الشتاء .. فضائل ووقفات
عبدالله اليابس
1434/02/06 - 2012/12/19 19:22PM
الشتاء فضائل ووقفات
الجمعة 8/2/1434هـ
الحمد لله مدبر الليالي والأيام, ومصرف الشهور والأعوام, الملك القدوس السلام, إله رحيم كثير الإنعام, قدر الأمور فأجراها على أحسن نظام, وأشهد أن لا إله إلا الله الذي لا تحيط به العقول والأوهام, وأشهد أن محمد عبده ورسوله أفضل الأنام, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم على الدوام, وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فبعد موسم صائف, وشمس حارة حارقة, هانحن نعيش أيام فصل الشتاء, حيث يشتد البرد, ويلجأ الناس إلى البيوت والمعاطف, يحتمون من شدة البرد, ويهرعون إلى دفئ الشمس بعد أن كانوا بالأمس يهربون من حرارتها, فسبحان الله رب العالمين.
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم .. وجاء الشتاء:
إن الشتاء على سآمة وجهه ### لهو المفيد طلاوة المصطاف
المؤمن يفرح بالشتاء, خرج الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (الشتاء ربيع المؤمن) وخرجه البيهقي وغيره وزاد فيه: (طال ليله فقامه, وقصر نهاره فصامه).
قال الإمام ابن رجب الحنبلي في كتابه القيم "لطائف المعارف": (إنما كان الشتاء ربيع المؤمن لأنه يرتع فيه في بساتين الطاعات, ويسرح في ميادين العبادات, وينزه قلبه في رياض الأعمال الميَسَّرة فيه, كما ترعى البهائم في مرعى الربيع فتسمنُ وتصلح أجسادها, فكذلك يصلح دين المؤمن في الشتاء بما يسر الله تعالى فيه من الطاعات)
كان أبو هريرة رضي الله عنه يقول: (ألا أدلكم على الغنيمة الباردة؟) قالوا: بلى. فيقول: (الصيام في الشتاء).
وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (مرحبًا بالشتاء؛ تنزل فيه البركة, ويطول فيه الليل للقيام, ويقصر فيه النهار للصيام).
جاء في كتاب (اللطائف والظرائف)؛ لأبي منصور الثعالبي رحمه الله قوله: (ومن محاسن الشتاء طول الليل الذي جعله الله عزَّ وجلَّ سكنًا ولباسًا، وبرد الماء الذي هو مادة الحياة، وانقطاع الذباب والبعوض، وعدم ذوات السموم من الهوام، وأمنها على الطعام والأجسام، وهو حبيب الملوك وأليف المتنعمين، يطيب لهم فيه الأكل والشرب، ويجتمع فيه الشمل، ويظهر فيه فضل الغني على الفقير، وهو زمان الراحة، كما أن الصيف زمان الكد، ولذلك قالوا: من لم يغل دماغه صائفًا، لم تغل قدوره شاتيًّا).
إن من آيات الله العظيمة، اختلافُ الأحوال, ليلٌ ونهار، حرٌّ وبرد، شتاء وصيف، وربيع وخريف، ولله الحكمة البالغة في ذلك، وتأمَّل -رعاك الله- نعمة الله على عباده في دخول الشتاء على الصيف, والصيف على الشتاء، كيف يكون بالتدرُّج والمهلة، ولو كان دخول أحدهما على الآخر مفاجأً لأضرَّ بالأبدان وأهلكها، ولأفسد النباتات وأتلفها, فسبحان الله رب العالمين.
العبادة في الشتاء غنيمة باردة, فالوسائل الخارجية مهيئة لك, ليل طويل تنام فيه ثم تقوم لتعبد الله وتصلي, ونهار قصير تقصر معه مدة الصيام, والتعب فيه مع العمل لا يقارن بمثله في الشتاء.
روى الإمام أحمد والترمذي والنسائي من حديث أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثة يحبهم الله .. وذكر منهم: وقوم ساروا ليلهم حتى إذا كان النوم أحب إليهم مما يُعدَل به فوضعوا رؤوسهم, قام يتملقني ويتلو آياتي).
وفي المسند عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عجب ربنا من رجل ثار عن وطائه ولحافه من بين أهله وحِبِّه إلى صلاته, فيقول ربنا تبارك وتعالى: يا ملائكتي! انظروا إلى عبدي ثار من فراشه ووطائه من بين أهله وحبه إلى الصلاة رغبة فيما عندي).
