الشرف العظيم (ثناء الله على أنبيائه)
محمد بن إبراهيم الشمسان
1442/04/18 - 2020/12/03 08:38AM
الحمد لله، يخفض ويرفع، ويعز ويذل، وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ﴿يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخۡتَارُۗ مَا كَانَ لَهُمُ ٱلۡخِيَرَةُۚ سُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ﴾، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، رفع الله ذكره، وأعلى منزلته، صلى الله وسلم عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فاتقوا الله تعالى أيها المؤمنون، واعلموا أن ﴿لِلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ عِندَ رَبِّهِمۡ جَنَّٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا وَأَزۡوَٰجٞ مُّطَهَّرَةٞ وَرِضۡوَٰنٞ مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِٱلۡعِبَادِ﴾.
أيها المؤمنون: جاء عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله تعالى عنهما، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ} قَالَ: قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ حَمْدِي زَيْنٌ وَإِنَّ ذَمِّي شَيْنٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ذَاكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. أخرجه الترمذي، وصححه الألباني.
عباد الله: إن الشرفَ كلَّ الشرف هو لأولئك الذين امتدح الله أفعالَهم، وحَمِد خصالهم، وأثنى عليهم في كتابه، وجعلهم قدوة لعباده..
فتعالوا -عباد الله- لنقف مع رجال نَوَّه الله بشرفهم في القرآن، في آيات تتلى على مرّ الأيام والأعوام والأزمان، فشرفهم ثابت راسخ، ومكانتهم عالية رفيعة.
في كتاب الله يرى المؤمن كيف يمدح الله أقواما، ويذمّ آخرين..
فيمدح الله المؤمنين المتقين، ويذم الكافرين والمنافقين..
يمدح الرسل والأنبياء، ويذم الكذبة والأشقياء..
يرى المؤمن في كتاب الله كيف يفخم الله شأن أنبيائه ورسله، وينوه بذكرهم، ويمدح أفعالهم وأحوالهم، ويدعو المؤمنين للاقتداء والاهتداء بهديهم..
إن من أعظم ما يغرسه القرآن في قلوب المؤمنين أن يعظموا الرسل والأنبياء، ويحبوهم ويقتدوا بهم، ويبغضوا من خالفهم وناوأهم وعاداهم..
إن المؤمن ليهتز قلبه وهو يقرأ الآيات التي تعظم حال الأنبياء وتثني عليهم، إنه ليس ذكرا عاديا، بل هو ثناء رب العالمين عليهم.. وهو تربية لعباد الله الصالحين أن يعرفوا منزلةَ هؤلاء الأنبياء، وعظيمَ مكانتهم، فتمتلأ قلوبهم محبةً لهم، وإعجاباً بحالهم وبذلهم وصبرهم.
يكفيهم فخرا وعزا أن الله هو الذي اختارهم لرسالته، واصطفاهم من بين خليقته؛ ليكونوا رسلا إلى خلقه، ﴿ٱللَّهُ يَصۡطَفِي مِنَ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ رُسُلٗا وَمِنَ ٱلنَّاسِۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعُۢ بَصِيرٞ﴾..
إن العبد وهو يتلو كتاب الله ويتنقل بين آياته وسوره ليرى بوضوح كيف يكرر الله قَصص أنبيائه، مادحا لهم، ومثنيا عليهم، وذابا عنهم، ومهددا ومتوعدا لأعدائهم من الظالمين والفاسقين والكافرين.
