الشتاء 1445/5/17ه
يوسف العوض
الخطبة الأولى
عِبَادَ اللهِ: إِنَّ مِنْ حِكْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وفَضْلِهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ صَرَّفَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالأَيَّامَ، وَقَلَّبَ الشُّهُورَ وَالفُصُولَ وَالأَعْوَامَ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ مَصَالِحَ عَظِيمَةٍ كَثِيرَةٍ، وَحِكَمٍ بَالِغَةٍ كَبِيرَةٍ، قَالَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ: "إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ " وَقَدْ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَصْلُ الشِّتَاءِ بِمَا فِيهِ مِنْ فُرَصٍ لِلطَّاعَةِ وَالْعِبَادَةِ: بَلَيْلِهِ الطَّوِيلِ الَّذِي يَجْعَلُ لِلْمُؤْمِنِ فُسْحَةً لِقِيَامِهِ، وَنَهَارِهِ الْقَصِيرِ الْبَارِدِ الَّذِي يُرَغِّبُ الْمُؤْمِنَ فِي صِيَامِهِ، فَهُوَ رَبِيعُ الْمُؤْمِنِ وَغَنِيمَتُهُ الْبَارِدَةُ،.
أَلَا وَإِنَّ مِنْ نِعَمِ اللهِ عَلَيْنَا أَنْ شَرَعَ لَنَا جُمْلَةً مِنَ الْأَحْكَامِ تُنَظِّمُ حَيَاتَنَا وَتُخَفِّفُ مِنْ تَكَاليفِهَا بِمَا يَتَنَاسَبُ مَعَ هَذَا الْفَصْلِ مِنْ فُصُولِ السَّنَةِ.
وَمِنْ تِلْكَ الأَحْكَامِ وَالآدَابِ المُتَعَلِّقةِ بالشِّتَاءِ: التَّيَمُّمُ، فَمَنْ أَرَادَ الوُضُوءَ أَوِ الغُسْلَ ولَمْ يَجِدِ المَاءَ، أَوْ وَجَدَهُ وَلَكِنَّهُ شَدِيـدُ الْبُرُودَةِ، أَوْ كَانَ الْبَرْدُ قَارِساً وَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْهَلَاكَ أَوْ ضَرَرًا فِي جَسَدِهِ إِنْ هُوَ اسْتَعْمَلَ الْمَاءَ: شُرِعَ لَهُ التَّيَمُّمُ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى"وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا".
وَمِنَ الأَحْكَامِ الَّتِي يَحْتَاجُهَا الْمُسْلِمُ وَخَاصَّةً فِي هَذَا الْفَصْلِ: الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ أَوِ الْجَوْرَبَيْنِ، وَهُوَ ثَابِتٌ بِالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ؛ وَيُشْتَرَطُ فِي الْمَسْحِ أَنْ يَلْبَسَ الخُفَّيْنِ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ، وَأَنْ يَكُونَ الْخُفُّ طَاهِرًا، فَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى خُفٍّ نَجِسٍ، فَعَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَأَهْوَيْتُ لِأَنْزِعَ خُفَّيْهِ، فَقَالَ: «دَعْهُمَا، فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ» فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا [أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ]، قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: «مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً جَوَازُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ» اهـ.
وَمِنْ شُرُوطِ المَسْحِ عَلَى الخُفَّيْنِ أَيضًا أَنْ يَمْسَحَ الْمُقِيمُ يَوْماً وَلَيْلَةً، وَالمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِلَيَالِيهَا؛ فَعَنْ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ قَالَ: أَتَيْتُ عَائِشَةَ أَسْأَلُهَا عَنِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، فَقَالَتْ: عَلَيْكَ بِابْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَسَلْهُ فَإِنَّهُ كَانَ يُسَافِرُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلْنَاهُ فَقَالَ: «جَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ لِلْمُسَافِرِ، وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ» [أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ]، إِلَّا إِذَا أَصَابَتْهُ جَنَابَةٌ فَيَلْزَمُهُ خَلْعُهُمَا وَغَسْلُ الْقَدَمَيْنِ مَعَ سَائِرِ الْجَسَدِ؛ لِمَا رَوَاهُ صَفْوَانُ بْنُ عَسَّالٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا إِذَا كُنَّا سَفْرًا أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ، إِلَّا مِنْ جَنَابَةٍ، وَلَكِنْ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ» [أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ إِلَّا أَبَا دَاوُدَ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ].