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.. مع البرد الشديد فإنه يشرع للإنسان أن يدفع أذاه بما يستطيع من لباس وغيره, وقد امتن الله تعالى على عباده بأن خلق لهم من أصواف بهيمة الأنعام وأوبارها وأشعارها ما فيه دفء لهم: (والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون).
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا حضر الشتاء تعاهدهم وكتب إليهم بالوصية: (إن الشتاء قد حضر, وهو عدوا, فتأهبوا له أهبته من الصوف والخفاف والجوارب, واتخذوا الصوف شعارًا ودثارًا, فإن البرد عدو سريع دخوله, بعيد خروجه)
وإنما كان يكتب بذلك إلى أهل الشام ــ حررها الله ــ لما فتحت في زمانه.
وذكر بعضهم أنه لا ينبغي للإنسان أن يتقي البرد حتى لا يصيبه منه شيء بالكلية فإن ذلك يضر به, والله تعالى بحكمته جعل الحر والبرد في الدنيا لمصالح عباده, وحكوا عن بعض الأمراء أنه كان يصون نفسه من البرد والحر بالكلية فتلف باطنه وتعجل موته.
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، وبهدي الرسولالكريم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم وللمسلمين، فاستغفروه إنه هوالغفور الرحيم.
الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد: فاتقوا الله عباد الله ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.. قال الله تعالى عن أهل الجنة: (متكئين فيها على الأرائك لا يرون فيها شمسًا ولا زمهريرًا) فتأمل كيف نفى الله عنهم شدة الحر والبرد, قال قتادة: (علم الله أن شدة الحر تؤذي, وشدة البرد تؤذي, فوقاهم أذاهما جميعًا).
إذا خرجت في ليلة باردة واتقيت بردها بمعطف تلبسه فتذكر إخوانًا لك لا يجدون ثمن المعطف, وإذا تجمعت وأهلك حول المدفأة وقد غمرتكم بدفئها فتذكر عائلة لا تبعد عنك كثيرًا باطن بيتهم أبرد من خارجه, وإذا أويت إلى فراشك وتدفأت بلحاف أو اثنين فتذكر من ينام بغير لحاف, (ويطعمون الطعام على حبه مسكينًا ويتيمًا وأسيرًا * إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورًا * إنا نخاف من ربنا يومًا عبوسًا قمطريرًا * فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورًا * وجزاهم بما صبروا جنة وحريرًا * متكئين فيها على الأرائك لا يرون فيها شمسًا ولا زمهريرًا).
خرج الترمذي من حديث أبي سعيد مرفوعًا: (من أطعم مؤمنًا على جوع أطعمه الله يوم القيامة من ثمار الجنة, ومن سقاه على ظمأ سقاه الله يوم القيامة من الرحيق المختوم, ومن كساه على عري كساه الله من خُضر الجنة) والحديث حسن لشواهده.
وروى ابن أبي الدنيا بإسناده عن ابن مسعود قال: يحشر الناس يوم القيامة أعرى ما كانوا قط, وأظمأ ما كانوا قط, فمن كسا لله عز وجل كساه الله, ومن أطعم لله أطعمه الله, ومن سقى لله سقاه الله, ومن عفا لله عفا الله عنه).
خرج صفوان بن سليم في ليلة باردة بالمدينة من المسجد, فرأى رجلاً عاريًا, فنزع ثوبه وكساه إياه, فرأى بعض أهل الشام في منامه أن صفوان دخل الجنة بقميص كساه, فقدم المدينة وقال: دلوني على صفوان, فأتاه فقص عليه ما رأى.
ورأى مِسعَرٌ أعرابيًا يتدفأ بحرارة الشمس وهو يقول:
جاء الشتاء وليس عندي درهم ### ولقد يُخَصُّ بمثل ذلك المسلم
قد قطَّع الناس الجِباب وغيرها ### وكأنني بفناء مكة محرم
فنزع مسعر جبته فألبسه إياها.
يا من امتلأت خزائنهم بألوان الملابس, أجساد إخوانكم أولى بها من خزائنكم, يا من تكدست في خزائنهم البطانيات أجساد إخوانكم أولى بها من خزائنكم, يا من استرعاه الله على عمال تفقد عمالك, فإنهم رعيتك وأنت غدًا مسؤول عنهم.
رفع إلى بعض الوزراء الصالحين أن امرأة معها أربعة أطفال أيتام, وهم عراة جياع, فأمر رجلاً أن يمضي إليهم ويحمل معه ما يصلحهم من كسوة وطعام, ثم نزع ثيابه وحلف: لا لبستها ولا دفيت حتى تعود وتخبرني أنك كسوتهم وأشبعتهم, فمضى وعاد وأخبره أنهم اكتسوا وشبعوا وهو يرعد من البرد, فلبس حينئذ ثيابه.
