الشهيد زهران علوش... عبقرية الزمان والمكان / أحمد موفق زيدان

احمد ابوبكر
1437/03/18 - 2015/12/29 04:22AM
[align=justify] حين تلقيت خبر استشهاد البطل والأسد الهصور زهران عبدالله علوش، قائد جيش الإسلام، ذهبت بي الذكريات إلى تلك الأيام الجميلة من تاريخي وتاريخ الأمة التي ستُسجل بأحرف من ذهب ونور حين كنت شاهداً على جانب من معارك فسطاط المسلمين «الغوطة الغناء» عام 2013؛ حيث كان صانع الحدث ولا يزال الشيخ الشهيد وإخوانه في جيش الإسلام وغيره من الفصائل الجهادية التي ظلت شوكة في حلوق الطائفيين والغزاة الإيرانيين والروس، وسيظلون ما بقيت الشام، وما بقي الياسمين، فكفالة الله تعالى لا تحدها الأزمنة والأمكنة وقد بشرنا نبينا عليه الصلاة والسلام بهذه الكفالة لأيتام الشام الذين أثبتت الأيام والوقائع أنهم أيتام بالفعل، ولذلك ضمن لهم النبي عليه السلام الكفالة الربانية.
عُدت إلى الشام بعد 32 عاماً من الهجرة في زمن المقبور حافظ أسد، وكان ذلك بفضل الله تبارك وتعالى أولاً ثم بفضل جهود أبطال الغوطة وغيرهم من أبطال الشام الذين مكنونا من العودة إلى ديارنا وشوارعنا وحاراتنا فكانت فرحة لا تُوصف، وسروراً وحبوراً لا يضاهيه حبور مرّ عليَّ طوال سني حياتي، يومها التقيت الشهيد في مكتبه بدوما الصامدة في وجه كل غزاة الأرض وحثالاتها، تجاذبنا أطراف الحديث لأنفذ من خلاله إلى فكر الشهيد وآفاقه وأفكاره، فكانت فرحتي أكبر حين رأيت أن ثمة رجالاً مرابطون على أسوار دمشق، يعيدون سيرة أجدادهم أبي عبيدة وخالد بن الوليد رضي الله عنهما، واطمأننت يومها أكثر وأكثر على الثورة الشامية لكونها بأيدي أمثال هؤلاء فهماً وجهاداً وصبراً واعتدالاً وفقهاً، لكن ما لمسته يومها من كلامه ولغة جسده، تيقنت منه بعد أيام يوم كانت غارة العصابة الطائفية على العتيبة مدخل الغوطة، حيث تقدم يومها الصفوف لمنازلة العصابة الطائفية، بينما كان إخوانه خلفه وهم الذين يحاولون استباقه لكنه يصر على التقدم، تذكرت يومها قول نبينا عليه الصلاة والسلام «الإمام جُنّة»؛ حيث يتقي به المؤمنون والمقاتلون.
أحد مفاتيح شخصية القائد والزعيم بنظري هو بمن خلّف وراءه، فحين توفي رسولنا عليه الصلاة والسلام التفت الناس إلى صحابته الكرام فكانوا خير أمين على متابعة الرسالة وحفظها والتوسع فيها، وحين رحل من بعده الصحابة كان التابعون خير خلف لخير سلف وهكذا، وحين رحل الإمام ابن تيمية التفت الناس خلفه فوجدوا الأئمة الأعلام ابن القيم الجوزية والذهبي وابن كثير، واليوم يرحل الشهيد زهران علوش وقد أبقى الله ما يسوء الطائفيين والغزاة من بعده، أبقى لهم أسوداً في جيش الإسلام تركهم زهران ومن بينهم الزعيم الجديد لجيش الإسلام أبوهمام عصام بويضاني الذي التقيته في حرستا الصامدة البطلة، فكان نعم القائد، كيف لا وهو سليل أسرة عريقة فكان شقيقه حفظه الله شوكة في حلق المقبور حافظ أسد، وها هي شجرة العراقة تتجدد بتسلم أمثال أبي همام وإخوانه في جيش الإسلام للراية من الشهيد زهران.
جيش الإسلام ليس فصيلاً عادياً فهو مؤسسة بكل معنى الكلمة، مؤسسة عسكرية وسياسية وإعلامية وخدماتية وتشمل كل مناحي الحياة؛ ولذا تمكن بفضل الله أولاً ثم بجهود الأبطال في الغوطة وبدعم شعبي ومجتمعي كبيرين من الصمود في وجه غارة التآمر العالمي القذر على الشام؛ ولذا فإن من يظن بقتل علوش سيكسر ثورة الشام واهم، فهنا عبقرية المكان الذي امتدحه النبي عليه الصلاة والسلام، وهي التي كسرت الروم على أيدي أجدادنا الصحابة، وكسرت غزاة التتار، ثم كسرت فرنسا، ولن يعجزها بإذن الله خفافيش غزاة اليوم، لكن اللافت ما لاحظه البعض من استشهاد الشهيد زهران في نفس اليوم الذي قضى فيه قائد ثورة الغوطة البطل حسن الخراط ضد الفرنسيين قبل تسعين عاماً 1925 رحمه الله، فجمع بذلك عبقرية الزمان والمكان.

لشهرين كاملين من شتاء عام 2013 كنت أغطي الثورة الشامية من الغوطة ودمشق، ولم تتمكن العصابة الطائفية من التعرض لنا بفضل الله، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على مدى سيطرة المجاهدين الكاملة على المنطقة وتحصينها من عصابة لا ترقب في مؤمن إلاّ ولا ذمة، وبين هؤلاء بالطبع المكون الرئيس جيش الإسلام، فقضوا على المخبرين والعملاء، وبسطوا الأمن والاستقرار في غوطة نبينا عليه الصلاة والسلام، وما زلت أذكر حين كنت أتحرك من دوما الصامدة نحو سقبا وحمورية الصامدتين بعد منتصف الليل دون أي عراقيل أو خوف، وما أدهشني أيامها أن أرى سلال الخضار والفواكه وبعض الحوانيت المفتوحة في تلك الساعة المتأخرة من الليل، دون أن يتعرض لها أحد بسرقة أو نحوها، فقد أمن أهلها وأصحابها عليها على الرغم مما تعانيه الشام من القروح والجراح، يومها اطمأننت أكثر فأكثر على أنها ثورة قيم حقيقية مستمدة من مشكاة نبينا عليه السلام الذي امتدح الغوطة وأهل الشام، كل ذلك بفضل الله ثم بفضل وجهود أبي عبدالله زهران علوش وإخوانه.
المصدر: نوافذ[/align]
المشاهدات 766 | التعليقات 0