رسوله، أرسله بالهدى و دين الحقّ، صلّى الله عليه و على آله و صحبه و سلّم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.

قال الله تعالى: قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا. الذين ظلّ سعيهم في الحياة الدنيا و هم يحسبون أنّهم يحسنون صنعا.. ( سورة الكهف 103،104 ).

و قال تعالى: و لتكن منكم أمّة يدعون إلى الخير و يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر و أولئك هم المفلحون.. ( سورة آل عمران 104 ).

و قال تعالى: خذ العفو و أمر بالعرف و أعرض عن الجاهلين. سورة الأعراف 199.

عن أبي رقيّة تميم بن أوس الدّاريّ رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه و سلم قال: الدين النصيحة، قلنا: لمن؟ قال : لله و لكتابه و لرسوله و لأئمّة المسلمين و عامّتهم..رواه مسلم و أحمد و أبو داود و النسائي.

و عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: بايعت رسول الله صلى الله عليه و سلم على إقام الصلاة و إيتاء الزكاة و النصح لكل مسلم.. رواه البخاري و مسلم .

           ------------

أمّا بعد، فإنّ الله خلق الإنسان من بدن بشهوة، و روح بعقل، و كان غذاء البدن بشهوته ما يأكل و ما يشرب، و غير ذلك من المتع النفسيّة، و الرغبات الشهوانية الحسيّة و المعنوية على إطلاقها، و كان غذاء الروح بعقله المعرفة و الإدراك المميّز بين الحسن و القبيح، و بين الخير و الشرّ. و لمّا كانت شهوة البدن في صراع مع العقل، فتطغى كثيرا على ما ليس لها بحقّ، فتقع الجرائم، و مآتم، و مفاسد، و فتن، و ظلم، و تعدّ.

فجاء الدين بأركانه الخمسة ليعين العقل على الشهوة، فوضع حولها ضوابط، ليحصرها في إطار الحقّ، لتخضع لقانون العقل، و أخذ يوجه العقل و يبيّن له العبر و وجوه الحقّ في التبصّر. و بالعقل تمكنّا بمعونة الله تعالى، من ضبط النفس و كبح الشهوات الحسيّة و الرغبات الشهوانية المختلف لونها لنخرج من شهر رمضان من السعداء المقبولين.

و إن كنّا قد نجحنا في الإمتحان الأول، فإنّنا بإنقضاء العيد في مجابهة إمتحان أصعب و إختبار أطول، و يتمثّل ذلك في مدى قدرتنا للمحافظة على نسق العبادات التي قمنا بها طوال شهر رمضان، من صيام و قيام و تلاوة القرآن و الإنفاق والإطعام و مواساة و الأخذ بيد المحروم، و خصوصا الإستقامة العملية و القلبية و القولية. في كلمة، كيف يمكننا أن نبقى دائما نتحلّى بأخلاق الصائم التي يريدها منّا الحق تبارك و تعالى و يرتضيها لنا الرسول الكريم صلى الله عليه و سلم.

أيها الناس، قد إنقضى شهر رمضان، و ربح فيه العاملون، و باء المقصّرون بالخسران، إنّ المؤمنين الذين إغتنموا فرصة العمل، لا شكّ أنّ الله تعالى ضاعف لهم الأجر، و محا عنهم الوزر، و منحهم الغفران و الرضوان.

المؤمنون الذين أدركوا سرّ الصوم، و ذاقوا حلاوة الطّاعة، لا بدّ أنهم أسفوا على إنقضاء شهر رمضان و تمّنوا، كما تنمى لهم رسولهم عليه الصلاة و السلام، أن تكون السنة كلها رمضان، لما كانوا يرون فيه من نعيم الطّاعة و لذّة القرب و التغلّب على الشهوات. إنّ هؤلاء المؤمنين إستفادوا كثيرا من هذه المدرسة، فخرجوا منها بنجاح باهر، و حظّ وافر، و إذا هم يخوضون غمار الحياة بقوّة و ثبات و إستقامة، فهم على نور من ربهم، و يقين من إيمانهم.

أمّا أولئك الذين كانوا يترقّبون رمضان بكره و إشمئزاز، و يتمنون إنقضاءه بفارغ الصبر، و يجدونه عبئا ثقيلا على نفوسهم،، و يعتبرونه وافدا غريبا يحدّ من شهواتهم، و يكبح جماحهم، أولئك لم يخرجوا من الصوم بنتيجة، و آية ذلك أنّهم رجعوا بعد رمضان إلى ما كانوا عليه من شرور و فساد و تهاون و إستهتار.

