الشِّرْكُ يعود بَيْنَ النَّاسِ فِي بِلَادِنَا30 جُمَادَى الآخِرَة 1442هـ

محمد بن مبارك الشرافي
1442/06/28 - 2021/02/10 13:54PM

الشِّرْكُ يعود بَيْنَ النَّاسِ فِي بِلَادِنَا30 جُمَادَى الآخِرَة 1442هـ

الحَمْدُ للهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ، الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ، ذِي الْعَرْشِ الْمَجْيِدِ، وَالْبَطْشِ الشَّدِيدِ، الْفَعَّالِ لِمَا يُرِيدُ، أَحْمَدُهُ وَحَمْدُهُ سَبَبٌ لِلْمَزِيدِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ، إِقْرَارًا لَهُ بِشَهَادَةِ التَّوْحِيدِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، الْمَبْعُوثُ بِالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ، وَالْمُنْذِرُ عَنِ الشِّرْكِ وَالتَّنْدِيدِ، فَصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الْمُكْرَمِينَ بِالتَّأْيِيدِ، صَلَاةً دَائِمَةً عَلَى الْتَأْبِيدِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

أَمَّا بَعْدُ : فَاتَّقُوا اللهَ وَاحْذَرُوا الشِّرْكَ, وَتَنَبَّهُوا لأنْفُسِكُمْ لِئَلَّا تَقَعُوا فِي الشِّرْكِ مِنْ حَيْثُ لا تَشْعُرُونَ, وَاعْلَمُوا أَنَّه أَعْظَمُ الشُّرُورِ خَطَراً وَأَكْثَرُ الذُّنُوبِ ضَرَراً, وَهُوَ أَشَدُّ مَا خَشِيَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُمَّتِه, فَعَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ) قَالُوا: وَمَا الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ (الرِّيَاءُ, يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا جُزِيَ النَّاسُ بِأَعْمَالِهِمْ : اذْهَبُوا إِلَى الَّذِينَ كُنْتُمْ تُرَاءُونَ فِي الدُّنْيَا فَانْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ عِنْدَهُمْ جَزَاءً) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الألْبَانِيُّ, وَعَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: انْطَلَقْتُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ (يَا أَبَا بَكْرٍ، لَلشِّرْكُ فِيكُمْ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ عَلَى الصَّفَا) فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَهَلِ الشِّرْكُ إِلَّا مَنْ جَعَلَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَلشِّرْكُ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ عَلَى الصَّفَا، أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى شَيْءٍ إِذَا قُلْتَهُ ذَهَبَ عَنْكَ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ؟ , قُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لَا أَعْلَمُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ.

فَالْوَاجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَعَمْلَ مَا فِي وِسْعِنَا لِنَتَوَقَّى الشِّرْكَ وَنَحْذَرَه, وَنُحَذِّرَ غَيْرَنَا مِنْهُ!

أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: إِنَّ مِنْ أَسْبَابِ تَجَنُّبِ الشَّرِّ مَعْرِفَتَهُ, وَقَدْ كَانَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ يَسْأَلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الشَّرِّ لِئَلَّا يَقَعَ فِيهِ, فَعَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي. رَوَاهُ مُسْلِم.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ عَلَيْنَا خَطَراً شَدِيدًا مِنَ الْوُقُوعِ فِي الشِّرْكِ, حَيْثُ دَلَّتْ أَدِلَّةُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ, وَدَلَّ التَّارِيخُ وَالْوَاقِعُ عَلَى أَنَّ الْشِرْكَ يَقَعُ بَيْنَ الْمُوَحِّدِينَ, وَأَنَّهُ يَعُودُ فَيَنْتَشِرُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ حَتَّى يَطُمَّ الأَرْضَ وَيَعُمَّهَا فَلا يَبْقَى فِي الأَرْضِ مُوَحِّدُون!

