الشَّكَاوَى الْكَيْدِيَّةِ
يحيى جبران جباري
الحمد لله أمر بالحق ونهى عن الباطل ، أحمده سبحانه وأشكره عدد ما يصعد إليه وعدد ما هو نازل ، و أستعينه واستهديه وأستغفره ، هو المعين والهادي والغافر لمن تاب إليه من بعد أن كان غافل ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، العالم بما حصل وبما هو حاصل ، وأشهد أن محمدا عبدالله ورسوله ، كان للحق نعم المبلغ ، وللدين خير ناقل ، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه واتباعه ، ما بقي في الكون سائل .
ثم أما بعد : فأوصيكم إخوة الدين ونفسي المقصرة بتقوى الله العليم الحكيم ، والحذر من الدنيا وزيادة الحرص عليها ، فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل ، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا ۚ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33) إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34) (لقمان)
أيها المسلمون : في زمن زاد فيه الطمع والحرص على الدنيا وشهواتها وملذاتها ، المجملة في قول ربنا (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ۗ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14) (آل عمران) أصبح كثير من ضعاف الإيمان وقليلي الخشية من الواحد الديان ، يقدمون بهتانا ، ضد غيرهم ، دعاوى كيدية ، ما أنزل الله بها من سلطان، حرصا على مال ، أو على حرث ، أو وشاية تضر و من الشأن تنقص ، أو حسدا من عند النفس ، يريدون من وراء ذلك ، أخذ ما ليس لهم بحق ، أو حرمان غيرهم ، مما هولهم حق، وقد زادت هذه الدعاوى وامتلأت بها جهات الدولة المختصة، فبعضها يظهر فيه كذب صاحبها والبهتان ، وبعضها يخفى على الحاكم ، فيقضي فيه للمتقدم ، إما لعدم قوة البينة مع المظلوم، وإما يكون الظالم الحن بالقول ، أو كلف غيره ممن يجيدون التبديل في القول والتغيير ، فيصدقهم السامع ويحكم بغير الحق، ونبينا وصف هذا أعظم وصف وبينه خير بيان، ففي صحيح مسلم عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ، قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ ، فَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوٍ مِمَّا أَسْمَعُ مِنْهُ ، فَمَنْ قَطَعْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا ، فَلَا يَأْخُذْهُ ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ بِهِ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ ) اللهم إنا نسألك الجنة ونعوذ بك من النار ، وقد وقفنا في مواقف صلح بين أطراف ، ادعى بعضهم على بعض زورا ، وخاصم بعضهم بعضا فجورا، ومن ذلك دعاوى بين أزواج ، إما تدعي المرأة على زوجها ما ليس فيه، وإما يرمي الرجل زوجته بما ليس فيها ، ويتولى الدعوة محام ، يزيد من الحميم ، بناء على أقوال ، ادعاها أحدهما على الآخر كذبا ، يريد بها الكيد ، إما رغبة في انفصال ، وإما طمعا في عوض ومال ، وهذا كله من الاعتداء المذموم بل والمحرم ، فالله يقول : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (87) (المائدة) بارك الله لي ولكم فيما اقول وتسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمات والمسلمين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم...؛
الحمد لله أعظم حكم ، أحمده سبحانه واشكره ، لا يظلم عنده من في دنياه ظلم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده بكل شيء أعلم، وأن محمدا رسوله وعبده المكرم، صلى الله عليه وعليه الله سلم، وبعد : يامن ربه له كرم، اتق الله، فمن اتق الله من النار يسلم (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ١١٩ (التوبة) عباد الله : إن القول فيما تقدم كثير إن فصل ، وخير الكلام ماقل إن دل، ومن الكتاب والسنة عليه استدل ، فعلى كل مسلم ومسلمة ، ان يتقوا الله جل وعلا في أنفسهم وأن لا يغتروا بالدنيا والشيطان ، فيسوقونهم إلى الإثم والحرام، والوقوع في كبار الآثام، وكلكم يعلم، بأن المسلم : من سلم المسلمون من لسانه ويده ، فمن ادعى ما ليس له، فقد ظلم نفسه واقتطع قطعة من نار، ومن كاد لغيره ظلما، رجع كيده عليه ، ومن قال في أخيه ما ليس فيه، بين رسول الله صلى الله عليه وسلم ماذا سيلاقيه، ففي الحديث ( من قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله رَدغة الخَبال حتى يخرج مما قال) رواه أبو داوود. وردغة الخبال ( عصارة أهل النار) ، اللهم إنا نسألك الجنة ونعوذ بك من النار ، ومن يوكل ضد مسلم ، فليتق الله ، ولا يقولن إلا حقا ، فما يأخذه مقابل ما يتقدم به من كتابة أو حوار ، إما حلال ، يطعم به نفسه وعياله ، وإما حرام يتجرعه من النار ، اللهم إنا نسألك الجنة ونعوذ بك من النار .
ثم صلاة الله ما يبدو نهار ،،، على شفيع الخلق في يوم الفرار.
اللهم صلي وسلم على عبدك ورسولك محمد..