الشكر فضائل وأسرار
عبد الله بن علي الطريف
1436/05/22 - 2015/03/13 15:19PM
الشكر فضائل وأسرار 1436/5/22 هـ
أما بعد أيها الإخوة: الشّكر... ما الشكر..؟ الشّكر أعلى منازل السّالكين، وفوق منزلة الرضا، فإنّه يتضمّن الرّضا وزيادة، والرّضا مندرج في الشّكر، إذ يستحيل وجود الشّكر بدونه، وهو نصف الإيمان ومبناه على خمس قواعد:
خضوع الشّاكر للمشكور.. وحبّه له.. واعترافه بنعمته.. والثّناء عليه بها.. وألّا يستعملها فيما يكره.. فمتى فقد منها واحدة اختلّت قاعدة من قواعد الشّكر... وكلّ من تكلم فى الشكر فكلامه إِليها يرجع، وعليها يدور.
أيها الأحبة: الشكر من العبد لله يكون بالقلب، إقرارا بالنعم، ومحبة له، وباللسان، ذكرا وثناء واعترافا، وبالجوارح، طاعة لله وانقيادا لأمره، واجتنابا لنهيه، فالشكر فيه بقاء النعمة الموجودة، وزيادة في النعم المفقودة..
وشكر الله لعباده مغفرته لهم وإنعامه على عباده وجزاؤه بما أقامه من العبادة.
وقال ابن سعديّ: وأمّا الشّكور من عباد اللّه فهو الّذي يجتهد في شكر ربّه بطاعته وأدائه ما وظّف عليه من عبادته.
ومن أسماء اللّه الحسنى الشّكور، وهو الّذي يشكر القليل من العمل الخالص النّقيّ النّافع، ويعفو عن الكثير من الزّلل، ولا يضيع أجر من أحسن عملا، بل يضاعفه أضعافا مضاعفة بغير عدّ ولا حساب. وسمّى نفسه شاكرًا وحسبك بهذا محبّة للشاكرين وفَضْلاً..
ومن شكره أنّه يجزي بالحسنة عشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة. وقد يجزي اللّه العبد على العمل بأنواع من الثّواب العاجل قبل الآجل، وليس عليه حقّ واجب بمقتضى أعمال العباد، وإنّما هو الّذي أوجب الحقّ على نفسه كرما منه وجودا، واللّه لا يضيع أجر العاملين إذا أحسنوا في أعمالهم وأخلصوها للّه تعالى.
وأَهل الشكر هم المنتفعون بآياته، واشتَقَّ لهم اسمًا من أَسمائه. فإِنَّه سبحانه هو الشَّكور، وهو مُوَصّل الشَّاكِر إِلى مشكوره، بل يعيد الشَّاكر مشكورًا. وهو غاية رضا الربِّ عن عبده..
وأَهل الشكر هم القليل من عباده، قال تعالى: (وَاشْكُرُواْ للَّهِ إِن كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) وقال: (وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ).
بالشكر أَمر الله ونَهَى عن ضدّه فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) [البقرة: 172] وقال: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ) [البقرة: 152]
وأَثنى على أَهل الشكر، ووصف به خواصّ خَلْقه فقال عن خليله إِبراهيم عليه السلام: (شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [النحل:121] وقال عن نبيه نوح عليه السلام: (إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا) [الإسراء: 3]
وجعل الشكر غاية خَلْقه وأَمره فقال: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [النحل:78] قال السعدي رحمه الله: خص هذه الأعضاء الثلاثة، لشرفها وفضلها ولأنها مفتاح لكل علم، فلا وصل للعبد علم إلا من أحد هذه الأبواب الثلاثة وإلا فسائر الأعضاء والقوى الظاهرة والباطنة هو الذي أعطاهم إياها، وجعل ينميها فيهم شيئا فشيئا إلى أن يصل كل أحد إلى الحالة اللائقة به، وذلك لأجل أن يشكروا الله، باستعمال ما أعطاهم من هذه الجوارح في طاعة الله، فمن استعملها في غير ذلك كانت حجة عليه وقابل النعمة بأقبح المقابلة.