فَأَمَّا الْقُرْآنُ فَقَدْ تَكَاثَرَتِ الآيَاتُ فِي التَّحْذِيرِ مِنَ الشِّرْكِ وَبَيَانِ خَطَرِهِ وَأَنَّ اللهَ لا يَغْفِرُهُ وَأَنَّهُ سَبَبٌ لِلْخُلُودِ فِي النَّارِ, وَمَا ذَلِكَ كُلُّهُ إِلَّا لِأَنَّ عَلَيْنَا خَطَراً مِنْهُ فَلَوْ كُنَّا فِي مَأْمَنٍ مِنْهُ لَكَانَ التَّحْذِيرُ مِنْهُ فِي غَيْرِ مَحِلِّهِ, وَحَاشَا القُرْآنَ الْكَرِيمَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَبَثٌ, أَوْ مَا لَا دَاعِيَ لَه, قَالَ اللهُ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا}

وَأَمَّا السُّنَّةُ فَدَلالَتُهَا عَلَى عَوْدِةِ الشَّرْكِ صَرِيحَةٌ جِدًّا, فَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُا قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (لَا يَذْهَبُ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ حَتَّى تُعْبَدَ اللَّاتُ وَالْعُزَّى) رَوَاهُ مُسْلِم, وَعَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَلْحَقَ قَبَائِلُ مِنْ أُمَّتِي بِالْمُشْرِكِينَ وَحَتَّى تَعْبُدَ قَبَائِلُ مِنْ أُمَّتِي الْأَوْثَانَ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ.

فَهَذِهِ أَحَادِيثُ صَرِيحَةٌ وَاضِحَةٌ كَالشَّمْسِ فِي عَوْدِةِ الشِّرْكِ إِلَى أَهْلِ التَّوْحِيدِ لِيَنْتَشِرَ فِيهِمْ مَرَّةً ثَانِيَةً, فَاعَلَمُوا يَا مُسْلِمُونَ أَنَّ التَّحْذِيرَ مِنَ الشِّرْكِ مِنْ أَوْجِبِ الْوَاجِبَاتِ وَمِنْ أَهَمِّ المُهِمَّاتِ!

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَأَمَّا دَلالَةُ الْوَاقِعِ عَلَى وُقُوعِ الشِّرْكِ مَرَّةً ثَانِيَةً فِي أَهْلِ التَّوْحِيدِ فَإِنَّهَا ظَاهِرَةٌ, فَكَمْ فِي بِلادِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ مَظَاهِرَ لِلشَّرْكِ سَوَاءٌ أَكَانَ الأَكْبَرَ أَمِ الأَصْغَرَ, وَلا يُنْكِرُ ذَلِكَ إِلَّا مُكَابِرٌ أَوْ جَاهِلٌ, فَمِنْ ذَلِكَ : قُبُورٌ مُعَظَّمَةٌ لأَنْبِيَاءِ اللهِ أَوْ لِرِجَالٍ صَالِحِينَ قَدْ بُنِيَتْ عَلَيْهَا الْقِبَابُ وَحَوْلَها السَّدَنَةُ وَالْخَدَمُ, وَالنَّاسَ عَلَيْهَا زُرَافَاتٍ وَوُحْدَانا, يَطُوفُونَ بِهَا وَيَنْذُرُونَ لَهَا وَيَسْتَغِيثُونَ بِهَا, وَيَخَافُونَ مِنْ أَصْحَابِهَا, فَهَلْ هَذَا إِلَّا الشِّرْكُ الذِي حَذَّرَتْ مِنْهُ الرُّسُلُ وَزَجْرَتْ مِنْهُ الْكُتُبُ؟

فَهَذَا قَبْرُ الْعَيْدَرُوسِ فِي الْيَمَنِ, وَقَبْرُ عَبْدِ الْقَادِرِ الْجِيلانِي رَحِمَهُ اللهُ فِي الْعِرَاقِ حَيْثُ تُشَدُّ إِلِيهِ الرَّحَالُ وَيَسْتَغِيثُ بِهِ النَّاسُ مِنْ دُونِ اللهِ وَيَطْلُبُونَ مِنْهُ قَضَاءَ حَوائِجِهِمْ وَيَسْأَلُونَهُ الْمَدَد!

