الشبو القاتل الخفي

عبد الله بن علي الطريف
1444/06/11 - 2023/01/04 17:00PM

الشبو القاتل الخفي 1444/6/13هـ

أما بعد أيها الإخوة: بين الفينة والأخرى تَؤُمُ بلادَنا المباركة قَوافلُ مظلمة تَتَسَلَلُ من منافذِها الخارجية تحملُ السمَّ الأبيضَ الزعاف، من تجارٍ مُغْرضِين يهدفونَ للربحِ على حسابِ إفساد عقولِ الأمةِ قبلَ أجسادِها..

فما بين الفينة والأخرى تنشر وسائلُ الإعلامِ أخبارَ إحباط شحنٍ من المخدرات بجميع أنواعها من حشيشٍ وقاتٍ وامفيتامين وهيروين وكوكايين وشبو كل هذه الأصناف وغيرها تجلب بشتى الطرق والحيل والوسائل إلى بلادنا فيسلك المهربون كل الطرق المعقولة وغير المعقولة للتهريب.. فمرة في الفواكه والخضار ومرة في مواضع من سيارات النقل أو حقائبهم الخاصة ومرة بأحشاء المهربين، حتى كتاب الله لم يكرموه عن رذيلتهم فحشوه بمخدراتهم، وسلكوا كل وسائل الاحتيال والتضليل ليظفروا بمجاوزة الرقيب وأنى لهم ذلك..    

فبفضل الله تعالى وتوفيقه، ثم بجهودٍ مباركة من رجال الأمن وخصوصاً مكافحة المخدرات وغيرهم من القطاعات الأمنية، ورجال الجمارك وحرس الحدود المخلصين، يتم إحباط محاولات التهريب.. وهذه الجهود المباركة لهؤلاء الرجال المخلصين تذكر وتشكر؛ فكم من شر عن حياض بلادنا منعوه، وباغٍ على الفضيلة كبحوه، ومتسترٍ على المخدرات كشفوه، وحاملٍ للبلاء أمسكوه، وَلِمَا يحملُ من سُمٍ زعاف ضبطوه. فلله الحمد والمنة وجزى كل ذائدٍ عن بلادنا وشعبنا خير الجزاء..  

أيها الأحبة: ما يذكر من إحصاءات في جميع وسائل الإعلام ويطلع عليها الجميع ليس هذا محل سردها تذهل العقول وتجعل الحليم حيران، ولعلي أقف معها عدة وقفات:  

الأولى: تُشَنُّ على هذه البلادِ المباركة حربٌ عُظمى لا هوادةَ فيها بأساليبَ متعددة، وحَربُ المخدراتِ من أقذرِها، وما تتضمنه الإحصاءات من ضبط لكمياتٍ تفوق الخيال جزءٌ من هذه الحرب، وهي حربٌ سريةٌ تسري في جسدِ الأمة في ظلمة الليل البهيم سريان النار بالهشيم.

هي -والله- حربُ إبادةٍ صامتةٍ، وتدميرٍ خفي.. حربٌ لا يسمع فيها أزيز الطائرات، ولا دوي المدافع، ولا هدير الدبابات، ولا انفجار القنابل، ولا يرى فيه لهيب الصواريخ، إنها حرب الإبادة بالسموم البيضاء، إنها حرب المخدرات.! ولن تتوقف هذه الهجمات على هذا الوطن الكريم حتى يُحَقِقَ صانِعُوها أهدافَهم، ولكنَّ الله تعالى لهم بالمرصاد، والله من ورائهم محيط.

ويجب علينا ألا نحزن ولا نخاف ولا نيأس؛ فإن الله الذي لا يخلفُ الميعاد قد قال في محكم التنزيل: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ﴾ [الحج:38] يقول الشيخُ السعديُ رحمه الله في تفسير هذه الآية: هذا إخبارٌ ووعدٌ وبشارةٌ من اللهِ للذين آمنوا، أنَّ اللهَ يدافِعُ عنهم كلَّ مكروه، ويدفعُ عنهم كلَّ شرٍّ؛ بسببِ إيمانِهم، من شرِّ الكفار، وشرِّ وسوسةِ الشيطان، وشرورِ أنفسهم، وسيئاتِ أعمالهم، ويحملُ عنهم عند نزولِ المكاره ما لا يتحمَّلون، فيخففُ عنهم غايةَ التخفيفِ.. ولكلِ مؤمنٍ من هذه المدافعةِ والفضيلةِ بحسبِ إيمانه، فمُستقِلٌّ ومُسْتَكْثِر. أ هـ.

