الشهرة

سالم بن محمد الغيلي
1443/04/28 - 2021/12/03 22:04PM

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه ما أزهرت النجوم وما أمطرت الغيوم.

-        }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ{ ]سورة آل عمران: 102[

-       }يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا{ ]سورة النساء:1[

-       }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا{ ]سورة الأحزاب:70[

عباد الله:

من طبيعة البشر أن كل واحد يسعى جاهدًا أن يكون طيب السيرة طيب السمعة طيب الذكر لايذكره الناس إلا بخير.

ويأتي ذلك الذكر الحسن والسيرة الحميدة بأفعال الخير والبر والمعروف التي يبذلها العبد ابتغاء ماعند الله... ابتغاء ماعند الله .

فإذا ابتغى بأعماله وبره وإحسانه وجه الله وماعند الله رفع الله ذكره في الناس وجعله مباركًا أينما كان, والناس شهداء الله في ارضه.

ولاحظوا الفرق وانتبهوا له, والأعمال بالنيات والله يعلم ماتكن صدورنا وما نعلن, إذا كنا نعمل الخير والبر من أجل مرضاة الله ثم رفع الله ذكرنا في الناس فذلك من فضل الله وكرمه.

أما إذا عملنا الخير والبر والأخلاق وتصنعنا من أجل المدح من أجل نظر الناس من أجل ذكر الناس فذلك عين الخسارة.

وذلك المحذور والذنب والرياء, والنبي صلى الله عليه وسلم قدوتنا كان عليه الصلاة والسلام أتقى الناس لله وأبرهم وأحسنهم أخلاقًا وأخلصهم لله.

أعمالهم كلها لله ومن أجل الله لا رياء فيها ولا سمعة, وليست من أجل الظهور ولا من أجل الشهرة والله تعالى زكاه قبل أن نزكيه.

ولذلك عندما كان مُخْلِصًا مُخْلَصًا رفع الله ذكره في العالمين, قال الله تعالى: }أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ , وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ , الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ , وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ { ]سورة الشرح: 1,4[

قال قتادة : "رفع الله ذكره في الدنيا والآخرة ، فليس خطيب ولا متشهد ولا صاحب صلاة إلا ينادي بها : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله " تفسير ابن كثير

"وأخذ الله ميثاق الأنبياء والزمهم أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ويقروا بفضله إذا بعثه الله وهم أحياء" تفسير ابن كثير, }وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ ۚ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذَٰلِكُمْ إِصْرِي ۖ قَالُوا أَقْرَرْنَا ۚ قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ{ ]سورة آل عمران: 81[

وقال الله تعالى: }..وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ ..{ ]سورة المنافقون:8[

وهكذا يعز الله من يشاء ويذل من يشاء, يرفع ذكر المخلصين والأتقياء والصالحين, لأنهم أرادوا بأعمالهم وجه الله وما عند الله وليس ماعند الناس.

رفع الله ذكرهم وأصبحوا مشهورين من غير أن يكون قصدهم الشهرة أو نظر الناس أو مدح الناس.

ومن سعى وأراد بسعيه الشهرة والظهور والبروز ونظر الناس ومدح الناس وما عند الناس فإن ذلك السقوط والانهيار والإنحطاط والخسارة , السعي للشهرة واللهث وراء الشهرة وجعلها هدف وغاية هذا عمل مذموم وممقوت وممحوق.

