الشعور بالأخوه الإيمانيه،،،

أبو شهد
1436/03/25 - 2015/01/16 08:34AM
الْحَمْدُ لِلَّـهِ الْخَلَّاقِ الْعَلِيمِ، وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةًوَعِلْمًا «جَعَلَ الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْءٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ جُزْءًا، وَأَنْزَلَ فِي الأَرْضِ جُزْءًا وَاحِدًا، فَمِنْ ذَلِكَ الجُزْءِ يَتَرَاحَمُ الخَلْقُ، حَتَّى تَرْفَعَ الفَرَسُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَهُ»، نَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا وَعَلَّمَنَا،وَنَشْكُرُهُ عَلَى مَا كَفَانَا وَأَعْطَانَا. أَوْجَدَنَا مِنَ الْعَدَمِ،وَرَبَّانَا بِالنِّعَمِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ دَعَا إِلَى الْإِيثَارِ وَالمُوَاسَاةِ، وَنَهَى عَنِ الْأَثَرَةِ وَحُبِّ الذَّاتِ، وَقَالَ: «لاَيُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَحَقِّقُوا الْأُخُوَّةَ الْإِيمَانِيَّةَ؛ فَإِنَّهَا أَعْظَمُ رَابِطٍ بَيْنَ المُؤْمِنِينَ. لِأَنَّ أَثَرَهَا يَعُمُّ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ﴿إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾
عباد الله: إِذَا عُمِرَ قَلْبُ العَبْدِ بِالإِيْمَانِ اِمْتَلَاءَ بِالرَّحْمَةِ والإِحْسَانِ؛ فَيُحِسُّ بِإِخْوَانِهِ، وَيَتَمَنَّى الخَيْرَ لَهُمْ، وَيَتَأَلَّمُ لما يُصِيبُهُمْ ؛ لِأَنَّ رَابِطَةَ الإِيمَانِ فِي قَلْبِهِ لَا تُنَازِعُهَا رَابِطَةٌ أُخْرَى، فَيَسْتَحْضِرُ قَوْلَ الله تَعَالَى color=red]وَالمُؤْمِنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ[/color وَقَولَهُ تَعَالَى color=red]إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ[/color
وَيُحَوِّلُ ذَلِكَ إِلَى وَاقِعٍ عَمَلِيٍّ فِي حَيَاتِهِ؛ فَإِنْ رَأَى مَرِيضًا تَأَلَّمَ لِمَرَضِهِ، وَسَعَى فِي التَّخْفِيفِ عَنْهُ، وَإِنْ أَبْصَرَ فَقِيرًا مُعْدَمًا بَذَلَ لَهُ مَا يُعِينُهُ عَلَى عَيْشِهِ، وَإِنْ سَمِعَ عَنْ مُصَابِ مُسْلِمٍ اِنْزَعَجَ وَدَعَا لَهُ، وَإِنْ أَحَسَّ تَغَيُّرًا فِي الْجَوِّ بِحَرٍّ لاَفِحٍ، أَوْ بَرْدٍ قَارِسٍ، أَوْ مَطَرٍ مُغْرِقٍ ؛ قَلِقَ عَلَى إِخْوَانِهِ المُسْلِمِيْنَ، وَتَذَكَّرَ أَحَوَالَ الضَّعَفَةِ وَالْعَاجِزِينَ.
إِنَّ الشُّعُورَ بِالأُخُوَةِ الإِيْمَانِيَّةِ هُوَ أَعْظَمُ شُعُورٍ فِي الْعَلَاقَاتِ البَشَرِيَّةِ كُلِّهَا ؛ لِأَنَّهُ لله تَعَالَى وَلَيْسَ لِشَيءٍ آخَرَ، وَمَنْ أَحَبَّ لله وَأَبْغَضَ لله وَأَعْطَى لله وَمَنَعَ لله فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ.