جاء في الحديث الصحيح: (إن لجهنم نفسين؛ نفسًا في الشتاء, ونفسًا في الصيف, فأشد ما تجدون من البرد من زمهريها, وأشد ما تجدون من الحر من سمومها).
وعن كعب قال: (إن في جهنم بردًا هو الزمهرير, يُسقط اللحم, حتى يستغيثوا بحر جهنم).
وعن مجاهد قال: ( يهربون إلى الزمهرير فإذا وقعوا فيه حطم عظامهم حتى يسمع لها نقيض).
يقول الله تعالى: (هذا فليذوقوه حميم وغساق) قال ابن عباس: الغساق/ الزمهرير البارد الذي يحرق من برده.
فيا من تتلى عليه أوصاف جهنم, ويشاهد نفسها كل عام حتى يحس به ويتألم, وهو مصر على ما يقتضي دخولها مع أنه يعلم, ستعلم إذا جيء بها تقاد بسبعين ألف زمام من يندم, ألك صبر على سعيرها وزمهريرها؟ والله أعلم.
كم يكون الشتاء ثم المصيفُ ### وربيعُ يمضي ويأتي الخريفُ
وارتحال من الحَرور إلى البر ### د وسيف الردى عليك منيفُ
يا قليل المُقام في هذه الدنـ ### ـيا إلى كم يغُرُّك التسويفُ
عجبًا لامرئ يذل لدنيـــ ### ــــيا ويكفيه كل يوم رغيفُ
فاللهم أجرنا من النار, وقنا عذاب النار, وأدخلنا الجنة مع الأبرار, يا عزيز يا غفار.
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.. اعلموا أن الله تعالى قد أمرنا بالصلاة على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وجعل للصلاة عليه في هذا اليوم والإكثار منها مزية على غيره من الأيام, فللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا, واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك, وهيء لهم البطانة الصالحة الناصحة, واصرف عنهم بطانة السوء والفساد والإفساد يا رب العالمين.
اللهم صل وسلم على عبدك ونبيك محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين .
عباد الله .. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى, وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي, يعظكم لعلكم تذكرون, فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم, واشكروه على نعمه يزدكم, ولذكر الله أكبر, والله يعلم ما تصنعون.
الجمعة 8/2/1434هـ
الحمد لله مدبر الليالي والأيام, ومصرف الشهور والأعوام, الملك القدوس السلام, إله رحيم كثير الإنعام, قدر الأمور فأجراها على أحسن نظام, وأشهد أن لا إله إلا الله الذي لا تحيط به العقول والأوهام, وأشهد أن محمد عبده ورسوله أفضل الأنام, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم على الدوام, وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فبعد موسم صائف, وشمس حارة حارقة, هانحن نعيش أيام فصل الشتاء, حيث يشتد البرد, ويلجأ الناس إلى البيوت والمعاطف, يحتمون من شدة البرد, ويهرعون إلى دفئ الشمس بعد أن كانوا بالأمس يهربون من حرارتها, فسبحان الله رب العالمين.
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم .. وجاء الشتاء:
إن الشتاء على سآمة وجهه ### لهو المفيد طلاوة المصطاف
المؤمن يفرح بالشتاء, خرج الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (الشتاء ربيع المؤمن) وخرجه البيهقي وغيره وزاد فيه: (طال ليله فقامه, وقصر نهاره فصامه).
قال الإمام ابن رجب الحنبلي في كتابه القيم "لطائف المعارف": (إنما كان الشتاء ربيع المؤمن لأنه يرتع فيه في بساتين الطاعات, ويسرح في ميادين العبادات, وينزه قلبه في رياض الأعمال الميَسَّرة فيه, كما ترعى البهائم في مرعى الربيع فتسمنُ وتصلح أجسادها, فكذلك يصلح دين المؤمن في الشتاء بما يسر الله تعالى فيه من الطاعات)
كان أبو هريرة رضي الله عنه يقول: (ألا أدلكم على الغنيمة الباردة؟) قالوا: بلى. فيقول: (الصيام في الشتاء).
وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (مرحبًا بالشتاء؛ تنزل فيه البركة, ويطول فيه الليل للقيام, ويقصر فيه النهار للصيام).
