الشهود الأربعة

محسن الشامي
1435/01/25 - 2013/11/28 19:00PM
الحمد لله هدانا للإسلام وعلَّمنا الحكمة والقرآن وجعلنا من خير أمة أخرجت للناس وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة عبده وابن عبده وابن أمته شهادة أرجوا بها النجاة في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله ، وخيرته من خلقه بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد فاتقوا الله عباد الله اتقوه تقوى رجل يريد الجنة والنجاة من النار{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ..}
معاشر المسلمين إن الله تعالى عدل حرم الظلم على نفسه وجعله ىين عباده محرما يحصي اعمال العباد ثم يوفيهم اياها يوم القيامة فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن الا نفسه ومن عدل الله تعالى أن جعل علينا شهوداً أربعة يشهدون علينا يوم القيامة بما عملنا في الحياة الدنيا من عمل صالح او عمل سيئ وأول هؤلاء الشهود عليك يا عبدالله جوارحك عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَحِكَ فَقَالَ:" أَتَدْرُونَ مِمَّ أَضْحَكُ "؟قَالَ قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ " مِنْ مُخَاطَبَةِ الْعَبْدِ رَبَّهُ يَقُولُ : يَا رَبُّ أَلَمْ تُجِرْنِي مِنَ الظُّلْمِ قَالَ: فَيَقُولُ:بَلَى قَالَ فَيَقُولُ:فَإِنِّي لا أُجِيزُ عَلَى نَفْسِي إِلا شَاهِدًا مِنِّي قَالَ فَيَقُولُ: كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ شَهِيدًا وَبِالْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ شُهُودًا قَالَ:فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ وَيُقَالُ لأَرْكَانِهِ (أي جوارحه)انْطِقِي قَالَ فَتَنْطِقُ بِأَعْمَالِهِ قَالَ:ثُمَّ يُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَلامِ فَيَقُولُ بُعْدًا لَكُنَّ وَسُحْقًا فَعَنْكُنَّ كُنْتُ أُنَاضِلُ "رواه مسلم هكذا يظن الإنسان أن الكلّ عدوه يوم القيامة فلا يرضى بشهادة أحد من الناس عليه لكنه يتفاجأ بشهادة جوارحه عليه إنه مشهد لا مثيل له حينما يقف العبد أمام ربه ويبدأ الحساب ثم تبدأ الجوارح لتكشف الأسرار ولتخبر بالفضائح والجرائم التي فعلها في أيامه السابقة قال تعالى{الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}تخيَّل يا عبد الله أنك ذلك الرجل الذي شهد عليه لسانه بما قال :فكم هي الكلمات من رضوان الله التي قلتها ؟ وكم هي الكلمات التي تسخط الله وقد زلَّ بها اللسان ؟وأنك ذلك الرجل الذي شهد عليه سمعه وبصره ويده ورجله وجلده وفرجه فكيف سيكون الحال يومئذ ؟لا اله الا الله كلُّ ما وصل إلى سماعك من أصوات سيظهر كلُّ ما أبصرته عيناك سيظهر كلُّ ما بطشته يداك سيظهر كلُّ ما مشت إليه قدماك سيظهر كلُّ ما عملته بفرجك سيظهر وما من حيلة لهذه الجوارح إلا الاعتراف فالذي أنطقها هو الله{حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ*وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} أيها المسلمون: وزيادة في كمال العدل من الله تعالى على ابن آدم فهناك شاهد ثاني إنهم الملائكة الكرام الكاتبون {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ* كِرَاماً كَاتِبِينَ* يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} ملكان يسجلان الأعمال فصاحب اليمين يسجل الحسنات وصاحب الشمال يسجل السيئات وعندما تموت يا عبدالله سيطوى كتابك وسوف تعطى هذا الكتاب ويأمرك الله جل وعلا بأن تقرأه عندما تقف بين يديه إنها وربي لحظة عصيبة وساعة حرجة عندما يقف العبد حافياً عارياً أمام الجبار جلّ جلاله قال تعالى {ونخرج له يوم القيمة كتاباً يلقاه منشوراً* اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً}فيرى الإنسان كل عمل عمله في الدنيا فيقول {مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا} فبالله عليكم ما حال من كان ليله في السهر على القنوات ونهاره في النوم عن الصلوات؟ ما حال من يباري ربه بالمعاصي والمحرمات ما حاله عندما يرى كل سيئة عملها في ذلك الكتاب؟ فلا اله الا الله كم من معصية حُجبت عن أنظار الناس وأغلقت دونها الأبواب لكنها رصدت في كتاب
أيها المسلمون وزيادة في كمال العدل من الله فهناك شاهد ثالث سيشهد عليك