ووعَد سبحانه أهل الشكر بأَحسن جزائه فقال: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ) [البقرة: 152] قال السعدي: في الإتيان بالأمر بالشكر بعد النعم الدينية، من العلم وتزكية الأخلاق والتوفيق للأعمال، بيان أنها أكبر النعم، بل هي النعم الحقيقية التي تدوم إذا زال غيرها، وأنه ينبغي لمن وفقوا لعلم أو عمل، أن يشكروا الله على ذلك؛ ليزيدهم من فضله؛ وليندفع عنهم الإعجاب، فيشتغلوا بالشكر.
وجعل سبحانه الشكر سببًا للمزيد من فضله، وحارسًا وحافظًا لنعمته فقال: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم:7] وقال: (وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ) [آل عمران: 144]
إذا الشكر يحفظ النعم الموجودة، ويجلب النعم المفقودة كما أن الكفر، يُنَفْرُ النعم المفقودة ويزيلُ النعم الموجودة.
أيها الأحبه: للشكر والامتنان طاقة غريبة تمنح صاحبها النجاح والشفاء، هذا ما يقوله الخبراء اليوم وهذا ما قاله النبي الكريم قبل ذلك..
قال أحد الباحثين المسلمين: كنتُ أتأمل سيرة بعض الناجحين على مر التاريخ ولفت انتباهي أمراً مهماً أنهم يستخدمون "قوة الشكر" فالشكر والامتنان له سحر غريب وتأثير عجيب في حياة الإنسان ولكن كيف؟.
يؤكد الدكتور جون غراي وهو طبيب نفسي وأحد المبدعين الذين بيعت ملايين النسخ من كتبه، يؤكد على أهمية الشكر في حياة الإنسان الناجح، فالزوجة مثلاً التي تشكر زوجها على ما يقوم به، فإن هذا الشكر يحفزه للقيام بمزيد من الإبداعات والنجاح. فالامتنان يقدم لك المزيد من الدعم والقوة.
ويوضح الخبير "جيمس راي" هذه الحقيقة بقوله: إن قوة الشكر كبيرة جداً فأنا أبدأ يومي كلما استيقظت صباحاً بعبارة "الحمد لله" لأنني وجدتها مفيدة جداً وتمنحني طاقة عظيمة! ليس هذا فحسب بل إنني أشكر الله على كل صغيرة وكبيرة وهذا سرّ نجاحي أنني أقول "الحمد لله" وأكررها مراراً طيلة اليوم!!
أحبتي: قبل هذا بأكثر من ألف وأربعمائة سنة جاء في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا انتبه من الليل قال: (الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور) البخاري ومسلم. وجل أذكار الصباح والمساء مركزة على الشكر والحمد لله..
بل إن النبي صلى الله عليه وسلم أراد لنا الخير وحثنا على الشكر لكل من عمل لنا أي معروف، وجعل الشكر للناس موازياً لشكر لله تعالى، والذي لم يتعود على شكر الناس لا يمكن أن يشكر الله ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يشكر الله من لا يشكر الناس) رواه الترمذي.
أيها الإخوة: لقد قام العلماء بتجارب كثيرة لدراسة تأثير الشكر على الدماغ ونظام المناعة والعمليات الدقيقة في العقل الباطن، ووجدوا أن للشكر تأثيراً محفزاً لطاقة الدماغ الإيجابية، مما يساعد الإنسان على مزيد من الإبداع وإنجاز الأعمال الجديدة. كما تؤكد بعض الدراسات أن الامتنان للآخرين وممارسة الشكر والإحساس الدائم بفضل الله تعالى يزيد من قدرة النظام المناعي للجسم!
وقام فريق بحث علمي في جامعة كاليفورنيا بدراسة الفوائد الصحية للشكر، وقد وجدوا بنتيجة تجاربهم على الطلاب أن الشكر يؤدي إلى السعادة وإلى استقرار الحالة العاطفية وإلى صحة نفسية وجسدية أفضل. فالطلاب الذين يمارسون الشكر كانوا أكثر تفاؤلاً وأكثر تمتعاً بالحياة ومناعتهم أفضل ضد الأمراض، ومستوى النوم لديهم أفضل!
ويؤكد الباحثون في علم النفس أن الشكر له قوة هائلة في علاج المشاكل، لأن قدرتك على مواجهة الصعاب وحل المشاكل المستعصية تتعلق بمدى امتنانك وشكرك للآخرين على ما يقدمونه لك. ولذلك فإن المشاعر السلبية تقف حاجزاً بينك وبين النجاح، لأنها مثل الجدار الذي يحجب عنك الرؤيا الصادقة، ويجعلك تتقاعس على أداء أي عمل ناجح.
