السوس الذي ينخر الدعوة السلفية!! / جمال سلطان

أبو عبد الرحمن
1431/02/26 - 2010/02/10 15:51PM
السوس الذي ينخر الدعوة السلفية!!


جمال سلطان



التاريخ: 24/2/1431 الموافق 09-02-2010


المختصر / اتصل بي وطلب مقابلتي بشكل عاجل؛ لأن لديه مشكلة، ويريد أن يأخذ مشورتي فيها، وأخبرني أن أحد الفضلاء دلّه علي!!
من غير سابق معرفة، وفي الموعد الذي اتفقنا عليه وجدته متوتراً وقلقاً ومضطرباً، وبدون أن أسأله عن المشكلة، بادر هو بفتح الكلام مباشرة باسترسال وشجن.. هو شاب في أواسط العمر، طالب علم، يجتهد لكي يحصل ما فاته من العلم ابتغاء وجه الله، وانضم إلى بعض الحلقات العلمية التي تتوفر على دراسة كتب السنة وشروحها، وبعض من علم أصول الفقه والتوحيد أيضاً، في محيط سلفي مترع بالاهتمامات العلمية والسلوكية الملتزمة، غير أنه بدأت تترامى إلى مسامعه أخبار اتهامات بين مدارس سلفية مختلفة، ودعاة وعلماء جميعهم من أبناء الإحياء السلفي، ومع ذلك تتناثر الاتهامات بين هذا الداعية وذاك، وبين الأتباع تكون الحرب أكثر ضراوة، ووجد نفسه في حيرة شديدة واضطراب، أين يقف في هذه الحروب؟ وأين "يتخندق" لحماية نفسه على الأقل من تلك الاتهامات الطائرة في كل اتجاه؟!
المسكين حدثني أن الاتهامات تصل إلى مستوى التبديع والاتهام بالإرجاء أو الخروج، أو ما شابه ذلك من البنى العقدية للفرق التاريخية المعروفة، وأن الأمر أصابه بالقلق الشديد والحيرة أيضاً، وكانت نصيحتي له أن يركز انشغاله على طلب العلم، بدون الوقوع في دائرة الاستقطاب هذه، والتي لن يجد لها قراراً أصلاً ولا نهاية، وقد سألته عن هؤلاء الدعاة أو الكتل المتخالفة والمتراشقة بالاتهامات: هل يقوم أحدهم في عموم دعوته أو جهوده على بدعة حقيقة من تلك البدع، أم أنه يقول برأي في مسألة، أو موقف يتماس مع تلك البدعة، أو يشتبه الوقوع فيها؟ فنفى الأولى؛ لأنه لا يوجد أحد يتبنى فكر الإرجاء أو فكر الخوارج، وإنما هناك بعض الآراء أو التفسيرات لموقف أو فكرة يمكن أن تُؤوّل بأنها تتماسّ أو تشابه مواقف بدعية تاريخية شهيرة.
وبالتالي فلا داعي للانشغال بالتقسيم والتصنيف للخلق، ويكفي أن ينأى طالب العلم بنفسه عن الموقف أو الرأي الذي يشتبه عليه، أو يغلب على ظنه أنه موقف بدعيّ، دون أن يتورّط في نسبة من قال به أو ذهب إليه إلى الابتداع جملة، أو أن يصنفه في معسكر تلك الفرق التاريخية الشهيرة.
وانصرف الشاب وهو أقل توتراً، وربما وجد بعض كلامي لديه وجهاً من الإقناع، غير أن القلق الذي كان عنده تسلل إلى نفسي أنا، وأشفقت على الآلاف من طلبة العلم والشباب الإسلامي الغضّ من أن يحوله بعض الدعاة أو المشتغلين بالعلم الشرعي إلى وقود في حروب فكرية أو دعوية لا طاقة لهم بفهمها واستيعابها علمياً، كما لا طاقة له على احتمالها نفسياً وتربوياً بحكم حداثة ارتباط كثير منهم بالالتزام الشرعي.
والمؤسف أن يستغل بعض الدعاة حماسة الشباب، واندفاعهم وحيويتهم في بدايات التزامهم؛ لدفعهم إلى هذه المتاهات الخلافية والعصبية التي تضر بالحياة العلمية والإحياء الإسلامي كله، ولا تنفع، وتستفرغ طاقة الشباب وحماستهم في مثل هذه المواقف الخاطئة، وتعويدهم على الخوض في أعراض الدعاة والعلماء، وتقحّم عملية تصنيفهم، والتلذذ بذلك الفعل المشين؛ على الرغم من افتقادهم للرسوخ العلمي والتربوي الذي يمنحهم مشروعية هذا السلوك.
وقد فوجئت بأن هناك العشرات من الشرائط الإسلامية والكتابات والرسائل التي تؤسس لهذه "الحروب" العلمية غير الحصيفة، ولاحظت ـ في حدود دراستي القصيرة لهذه الظاهرة ـ أن هناك قسماً كبيراً منها يعود إلى حظوظ النفس وخلافات شخصية يمكن أن تزول بالتواصل الإنساني المباشر والمجرد، وفي المحصلة فإن هذا الذي يحدث فيه إضرار كبير بالدعوة إلى الله وإضرار أكبر بالحياة العلمية وبالأجيال الجديدة، وأتمنى أن تبذل "الحياة العلمية" والسلفية بشكل خاص، جهداً كبيراً ومتواصلاً في المرحلة القادمة لاستيعاب هذه الأزمة وتفكيك أسبابها، لمنع استفحالها أولاً، ثم تجفيف منابعها، ومن ثم تجاوز ذلك "المرض الدعوي" الخطير والتعافي من آثاره؛ لأنه أكبر مهدد لسلامة منهج الإحياء السلفي في الآونة الأخيرة
المصدر: المصريون
http://www.almokhtsar.com/news.php?action=show&id=124776
المشاهدات 2124 | التعليقات 0