وَفِي مِصَرَ حَرَسَهَا اللهُ: قَبْرُ الْحُسَيْنِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَالسَّيِّدَةُ زَيْنَبُ, وفِي بَلْدِةِ طَنْطَا قُرْبَ مَدِينَةِ الْمَنْصُورَةِ قَبْرُ السَّيَّدِ البَدَوِيِّ وَغَيرُهَا كَثِيرٌ! بَلْ إِنَّ بِلادَنَا السُّعُودِيَّةَ كَانَتْ تَعُجُّ بِأَفْظَعَ مِنْ ذَلِكَ حَيْثُ الْقُبُورُ وَالأَضْرِحَةُ وَالْمَزَارَاتُ فِي بِلادِ نَجْدٍ وَالْحِجَازِ, وَلَوْلا عِنَايَةُ اللهُ وَلُطْفُهُ ثُمَّ دَعْوَةُ الشَّيْخِ الإمَامِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ رَحِمَهُ اللهُ لَكَانَ الأَمْرُ فَوْقَ مَا نَتَصَوَّرُ ! فَاللَّهُمَّ احْفَظْ عَلَيْنَا تَوْحِيدَنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا عَلَى الْحَقِّ, أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ للهِ الذَي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ, عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ, وَالصَّلاةُ عَلَى خَاتَمِ رُسُلِهِ وَأَفْضَلِ أَنْبِيَائِهِ, وَعَلَى آلِهِ وَأصَحابِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَعَلَى مَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ لِقَائِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيراً.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ وَاحْذَرُوا الشَّرْكَ وَتَعَاوَنُوا عَلَى صَدِّهْ عَنْ أَنْفُسِكُمْ وَعَنْ مَنْ تَسْتَطِيعُونَ, وَاعْلَمُوا أَنَّهُ يَقَعُ بَيْنَ أَظْهُرِنَا أَنْوَاعٌ مِنَ الشِّرْكِ يَغْفَلُ عَنْهَا أَكْثَرُ النَّاسِ, وَإِلَى اللهِ الْمُشْتَكَى.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ مِنْ صُوَرِ الشِّرْكِ الأَصْغَرِ التِي يَقَعُ فِيهَا النَّاسُ فِي مُجْتَمَعَاتِنَا اليَومَ: تَعْلِيقُ التَّمَائِمِ وَالْحُرُوزِ عَلَى الأَوْلَادِ أَوِ السَّيَّارَاتِ أَوِ الْبُيُوتِ, بِغَرَضِ دَفْعِ الْعَيْنِ أَوِ الْجِنِّ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ, وَلَهَا عِدَّةُ أَشْكَالٍ مِثْلُ رَأْسِ الأَرْنَبِ أَوِ الدُّبِّ أَوْ حِذْوَةِ الْفَرَسِ أَوِ الْخَيْطِ يُرْبَطُ عَلَى الْعَضُدِ , أَوْ عَيْنٍ تُرْسَمُ فِي مُؤَخِّرِةِ السَّيَّارَةِ أَوْ خُيُوطٍ سَوْدَاءَ عَلَى جَنْبَتِيِ السَّيَّارَاتِ الْكَبِيرَةِ!

وَقَبْلَ مُدَّةٍ لَيْسَتْ بِالْبَعِيدَةِ انْتَشَرَ مَقْطَعٌ عَلَى الْجَوَّالاتِ وَفِيهِ رَجُلٌ مَعَهُ شَعَرَاتٍ مِنْ شَعَرِ الذِّئْبِ وَيَتَمَدَّحُ أَنَّهُ أَحْضَرَهَا لِصَاحِبِهِ لِيَطْرُدَ عَنْ بَيْتِهِ الْجِنَّ, وَأَنَّهُ حِرْزٌ مِنْهُمْ, وَلاشَكَّ أَنَّ هَذَا مِنَ الشِّرْكِ, وَقَدْ حَذَّرَ مِنِ اتِّخَاذِ شَعْرِ الذِّئْبِ أِوْ جِلْدِهِ لِطَرْدِ الجِنِّ الْعَالِمَانِ الْجَلِيلانِ ابْنِ بَازٍ وَابْنِ عُثَيْمِينَ رَحِمَهُمَا اللهُ.

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (إِنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ.

وَمِنْ أَعْجَبِ مَا سَمِعْتُ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ اليَوْمِ يَعْتَقِدُ أَنَّ وُجُودَ الدِّيكِ سَبَبٌ لِطَرْدِ الْجِنِّ, وَلِذَلِكَ هُمْ يُرَبُّونَ الدِّيَكَةَ فِي الْبُيُوتِ بِزَعْمِهِمْ أَنْها تَطْرُدُ الشَّيَاطِينَ, وَلا شَكَّ أَنَّ هَذَا شِرْكٌ أَيْضًا وَتَعَلُّقٌ بِغَيْرِ اللهِ, وَاعْتِمَادٌ عَلَى خُرَافَاتٍ وَقَصَصٍ مَنْسُوجِةٍ وَأَوْهَامٍ مَكْذُوبَةٍ.

وَمَنِ ذَلِكَ الْحَلِفُ بِغَيْرِ اللهِ كَقَوْلِ بَعْضِهِمْ: إِي بِالْعُون, أَوِ الْحَلِفِ بِالذَّمَّةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ, كَالحَلِفِ بِالنَّبِي أَوِ النِّعْمَة!