وَمَنْ تَأَمَّلَ الأَحَادِيثَ النَّبَوِيَّةَ وَجَدَهَا مَمْلُوءَةً بِتَنْمِيَةِ هَذَا الشُّعُورِ فِي قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ بَعْضِهِمْ مَعَ بَعْضٍ؛ وَيَجْعَلُ مَا يُصِيبُ بَعْضَهُمْ كَأَنَّهُ أَصَابَ جَمِيعَهُمْ، فَيَتَأَلَّمُ المُصَابُ وَغَيْرُ المُصَابِ؛ لِأَنَّ أَلمَهُ بِمُصَابِ أَخِيهِ لَا يَقِلُّ عَنْ أَلَمِ أَخِيهِ بِمُصِيبَتِهِ؛ وَذَلِكَ فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ مِنْهَا:«لا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا»، وَمِنهَا:«لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُم حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ»، وَمِنْهَا:«المُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا»، وَمِنْهَا:«مَثَلُ المُؤْمِنِينَ في تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى».ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: "الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ، مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
وَيُلَخِّصُ عُثْمَانُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ذَلِكَ بِقَولِهِ:«إِنِّا وَالله قَدْ صَحِبْنَا رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي السَّفَرِ وَالحَضَرِ، يَعُودُ مَرْضَانَا، وَيَتَّبِعُ جَنَائِزَنَا، وَيَغْزُو مَعَنَا، وَيُوَاسِينَا بِالقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ»
هَكَذَا كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِحْسَاسًا بِالمُؤْمِنِينَ، وَمَحَبَّةً لَهُمْ، وَرَحْمَةً بِهِمْ، وَسَعْيًا فِي نُصْرَتِهِمْ وَنَجْدَتِهِم.
وَأَخَذَ الصّحَابَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ هَذَا الخُلُقَ النَّبِيلَ عَنْهُ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَكَانَ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ يُقَدِّمُ أَخَاهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَيُؤْثِرُ غَيْرَهُ عَلَى أَهْلِهِ، وَيُحِسُّ بِمُصَابِ إِخْوَانِهِ، وَيَشْعُرُ بِمُعَانَاتِهِم، وَيَقِفُ مَعَهُمْ فِي كُرُوبِهِمْ وَشِدَّتِهِمْ .
فَعَائِشَةُ رضي الله عنها بَعْثَ إِلَيْهَا مُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِمِئَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَمَا أَمْسَتْ حَتَّى فَرَّقَتْهَا، فَقَالَتْ لَهَا مَوْلَاتُهَا:«لَوْ اشْتَرَيْتِ لَنَا مِنْهَا بِدِرْهَمٍ لَحْماً? فَقَالَتْ: ألَا قُلْتِ لِي؟!».
لَقَدْ نَسِيَتْ نَفْسَهَا أَثْنَاءَ اهْتِمَامِهَا بِغَيرِهَا؛ عِلْمًا أَنَّهَا كَانَتْ صَائِمَةً ذَلِكَ اليَومِ وَلَا فَطُورَ عِنْدَهَا، وَقَدْ فَرَّقَتْ عَلَى الضُّعَفَاءِ مِئَةَ أَلْفٍ وَلَمْ تُبْقِ دِرْهَمًا لِفُطُورِهَا!!
وَلَا عَجَبَ أَعْجَبُ مِنْ حَادِثَةِ ذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي أَضَافَ جَائِعًا، فَقَدَّمَ لَهُ طَعَامَ صِبْيَانِهِ بَعْدَأَنْ أَمَرَ امْرَأَتَهُ أَنْ تُنَوِّمَهُمْ، وَأَطْفَأَ السِّرَاجَ لِيُوهِمَ الضَّيْفَ أَنَّهُ وَامْرَأَتَهُ يَأْكُلَانِ وَهُمَا لَا يَأْكُلَانِ، حَتَّى يَنْفَرِدَ ضَيْفُهُمَا بِطَعَامِهِمَا وَطَعَامِ صِبْيَانِهِمَا، فَيَنْزِلُ الْوَحْيُ عَلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِخَبَرِ هَذِهِ الْحَادِثَةِ الْعَجِيبَةِ؛لِيَقُولَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلرَّجُلِ: «قَدْ عَجِبَ اللهُ مِنْ صَنِيعِكُمَا بِضَيْفِكُمَا اللَّيْلَةَ»
وأَنَّ عَلِيَّ بنَ الحُسَيْنِ كَانَ يَحْمِلُ الخُبْزَ بِاللَّيْلِ عَلَى ظَهْرِهِ،يَتْبَعُ بِهِ المَسَاكِينَ فِي الظُّلْمَةِ، وَيَقُوْلُ: «إِنَّ الصَّدَقَةَ فِي سَوَادِ اللَّيْلِ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ».
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ: «كَانَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ المَدِيْنَةِ يَعِيْشُوْنَ لَا يَدْرُوْنَ مِنْ أَيْنَكَانَ مَعَاشُهُمْ، فَلَمَّا مَاتَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ، فَقَدُوا ذَلِكَ الَّذِي كَانُوا يُؤْتَوْنَ بِاللَّيْلِ».