فهذا نوح عليه السلام يذكر الله عز وجل بذله وصبره في تبليغ رسالة ربه فيقول: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوۡتُ قَوۡمِي لَيۡلٗا وَنَهَارٗا٥ فَلَمۡ يَزِدۡهُمۡ دُعَآءِيٓ إِلَّا فِرَارٗا٦ وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوۡتُهُمۡ لِتَغۡفِرَ لَهُمۡ جَعَلُوٓاْ أَصَٰبِعَهُمۡ فِيٓ ءَاذَانِهِمۡ وَٱسۡتَغۡشَوۡاْ ثِيَابَهُمۡ وَأَصَرُّواْ وَٱسۡتَكۡبَرُواْ ٱسۡتِكۡبَارٗا٧ ثُمَّ إِنِّي دَعَوۡتُهُمۡ جِهَارٗا٨ ثُمَّ إِنِّيٓ أَعۡلَنتُ لَهُمۡ وَأَسۡرَرۡتُ لَهُمۡ إِسۡرَارٗا٩﴾، بل إن الله عز وجل يذكر مدة لبثه في قومه داعياً وناصحاً لهم فيقول: ﴿وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوۡمِهِۦ فَلَبِثَ فِيهِمۡ أَلۡفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمۡسِينَ عَامٗا﴾ وحين أيس منهم دعا الله عز وجل، فانتصر الله له ﴿فَدَعَا رَبَّهُۥٓ أَنِّي مَغۡلُوبٞ فَٱنتَصِرۡ١٠ فَفَتَحۡنَآ أَبۡوَٰبَ ٱلسَّمَآءِ بِمَآءٖ مُّنۡهَمِرٖ١١ وَفَجَّرۡنَا ٱلۡأَرۡضَ عُيُونٗا فَٱلۡتَقَى ٱلۡمَآءُ عَلَىٰٓ أَمۡرٖ قَدۡ قُدِرَ١٢ وَحَمَلۡنَٰهُ عَلَىٰ ذَاتِ أَلۡوَٰحٖ وَدُسُرٖ١٣ تَجۡرِي بِأَعۡيُنِنَا جَزَآءٗ لِّمَن كَانَ كُفِرَ١٤﴾ ويقول الله: ﴿وَلَقَدۡ نَادَىٰنَا نُوحٞ فَلَنِعۡمَ ٱلۡمُجِيبُونَ٧٥ وَنَجَّيۡنَٰهُ وَأَهۡلَهُۥ مِنَ ٱلۡكَرۡبِ ٱلۡعَظِيمِ٧٦ وَجَعَلۡنَا ذُرِّيَّتَهُۥ هُمُ ٱلۡبَاقِينَ٧٧ وَتَرَكۡنَا عَلَيۡهِ فِي ٱلۡأٓخِرِينَ٧٨ سَلَٰمٌ عَلَىٰ نُوحٖ فِي ٱلۡعَٰلَمِينَ٧٩ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُحۡسِنِينَ٨٠ إِنَّهُۥ مِنۡ عِبَادِنَا ٱلۡمُؤۡمِنِينَ٨١﴾.
ويثني الله على خليله إبراهيمَ، وابنه إسحاق، وابنِ ابنِه يعقوبَ عليهم السلام فيقول الله: ﴿وَٱذۡكُرۡ عِبَٰدَنَآ إِبۡرَٰهِيمَ وَإِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَ أُوْلِي ٱلۡأَيۡدِي وَٱلۡأَبۡصَٰرِ٤٥ إِنَّآ أَخۡلَصۡنَٰهُم بِخَالِصَةٖ ذِكۡرَى ٱلدَّارِ٤٦ وَإِنَّهُمۡ عِندَنَا لَمِنَ ٱلۡمُصۡطَفَيۡنَ ٱلۡأَخۡيَارِ٤٧﴾ فامتدحهم الله بالقوة في طاعته، والبصيرة في دينه، وخصهم بخاصة عظيمة، حيث جعلَ ذكرى الدارِ الآخرةِ في قلوبهم، فعملوا لها، ودعوا الناس إليها، وذكَّروهم بها، ويقول سبحانه: ﴿وَوَهَبۡنَا لَهُۥٓ إِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَ نَافِلَةٗۖ وَكُلّٗا جَعَلۡنَا صَٰلِحِينَ٧٢ وَجَعَلۡنَٰهُمۡ أَئِمَّةٗ يَهۡدُونَ بِأَمۡرِنَا وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡهِمۡ فِعۡلَ ٱلۡخَيۡرَٰتِ وَإِقَامَ ٱلصَّلَوٰةِ وَإِيتَآءَ ٱلزَّكَوٰةِۖ وَكَانُواْ لَنَا عَٰبِدِينَ٧٣﴾.
ويمدح الله إسماعيل واليسع وذا الكفل عليهم السلام، فيقول: ﴿وَٱذۡكُرۡ إِسۡمَٰعِيلَ وَٱلۡيَسَعَ وَذَا ٱلۡكِفۡلِۖ وَكُلّٞ مِّنَ ٱلۡأَخۡيَارِ﴾ ويقول: ﴿وَٱذۡكُرۡ فِي ٱلۡكِتَٰبِ إِسۡمَٰعِيلَۚ إِنَّهُۥ كَانَ صَادِقَ ٱلۡوَعۡدِ وَكَانَ رَسُولٗا نَّبِيّٗا٥٤ وَكَانَ يَأۡمُرُ أَهۡلَهُۥ بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱلزَّكَوٰةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِۦ مَرۡضِيّٗا٥٥﴾ ويقول: ﴿وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِدۡرِيسَ وَذَا ٱلۡكِفۡلِۖ كُلّٞ مِّنَ ٱلصَّٰبِرِينَ٨٥ وَأَدۡخَلۡنَٰهُمۡ فِي رَحۡمَتِنَآۖ إِنَّهُم مِّنَ ٱلصَّٰلِحِينَ٨٦﴾، إنها أوسمة شرف، لا تذهب بموت أصحابها، ولا تزيدها الأيام إلا رسوخا وثباتا.