أيها الإخوة: عندما تمارس عبادة "الشكر" لمن يؤدي إليك معروفاً فإنك تعطي دفعة قوية من الطاقة لدماغك ليقوم بتقديم المزيد من الأعمال النافعة، لأن الدماغ مصمم ليقارن ويقلّد ويقتدي بالآخرين وبمن تثق بهم. ولذلك تحفز لديك القدرة على جذب الشكر لك من قبل الآخرين، وأسهل طريقة لتحقيق ذلك أن تقدم عملاً نافعاً لهم.
أسأل الله تعالى أن يجعلنا من الذكر الشاكرين إنه جواد كريم
الخطبة الثانية:
أيها الإخوة وللشكر ثمرات عظيمة ونتائج مبهرة غير ما سبق منها: أنه من صفات المؤمنين: ففي صحيح مسلم عَنْ صُهَيْبٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ؛ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ».
والشكر سبب لرضى الله عن عبده: قال تعالى: (وإن تشكروا يرضه لكم) [الزمر: 7].
والشكر أمان من العذاب: قال تعالى: (ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم) [النساء: 147]. قال قتادة رحمه الله: "إن الله جل ثناؤه لا يعذِّب شاكرًا ولا مؤمنًا"
والشكر سبب للزيادة: قال تعالى: (وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم) [إبراهيم: 7]. قال بعض السلف رحمهم الله تعالى: "النعم وحشية فقيدوها بالشكر".
وقال الحسن البصري: "إن الله ليمتع بالنعمة ما شاء، فإذا لم يشكر عليها قلبها عذابا، ولهذا كانوا يسمون الشكر: الحافظ، لأنه يحفظ النعم الموجودة، والجالب، لأنه يجلب النعم المفقودة"
الشكر سبب للأجر الجزيل في الآخرة: قال سبحانه: (وسيجزي الله الشاكرين) [آل عمران: 144]. و قال تعالى في الآية بعدها: (وسنجزي الشاكرين) [آل عمران: 145].
اللهم اجعلنا من الذاكرين الشاكرين... اللهم اجعلنا من الذاكرين الشاكرين... اللهم اجعلنا من الذاكرين الشاكرين...
رابط صوتي للخطبة https://soundcloud.com/abdullahalturaif/ephum4ibkifz
أما بعد أيها الإخوة: الشّكر... ما الشكر..؟ الشّكر أعلى منازل السّالكين، وفوق منزلة الرضا، فإنّه يتضمّن الرّضا وزيادة، والرّضا مندرج في الشّكر، إذ يستحيل وجود الشّكر بدونه، وهو نصف الإيمان ومبناه على خمس قواعد:
خضوع الشّاكر للمشكور.. وحبّه له.. واعترافه بنعمته.. والثّناء عليه بها.. وألّا يستعملها فيما يكره.. فمتى فقد منها واحدة اختلّت قاعدة من قواعد الشّكر... وكلّ من تكلم فى الشكر فكلامه إِليها يرجع، وعليها يدور.
أيها الأحبة: الشكر من العبد لله يكون بالقلب، إقرارا بالنعم، ومحبة له، وباللسان، ذكرا وثناء واعترافا، وبالجوارح، طاعة لله وانقيادا لأمره، واجتنابا لنهيه، فالشكر فيه بقاء النعمة الموجودة، وزيادة في النعم المفقودة..
وشكر الله لعباده مغفرته لهم وإنعامه على عباده وجزاؤه بما أقامه من العبادة.
وقال ابن سعديّ: وأمّا الشّكور من عباد اللّه فهو الّذي يجتهد في شكر ربّه بطاعته وأدائه ما وظّف عليه من عبادته.
ومن أسماء اللّه الحسنى الشّكور، وهو الّذي يشكر القليل من العمل الخالص النّقيّ النّافع، ويعفو عن الكثير من الزّلل، ولا يضيع أجر من أحسن عملا، بل يضاعفه أضعافا مضاعفة بغير عدّ ولا حساب. وسمّى نفسه شاكرًا وحسبك بهذا محبّة للشاكرين وفَضْلاً..
ومن شكره أنّه يجزي بالحسنة عشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة. وقد يجزي اللّه العبد على العمل بأنواع من الثّواب العاجل قبل الآجل، وليس عليه حقّ واجب بمقتضى أعمال العباد، وإنّما هو الّذي أوجب الحقّ على نفسه كرما منه وجودا، واللّه لا يضيع أجر العاملين إذا أحسنوا في أعمالهم وأخلصوها للّه تعالى.