إنّ الصّائمين المقبولين معهم آية قبولهم و نجاحهم، ذلك أنهم إذا استمرّوا بعد رمضان على الطّاعة، و استقاموا على الحقّ، و استمسكوا بالخلق الكريم، و داوموا على أداء الفرائض و الواجبات، و اجتنبوا المخازي و الموبقات، إنهم إذا فعلوا ذلك كان دليلا قاطعا و برهانا ساطعا على قوّة إيمانهم و قبول صيامهم، و أنهم استفادوا من مدرسة الصيام، فتغلّبوا على الشيطان، و أصبحوا من عباد الرحمان. و إنّ المؤمن الذي يقرّ بوحدانية الله عزّ و جلّ، و يستقيم على امتثال أمره و اجتناب نواهيه، لهو المؤمن الفائز الذي يمدّه الله تعالى بالعون و النصر و القوّة و الثبات في الدنيا و الآخرة.

أيها المؤمنون، إنّ أسلافكم آمنوا هذا الإيمان و استقاموا هذه الإستقامة، فثبتوا أمام الأحداث، و تغلّبوا على الصعاب، و رزقهم الله جلدا في الحياة، و ثباتا أمام عدوّهم( الشيطان )، فلم يهنوا و لم يضعفوا و لم يستكينوا، بل كانوا دائما و أبدا جنود الحقّ صامدين صمود الجبال بعظمة الأبطال.

نعم إنّ الذين يثقون بربّهم، و يؤمنون بعدالة قضيتهم، و يطالبون بحقّهم، كان حقّا على الله عز و جل أن يؤيدهم و ينصرهم، و قد عرفنا من دروس رمضان كيف خاض المؤمنون غمار المعارك في بدر و أحد و في الخندق، و الفتح الأكبر الذي أعزّ الله به الدين، وخذل به المعتدين.

و هذه سنّة الله في خلقه، و وعده لعباده، ما من أمّة تثق بربّها و تدافع عن حقّها، إلاّ أيدها الله بنصره، و أمدّها بالعون و التأييد.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إنّ الذين قالوا ربّنا الله ثمّ استقاموا تتنزّل عليهم الملائكة ألاّ تخافوا و لا تحزنوا و أبشروا بالجنّة التي كنتم توعدون. نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا و في الآخرة و لكم فيها ما تشتهي أنفسكم و لكم فيها ما تدّعون نزلا من غفور رحيم. ( فصّلت 30،31 ) 

الله أكبر ما أجمل هذا الوعد، وعد صريح و واضح، جاء ليثلج صدور المؤمنين و يطمئن قلوب المناضلين، حيث يعتقدون أنّ الله وليّهم، و معنى الوليّ: الناصر و المعين و المعزّ و المثبّت والمؤيد، و إذا كان الجندي يعتقد أنّ الله معه و أنّه وليّه فإنّه لا يهاب الموت و لا يخشى العدوّ.

و نلاحظ في الآية الكريمة أنّ ولاية الله و ملائكته للمؤمنين في الحياة الدنيا مقدمة على الحياة الآخرة كيلا يكون المؤمنون في ريب من ذلك، و حتى لا يتوهموا أنّ النصر قد يكون بعيدا،بلى إنّ الله مع الذين استقاموا على توحيده، و استداموا على طاعته، و حينما يتساءلون: متى نصر الله.؟ يأتيهم الجواب الفوري: ألا إنّ نصر الله قريب. ( البقرة 214 ) . نعم إنّ نصره قريب حاضر، و ملائكته على استعداد دائما لينفذوا أمره، و يؤيدوا جنده.

نلاحظ كذلك أنّ هذا الوعد الصادق تكرر في عدّة آيات من القرآن الكريم، ففي قوله تعالى: الله وليّ الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور، و الذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات. ( البقرة 257 ) . و قوله في: إنّ أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه و هذا النبيّ و الذين آمنوا و الله وليّ المؤمنين. ( آل عمران 68 ) . و في قوله تعالى: و الله أعلم بأعدائكم، و كفى بالله وليا و كفى بالله نصيرا. النساء 54 . و في سورة القتال يقول الحقّ تبارك و تعالى: ذلك بأنّ الله مولى الذين آمنوا و أنّ الكافرين لا مولى لهم. ( محمد 11 ) .وفي القرآن الكريم آيات عديدة من هذا النوع.

