الشتاء ... أحكام وعبر ((خطبة مختصرة وشاملة)) عيد العنزي

عيد العنزي
1436/03/25 - 2015/01/16 04:51AM
أما بعد عباد الله: إن لله الحِكَم البالغة والدلائل الظاهرة في تقليب الليل والنهار، وفي تعاقب فصول العام، من تطلع إليها وتفكر فيها أورثه الله الإنابة إليه والعمل الصالح، وها نحن نعيش شيئًا من ذلك، (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ)
عباد الله: إن مرور الشتاء على الناس في هذه الأيام يدعو بالتفكر فيما يقع من خلاله من عِبَر، فمن نعم الله على الناس في الشتاء أن الليل فيه يطول، والنهار يقصر، فهو كما قيل: ربيع المؤمن، طال ليله فقامه، وقصر نهاره فصامه، وهو كما قال بعض العلماء: الشتاء هو الغنيمة الباردة. وقال عمر: "الشتاء غنيمة العابدين". وقال ابن مسعود: "مرحبًا بالشتاء؛ تتنزل فيه البركة، ويطول فيه الليل للقيام، ويقصر فيه النهار للصيام". وقال الحسن: "نعم زمان المؤمن الشتاء؛ ليله طويل يقومه، ونهاره قصير فيصومه". فمن تفكر بهذه الطريقة علم أن الله -جل في علاه- أراد بالناس الخير في طول الليل وقِصَر النهار، ولكن أين المشمرون للغنيمة الباردة؟
أيها المؤمنون: برد الشتاء يذكر المؤمن الفطن بزمهرير جهنم، ويوجب عليه الاستعاذة منه ويسأل الله الجنة (مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً) قال -صلى الله عليه وسلم-: "اشتكت النار إلى ربها فقالت: يا رب أكل بعضي بعضًا، فأذن لها بنفَسين نفَس في الشتاء ونفَس في الصيف، فهو أشد ما تجدون من الحر وأشد ما تجدون من الزمهرير". فما بالكم بما فيها إذا كان هذا نفسها. روي عن ابن عباس أنه قال: "يستغيث أهل النار من الحر فيغاثون بريح باردة يصدع العظام بردها، فيسألون الحر". وعن مجاهد قال: "يهربون إلى الزمهرير، فإذا وقعوا فيه حطّم عظامهم حتى يسمع لها نقيض". وعن كعب قال: إن في جهنم برداً هو الزمهرير، يُسقط اللحم، حتى يستغيثوا بحَرّ جهنم". (لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا * إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا * جَزَاءً وِفَاقًا) قال ابن عباس: "الغساق: الزمهرير البارد الذي يحرق من برده".
يا من تُتلى عليه أوصاف جهنم
ويشاهد تنفسها كل عام حتى يحس به ويتألم
وهو مُصِرّ على ما يقتضي دخولها مع أنه يعلم
ستعلم إذا جيء بها تُقاد بسبعين ألف زمام من سيندم؟!
ألك صبر على سعيرها وزمهريرها؟!
قل .. تكلم. أجارنا الله وإياكم من جهنم بفضله وكرمه ورحمته
عباد الله:
هنا تساؤل يفرض نفسه، ونحن نعيش موجات الصقيع الباردة، هل تذكرنا حال إخوان لنا في الدين في داخل بلادنا وفي خارجها في بلاد شتى قد ابتلوا بالحرب والفقر والحاجة والمرض، وقلة ذات اليد، فلا يجدون ما يحميهم من برودة الشتاء، أو يكنهم من لذع الصقيع، أجسامهم شبه عارية، وأقدامهم حافية، فراشهم الغبراء، ولحافهم السماء، منهم من هدمت داره، وآخر فرّق عياله، وثالث تشرد في العراء أهله، ورابع وخامس وعدد لا يحصيهم إلا الله من إخواننا هنا وهناك ..، وليس لهم ما يكفيهم وما يؤويهم من زمهرير الشتاء، وقسوة البرد - ولا حول ولا قوة إلا بالله -.
فهل قمنا بواجبنا نحوهم دعماً وإطعاماً وإغاثة؟، وهل سألنا الله تعالى أن يرفع الضر، ويذهب الجوع والخوف عنهم أم أن الأمر لا يعنينا ما دمنا نرفل في نعم سابغة، وخيرات متوافرة؟.
أيها المسلمون:
إن الذي أعطانا لقادر على أن يمنعنا، وإن الذي كتب البلاء على أقوام لقادر على أن يكتبه علينا فلا ينسى المسلم من هم في أمس الحاجة إلى مد يد العون، وليتفقد الفقراء والمساكين من أبناء أمته الذين اكتووا بنار البرد، ولهيب الزمهرير.
أتدري كيف جارك يا ابن أمي يهدهده من الفقـر العـناء
وكيـف يداه ترتجفان بؤساً وتصدمــه المـذلة والشقاء
يصب الزمهريـر عليه ثلجاً فتجمــد في الشرايين الدماء
يجوب الأرض من حي لحي ولا أرض تقيـــه ولا سماء
معـاذ الله أن تـرضى بهذا وطفل الجيــل يصرعه الشقاء
أتلقاني وبي عــوز وضيق ولا تحنـو فمن أيــن الحياء
أخي في الله لا تجرح شعوري ألا يكفيــك ما جرح الشتاء
اللهم فرج الهم عن المهمومين من المسلمين ونفس الكرب عن المكروبين وكن لإخواننا المستضعفين في كل مكان يارب العالمين.
بارك الله...

***********************************
الخطبة الثانية:
أيها الناس: كلما كانت الطاعة شاقة على النفس كلما عظم الأجر، فإسباغ الوضوء في شدة البرد من أفضل الأعمال، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكاره" فليحرص المسلم على إخلاص النية في ذلك ولا يذهب أجره بالتضجر والتأفف وكذلك عباد الله يحرص المسلم على تعلم الأحكام التي يحتاجها في فصل الشتاء كالتيمم ولبس الخفين وقصر الصلاة وجمعها وغير ذلك ولا يجتهد في فعلها ثم يسأل بل يسأل أهل العلم قبل فعلها.
وفي فصل الشتاء تكثر الأمراض، فالصبر على ذلك واحتساب الأجر ينفع القلب والبدن، فإياك أخي المسلم أن تتضجر من شدة الزكام أو السعال أو الحمى، فإنها مكفّرات، قال -صلى الله عليه وسلم-: "ما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة".ومما يحتاج إليه الناس في الشتاء إيقاد النار والاستدفاء بها، (نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً ومتاعاً) والمسلم مأمور بإطفاء النار أو ما يقوم مقامها من الدفايات الكهربائية فتطفء عند النوم، أو عند الخروج من المنزل، احترق بيت على أهله في المدينة ليلاً فقال -صلى الله عليه وسلم-: "إن هذه النار إنما هي عدو لكم، فإذا نمتم فأطفؤوها عنكم". فخذوا حذركم رحمني الله وإياكم وتفكروا وتذكروا وخذوا من ماضيكم ويومكم وغدكم عبرة واتقوا الله لعلكم تفلحون.
هذا وصلوا....
المشاهدات 2420 | التعليقات 0