وَقَدْ خَرَجَ لَنَا مُؤَخَّرًا حَلِفٌ عِنْدَ بَعْضِ الْمُثَقَّفِينَ, وَهُوَ الْحَلِفُ بِالْأَمَانَةِ, فَتَجِدُ بَعْضَهُمْ إِذَا تَحَدَّثَ عَنْ مَشْرُوعٍ أَوْ شَخْصٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ قَالَ [ِللْأَمَانَةِ حَصَلَ كَذَا أَوْ كَذَا] أَوْ [لِلْأَمَانَةِ الشُّغْلُ مُمْتَازٌ] أَوْ [لِلْأَمَانَةِ الرّجَّالَ مَا قَصَّرَ], وَبِدَايَةُ الْأَمْرِ لا يَكُونُ حَلِفًا ثُمَّ يَتَطَوَّرُ حَتَّى يَكُونَ حَلِفًا بِالْأَمَانَةِ, وَهَذَا شِرْكٌ, عَنْ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَيْسَ مِنَّا مَنْ حَلَفَ بِالْأَمَانَةِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ. وَقَدْ حَدَّثَنِي بَعْضُ الإِخْوَةِ مِنْ أَهْلِ البِلَادِ العَرَبِيَةِ أَنَّ النَّصَارَى عِنْدَهُمْ لَا يَحْلِفُونَ إِلَّا بِالأَمَانَة, فَانْظُرُوا كَيْفَ جَاءَتْ هَذِهِ العَادَةُ الشِّرْكِيَةُ إِلَى بِلادِنَا وَاسْتَقْبَلَهَا مُثَقَّفُونَا, حَتَّى لَا يَكَادُ يَخْلُوا كَلَامُهُمْ مِنْ هَذِهِ العِبَارَة, وَاللهُ المسْتَعَان.

وَمِنْ صُوَرِ الشِّرْكِ أَيْضاً: لَوْحَاتٌ فِيهَا تَسْوِيَةٌ بَيْنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَبَيْنَ رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, حَيْثُ تُوجَدُ لَوْحَاتٌ يُكْتَبُ فِي زَاوِيَتِهَا الْعُلْوِيَّةُ الْيُمْنَى لَفْظ ُالْجَلالَةِ (اللهُ) وَفِي زَاوِيَتِهَا الْيُسْرَى (مُحَمَّد) بِشَكْلٍ مُتَعَادِلٍ, وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا شِرْكٌ فِي الظَّاهِر! وَقَدْ صَدَرَتْ فَتْوَى مِنَ اللَّجْنَةِ الدَّائِمَةِ بِأَنَّ هَذَا شِرْكٌ مُحَرَّمٌ!

وَمِنْ صُوَرِ الشِّرْكِ الْمُنْتَشِرَةِ: شِرْكُ القُلُوبِ مِنِ الاعْتِمَادِ عَلَى الأَسْبَابِ وَنِسْيَانِ الْمُسَبِبِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى, كَالتَّعَلُّقِ بِالوَاسِطَةِ أَوِ الرَاتِبِ أَوِ الطَّبِيبَ.

هَذَا - أَيُّهَا الإِخْوَةِ - شَيٌّء مِمَّا يَقَعَ بَيْنَنَا مِنَ الشِّرْكِ وَنَحْنُ فِي غَفْلَةٍ , فَتَعَالَوْا بِنَا نَبْتَعِدُ عَنْهُ وَنُوَضِّحُهُ لِغَيرِنَا قَالَ اللهُ تَعَالَى (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون)

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا وَعَمَلاً صَالِحًا, اَللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ, اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والمُسْلمينَ وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالمُشْرِكِينَ وَدَمِّرْ أَعَدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينَ, اللَّهُمَّ أَعْطِنَا وَلَا تَحْرِمْنَا, اللَّهُمَّ أكرمنا ولا تُهنا اللَّهُمَّ أَعِنَّا وَلا تُعِنْ عَليْنَا اللَّهُمَّ انْصُرْنَا عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيْنَا, اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عَيْشَ السُّعَدَاءِ, وَمَوْتَ الشُّهَدَاءِ, وَالحَشْرَ مَعَ الأَتْقِيَاءِ, وَمُرَافَقَةَ الأَنْبِيَاءِ, سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ, وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ, وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

المرفقات

1612965212_الشِّرْكُ يعود بَيْنَ النَّاسِ فِي بِلَادِنَا30 جُمَادَى الآخِرَة 1442هـ.doc

المشاهدات 2064 | التعليقات 2

جزاك الله خير 


جزاك الله خيرا