ونقول نحن: لن يبطلَ أمرَ الله مُبْطِلٌ، ولن يغلبه مغالب، ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [يوسف:21].

الوقفة الثانية: إنَّ الإحصاءات التي تنشر وما تضمَّنَته من حقائقَ مخيفة ومفزعة، تنشر تفاصيلها من الجهات المختصة في وسائل الإعلام لنعلم مقدارَ الهجمةِ الشرسة على بلادنا، حتى نُدركَ المخاطرَ التي تواجِهُها أمتنا وبلادنا، وبهذا ندرك حجم المسؤولية الملقاة علينا جميعاً لدرءِ هذا الشر الدَاهِم، والخطرِ المحدق ببلادنا؛ لذا يجب علينا رصَّ الصفوفِ، والوقوفَ صفاً واحداً أمامَ تُجار ومُروجي المخدرات، وتقديمَ المعلومات عنهم إلى أجهزة الأمن المعنيةِ بمكافحةِ المخدرات من أجل إنقاذ المجتمع بأسره من مخططات الدمار التي تحاك ضده.

حق على كل واحد منا أن يغيرَ ملابسه التي يرتدي، ويرتدي لباس جُنديةِ الحرب ضد المخدرات، وعلينا أن نُبلغ عن كل حالة نعلمها.. وأن نحمل المبتلى ممَن لنا فيه صلة إلى مستشفيات الأمل؛ دفاعاً عن هذا الوطن العزيز.

الوقفة الثالثة: حرب المخدرات قديمة، ويقف ورآها دولٌ وعصابات كالدول من أعداءِ الإسلام والإنسانية وعُبادِ المادة ورفقاءِ الشيطان، يروجون تجارة الموت في الأمة، وينشرون هذا الوباء بين صفوف أجيال الشباب ذكوراً وإناثاً من أجل تدميرهم وتحويلهم إلى مجموعات من المدمنين والمرضى والعاطلين عن العمل؛ حتى يصبح العنصر البشرى في بلادنا أداة هدم وإجرام وليس أداة بناء وتعمير.

وهذا يؤدي إلى إلحاقِ الضرر الفادح بالاقتصاد الوطني، والبنيانِ العائلي والاجتماعي والثقافي، ويكون سبباً في الإخلالِ بالأمن والنظامِ العام، ونشرِ الجريمة بين صفوف المواطنين، وحجبِ أنظارِ الأجهزة الأمنية عن المشاكل الأمنية الحقيقية وتوجيهِها للانشغالِ في محاربةِ عصابات المخدرات من اجلِ استنزاف المجهود الأمني والقومي والاقتصادي، والقضاءِ على معتقدِها، واستنزافِ خيراتها، ثم الاستيلاء على أراضيها، وتدنيسِ مقدساتها.

أيها الأحبة: ووقائعُ التاريخِ تثبتُ أن سلاحَ المخدِّرات يُوجَّه للأمم بهدفِ نخرِها من الداخل، وتجريدِها من أهمِ عناصرِ القوةِ فيها وهو الشبابُ القويُ الواعي المنتمي لدينِه ووطنِهِ وولاة أمره، الغيورُ والحريصُ على مُقدراتِهِ.

وقديما أشار شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- وهو يتحدث عن حكم الحشيش، قال: إِنَّ أَوَّلَ مَا بَلَغَنَا أَنَّهَا ظَهَرَتْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي أَوَاخِرِ الْمِائَةِ السَّادِسَةِ وَأَوَائِلِ السَّابِعَةِ حَيْثُ ظَهَرَتْ دَوْلَةُ التتر؛ وَكَانَ ظُهُورُهَا مَعَ ظُهُورِ سَيْفِ جنكيزخان لَمَّا أَظْهَرَ النَّاسُ مَا نَهَاهُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ عَنْهُ مِنْ الذُّنُوبِ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ الْعَدُوَّ وَكَانَتْ هَذِهِ الْحَشِيشَةُ الْمَلْعُونَةُ مِنْ أَعْظَمِ الْمُنْكَرَاتِ... إلى أن قال: فَإِنَّهَا، مَعَ أَنَّهَا تُسْكِرُ آكِلَهَا حَتَّى يَبْقَى مَصطُولاً، وتُورِثُ التَّخْنِيثَ والديوثة، وَتُفْسِدُ الْمِزَاجَ؛ فَتَجْعَلُ الْكَبِيرَ كَالسَّفِيه، وَتُوجِبُ كَثْرَةَ الْأَكْلِ، وَتُورِثُ الْجُنُونَ، وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ صَارَوا مَجْانين بِسَبَبِ أَكْلِهَا (مجموع الفتاوى 34/ 205).