وَقَالَ عَمْرُو بنُ ثَابِتٍ:«لمَّامَاتَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ، وَجَدُوا بِظَهْرِهِ أَثَرًا مِمَّا كَانَ يَنْقُلُ الجُرْبَ بِاللَّيْلِ إِلَى مَنَازِلِ الأَرَامِلِ».
وَجَاءَ مَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ التَّابِعِينَ وَأَتْبَاعِهِم، مِنْ خُلَفَاءَ وَعُلَمَاءَ وَصَالِحَينَ؛ فَحَمَلُوا ذَلِكَ عَنْهُمْ، وَأَحْيَوْا الأُخُوَّةَ الإِيمَانِيَةَ فِي قُلُوبِهِمْ، وَلَمْ يَحِيدُوا عَنْ أَخْلَاقِ أَسْلَافِهِمْ، وَوَاسَوْا غَيْرَهُمْ فِي مُصَابِهِمْ .
وكَانَ أُوَيْسٌ الْقَرَنِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى إِذَا أَمْسَى تَصَدَّقَ بِمَا فِي بَيْتِهِ مِنْ فَضْلِ الطَّعَامِ وَالثِّيَابِ ثُمَّ يَقُولُ:«اللَّهُمَّ مَنْ مَاتَ جُوعًا فَلاَ تُؤَاخِذْنِي بِهِ، وَمَنْ مَاتَ عُرْيَانًا فَلاَ تُؤَاخِذْنِي بِهِ».
وكَانَ بِشْرُ بْنُ الْحَارِثِ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-يَنْزِعُ ثِيَابَهُ فِي الشِّتَاءِ لِيُحِسَّ بِالْبَرْدِ الَّذِي يَجِدُهُ الْفُقَرَاءُ، وَيَقُولُ: لَيْسَ لِي طَاقَةُ مُوَاسَاتِهِمْ بِالثِّيَابِ فَأُوَاسِيهِمْ بِتَحَمُّلِ الْبَرْدِ كَمَا يَتَحَمَّلُونَ.
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: مَنْ تَأَمَّلَ وَاقِعُنَا وَوَاقِعَ المُسْلِمِيْنِ اليَومَ وَجَدَ أَنَّ الأَثَرَةَ قَدِ اِسْتَحْكَمَتْ عَلَى الْقُلُوبِ، وَأَنَّ حُبَّ الذَّاتِ قَدْ مَلَكَ النُّفُوسَ؛ وَلِذَا لَا يَتَأَثَّرُ كَثِيرٌ مِنْهُمْ بِمُصَابِ إِخْوَانِهِم، وَلَا يَأْبَهُونَ بِمَا حَلَّ بِغَيْرِهِمْ..
فَلِمَاذَا تَغَيَّرَ حَالُ المُسْلِمِينَ حَتَّى أَصْبَحَ الوَاحِدُ مِنْهُمْ يَعِيشُ لِنَفْسِهِ وَلَا يَهْتَّمُ لِغَيرِهِ.. أَهِيَ كَثْرَةُ الصَوَارِفِ وَالأَخْبَارِ التَّي يُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا حَتَّى كَثُرَ الإِمْسَاسُ فَفُقِدَ مَعَهُ الشُّعُورُ وَالإِحْسَاسُ؟! أهُوَ ضَعْفُ الرَّابِطَةِ الإِيمَانِيَةِ. أم هو ضَعْفُ الشُّعُورِ بِالأُمَةِ الوَاحِدَةِ وَالجَسَدِ الوَاحِدِ.