إذا تأملنا هذه الآيات الكريمة نجد أنّ الحقّ تبارك و تعالى يدعونا بحرارة و قوّة، لنؤمن به و نستقيم على طاعته، و عليه بعد ذلك أن ينصرنا و يثبّت أقدامنا و يدمّر عدوّنا، و يجعل من إمكاناتنا الضعيفة و أعدادنا القليلة، قوّة لا تخطئ الهدف، و مناعة لا تطالها مدمّرات الأعداء.

أيها المؤمنون، إن كنتم تريدون القوّة فأطلبوها من القويّ، و إن كنتم تريدون العزّة فأطلبوها من العزيز: من كان يريد العزّة فلله العزّة جميعا. ( فاطر 10 ) . فهو الذي له الخلق، و بيده الأمر، و هو على كل شيء قدير.

أيها الشباب، استقيموا على طاعة الله، و تعاونوا على البرّ و التقوى، و قاطعوا إخوان السوء و أصحاب الشرور، و شقّوا طريقكم في الحياة، واعرفوا مكانكم في المجتمع، و لا ترضوا من الأمور بالدّون، فإنّ المرء حيث يضع نفسه :

    و ما المرء إلاّ حيث يجعل نفسه   فكن طالبا في الناس أعلى المراتب

إنّكم سمعتم في الآيات التي تلوت عليكم أنّ الله يقول: الله وليّ الذين ءامنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور. معنى هذا أنّ الله يخرج المؤمنين من ظلمات الجهل إلى نور العلم، و من ظلمات الحيرة و الشك إلى نور اليقين، و من ظلمات الخوف إلى نور الأمن، و من ظلمات الذلّة إلى نور العزّة، و من ظلمات التردّد إلى نور الإقدام، فالآية بليغة و شاملة كغيرها من آيات الكتاب العظيم، فهي تعبير واضح أنّ الله يرعى المؤمن و يعينه و يهديه إلى كل خير و عزّة و قوّة. فإذا خاض المؤمنون معركة فالله معهم يثبّتهم و يربط على قلوبهم، و إذا أطلقوا نيرانهم فالله يحقّق أملهم، و يوقع بعدوّهم، و صدق الحقّ تبارك و تعالى إذ يقول لرسوله الكريم صلى الله عليه و سلم: و ما رميت إذ رميت و لكن الله رمى. ( الأنفال17 ) . و إذ يقول جل و علا: إذ يوحي ربّك إلى الملائكة أنّي معكم فثبّتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فأضربوا فوق الأعناق و أضربوا منهم كل بنان. ( الأنفال12 ) .

عباد الرحمان أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي عمرة سفيان بن عبد الله رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا غيرك، قال: قل آمنت بالله ثم استقم. فلاحظوا حضرات الإخوان أنّ حديث سيدي رسول الله صلى الله عليه و سلم هذا مطابقا تماما لقوله تعالى: إنّ الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا. ( فصلت 100 ) و الأحقاف 13 . و الإستقامة كلمة جامعة لأنواع التكاليف، لهذا جاء في قول للرسول عليه الصلاة و السلام: استقيموا و لن تحصوا، و أعلموا إنّ خير أعمالكم الصلاة، و لا يحافظ على الوضوء إلاّ مؤمن.

و كما تلاحظون فإنّ السنة متمّمة و شارحة و حافظة و مفسّرة للقرآن، و بلا فهما جيّدا للسنة لا نستطيع أن نفهم القرآن. فالسنة حافظة للدين و حافظة للتشاريع التي جاء بها كتاب الله تبارك و تعالى.

أقول ما تسمعون فإن كان حسن فمن الله وحده، و إن كان غير ذلك فمن الشيطان و من نفسي، و استغفر الله العظيم الحليم لي و لكم و لوالديّ و لوالديكم و لجميع المسلمين و المسلمات من كل ذنب فاستغفروه و توبوا إليه إنّه هو التواب الرحيم و لا حول ولا قوة إلاّ بالله العليّ العظيم.

الخطبة الثانية: لا سلطان للشيطان على المؤمن

الحمد لله و كفى و الصلاة و السلام على رسوله الذي اجتبى و على آله و صحيه و من به اقتدى.. أمّا بعد:

            أيها الناس، إنّ الإيمان يفيض على النفس إشراقا و يملأ القلب نورا، و إذا أشرقت النفس و استنار القلب بطل كل ما يوسوس به الشيطان من شرّ. قال تعالى: فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم. إنّه ليس له سلطان على الذين آمنوا و على ربّهم يتوكّلون.. ( النحل 99.98 ) .. ويقول تعالى: إنّا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون. ( الأعراف27 ).