أما كليم الرحمن موسى عليه السلام، فقد اختاره الله واصطنعه، وكلّمه وشرّفه, تأمل في قول الله سبحانه عن موسى عليه السلام: ﴿وَأَنَا ٱخۡتَرۡتُكَ فَٱسۡتَمِعۡ لِمَا يُوحَىٰٓ﴾ وقوله: ﴿إِنِّي ٱصۡطَفَيۡتُكَ عَلَى ٱلنَّاسِ بِرِسَٰلَٰتِي وَبِكَلَٰمِي﴾، إنه اختيار الله، وكفى به شرفا وفضلا, ويقول الله: ﴿وَٱصۡطَنَعۡتُكَ لِنَفۡسِي﴾، فيا لله كم في هذه الآية من العناية والتعظيم والتشريف والتبجيل لموسى عليه السلام.
بل إن الله كلّمه وناداه ﴿وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكۡلِيمٗا﴾، ويقول: ﴿هَلۡ أَتَىٰكَ حَدِيثُ مُوسَىٰٓ١٥ إِذۡ نَادَىٰهُ رَبُّهُۥ بِٱلۡوَادِ ٱلۡمُقَدَّسِ طُوًى١٦﴾.
ويخبر الله عن المنزلة العالية لنبيه داود وسليمان عليهما السلام، فيقول عن كل واحد منهما في آيتين من سورة "ص": ﴿وَإِنَّ لَهُۥ عِندَنَا لَزُلۡفَىٰ وَحُسۡنَ مََٔابٖ﴾، أي له المنزلةُ العالية عند الله، وحسنُ المصير في الآخرة.
ويقول الله عن نبيه سليمان عليه السلام: ﴿نِّعۡمَ ٱلۡعَبۡدُ إِنَّهُۥٓ أَوَّابٞ﴾، ويقول عن أيوب عليه السلام: ﴿إِنَّا وَجَدۡنَٰهُ صَابِرٗاۚ نِّعۡمَ ٱلۡعَبۡدُ إِنَّهُۥٓ أَوَّابٞ﴾.
أما نبينا صلى الله عليه وسلم، فالقرآن كلُّه دالٌّ على شرفه ومكانته، وعظيم منزلته عند الله، فقد جاء في القرآن أن: ﴿ٱللَّهَ وَمَلَٰٓئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّۚ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيۡهِ وَسَلِّمُواْ تَسۡلِيمًا﴾.
يقول ابن كثير رحمه الله (وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ: أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَخْبَرَ عِبَادَهُ بِمَنْزِلَةِ عَبْدِهِ وَنَبِيِّهِ عِنْدَهُ فِي الْمَلَأِ الْأَعْلَى، بِأَنَّهُ يُثْنِي عَلَيْهِ عِنْدَ الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ، وَأَنَّ الْمَلَائِكَةَ تُصَلِّي عَلَيْهِ، ثُمَّ أَمَرَ تَعَالَى أَهْلَ الْعَالَمِ السُّفْلِيِّ بِالصَّلَاةِ وَالتَّسْلِيمِ عَلَيْهِ، لِيَجْتَمِعَ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِ الْعَالَمِينَ الْعُلْوِيِّ وَالسُّفْلِيِّ جَمِيعًا" ا.هـ.
فأعظم به من تكريم وتبجيلٍ لنبينا صلى الله عليه وسلم.
ويثني الله على نبيه بما اتصف به من مكارم الأخلاق فيقول: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٖ﴾.
ويهدد الله من يؤذي نبيه فيقول: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يُؤۡذُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمۡ عَذَابٗا مُّهِينٗا﴾، ويكرمه الله بمغفرة ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وبالفتح وبالهداية والنصر فيقول: ﴿إِنَّا فَتَحۡنَا لَكَ فَتۡحٗا مُّبِينٗا١ لِّيَغۡفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنۢبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعۡمَتَهُۥ عَلَيۡكَ وَيَهۡدِيَكَ صِرَٰطٗا مُّسۡتَقِيمٗا٢ وَيَنصُرَكَ ٱللَّهُ نَصۡرًا عَزِيزًا ٣﴾.
وحين فتر الوحي عن رسول الله وخشي النبي صلى الله عليه وسلم على نفسه أنزل الله: ﴿وَٱلضُّحَىٰ١ وَٱلَّيۡلِ إِذَا سَجَىٰ٢ مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ٣ (أي ما تركك وما أبغضك) وَلَلۡأٓخِرَةُ خَيۡرٞ لَّكَ مِنَ ٱلۡأُولَىٰ٤ وَلَسَوۡفَ يُعۡطِيكَ رَبُّكَ فَتَرۡضَىٰٓ٥﴾، ثم في السورة التي تليها يقول الله مخاطباً نبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿أَلَمۡ نَشۡرَحۡ لَكَ صَدۡرَكَ١ وَوَضَعۡنَا عَنكَ وِزۡرَكَ٢ ٱلَّذِيٓ أَنقَضَ ظَهۡرَكَ٣ وَرَفَعۡنَا لَكَ ذِكۡرَكَ٤﴾ ...