أيها المسلمون :نزل البرد والصقيع ببلاد المسلمين هذه الأيام واجتاحتها العواصف الثلجية، انخفضت درجات الحرارة إلى درجات تحت الصفر من شدة البرودة، فاشتد الحال والآلام بأهل الشام، وزادت مأساتهم، فأصبح حال اللاجئين في الخيام، كالمستجير من الرمضاء بالنار، فمخيماتهم لا تتوافر فيها أبسط حالات العيش، ليس جرح واحد بل جرح الشتاء وجرح الحرب وجرح التشريد والجوع، وجروح وجروح، لا يعلم مداها إلا اللطيف الخبير سبحانه، نسأل الله اللطف بالمسلمين المستضعفين، فيا كل مسلم، يا من تشعر بشعور الجسد الواحد: تذكر وأنت في بيتك الدافئ بين الزوج والأبناء والبنات، ومؤنة الشتاء من شراب وطعام وطيبات، وأطفالك يتقلبون بالثقيل والجميل من الملبوسات، تذكر إخوانك الذين ابتلوا بالأزمات والملمّات، وحلت عليهم النكبات والصعوبات، "ارْحَمُوا مَنْ فِي الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ
عباد الله: وإنني من على هذا المنبر أوجه نداء استغاثة لكل المسلمين لكل من يتمتع بنعمة الدفء وتوافر أسبابه ووسائله من مساكن مغلقة وملابس ثقيلة وأجهزة تدفئة وغيرها، نداء أذكرهم بقول حبيبنا وقدوتنا -صلى الله عليه وسلم-: "ما آمن بي من بات شبعان، وجاره جائع إلى جنبه، وهو يعلم به". وأذكركم بقول ذلك الصحابي الجليل عندما سمع النبي يأمر الناس بالمواساة فَذَكَرَ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ مَا ذَكَرَ كما في صحيح مسلم قال الصحابي: "حَتَّى رَأَيْنَا أَنَّهُ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ مِنَّا فِي فَضْلٍ؟!"، أي: لا يجوز لأحد أن يحتفظ بشيء زائد عن حاجته من مال أو لباس أو طعام، مادام هناك مسلم يئن، وآخر يموت، وثالث يصرخ مستنجداً ثم لا يجد من يستجيب لصرخاته، فكيف إذا اجتمع الأنين والموت والصراخ، والظلم والقتل والدمار؟! هل تجمدت الأحاسيس والمشاعر الإنسانية مع الثلوج؟! الناس يموتون من البرد منذ أيام ولا تسمع من يتحرك، إلا من قلة مؤمنة صابرة محتسبة.
يا الله!! في عصر الإعلام بكل وسائله يتناقلون صور الأطفال يموتون من البرد، ويغردون بصور الثلوج تكتسح المخيمات، ثم لا يتنادى للعمل والسعي لإنقاذهم إلا العشرات. ألسنا في نعم؟! أليست تحتاج إلى شكر؟! أليس الشكر قيدًا للنعم؟! أليس من الشكر أن تذكر إخوانك المساكين والمستضعفين، والمشردين والمحتاجين، أليسوا الآن في ظروف هم أحق بالقليل من مالك؟! (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ)
فلنقم بواجبنا تجاه المحتاجين خاصة في مثل هذه الأحوال، فهي فرصة للباذلين، فرصة للمنفقين، فرصة لبركة المال وزيادته، فرصة للمتنافسين، فرصة للمريض والمكروب فالناس في مسغبة وشدة: و"صنائعُ المعروفِ تَقِي مصارعَ السوءِ"، لا نُعتذر لأنفسنا الضعيفة ليفتح عليها الشيطان باب التخذيل: فتارة من أعطي فلا أجد ثقة أو مؤسسة لأدفع لها، وتارة محتاجو الداخل أحوج وهذا حق لكنه ما أعطى لا محتاجي الداخل ولا الخارج، فقط تعلّل وتخاذل، وتارة ماذا ستصنع صدقتي هي عشر ريالات أو خمسون ريالاً فماذا تصنع؟! ولا ينتهي باب إبليس ولا يغلق بابه،إلا بالعزيمة وبالتوكل على الله حق توكله، وبذل المستطاع. وَقَد أَحسَنَ أَهلُ الخَيرِ في بِلادِنَا ، إِذْ نَظَّمُوا الحَمَلاتِ لِلمُسَاعَدَاتِ ، وَفَتَحُوا البَابَ لِلتَّبَرُّعَاتِ، وَدَعَوا إِلى تَنوِيعِ البَذلِ وَالعَطَاءِ لأُولَئِكَ الأَشِقَّاءِ ، لَقَد كَانَ كَثِيرٌ مِنَّا قَبلَأَن تُنَظَّمَ هَذِهِ الحَمَلاتُ لا يَدرُونَ أَينَ يُوَجِّهُونَ ، أَمَّا وَقَدنُظِّمَت رَسمِيًّا ، إِلى جَانِبِ مَا في تِلكَ البِلادِ مِن مُؤَسَّسَاتِ يَقُومُعَلَيهَا رِجَالٌ مَوثُوقٌ فِيهِم مِن أَهلِ العِلمِ ، فَإِنَّهُ لا عُذرَ لِمُسلِمٍ أَن يَتَجَاهَلَ إِخوَانَهُ وَقَد ظَهَرَت حَاجَتُهُم وَعَظُمَت فَاقَتُهُم ، قَالَ رَبُّكُم ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " هَا أَنتُم هَؤُلَاءِ تُدعَونَ لِتُنفِقُوا في سَبِيلِ اللهِ فَمِنكُم مَن يَبخَلُ وَمَن يَبخَلْ فَإِنَّمَايَبخَلُ عَن نَفسِهِ وَاللهُ الغَنيُّ وَأَنتُمُ الفُقَرَاءُ وَإِن تَتَوَلَّوايَستَبدِلْ قَومًا غَيرَكُم ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمثَالَكُم

هلموا لتجارة رابحة مع الله، تجارة لن تبور أبدًا، واحدة بسبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة لا يعلمها إلا الله، يكفي أنها تجارة ثمنها الجنة ورضا الرحمن بإذن الله تعالى، إذا كان ربنا أدخل الجنة رجلاً أزاح غصن شجرة كان يؤذي المسلمين فكيف بمن ينقذ المسلمين والضعفاء والأرامل الثكالى!! كيف بمن يُحيي طفلاً وينقذ رضيعاً ويسعف شيخاً من ويلات البرد والجوع!! "السَّاعِي عَلَى الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ الْقَائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهَارَ". "ومَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ..".