و لا شيء أقوى على طرد الشيطان، من ذكر الله بالقلب، و اللسان، و مراقبته في السرّ و العلانية، فذكر الله يجلي البصيرة و يقوّي في النفس حبّ الحقّ و دواعي الخير، و يضعف فيها الميل إلى الباطل و الشر حتى لا يكون للشيطان مدخل إليها، قال تعالى: إنّ الذين اتّقوا إذا مسّهم طائف من الشيطان تذكّروا فإذا هم مبصرون.. ( الأعراف 201 ) .

و المعنى: إنّ المتقين إذا اتصل بهم طيف من الشيطان ليحملهم على المعصية تذكروا أن هذا من عدوهم الشيطان و إغوائه، و تذكروا عقاب الله لمن اتبع الشيطان، فإذا هم أولو بصيرة يفرقون بها بين الخير و الشر و بين الحق و الباطل فيبعدون عن أنفسهم نزغ الشيطان و وساوسه.

و لابد من الإشارة إلى أنّ الشيطان لا يتمكن من الإنسان إلاّ إذا أعرض عن ذكر الله أو إذا كان في حالة غضب، و في هذا يقول تعالى: ومن يعش عن ذكر الرحمان نقيّض له شيطانا فهو له قرين.. ( الزخرف 36 ) ..

و المعنى: و من يعرض عن ذكر الله يهيئ له شيطانا يضلّه و يغويه، كما أنّ من داوم على ذكر الله باعد عنه الشيطان..

و ملخّص القول: إنّ في العالم الغيبي مخلوقا خفيا إسمه الشيطان لا تدركه حواسنا، له أثر في أنفسنا فهو يتصل بها و يقوي داعية الشر، و قد سمّى الله دواعي الشر التي تصدر من الشيطان: وسواسا، و نزغا، و مسّا، و نحن نجد أثر ذلك في أنفسنا و إن لم ندرك مصدره، و تأثير هذه الشياطين في الأرواح كتأثير الميكروبات في الجسم، و الميكروب ينتهز كل ضعف في الجسم، و تهاون في الإحتراز منه و التوقّي منه بإستعمال الوسائل الطبية المعروفة فيتسلّل إلى الجسم ليفتكّ به.

و هكذا الشياطين يمكن أن نتقي تأثيرها بتقوية الأرواح بالإيمان بالله تعالى و مراقبته و مناجاته و إخلاص العبادة له، و ترك الفواحش ما ظهر منها و بطن حتى ترسخ في النفس ملكات الخير و حب الحق و كراهية الباطل، عندها نحصّن أنفسنا من هذه الشياطين التي تدعو إلى الباطل و الشر.

و الحكمة من تحذيرنا من الشياطين في القرآن، أن نراقب أفكارنا و خواطرنا و ميولنا ولا نغفل عنها، كما نراقب ما يحدث في أجسادنا من سقم فنبادر إلى علاجه بالوسائل الطبية، فمتى لمسنا ميلا من أنفسنا إلى الشر أو الباطل التجأنا إلى الله و احتمينا به من وساوس الشيطان بما أمرنا به: و إمّا ينزغنّك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم.. ( الأعراف 200 )..

فالقرآن ينصّ على أنّ الوسوسة ليس مصدرها شياطين الجن فقط، بل إنّ هناك أناسا من البشر هم كالشياطين في أفعالهم و في إيحائهم للشر، فهم أعضاء في حزب الشيطان. كما قال تعالى: استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إنّ حزب الشيطان هم الخاسرون.. ( المجادلة 19 )..

عباد الرحمان، كل شيء دون الله باطل.. و كل نعيم دون نعيم الجنة زائل.. فتحبّبوا إلى الله بإقامة الفروض و تقرّبوا إليه بالنوافل، فإنه من أحبّه كان سمعه الذي يسمع به و بصره الذي يبصر به، و يده التي يبطش بها، و رجله التي يمشي بها، و إذا سأله أعطاه ما هو سائل، و إذا إستعاذ به أعاذه من مكروه الآجل و العاجل.. فعامل الله يا عبد الله و أعلم أنّك إليه واصل، و من هذه الدنيا راحل، كما رحل الأوائل، ولا يخدعنّك الشيطان بزخارف الدنيا و ما فيها، ولا يصرفنّك عن الآخرة فإنّك آتيها، و اتّق الله و أصلح الأعمال فإنّك ملاقيها، و عند الحكم العدل ستوافيها..

فاتّقوا الله عباد الله و صلّوا و سلّموا على سيد رسله و خاتم أنبيائه و الشافع المشفّع عند الله يوم نلقاه، المنزل عليه إرشادا و تعليما و تشريفا له و تعظيما: إنّ الله و ملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه و سلموا تسليما.. اللهم صل و سلم و بارك على سيدنا محمّد و على آله و صحبه الذين هم فيما عند الله راغبون و ممّا لديه راهبون.. اللهم أعزّ الإسلام و المسلمين، وانصر الإسلام و المسلمين، و اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين.. اللهم انفعنا بكتابك نفعا يصقل إيماننا، و يجدّد حماسنا، و يرجع للدّين سلطانه.. اللهم إنّ الأمم قد تداعت على أمّة الإسلام، و إنّ الكفرة الملاحدة قد اندسوا في صفوفنا، فأيّد عصابة الخير على عصابة الشرّ، و انصر الإسلام على الكفر، و بصّرنا بالحقّ، و يسّر سبل العمل به و تمثله غاية لنا دائما يا رب العالمين..

اللهم اجعل القرآن لقلوبنا ضياء، و لأسقامنا دواءا، ولأبصارنا جلاء، و لذنوبنا ممحصا، و من النار مخلّصا.. اللهم ألبسنا به الحلل، وأسكنّا به الظلل، واسبغ علينا به النعم و ارفع عناّ به النقم..اللهم يا سامع الصوت، و يا سابق الفوت، و يا كاسي العظام لحما بعد الموت، لا تدع لنا في يومنا هذا و ساعتنا هذه، و في مسجدنا هذا، ذنبا إلاّ غفرته، ولا هما إلاّ فرجته، ولا غمّا إلاّ كشفته، ولا دينا إلاّ قضيته، ولا مريضا إلاّ شفيته، ولا مبتلى إلاّ عافيته، ولا ميّتا إلاّ رحمته، ولا بعيدا إلاّ قربته، ولا ابنا ضالا إلاّ هديته، ولا حاجة من حوائج الدنيا لك فيها رضى و لنا فيها صلاح إلاّ يسرتها و أعنتنا على قضاءها بمنّك و عافيتك مع المغفرة برحمتك يا أرحم الراحمين..

اللهم اغفر لنا ما أنت به أعلم منا، فإن عدنا إلى الذنوب فعد علينا بالمغفرة.. اللهم اغفر لنا ما وأينا من أنفسنا و لم تجد له وفاءا عندنا.. اللهم اغفر لنا ما تقربنا به إليك بألسنتنا ثم خالفته قلوبنا.. اللهم اغفر لنا رمزات الألحاظ، و سقطات الألفاظ، و شهوات الجنان، و هفوات اللسان..

اللهم قد لجأنا ببابك سائلين و لمعروفك طالبين فلا تردنا خائبين، ولا من رحمتك آيسين، نحن الفقراء إليك، الأسراء بين يديك، إليك تعرضنا و لمعروفك سألنا و لبابك قرعنا، فارحم ضعفنا، ارحم فقرنا، ارحم خضوعنا، واجبر قلوبنا، واجعل عملنا مقبولا و سعينا مشكورا و ذنبنا مغفورا..

اللهم اجعل بفضلك و منّك هذا البلد و سائر بلاد المسلمين آمنا مطمئنّا..

اللهمّ ارحم الأباء و الأمّهات، و الأجداد و الجدّات و البنين و البنات و السابقين منّا إلى رحمة الملك الديّان  اللهم أنزلهم منزلة صدق و رحمة و إيمان.. اللهمّ وسّع مُدخلهم و أكرم نزلهم و اجعل اللهمّ قبورهم روض من رياض الجنّة.. اللهم كما آمنوا بنبيّك و لم يروه فلا تحرمهم من مرافقته في الفردوس الأعلى، و اسقهم شربة هنيئة مريئة لا يظمؤوا بعدها أبدا يا أرحم الراحمين، يا رب العالمين.. آمين، آمين،، و صل و سلم و بارك على سيد الأولين و الآخرين و على آله و صحبه و من تبعهم بتقوى و إحسان إلى يوم الدين..

عباد الله إن الله يأمر بالعدل و الإحسان و إيتاء ذي القربى و ينهى عن الفحشاء و المنكر و البغي يعظكم لعلكم تذكرون اذكروا الله يذكركم و اشكروه على نعمه يزدكم ولا ذكر الله أكبر و الله يعلم ما تصنعون.. و قوموا إلى صلاتكم و صلوا صلاة مودع يرحمكم الله..

 الشيخ محمّد الشاذلي شلبي                                        

      الإمام الخطيب                                                    

 

                                                          

المشاهدات 713 | التعليقات 0