غير جوارحك وغير الكتاب التي كتبته الملائكة ؟إنها الأرض التي تمشي عليها هذه الأرض لها يوم ستتحدث فيه وتتكلم فيه بما عملت عليها سوف يأتي اليوم الذي تفضحك فيه وتكشف أسرارك قال تعالى{إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا* وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا* وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا* يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا* بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا} قوله: {يومئذ تحدث أخبارها}فسَّرها النبي عليه الصلاة والسلام بقوله( أتدرون ما أخبارها؟ (قالوا الله ورسوله أعلم فقال) فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد أو أمة بما عمل على ظهرها تقول:عملت كذا وكذا يوم كذا وكذا فهذه أخبارها( رواه الترمذي هذا المخلوق الذي كان الإنسان يطأه بقدمه في الدنيا ويعمل عليه المعصية دون أن يعلم بأنه سوف ينطق يوم القيامة ليكون شاهداً له أو عليه يشهد بكل ما رأى من زنى وتبرج وربا وقتل وظلم وابتعاد عن الحكم بكتاب الله والكذب والسرقة والغيبة والنميمة والقذف وغيره مما يغضب الله وكذلك تشهد بما حدث عليها من خير في جميع صوره إنه منظر مرعب بعد أن يقوم الإنسان من قبره فيرى تساقط النجوم وتشقق الأرض وهي تخرج أثقالها فيقول مرعوباً مالها مالها؟وإذا بالأصوات تنبعث من كل مكان من أرجائها، تتحدث بما فعل عليها من الخير أو الجريمة الا فلتق الله ولا نفعل عليها إلا ما يرضي الله لكي تكون شاهدة على ذلك أيها المباركون وزيادة في كمال العدل من الله فهناك شاهد رابع إنه رسولنا صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم الذي تتبدل فيه الأرض غير الأرض والسموات وتتحطم كل موازين الدنيا ويبقى ميزان الآخرة هو وحده الذي يحكم ذلك الموقف يشرف الرسول صلى الله عليه وسلم بالشهادة على المكذبين والعصاة من أمته يقول تعالى{فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا } فاحذر يا عبدالله من كل عمل سوء تستحي من مقابلة نبيك به اللهم جنبنا الزلل ومنكر العمل وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه والباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه بارك الله
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على امام المتقين وقائد الغر المحجلين وعلى آله واصحابه اجمعين أما بعد : ومع كل ما تقدم من الشهادات :فهناك خير الشهود المطلع على كل شيء الذي يعلم السر وأخفى الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور الذي لا تخفى عليه الذي يكون معك بعلمه وسمعه وبصره وإحاطته الذي يمهل ولا يهمل إنه الله جلا في علاه من الذي يستطيع أن ينكر بعد شهادة الله عليه ؟من الذي يستطيع أن يجادل بعد شهادة الله جل في علاه ؟قال تعالى (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللّهُ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ) وقال تعالى (أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) وقال(وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ)فيا عبد الله تخيل نفسك الآن أن الله سيشهد عليك بما عملته وبعد تلك الشهادة يؤمر بك إما إلى الجنة أو إلى النار فإن تخيلت الموقف وصعوبته فاستعد بالعمل الصالح الذي تحب الظهور به أمام الله تعالى وإن كنت إلى هذه الساعة غافلاً لاهياً لا تبالي بموعظة ولا ذكرى فاحذر من يوم يقول الله فيه لأمة من الناس{وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ*وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ* فَإِن يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ وَإِن يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُم مِّنَ الْمُعْتَبِينَ}فاتقوا الله عباد الله واعملوا صالحاً فإنكم راحلون عن الدنيا فكونوا على حذر من شهادة جوارحكم وشهادة الملائكة عليكم وشهادة الأرض التي تمشون عليها وشهادة من بكى حين قرأ عليه قول الله تعالى {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤُلاء شَهِيداً }وشهادة خير الشاهدين ، وكفى بالله شهيدا اللهم ارحم ضعفنا واجبر كسرنا واغفر ذنبنا واستر عيبنا وأقل عثرتنا يوم القيامة يا رب العالمين
المشاهدات 2590 | التعليقات 0