ويُشْرَعُ الْجَمْعُ بَيْنَ صَلَاتَيِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، وَبَيْنَ صَلَاتَيِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ؛ فِي الْمَطَرِ الَّذِي يُبَلِّلُ الثِّيَابَ وَيُلْحِقُ الحَرَجَ بِالنَّاسِ؛ لِإِدْرَاكِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسَاجِدِ وَالتَّيْسيرِ عَلَى النَّاسِ، كَمَا ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ جَمْعٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَهَذِهِ الرُّخْصَةُ لِمَنْ يُصَلِّي جَمَاعَةً فِي مَسْجِدٍ يَتَأَذَّى فِي طَرِيقِهِ إِلَيْهِ، عَلَى تَفْصِيلٍ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي مَسَائِلِ الْجَمْعِ فِي الْمَطَرِ وَغَيْرِهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِالْمَدِينَةِ سَبْعًا وَثَمَانِيًا: الظُّهْرَ وَالعَصْرَ، وَالمَغْرِبَ وَالعِشَاءَ»، فَقَالَ أَيُّوبُ [لِجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ]: (لَعَلَّهُ فِي لَيْلَةٍ مَطِيرَةٍ، قَالَ: عَسَى) [أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالْلَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ].
وَيُسَنُّ لِلْمُؤَذِّنِ عِنْدَ شِدَّةِ المَطَرِ أَوِ الرِّيحِ أَنْ يَقُولَ: (صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ) فقد رَوى نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ نَادَى بِالصَّلَاةِ فِي لَيْلَةٍ ذَاتِ بَرْدٍ وَرِيحٍ وَمَطَرٍ، فَقَالَ فِي آخِرِ نِدَائِهِ: أَلَا صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ، أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ الْمُؤَذِّنَ، إِذَا كَانَتْ لَيْلَةٌ بَارِدَةٌ، أَوْ ذَاتُ مَطَرٍ فِي السَّفَرِ، أَنْ يَقُولَ: «أَلَا صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ» [أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ]. وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ لِمُؤَذِّنِهِ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ: (إِذَا قُلْتَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، فَلَا تَقُلْ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، قُلْ: صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ) [أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ].
وَلَقَدْ كَانَ السَّلَفُ يَفْرَحُونَ بِالشِّتَاءِ ؛ لِقِصَرِ نَهَارِهِ لِلصَّائِمِ، وَطُولِ لَيْلِهِ لِلْقَائِمِ، فَهُوَ رَبِيعُ الْمُؤْمِنِ، عَنْ عَامِرِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الغَنِيمَةُ البَارِدَةُ: الصَّوْمُ فِي الشِّتَاءِ» [أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ].
الخطبة الثانية
عِبَادَ اللهِ : قَالَ اللهُ تَعالى:"وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ۛ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ" لَا بُدَّ لِلْمُسْلِمِ مِنْ مُرَاعَاةِ شُرُوطِ السَّلَامَةِ فِي أمَاكنَ المُتَنَزَّهات، وَالْتِزَامِ الآدَابِ الشَّرْعِيَّةِ والأَخْلَاقِ الإِسْلَامِيَّةِ، فَلَا يَقْطَعُ نَـبَاتًا وَلَا شَجَرًا، وَلَا يُؤْذِي حَيَوَانًا وَلَا بَشَرًا، وَلَا يَتْرُكُ الْقُمَامَةَ وَالْمُخَلَّفَاتِ الَّتِي تُؤْذِي النَّاسَ وَتُشَوِّهُ الْأَمَاكِنَ وَتَضُرُّ بِجَمَالِ الْبِيئَةِ وَسَلَامَتِهَا.