ونتأمل حديث النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: (إنَّ أوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَومَ القِيامَةِ عليه رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ، فَأُتِيَ به فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَها، قالَ: فَما عَمِلْتَ فيها؟ قالَ: قاتَلْتُ فِيكَ حتَّى اسْتُشْهِدْتُ، قالَ: كَذَبْتَ، ولَكِنَّكَ قاتَلْتَ لأَنْ يُقالَ: جَرِيءٌ، فقَدْ قيلَ، ثُمَّ أُمِرَ به فَسُحِبَ علَى وجْهِهِ حتَّى أُلْقِيَ في النَّارِ، ورَجُلٌ تَعَلَّمَ العِلْمَ، وعَلَّمَهُ وقَرَأَ القُرْآنَ، فَأُتِيَ به فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَها، قالَ: فَما عَمِلْتَ فيها؟ قالَ: تَعَلَّمْتُ العِلْمَ، وعَلَّمْتُهُ وقَرَأْتُ فِيكَ القُرْآنَ، قالَ: كَذَبْتَ، ولَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ العِلْمَ لِيُقالَ: عالِمٌ، وقَرَأْتَ القُرْآنَ لِيُقالَ: هو قارِئٌ، فقَدْ قيلَ، ثُمَّ أُمِرَ به فَسُحِبَ علَى وجْهِهِ حتَّى أُلْقِيَ في النَّارِ، ورَجُلٌ وسَّعَ اللَّهُ عليه، وأَعْطاهُ مِن أصْنافِ المالِ كُلِّهِ، فَأُتِيَ به فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَها، قالَ: فَما عَمِلْتَ فيها؟ قالَ: ما تَرَكْتُ مِن سَبِيلٍ تُحِبُّ أنْ يُنْفَقَ فيها إلَّا أنْفَقْتُ فيها لَكَ، قالَ: كَذَبْتَ، ولَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقالَ: هو جَوادٌ، فقَدْ قيلَ، ثُمَّ أُمِرَ به فَسُحِبَ علَى وجْهِهِ، ثُمَّ أُلْقِيَ في النَّارِ) صحيح مسلم.

أرأيتم؟ أسمعتم؟

اصناف من الناس يسحبون إلى النار وعلى وجوههم لأنهم كانوا يريدون أن يشتهروا عند الناس بالشجاعة والعبادة والإنفاق.

قضية خطيرة خطيرة جدًا

أن يفني العبد عمره, وأيامه, ولياليه من أجل الشهرة والظهور, من أجل الناس وماعند الناس.

شبهها النبي صلى الله عليه وسلم بأنها تفتك بالدين وبالأخلاق وبالحسنات أشد من فتك الذئاب الجائعة إذا أُدخلت زريبة الأغنام, قال صلى الله عليه وسلم: (ما ذِئبانِ جائعانِ أُرْسِلا في غنَمٍ ، بأفسدَ لَها من حِرصِ المَرءِ علَى المالِ والشَّرَفِ لدينِهِ) صحيح الترمذي,صحيح.

حب الشهرة والسعي لها من المهلكات والشهوات مهما كانت وسائلها, حتى ولو كانت بأبسط الأمور مثل التصوير ونقل الاخبار أو القصص والتنكيت واضحاك الناس  والاستهبال امامهم, حتى لو كانت باللباس والأشكال والأزياء وموضات الحلاقة أو كيفية الأكل والشرب والمشي.

قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ في الدنيا ؛ أَلْبَسَهُ اللهُ ثَوْبَ مَذَلَّةٍ يومَ القيامةِ ، ثُمَّ أَلْهَبَ فيهِ نارًا) حسنه الالباني في صحيح الترغيب.

ثوب شهرة... شكل غريب... لون مقزز... حجم ومقاس ملفت... مغاير لما عليه الناس... مغاير للمألوف من أجل الاشتهار, من أجل الشهرة, يلبسه الله يوم القيامة ثوب مذلة ثم يحترق بالنار.

اللهم إنا نسألك العفو والعافية, اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا إلى النار مصيرنا, ولا تجعل مصيبتنا في ديننا.

اقول ماتسمعون..

الخطبة الثانية:

الحمدلله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى.

عباد الله:

لماذا يحب بعض الناس الشهرة ويسعون لها ويخسرون أوقاتهم وأموالهم وسعادتهم من أجل الشهرة؟

لقد كان الصحابة رضي الله عنهم ومن جاء بعدهم من الصالحين والأتقياء يكرهون الشهرة ويحذرون أشد الحذر منها, تأملوا سيرهم كيف كانوا , تأملوا سيرة عمر رضي الله عنه كيف كان يخرج في ظلام الليل يذهب إلى بيوتات الأرامل والفقراء, يشعل لهم النار ويحمل إليهم الدقيق ولم يقل لهم أنا عمر.

