الشرف لا الخيانة ! موافقة للتعميم
عبدالرزاق بن محمد العنزي
8/3/1443هـ (العمل شرف والتستر خيانة)
الخطبة الأولى:
أيها الناس: حديثنا اليوم عن أمر عظيم، يبيِّن قيمة الشريف من السفيه، ويبين حقيقة العفيف من اللئيم، يجعل من الحقير نبيلاً، ويجعل النصر قريبًا؛إنه ا لعمل!
شرفُ المؤمن، وسندُ الفقير، وكرامةُ الضعفاء، ونصير الأمة، وميزان الإنسان العزيز.
قال عمر بن الخطاب رضِي الله عنه:إنِّي لأرى الرجل فيعجبني فأسأل عن عمله، فإنْ قيل: ليس له عمل، سقط من عيني.
وقال في حِكمتَه الذهبيَّة التي سجَّلها التاريخ: "لا يَقعدْ أحدكم عن طلَب الرِّزق ويقول: اللهمَّ ارزقني، وقد عَلِم أنَّ السَّماء لا تُمطِر ذهبًا ولا فِضَّةً".
وقال رجل للإمام أحمد بن حنبل: ترى أن أعمل؟ قال: نعم، وتصدق بالفضل على قرابتك، وكان يقول: "ما أحسن الاستغناءَ عن الناس!".
وعن الزُّبير بن العوَّام - رضي الله عنه -: أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((لَأَنْ يأخذَ أحدُكم حَبلَه، فيأتيَ بحُزمة الحطب على ظهره، فيبيعَها، فيكُفَّ اللهُ بها وجهَه - خيرٌ له مِن أن يسألَ الناس، أعطَوْه أو منعُوه))؛ رواه البخاري.
عباد الله:إنَّ الآياتِ الكريمةَ،والأحاديث النَّبوية الشريفة التي تحضُّ على العَمل لَتدلُّ على أنَّ المسلمين مُطالَبون بالعَمل الجادِّ المُثمِر المتقَن؛ كي لا يكونوا عالةً على غيرِهم من الكفَّار.
فأي قوم تركوا العمل وركنوا إلى الخمول واليأس، أجدر بهم أن يكونوا من أحط الأمم وأذل الشعوب، قدر لهم ويلاً في الحياة وخزياً في الممات وناراً يوم يبعثون قال تعالى: ﴿ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾﴿ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾.
ماذا يأمل النائمون والمتهاونون؟ أنصراً من دون عمل؟ أفرجاً من دون تقوى؟ أعزاً من دون تضحية؟ ذلك أمل بعيد وخسران مبين!ربطت الأسباب بالمسببات فلا يدرك المجد بالتمني ولا ينال العلى بالنوم وسبيل الجنة العمل ولن تعطى الحريةَ لمكسال يؤوس.
ولّت أيام الغفلة وانقضى زمن التسويف والرقاد، فمن قام اليوم أفلح ومن تنبه وعمل فاز ومن نام وطئ بالأقدام ولن ترجى له حياة بعد ذلك أبداً.
المؤمن القوي في دِينه ودنياه، والذي يؤدِّي ما افترضه اللَّه عليه، ولا يَعتمِد على غيره في إطعامه، بل يَحترف مِهنةً يأكُل منها، ويَستفيد بها المجتمع - هو مؤمِن قويٌّ حقًّا؛ لأنَّه أخذ بمبدأ الإسلام، فكان عاملاً في بناء المجتمع الصالح، وهو بذلك خير مِن المؤمن الذي انصرف إلى العبادة، وعاش عالَةً على غيره، فاستمرَأ البَطالة، وأصبَح كَلاًّ على الناس.
اعلم علمني الله وإياك: أن سلف هذه الأمة كانوا من أحرص الناس على العمل والكسب، ها هو نبي الله موسى عليه السلام يعمل بالأجرة عند العبد الصالح شعيب يقول سبحانه وتعالى "قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ" وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم- كان زكريا نجاراً.
الخطبة الثانية:
أيها المسلم : احرص على اختيار العمل المشروع وتجنب الوقوع في الشبهات والحرام .
قال يحيى بن معاذ رحمه الله:- الطاعة خزانة من خزائن الله إلا أن مفاتحها الدعاء وأسنانه لقم الحلال.
ولقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن كل جسم نبت من حرام فالنار أولى به كما في وصيته صلى الله عليه وسلم لكعب بن عجرة: "يا كعبُ بنَ عُجْرةَ إنَّه لا يدخُلُ الجنَّةَ لحمٌ ودمٌ نبَتا على سُحتٍ النَّارُ أَوْلى به".
ألاَ وإنَّ منَ الكسبِ الحَرَامِ ما يُعْرَف بالتستُّرِ التجاريّ!
الذي كثر انتشاره وتعددت آثاره وتنوعت مفاسده وعظمت أضراره في العقيدة،والأمن،والاقتصاد،والتجارة،وكذلك الآثار الخلقية والاجتماعية وغيرها.
والتستر له صور كثيرة وأشكال متلونة فمن ذلك:
فتحُ الموظَّفِ مَحَلاً تجارياً أو مؤسسةً باسم والدته أو زوجته وهيَ له، أو يَفتح المحلَّ باسمه وهو للعاملِ.
ومنها: بيع التأشيرات.
ومن التستُّرِ التجاريِّ الْمُحرَّم:أخذ مبلغٍ ماليٍّ من العاملِ شهرياً أو سنوياً مُقابلَ كَفَالتهِ وتركهِ يَعملُ لنفسهِ.
وَالتَّسَتُّرُ مُحَرَّمٌ بِالشَّرْعِ؛ لِأَنَّ فِيهِ كَذِبًا وَزُورًا وَتَدْلِيسًا، وَمُجَرَّمٌ في ِالنِّظَامِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ مُخَالَفَةٍ لِوَلِيِّ الْأَمْرِ وَالْأَنْظِمَةِ الَّتِي رُتِّبَتْ عَلَيْهَا هَذِهِ الْقَرارَاتُ.
عِبَادَ اللهِ: إِنَّ التَّسَتُّرَ فِيهِ مِنَ الْكَذِبِ، وَالتَّدْلِيسِ، وَالْفَسَادِ، وَتَدْمِيرِ الْأُسْرَةِ ، وَتَشْتِيتِ شَمْلِها مَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللهُ.
فَكَمْ مِنْ إِنْسَانٍ افْتَتَحَ مُنْشَأَةً بِاسْمِ ابْنِهِ الَّذِي لَا يَزَالُ طَالِبًا،أو أخيه ثُمَّ سَلَّمَهَا لِوَافِدٍ أَوْ قَرِيبٍ يَنَالُ خَيْرَاتِها، وَيَنَالُ ابْنُهُ وأخوه شَرَّهَا وَوَيْلَاتِها!
فَعَلَيْنَا أَلَّا نُدَمِّرَ حَيَاةَ من نحب بِهَذَا التَّسَتُّرِ الْمُشِينِ.
والدَّوْلَةَ -وَفَّقَهَا اللهُ- حِينَمَا مَنَعَتْ مِثْلَ هَذِهِ الْجَرَائِمِ، فَإِنَّ سَبَبَ ذَلِكَ مَا رَأَتْهُ مِنْ آثَارٍ خَطِيرَةٍ، وَقَامَتْ بِإِغْلَاقِ بَابِ الشَّرِّ؛ مُرَاعَاةً لِمَصَالِحِ النَّاسِ.
ثم صلوا وسلموا،،،،