وَمِمَّا يَنْبَغِي مُرَاعَاتُهُ مِنَ الآدَابِ: الدُّعَاءُ عِنْدَ نُزُولِ الْمَكَانِ؛ فَعَنْ خَوْلَةَ بِنْتِ حَكِيمٍ السُّلَمِيَّةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ نَزَلَ مَنْزِلًا ثُمَّ قَالَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ: لَمْ يَضُرُّهُ شَيْءٌ، حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ» [أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ].
وَيُسَنُّ لِمَنْ كَانَ فِي الْبَرِّ أَنْ يُؤَذِّنَ لِلصَّلَاةِ؛ لِمَا رَوَاهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِابْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ الْأَنْصَارِيِّ: إِنِّي أَرَاكَ تُحِبُّ الْغَنَمَ وَالْبَادِيَةَ فَإِذَا كُنْتَ فِي غَنَمِكَ أَوْ بَادِيَتِكَ فَأَذَّنْتَ بِالصَّلَاةِ فَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالنِّدَاءِ. «فَإِنَّهُ لَا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلَا إِنْسٌ وَلَا شَيْءٌ إِلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ]. وَكَذَا تَنْبَغِي الْمُحَافَظَةُ عَلَى الصَّلَاةِ فِي جَمَاعَةٍ مَا أَمْكَنَ -مَعَ مُرَاعَاةِ شُرُوطِ السَّلَامَةِ- وَتَجَنُّبُ الصَّلَاةِ فِي مَبَارِكِ الإِبِلِ، فَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ؟ قَالَ: «نَعَمْ» قَالَ: أُصَلِّي فِي مَبَارِكِ الْإِبِلِ؟ قَالَ: «لَا» [أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ].
وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ كَانَ فِي الْفَضَاءِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ أَوْ يَسْتَدْبِرَهَا عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ؛ فَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: «إِذَا أَتَيْتُمُ الغَائِطَ فَلَا تَسْتَقْبِلُوا القِبْلَةَ وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا، وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا» [أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ].
تذكروا- أيها المسلمون - وأنتمْ تحسونَ بأذى البردِ، تذكروا وأنتمْ مطمئنونَ في بيوتكمْ، مطمئنونَ بينَ أهليكمْ وأولادكمْ، تذكروا إخوانكمُ المستضعفينَ منَ الفقراءِ حولكمْ منْ جيرانكمْ وأقربائكمْ، ماذا قدمتمْ لهمْ منْ عونٍ ومساعدةٍ؟ تَذَكَّرُوا أيضًا إِخْوَانًا لَكُمْ شَرَّدَتْهُمُ القُوَى الظَّالِمَةُ الغَاشِمَةُ. فَهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ وَأَطْفَالُهُمْ فِي مَلَاجِئَ وَمُخَيَّمَاتٍ. لَا تَقِيهِمْ مِنَ الهَوَاءِ، وَلَا تَحْمِيهِمْ مِنَ الصَّقِيعِ، تَذَكَّرُوا أُولَئِكَ كُلَّهُمْ فَإِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ، يَا تُرَى مَا هُوَ حَالُهُمْ وَقَدْ ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الحِيلَةُ؟! وَمَا هُوَ حَالُ نِسَائِهِمْ وَأَطْفَالِهِمْ فِي هَذَا البَرْدِ القَارِسِ مَعَ شُحِّ الطَّعَامِ وَقِلَّةِ اللِّبَاسِ، وَانْعِدَامِ وَسَائِلِ التَّدْفِئَةِ، حقًا إنَّ البلاءَ عليهمْ عظيمٌ، اجتمعَ عليهمْ ثالوثُ الخطرِ؛ الخوفُ والقتلُ، الجوعُ والمسغبةُ، البردُ وشدتهُ. إنَّ معاناةَ الجسدِ الواحدِ لا بدَّ أنْ تحضرَ ولا تغيبُ، وَهُوَ دَالٌّ عَلَى حَيَاةِ قُلُوبِكُمْ تِجَاهَ إِخْوَانِكُمْ: «المُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ، يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا» متفق عليه.