وأَهل الشكر هم المنتفعون بآياته، واشتَقَّ لهم اسمًا من أَسمائه. فإِنَّه سبحانه هو الشَّكور، وهو مُوَصّل الشَّاكِر إِلى مشكوره، بل يعيد الشَّاكر مشكورًا. وهو غاية رضا الربِّ عن عبده..
وأَهل الشكر هم القليل من عباده، قال تعالى: (وَاشْكُرُواْ للَّهِ إِن كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) وقال: (وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ).
بالشكر أَمر الله ونَهَى عن ضدّه فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) [البقرة: 172] وقال: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ) [البقرة: 152]
وأَثنى على أَهل الشكر، ووصف به خواصّ خَلْقه فقال عن خليله إِبراهيم عليه السلام: (شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [النحل:121] وقال عن نبيه نوح عليه السلام: (إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا) [الإسراء: 3]
وجعل الشكر غاية خَلْقه وأَمره فقال: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [النحل:78] قال السعدي رحمه الله: خص هذه الأعضاء الثلاثة، لشرفها وفضلها ولأنها مفتاح لكل علم، فلا وصل للعبد علم إلا من أحد هذه الأبواب الثلاثة وإلا فسائر الأعضاء والقوى الظاهرة والباطنة هو الذي أعطاهم إياها، وجعل ينميها فيهم شيئا فشيئا إلى أن يصل كل أحد إلى الحالة اللائقة به، وذلك لأجل أن يشكروا الله، باستعمال ما أعطاهم من هذه الجوارح في طاعة الله، فمن استعملها في غير ذلك كانت حجة عليه وقابل النعمة بأقبح المقابلة.
ووعَد سبحانه أهل الشكر بأَحسن جزائه فقال: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ) [البقرة: 152] قال السعدي: في الإتيان بالأمر بالشكر بعد النعم الدينية، من العلم وتزكية الأخلاق والتوفيق للأعمال، بيان أنها أكبر النعم، بل هي النعم الحقيقية التي تدوم إذا زال غيرها، وأنه ينبغي لمن وفقوا لعلم أو عمل، أن يشكروا الله على ذلك؛ ليزيدهم من فضله؛ وليندفع عنهم الإعجاب، فيشتغلوا بالشكر.
وجعل سبحانه الشكر سببًا للمزيد من فضله، وحارسًا وحافظًا لنعمته فقال: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم:7] وقال: (وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ) [آل عمران: 144]
إذا الشكر يحفظ النعم الموجودة، ويجلب النعم المفقودة كما أن الكفر، يُنَفْرُ النعم المفقودة ويزيلُ النعم الموجودة.
أيها الأحبه: للشكر والامتنان طاقة غريبة تمنح صاحبها النجاح والشفاء، هذا ما يقوله الخبراء اليوم وهذا ما قاله النبي الكريم قبل ذلك..
قال أحد الباحثين المسلمين: كنتُ أتأمل سيرة بعض الناجحين على مر التاريخ ولفت انتباهي أمراً مهماً أنهم يستخدمون "قوة الشكر" فالشكر والامتنان له سحر غريب وتأثير عجيب في حياة الإنسان ولكن كيف؟.
يؤكد الدكتور جون غراي وهو طبيب نفسي وأحد المبدعين الذين بيعت ملايين النسخ من كتبه، يؤكد على أهمية الشكر في حياة الإنسان الناجح، فالزوجة مثلاً التي تشكر زوجها على ما يقوم به، فإن هذا الشكر يحفزه للقيام بمزيد من الإبداعات والنجاح. فالامتنان يقدم لك المزيد من الدعم والقوة.
ويوضح الخبير "جيمس راي" هذه الحقيقة بقوله: إن قوة الشكر كبيرة جداً فأنا أبدأ يومي كلما استيقظت صباحاً بعبارة "الحمد لله" لأنني وجدتها مفيدة جداً وتمنحني طاقة عظيمة! ليس هذا فحسب بل إنني أشكر الله على كل صغيرة وكبيرة وهذا سرّ نجاحي أنني أقول "الحمد لله" وأكررها مراراً طيلة اليوم!!