نسأل الله أن يجعلنا جميعًا من الشاكرين قولاً وعملاً، وعطاءً وبذلاً،
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.




الحَمْدُ لله حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اِهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ .
عباد الله : وَلا تَظُنُّوا أَنَّ مَا يَمُرُّ بِهِ إِخوَانُكُم في الشَّامِ ابتِلاءٌ لَهُم وَحدَهُم ، لا وَاللهِ ، بَل هُوَ ابتِلاءٌ لِلأُمَّةِ كُلِّهَا ، فَاللهُ ـتَعَالى ـ يَبتَلِي عِبَادَهُ بِالسَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ " وَنَبلُوكُم بِالشَّرِّ وَالخَيرِ فِتنَةً وَإِلَينَا تُرجَعُون
وَمَن آتَاهُ اللهُ مَالاً فَلَم يُنفِقْ مِنهُ شَيئًا ، وَلم يَعرِفْ لِلمُستَحِقِّينَ فِيهِ حَقًّا ، فَمَا شَكَرَ هَذِهِ النِّعمَةَ حَقَّ شُكرِهَا ،أَلا فَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي بَسَطَ رِزَقَكُم وَأَظهَرَ أَمنَكُم وَعَافِيَتَكُم، وَاجَعَلُوا أَموَالَكُم وِقَايَةً لَكُم ؛ قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِوَسَلَّمَ ـ : " صَنَائِعُ المَعرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ وَالآفَاتِوَالهَلَكَاتِ ، وَأَهلُ المَعرُوفِ في الدُّنيَا هُم أَهلُ المَعرُوفِ فيالآخِرَةِ "
أكْرِم بمسلمٍ يسعى في منافع الناس، يفرح عندما يوسّع الله به على إخوانه، ويسعد عندما تمتد يده بالعطاء، ويهنأ عندما يُطعم مسكينًا، أو يكسو فقيرًا، يبذل الإحسان لا يرجو بذلك إلا وجه الله، مستحضرًا قوله تعالى: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا) وهذه النفس هي التي تقابَل صاحبها بالإحسان يوم القيامة، فـ(هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ(
إذا اجتمع الخلق يوم القيامة بين يدي الله فثق تمامًا أن الله -تعالى- لن يسألك عن أعمال غيرك, لكنه سيسألك عن عملك أنت، أنت وحدك, وستقف بين يدي ربك لتحاسب عن عملك وحدك.
إنها صحيفة عملك؛ فاملأها بما شئت.
(فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ)
وصلوا وسلموا على النبي المصطفى والرسول المجتبى والحبيب المرتضى كما قال تعالى (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين 00 اللهم أعز الإسلام والمسلمين في كل مكان وأذل الكفرة والملحدين والمنافقين والعلمانيين يارب العالمين .
اللَّهُمَّ يا مَنْ بِيَدِهِ مَفاتِيحُ الفَرَجِ فَرِّجْ عَنْ إِخْوانِنا في غزة وفي كل مكان وَاكْشِفْ ما بِهِمْ مِنْ غٌمَّةٍ، اللهم رحماك بالمستضعفين في الشام وبورما وفي كل مكان، اللهم ابسط دفء رحمتك لكل من لا مأوى له في هذا البرد، اللهم اجعل هذه الثلوج بردًا وسلامًا عليهم، وأسباب نصرة وفرج ومخرج من كربتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.اللهم أشف مرضانا ومرضى المسلمين.
عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى, وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي, يعظكم لعلكم تذكرون, فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم, واشكروه على نعمه يزدكم, ولذكر الله أكبر, والله يعلم ما تصنعون.
المشاهدات 1517 | التعليقات 0