وقبل أكثر من قرنين من الزمان قامت بريطانيا بشن حرب الأفيون الحشيش ضد الصين، وهي أقذرُ حروبِ التاريخ على الإطلاق، فقد استزرعت الأفيون في شمال الهند وقامت بإدخاله إلى الصين، وأدمنه كثير من الشعب الصيني؛ وبات يهدد بتدمير المجتمع الصيني، حتى بلغ الأمر بالمتعاطي الصيني أن يقوم ببيع أرضه‏ ومنْزله وزوجته وأولاده للحصول على الأفيون.! وأخيراً نجحت بريطانيا في هذه الحرب، وحققت ما تريد. وكذلك تفعلُ إسرائيل تدعم الترويج في جميع الدول الإسلامية.

إن هذه البلاد المباركة -وهي حصن السنة الأخير- مستهدفة.. فبعد أن فشل دعاة الانحراف الفكري وكذا الانحراف العقائدي من تحويل أهلها وشبابها عن معتقدهم، ورأوا تماسَكهم وتمسكَهم بقيادتِهم وانتماءِهم لوطنِهم، سلطوا عليهم عصابات المافيا ومروجي المخدرات، ودعموهم بالمال والفكر والتخطيط؛ ولكن الله تعالى أحبط كيدهم وأفشل خططهم.

وستظل هذه البلاد المباركة تواجه هذه الهجمات الشرسة.. ولن تتوقف هذه الهجمات؛ بل ستزداد! وعلينا اليقظة والاستعداد التام، وعلى كل مواطنٍ أن يقوم بما يستطيعُ من جهد في صد هذا الشر عن بلاده.. حما الله بلادنا والمسلمين وصلى الله على نبينا محمد...

الخطبة الثانية:

أيها الأحبة: الوقفة الرابعة: حق على كل أب وأم ومربٍّ أن يتعرف على صنوف هذه المخدرات وأنواعها وأشكالها وآثارها وعلامات متعاطيها حتى يُوجِهَ أبناءَهُ وبناته إلى الحذر من تعاطيها، ويتعرف مبكراً على من وقع في براثنها منهم. ومن أشد أنواع المخدرات شراً وكلها شر ما يسمى بالشبو، وهو مخدر كيميائي من صنع الإنسان ولا يوجد له اصول نباتية، ويتم تصنيعه من موادٍ منشطة لعمل الجهاز العصبي بشكل غير طبيعي وهي شديدة المفعول، ويدمنها متعاطيها من أول جرعة يتناولها، فأول جرعة تعاطٍ منه هي بداية لرحلة متعاطيها إلى نهاية حياته.. وتصيب متعاطيها بحالة من الهلوسة الشديدة سمعية وبصرية وحسية؛ ويتخيل صوراً ويتوهم أشياء غير موجودة في الواقع.. وله أضرارا جسدية منها تساقط الأسنان والشلل، ويؤثر على القلب والأوعية الدموية التي قد تؤدي لموته المفاجئ.. ويتحول متعاطيه إلى شخصية «عدوانية مدمرة قد تصل عدوانيته للقتل وإن لم يجد من يصب عليه عدوانه يؤذي نفسه بطرق غريبة، ولو رأيتم متعاطيه وهو يرمي نفسه على الأرض ويتقلب ظهراً لبطن بشكل هستيري مخيف لهالكم ذلك، ويسبب السهر، والهزال، وضعف الذاكرة، والمناعة.. وينتج بأشكل جميلة مغرية للأطفال، وله أسماء متعددة: الشبو، الكريستال، كراك، أيس، سبيد..

الوقفة الأخيرة: الدعاء، ثم الدعاء، ثم الدعاء.. الدعاءُ: بأن يحفظ الله هذه البلاد المباركة من كيد هؤلاء، وكيد كل مَن يريدها وأهلها بشَرٍّ مهما كان.. والدعاء: لحراسِ البلاد من رجال مكافحة المخدرات والجمارك وغيرهم ممن يقومون على كشف هذا الشر وضبطه.. ثم الدعاء: بالحفظ لأولادنا من أن يقعوا في براثن هذه الررذيلة.. فقد قال ربكم: ﴿ادْعُونِي أسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر:60] وقال: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ﴾ [النمل:62] وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال قال رسول الله ﷺ: "مَن لم يسأل الله يغضبْ عليه"رواه الترمذي وحسنه الألباني. ثم صلوا وسلموا على نبينا محمد

المشاهدات 3265 | التعليقات 0