جاء في كتاب (اللطائف والظرائف)؛ لأبي منصور الثعالبي رحمه الله قوله: (ومن محاسن الشتاء طول الليل الذي جعله الله عزَّ وجلَّ سكنًا ولباسًا، وبرد الماء الذي هو مادة الحياة، وانقطاع الذباب والبعوض، وعدم ذوات السموم من الهوام، وأمنها على الطعام والأجسام، وهو حبيب الملوك وأليف المتنعمين، يطيب لهم فيه الأكل والشرب، ويجتمع فيه الشمل، ويظهر فيه فضل الغني على الفقير، وهو زمان الراحة، كما أن الصيف زمان الكد، ولذلك قالوا: من لم يغل دماغه صائفًا، لم تغل قدوره شاتيًّا).
إن من آيات الله العظيمة، اختلافُ الأحوال, ليلٌ ونهار، حرٌّ وبرد، شتاء وصيف، وربيع وخريف، ولله الحكمة البالغة في ذلك، وتأمَّل -رعاك الله- نعمة الله على عباده في دخول الشتاء على الصيف, والصيف على الشتاء، كيف يكون بالتدرُّج والمهلة، ولو كان دخول أحدهما على الآخر مفاجأً لأضرَّ بالأبدان وأهلكها، ولأفسد النباتات وأتلفها, فسبحان الله رب العالمين.
العبادة في الشتاء غنيمة باردة, فالوسائل الخارجية مهيئة لك, ليل طويل تنام فيه ثم تقوم لتعبد الله وتصلي, ونهار قصير تقصر معه مدة الصيام, والتعب فيه مع العمل لا يقارن بمثله في الشتاء.
روى الإمام أحمد والترمذي والنسائي من حديث أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثة يحبهم الله .. وذكر منهم: وقوم ساروا ليلهم حتى إذا كان النوم أحب إليهم مما يُعدَل به فوضعوا رؤوسهم, قام يتملقني ويتلو آياتي).
وفي المسند عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عجب ربنا من رجل ثار عن وطائه ولحافه من بين أهله وحِبِّه إلى صلاته, فيقول ربنا تبارك وتعالى: يا ملائكتي! انظروا إلى عبدي ثار من فراشه ووطائه من بين أهله وحبه إلى الصلاة رغبة فيما عندي).
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.. مع البرد الشديد فإنه يشرع للإنسان أن يدفع أذاه بما يستطيع من لباس وغيره, وقد امتن الله تعالى على عباده بأن خلق لهم من أصواف بهيمة الأنعام وأوبارها وأشعارها ما فيه دفء لهم: (والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون).
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا حضر الشتاء تعاهدهم وكتب إليهم بالوصية: (إن الشتاء قد حضر, وهو عدوا, فتأهبوا له أهبته من الصوف والخفاف والجوارب, واتخذوا الصوف شعارًا ودثارًا, فإن البرد عدو سريع دخوله, بعيد خروجه)
وإنما كان يكتب بذلك إلى أهل الشام ــ حررها الله ــ لما فتحت في زمانه.
وذكر بعضهم أنه لا ينبغي للإنسان أن يتقي البرد حتى لا يصيبه منه شيء بالكلية فإن ذلك يضر به, والله تعالى بحكمته جعل الحر والبرد في الدنيا لمصالح عباده, وحكوا عن بعض الأمراء أنه كان يصون نفسه من البرد والحر بالكلية فتلف باطنه وتعجل موته.
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، وبهدي الرسولالكريم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم وللمسلمين، فاستغفروه إنه هوالغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد: فاتقوا الله عباد الله ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.. قال الله تعالى عن أهل الجنة: (متكئين فيها على الأرائك لا يرون فيها شمسًا ولا زمهريرًا) فتأمل كيف نفى الله عنهم شدة الحر والبرد, قال قتادة: (علم الله أن شدة الحر تؤذي, وشدة البرد تؤذي, فوقاهم أذاهما جميعًا).
إذا خرجت في ليلة باردة واتقيت بردها بمعطف تلبسه فتذكر إخوانًا لك لا يجدون ثمن المعطف, وإذا تجمعت وأهلك حول المدفأة وقد غمرتكم بدفئها فتذكر عائلة لا تبعد عنك كثيرًا باطن بيتهم أبرد من خارجه, وإذا أويت إلى فراشك وتدفأت بلحاف أو اثنين فتذكر من ينام بغير لحاف, (ويطعمون الطعام على حبه مسكينًا ويتيمًا وأسيرًا * إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورًا * إنا نخاف من ربنا يومًا عبوسًا قمطريرًا * فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورًا * وجزاهم بما صبروا جنة وحريرًا * متكئين فيها على الأرائك لا يرون فيها شمسًا ولا زمهريرًا).