بل يأتي ويذهب وهم لا يدرون من هذا.

قال ابن رجب الحنبلي: "مازال الصادقون من العلماء والصالحين يكرهون الشهرة ويتباعدون عن اسبابها"

وقال ابن بطال: "ولا ينبغي للرجل المسلم أن يشهر نفسه في خير ولا شر"

وقال بعضهم: "ما اتقى الله من أحب الشهرة"

قال الفضيل بن عياض: "مامن أحد أحب الرئاسة إلا حَسَدَ وبغى وتتبع عيوب الناس وكره أن يُذكر أحد بخير"

كان الرَّجلُ من أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ إذا زكِّي قال : "اللَّهمَّ لا تُؤاخِذني بما يقولونَ ، واغفِرْ لي ما لا يَعلَمونَ" صحيح الأدب المفرد للالباني.

قدم رجل من المسلمين بكتاب إلى عمر رضي الله عنه يبشره بفتح المدائن, قال أَبْشِرْ يا أميرَ المؤمنين بفتحٍ أعزَّ اللهُ فيه الإسلامَ وأهلَه وأذلَّ فيه الشركَ وأهلَه وقال النعمانُ بعثك قال احتسِبِ النعمانَ يا أميرَ المؤمنين فبكى عمرُ واسترجعَ فقال ومن ويحَك قال فلانٌ وفلانٌ حتى عدَّ ناسًا ثم قال وآخرين يا أميرَ المؤمنين لا تعرفُهم فقال عمرُ رِضوانُ اللهِ عليه وهو يبكي لا يضرّهم أن لا يعرفَهم عمرُ لكنَّ اللهَ يعرفُهم) السلسلة الصحيحة للالباني, حكم المحدث: إسناده صحيح رجاله ثقات

يكفيك أن الله يعرفك, يكفيك أنك مشهور بالخير عند الله , يكفيك أنك مشهور في السماء وليس عند أهل الأرض بأعمال لا تليق... بأعمال تحط من قدرك ومكانتك عند الله.

فما بال بعض الناس يسعون للشهرة ويتهافتون عليها وتضيع اعمارهم وأموالهم فيها ومن أجلها؟

تصوير في مواقع التواصل... واستهبال وتنكيت بارد... وحركات لا تليق, ضياع أعمار هي أغلى من الذهب... ضياع أسر ... ضياع زوجات... ضياع ازواج.

تعرض للفتن, تساهل في التواصل بين النساء والرجال, من أجل الشهرة وبسببها... دفعٌ للأموال من أجل أن يُشهِر أحدهم الآخر.

بعض النساء ,إفشاء ممنوع لأسرار البيوت من طبخ وأثاث وغرف وأفراد وأحوال.

خروج دائم من اجل التصوير في المطاعم والمقاهي والمنتزهات, ترك الحجاب من البعض دون خوف ولا وجل ولا خجل مما قد يغير ويفسد اخلاق بعض النساء والبنات المتأثرات.

تأثر كثير من الناس بأولئك المشهورين ومحاولة تقليدهم والأعجاب بما هم عليه, آفات ومصائب الشهرة على أهلها وعلى بعض الناس أو على كثير من الناس.

الآن بعضم يتجرأ على الله أو على كتابه أو على رسوله صلى الله عليه وسلم أو على أحكام الدين من أجل الشهرة, يعصون الله من أجل أن يشتهروا.

 ماهذا السقوط؟ ماهذا الإفلاس؟

نسأل الله أن يعافينا في ديننا ودنيانا.

وصلوا وسلموا.

والله أعلم

جامع النور 1443/4/28هـ

المشاهدات 952 | التعليقات 1

لله درك خطبة رائعة ومباركة