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم.
الحمد لله، له الحمد في الأولى والآخرة، وهو الحكيم الخبير، وصلى الله وسلم على البشير النذير، والسراج المنير، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد: فاتقوا الله عباد الله.
أيها المؤمنون: وحين ذكر الله الأنبياء في سورة مريم قال: ﴿أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّۧنَ مِن ذُرِّيَّةِ ءَادَمَ وَمِمَّنۡ حَمَلۡنَا مَعَ نُوحٖ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبۡرَٰهِيمَ وَإِسۡرَٰٓءِيلَ وَمِمَّنۡ هَدَيۡنَا وَٱجۡتَبَيۡنَآۚ إِذَا تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتُ ٱلرَّحۡمَٰنِ خَرُّواْۤ سُجَّدٗاۤ وَبُكِيّٗا﴾، وقال مخاطبا نبيه صلى الله عليه وسلم في سورة الأنعام بعد أن ذكر عددا من الأنبياء {أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة}، ثم قال: {أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده}.
إن المؤمن وهو يقرأ سورة الفاتحة في كل ركعة من صلاته فيقول: {اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم} ليستشعر أنه يدعو الله أن يرزقه السير على طريق الأنبياء؛ فهم الذين أنعم الله عليهم {ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا}.
ولقد كان رسلُ الله أهلَ المسارعة إلى الخيرات والمسابقة إلى الأعمال الصالحات، قال الله عنهم في سورة الأنبياء ﴿إِنَّهُمۡ كَانُواْ يُسَٰرِعُونَ فِي ٱلۡخَيۡرَٰتِ وَيَدۡعُونَنَا رَغَبٗا وَرَهَبٗاۖ وَكَانُواْ لَنَا خَٰشِعِينَ﴾.
إن القرآن ليربي قلوبنا أن تعمر بمحبة رسل الله وأنبيائه، وأن ترى فيهم المثل الأعلى، والأسوة الحسنة، وإن المرء ليحشر يوم القيامة مع من أحب، جاء في صحيح البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: مَتَى السَّاعَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «مَا أَعْدَدْتَ لَهَا» قَالَ: مَا أَعْدَدْتُ لَهَا مِنْ كَثِيرِ صَلاَةٍ وَلاَ صَوْمٍ وَلاَ صَدَقَةٍ، وَلَكِنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، قَالَ: «أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ».
وبعد أيها المؤمنون: فكلٌّ يبحث عن الشرف والمكانة، وأن يكون في قائمة الشرفاء، ولن يكون له ذلك على الحقيقة، حتى يكونَ لله متقيا، قال الله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ}
قال بعض العارفين: ما أبقى الله بهذه الآية لأحد شرفَ أبوّة.
لعمرك ما الإنسان إلّا بدينه ... فلا تترك التّقوى اتّكالا على الحسبْ
فقد زيّن الإيمان سلمان فارسٍ ... وقد وضع الشّركُ الشريفَ أبا لهبْ
اللهم حبب إلينا الإيمان، وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين.
اللهم حبب إلينا أنبياءك ورسلك، واحشرنا في زمرتهم، يا حيّ يا قيوم.
اللَّهُمَّ إِنِّا نَسْأَلُكَ العَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إِنِّا نَسْأَلُكَ العَفْوَ وَالعَافِيَةَ فِي دِيْنِنا وَدُنْيَانا، وَأَهْلِينا وَأمْوالِنَا، الَّلهُمَّ اسْتُرْ عَوْراَتِنا وَآمِنْ رَوْعَاتِنَا، الَّلهُمَّ احْفَظْنِا مِنْ بَيْنَ أيْدينَا وَمِنْ خَلْفِنَا، وَعَنْ أَيْمَانِنَا وَعَنْ شَمَائلِنَا، وَمِنْ فَوْقِنَا، وَنَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ نُغْتَالَ مِنْ تَحْتِنَا.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَحْفَظَنَا بِحِفْظِكَ, وَأَنْ تَكْلَأَنَا بِرِعَايَتِكَ, وَأَنْ تَدْفَعَ عَنَّا الغَلَاء َوَالوَبَاءَ، وَالرِّبَا وَالزِّنَا، وَالزَّلَازِلَ وَالمِحَنَ، وَسُوءَ الفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.
اللهم اشف مرضانا، وعاف مبتلانا، واقض ديوننا، وأصلح ولاة أمرنا، واحم حدودنا، واحفظ جنودنا المرابطين، وانصر مجاهدينا، وعجل فرج إخواننا المستضعفين والمنكوبين يا ذا الجلال والإكرام.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.