خرج الترمذي من حديث أبي سعيد مرفوعًا: (من أطعم مؤمنًا على جوع أطعمه الله يوم القيامة من ثمار الجنة, ومن سقاه على ظمأ سقاه الله يوم القيامة من الرحيق المختوم, ومن كساه على عري كساه الله من خُضر الجنة) والحديث حسن لشواهده.
وروى ابن أبي الدنيا بإسناده عن ابن مسعود قال: يحشر الناس يوم القيامة أعرى ما كانوا قط, وأظمأ ما كانوا قط, فمن كسا لله عز وجل كساه الله, ومن أطعم لله أطعمه الله, ومن سقى لله سقاه الله, ومن عفا لله عفا الله عنه).
خرج صفوان بن سليم في ليلة باردة بالمدينة من المسجد, فرأى رجلاً عاريًا, فنزع ثوبه وكساه إياه, فرأى بعض أهل الشام في منامه أن صفوان دخل الجنة بقميص كساه, فقدم المدينة وقال: دلوني على صفوان, فأتاه فقص عليه ما رأى.
ورأى مِسعَرٌ أعرابيًا يتدفأ بحرارة الشمس وهو يقول:
جاء الشتاء وليس عندي درهم ### ولقد يُخَصُّ بمثل ذلك المسلم
قد قطَّع الناس الجِباب وغيرها ### وكأنني بفناء مكة محرم
فنزع مسعر جبته فألبسه إياها.
يا من امتلأت خزائنهم بألوان الملابس, أجساد إخوانكم أولى بها من خزائنكم, يا من تكدست في خزائنهم البطانيات أجساد إخوانكم أولى بها من خزائنكم, يا من استرعاه الله على عمال تفقد عمالك, فإنهم رعيتك وأنت غدًا مسؤول عنهم.
رفع إلى بعض الوزراء الصالحين أن امرأة معها أربعة أطفال أيتام, وهم عراة جياع, فأمر رجلاً أن يمضي إليهم ويحمل معه ما يصلحهم من كسوة وطعام, ثم نزع ثيابه وحلف: لا لبستها ولا دفيت حتى تعود وتخبرني أنك كسوتهم وأشبعتهم, فمضى وعاد وأخبره أنهم اكتسوا وشبعوا وهو يرعد من البرد, فلبس حينئذ ثيابه.
جاء في الحديث الصحيح: (إن لجهنم نفسين؛ نفسًا في الشتاء, ونفسًا في الصيف, فأشد ما تجدون من البرد من زمهريها, وأشد ما تجدون من الحر من سمومها).
وعن كعب قال: (إن في جهنم بردًا هو الزمهرير, يُسقط اللحم, حتى يستغيثوا بحر جهنم).
وعن مجاهد قال: ( يهربون إلى الزمهرير فإذا وقعوا فيه حطم عظامهم حتى يسمع لها نقيض).
يقول الله تعالى: (هذا فليذوقوه حميم وغساق) قال ابن عباس: الغساق/ الزمهرير البارد الذي يحرق من برده.
فيا من تتلى عليه أوصاف جهنم, ويشاهد نفسها كل عام حتى يحس به ويتألم, وهو مصر على ما يقتضي دخولها مع أنه يعلم, ستعلم إذا جيء بها تقاد بسبعين ألف زمام من يندم, ألك صبر على سعيرها وزمهريرها؟ والله أعلم.
كم يكون الشتاء ثم المصيفُ ### وربيعُ يمضي ويأتي الخريفُ
وارتحال من الحَرور إلى البر ### د وسيف الردى عليك منيفُ
يا قليل المُقام في هذه الدنـ ### ـيا إلى كم يغُرُّك التسويفُ
عجبًا لامرئ يذل لدنيـــ ### ــــيا ويكفيه كل يوم رغيفُ
فاللهم أجرنا من النار, وقنا عذاب النار, وأدخلنا الجنة مع الأبرار, يا عزيز يا غفار.
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.. اعلموا أن الله تعالى قد أمرنا بالصلاة على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وجعل للصلاة عليه في هذا اليوم والإكثار منها مزية على غيره من الأيام, فللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا, واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك, وهيء لهم البطانة الصالحة الناصحة, واصرف عنهم بطانة السوء والفساد والإفساد يا رب العالمين.
اللهم صل وسلم على عبدك ونبيك محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين .
عباد الله .. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى, وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي, يعظكم لعلكم تذكرون, فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم, واشكروه على نعمه يزدكم, ولذكر الله أكبر, والله يعلم ما تصنعون.
المرفقات
الشتاء 8-2-1434.doc
الشتاء 8-2-1434.doc