أحبتي: قبل هذا بأكثر من ألف وأربعمائة سنة جاء في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا انتبه من الليل قال: (الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور) البخاري ومسلم. وجل أذكار الصباح والمساء مركزة على الشكر والحمد لله..
بل إن النبي صلى الله عليه وسلم أراد لنا الخير وحثنا على الشكر لكل من عمل لنا أي معروف، وجعل الشكر للناس موازياً لشكر لله تعالى، والذي لم يتعود على شكر الناس لا يمكن أن يشكر الله ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يشكر الله من لا يشكر الناس) رواه الترمذي.
أيها الإخوة: لقد قام العلماء بتجارب كثيرة لدراسة تأثير الشكر على الدماغ ونظام المناعة والعمليات الدقيقة في العقل الباطن، ووجدوا أن للشكر تأثيراً محفزاً لطاقة الدماغ الإيجابية، مما يساعد الإنسان على مزيد من الإبداع وإنجاز الأعمال الجديدة. كما تؤكد بعض الدراسات أن الامتنان للآخرين وممارسة الشكر والإحساس الدائم بفضل الله تعالى يزيد من قدرة النظام المناعي للجسم!
وقام فريق بحث علمي في جامعة كاليفورنيا بدراسة الفوائد الصحية للشكر، وقد وجدوا بنتيجة تجاربهم على الطلاب أن الشكر يؤدي إلى السعادة وإلى استقرار الحالة العاطفية وإلى صحة نفسية وجسدية أفضل. فالطلاب الذين يمارسون الشكر كانوا أكثر تفاؤلاً وأكثر تمتعاً بالحياة ومناعتهم أفضل ضد الأمراض، ومستوى النوم لديهم أفضل!
ويؤكد الباحثون في علم النفس أن الشكر له قوة هائلة في علاج المشاكل، لأن قدرتك على مواجهة الصعاب وحل المشاكل المستعصية تتعلق بمدى امتنانك وشكرك للآخرين على ما يقدمونه لك. ولذلك فإن المشاعر السلبية تقف حاجزاً بينك وبين النجاح، لأنها مثل الجدار الذي يحجب عنك الرؤيا الصادقة، ويجعلك تتقاعس على أداء أي عمل ناجح.
أيها الإخوة: عندما تمارس عبادة "الشكر" لمن يؤدي إليك معروفاً فإنك تعطي دفعة قوية من الطاقة لدماغك ليقوم بتقديم المزيد من الأعمال النافعة، لأن الدماغ مصمم ليقارن ويقلّد ويقتدي بالآخرين وبمن تثق بهم. ولذلك تحفز لديك القدرة على جذب الشكر لك من قبل الآخرين، وأسهل طريقة لتحقيق ذلك أن تقدم عملاً نافعاً لهم.
أسأل الله تعالى أن يجعلنا من الذكر الشاكرين إنه جواد كريم
الخطبة الثانية:
أيها الإخوة وللشكر ثمرات عظيمة ونتائج مبهرة غير ما سبق منها: أنه من صفات المؤمنين: ففي صحيح مسلم عَنْ صُهَيْبٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ؛ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ».
والشكر سبب لرضى الله عن عبده: قال تعالى: (وإن تشكروا يرضه لكم) [الزمر: 7].
والشكر أمان من العذاب: قال تعالى: (ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم) [النساء: 147]. قال قتادة رحمه الله: "إن الله جل ثناؤه لا يعذِّب شاكرًا ولا مؤمنًا"
والشكر سبب للزيادة: قال تعالى: (وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم) [إبراهيم: 7]. قال بعض السلف رحمهم الله تعالى: "النعم وحشية فقيدوها بالشكر".
وقال الحسن البصري: "إن الله ليمتع بالنعمة ما شاء، فإذا لم يشكر عليها قلبها عذابا، ولهذا كانوا يسمون الشكر: الحافظ، لأنه يحفظ النعم الموجودة، والجالب، لأنه يجلب النعم المفقودة"
الشكر سبب للأجر الجزيل في الآخرة: قال سبحانه: (وسيجزي الله الشاكرين) [آل عمران: 144]. و قال تعالى في الآية بعدها: (وسنجزي الشاكرين) [آل عمران: 145].
اللهم اجعلنا من الذاكرين الشاكرين... اللهم اجعلنا من الذاكرين الشاكرين... اللهم اجعلنا من الذاكرين الشاكرين...
رابط صوتي للخطبة https://soundcloud.com/abdullahalturaif/ephum4ibkifz
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق