الشوق إلى جنة الخلد
محمد بن مصطفى بن الحسن كركدان
1438/03/25 - 2016/12/24 18:25PM
[align=justify] الشوق إلى جنة الخلد
التأمل في نعيم الآخرة وما أعدَّه الله لعباده المؤمنين فيها، يُوقفنا على حقيقة الدنيا، وأنها لا تساوى شيئًا أمام النعيم المقيم، والكرم العظيم من رب العالمين، فهل يُعْقل يا عباد الله أن نزهدَ فيما يبقى، ونحرصَ على ما يفنى؟!
إن الفوز الحقيقي لنا يَكْمُن في نجاتنا من نار تلظى، فهنيئًا لمن نجى وفاز بجنة خالدة تبقى، (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الغُرُورِ) [آل عمران:185].
فأي فوز أعظم؟! وأي كرم أجل حين ننجو من نار تلظى لا يصلاها إلا الأشقى؟! أيعقل أن ننشغل بدنيانا عن آخرتنا؟! ألا ندرك أن حياتنا مهما طالت فإنها قصيرة ولابد من يوم نرحل فيه؟! ألا نعرف أن الأموال التي جمعناها والكنوز التي حصلناها لا تدوم لنا، فكل شيء زائل إلا الكريم سبحانه، ولن يبقى لنا إلا ما قدمناه لآخرتنا، ثم الـمُقام إما بجنة أو نار.
وها هو نبي الله صلى الله عليه وسلم يخبرنا عن موضع السوط في جنة الله جَلَّ جَلاله؛ لنعلم حقارة الدنيا، ولننشغل بالعمل للآخرة، قال صلى الله عليه وسلم: (مَوْضِعُ سَوْطٍ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا)[1]، فيا لله إذا كان هذا شأن موضع السوط في الجنة، فكيف بما هو أعظم منه؟! كيف بجنة الخلد التي جعلها الله مستقرًا لأوليائه المؤمنين، ومُقامًا لعباده المتقين؟! كيف بجنة فيها من الجمال ما يحير العقل ويذهله، ويعجزه ويبهره، واسمعوا يا عباد الله إلى ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ اللَّهُ عز وجل: (أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ)، ثم قال عليه الصلاة والسلام: (فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ)[2].
الله أكبر! ماذا نريد بعد هذا الخبر؟! فرب العزة والجلال أعدَّ لعباده جنته، فلا تسأل عن حُسْنها وجمالها، ولا تسأل عن نعيمها وعظمتها! فالمؤمن في جنة الخلد يعيش عيشًا كريمًا، وحالًا عظيمًا، يعيش حياة لا نقص فيها ولا كدر، ماذا نريد بعد هذا البيان؟! وأي شيء يُقْعدنا عن تحصيل الجنان؟!
إخوة الإيمان، في جنة الخلد تزداد الأفراح، وتزال عنا الهموم الأتراح، في جنة الخلد نستروح بنعيمها ونرتاح، وأعظم نعيم يجده المؤمن في ذلك المقام الحميد، ما يكون في يوم المزيد، حيث يُكْشف الحجاب، ونسعد برؤية الله العزيز المجيد، فيا سعادة أفئدة المحبين، ويا فرحة قلوب المتقين حين يخاطبهم ربُّ العزة والجلال قائلًا: (تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا؟ أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ، وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ؟ قَالَ: فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ، فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ)[3]،
"فيا لذة الأسماع بتلك المحاضرة، ويا قرة عيون الأبرار بالنظر إلى وجه الكريم في الدار الآخرة، ويا ذلة الراجعين بالصفقة الخاسرة (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ)"[4] [القيامة:22-25].
رزقني الله وإياكم جنة الخلد، وأكرمنا الكريم بهذا النداء يوم نلقاه (يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (68) الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ (69) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70) يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (71) وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (72) لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ)[الزخرف:68-73].
الخطبة الثانية:
إن الانشغال بأحوال الدنيا وأمورها لا ينبغي أن يطغى؛ لأن الآخرة خير وأبقى، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وَاللَّهِ مَا الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مِثْلُ مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ إِصْبَعَهُ هَذِهِ -وَأَشَارَ يَحْيَى بِالسَّبَّابَةِ- فِي الْيَمِّ فَلْيَنْظُرْ بِمَ يَرْجِعُ)[5]، فما الدنيا يا عبد الله بالنسبة إلى الآخرة في قصر مدتها، وفناء لذاتها، إلا كنسبة الماء الذي يَعْلَقُ بالأُصْبُعِ[6]، فهذا حال الدنيا، فهل يُعْقل أن نعانقها ولا نفارقها؟!
فالله الله يا عباد الله بالاشتغال ليوم المعاد، الله الله بالحرص على التقوى والزاد، الله الله بعمل كل ما يقرب من ربِّ العباد، وتذكروا قوله سبحانه: (مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [العنكبوت:5].
[1] أخرجه البخاري في صحيحه، رقم (3250).
[2] أخرجه البخاري في صحيحه، رقم (3244).
[3] أخرجه مسلم في صحيحه، رقم (181).
[4] حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح، ابن القيم 284.
[5] أخرجه مسلم في صحيحه، رقم (7376).
[6] ينظر: شرح النووي على مسلم 17/192، 193.
[/align]
التأمل في نعيم الآخرة وما أعدَّه الله لعباده المؤمنين فيها، يُوقفنا على حقيقة الدنيا، وأنها لا تساوى شيئًا أمام النعيم المقيم، والكرم العظيم من رب العالمين، فهل يُعْقل يا عباد الله أن نزهدَ فيما يبقى، ونحرصَ على ما يفنى؟!
إن الفوز الحقيقي لنا يَكْمُن في نجاتنا من نار تلظى، فهنيئًا لمن نجى وفاز بجنة خالدة تبقى، (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الغُرُورِ) [آل عمران:185].
فأي فوز أعظم؟! وأي كرم أجل حين ننجو من نار تلظى لا يصلاها إلا الأشقى؟! أيعقل أن ننشغل بدنيانا عن آخرتنا؟! ألا ندرك أن حياتنا مهما طالت فإنها قصيرة ولابد من يوم نرحل فيه؟! ألا نعرف أن الأموال التي جمعناها والكنوز التي حصلناها لا تدوم لنا، فكل شيء زائل إلا الكريم سبحانه، ولن يبقى لنا إلا ما قدمناه لآخرتنا، ثم الـمُقام إما بجنة أو نار.
فُــــكُلُ مُعَمَّـــــــرٍ لابد يومًـــــــــــا .. وذي دُنْيـــــــــــا يَصِـــــــــيرُ إلى زَوَالِ
وَيَفْنَى بَعْدَ جِدَّتِهِ ويَبْلَى .. سِوَى البَاقِي الـمُقَدَّسِ ذي الجَلَالِ
وسَيــــــقَ الـمُجْرِمُونَ وهم عُرَاةٌ .. إلى ذاتِ الـمَقَامِــــــــعِ والنَّكَالِ
فَـــنَادوا وَيْلَنَــــــا وَيْلًا طَويلا .. وعَجُّـــــــــوا في سَلَاسِلِهَــــــــا الطِّوَالِ
فَـــــلَيْسُــــــــــــوا مَــيتينَ فَيَسْتَرِحُـــــوا .. وكُلُّهُــــــمُ بِحَـــــــــرِّ النَّــــــــــارِ صَاَلِ
وحَـــــــلَّ الـمُتَّقُـــــــونَ بِدَارِ صِــدْقٍ .. وعَيْشٍ نَاعِمٍ تحــــتَ الظِّلَالِ
لهـــــــم ما يَشْتَهُــــــــونَ وما تَمَنَّوا .. مِنَ الأَفْــــــــــرَاحِ فيهـــــا والكَمَالِ
الله أكبر! ماذا نريد بعد هذا الخبر؟! فرب العزة والجلال أعدَّ لعباده جنته، فلا تسأل عن حُسْنها وجمالها، ولا تسأل عن نعيمها وعظمتها! فالمؤمن في جنة الخلد يعيش عيشًا كريمًا، وحالًا عظيمًا، يعيش حياة لا نقص فيها ولا كدر، ماذا نريد بعد هذا البيان؟! وأي شيء يُقْعدنا عن تحصيل الجنان؟!
إخوة الإيمان، في جنة الخلد تزداد الأفراح، وتزال عنا الهموم الأتراح، في جنة الخلد نستروح بنعيمها ونرتاح، وأعظم نعيم يجده المؤمن في ذلك المقام الحميد، ما يكون في يوم المزيد، حيث يُكْشف الحجاب، ونسعد برؤية الله العزيز المجيد، فيا سعادة أفئدة المحبين، ويا فرحة قلوب المتقين حين يخاطبهم ربُّ العزة والجلال قائلًا: (تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا؟ أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ، وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ؟ قَالَ: فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ، فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ)[3]،
وللـــــه أفـــراحُ المحبـــــينَ عنــدمــــــــــا .. يخــــــاطبُهـــــــم مــــن فوقهـــــــــم، ويسلمُ
وَللَّــــــهِ أبصَــــــــارٌ تَرَى اللهَ جَهـــــــــرةً .. فَلا الضَيمُ يَغشَاهَا وَلاَ هِيَ تَســأمُ
فَيا نَظرَة أهدت إلي الوجهِ نضرةً .. أَمِن بَعدِهَا يَسلُو الـمُحبُّ الـمُتيَّمُ
رزقني الله وإياكم جنة الخلد، وأكرمنا الكريم بهذا النداء يوم نلقاه (يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (68) الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ (69) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70) يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (71) وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (72) لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ)[الزخرف:68-73].
الخطبة الثانية:
إن الانشغال بأحوال الدنيا وأمورها لا ينبغي أن يطغى؛ لأن الآخرة خير وأبقى، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وَاللَّهِ مَا الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مِثْلُ مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ إِصْبَعَهُ هَذِهِ -وَأَشَارَ يَحْيَى بِالسَّبَّابَةِ- فِي الْيَمِّ فَلْيَنْظُرْ بِمَ يَرْجِعُ)[5]، فما الدنيا يا عبد الله بالنسبة إلى الآخرة في قصر مدتها، وفناء لذاتها، إلا كنسبة الماء الذي يَعْلَقُ بالأُصْبُعِ[6]، فهذا حال الدنيا، فهل يُعْقل أن نعانقها ولا نفارقها؟!
يا مَــــــــن يُعانِقُ دُنيـــــا لا بَقاءَ لَها .. يُمسي وَيُصبِحُ في دُنيـــــــــــاهُ سَفَّارا
هَـــــلَّا تَرَكتَ لِذي الدُّنيا مُعانَقَةً .. حَتّى تُعانِقَ في الفِــــــــردَوسِ أَبكارا
إِن كُنتَ تَبغي جِنانَ الخُلدِ تَسكُنُها .. فَيَنبَغي لَكَ أَن لا تَأمَنَ النارا
[1] أخرجه البخاري في صحيحه، رقم (3250).
[2] أخرجه البخاري في صحيحه، رقم (3244).
[3] أخرجه مسلم في صحيحه، رقم (181).
[4] حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح، ابن القيم 284.
[5] أخرجه مسلم في صحيحه، رقم (7376).
[6] ينظر: شرح النووي على مسلم 17/192، 193.
[/align]
المرفقات
الشوق إلى جنة الخلد.docx
الشوق إلى جنة الخلد.docx
المشاهدات 1701 | التعليقات 2
اللهم آمين، وإياكم شيخ زياد الريسي.
زياد الريسي - مدير الإدارة العلمية
جعلنا الله وإياك وجميع من نحب من أهلها وفقك الله وسدد الله قلمك شيخ محمد مصطفى، جميلة ومختصرة وشيقة..
تعديل التعليق