السهر نعمة أو نقمة؟
صالح الخليفة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه.
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون).
(يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة، وخلق منها زوجها، وبث منهما رجالًا كثيرًا ونساءً، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام، إن الله كان عليكم رقيبًا).
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولًا سديدًا، يصلح لكم أعمالكم، ويغفر لكم ذنوبكم، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيما).
أما بعد: فقد بُلي الناس في زماننا بالسهر، خاصةً في الإجازات، فيصير ليلُهم نهارًا ونهارُهم ليلًا، وخيرُ الهدي هديُ محمد ﷺ.
ومن هديه عليه الصلاة والسلام: أنه كان يكره النومَ قبل العشاء، والحديثَ بعدَها.
وقد فصَّل العلماءُ يا عباد الله في حكم السهر، فذكروا أن الحديث بعد العشاء مكروه، كما دلت عليه السنة، إلا ما كان في خير، أو ما لا بد منه من الحوائج، فتزولُ الكراهةُ حينئذ.
ويكون السهر محرَّمًا إذا أدَّى إلى تضييعِ الواجبات، والنومِ عن الصلوات، حتى ولو كان سهرًا في طاعةٍ وعبادة.
أيها المؤمنون: ليس كلُّ السهرِ مذمومًا، بل هناك سهرٌ محمود، بل إنه غنيمةٌ للمؤمن، وأيُّ غنيمة؟
ذاكم هو السهرُ في طاعة الله b، في قيامِ الليل، وتلاوةِ القرآن والذكرِ والدعاء.
إنه سهرُ الصالحين، وعبادِ الله المتيقظين، علموا أن دقائقَ الليل غالية، ولحظاتِه شريفة، وخصوصًا ثلثَه الأخير، حين ينزل فيه ربُّنا جل جلاله إلى السماء الدنيا كلَّ ليلة، فيقول: من يدعوني فأستجيبَ له؟ من يسألني فأعطيَه؟ من يستغفرني فأغفرَ له؟ من يسترزقني فأرزقَه؟ من ذا الذي يستكشفُ الضرَّ فأكشفَه عنه؟
فأينكم يا أصحابَ الحوائجِ عن هذا الوقتِ الشريف؟ وأين الباحثون عن الهداية، وأين الباحثون عن التوفيق، وأين الباحثون عن الصلاح، وأين الباحثون عن الشفاء، وأين الباحثون عن الرزق؟
فالوصيةُ يا عباد الله بألا تُرخِصوا هذه اللحظاتِ الغالية، ولا تُضيِّعوها بالغفلة، واجعلوا لأنفسكم فيها ركعات، تجدونها نورًا لكم في قبوركم، ويومَ بعثِكم ونشورِكم.
ولا تحقروا القليل، فمن قام بعشرِ آياتٍ لم يُكتب من الغافلين.
وأكثروا من الاستغفار في آخر الليل، فذاك هديُ عبادِ الله الصالحين، كما حكى عنهم ربُّ العالمين: (كانوا قليلًا من الليل ما يهجعون . وبالأسحار هم يستغفرون).
ألا فاتقوا الله يا عباد الله، واحذروا من تضييعِ أوقاتِكم، واحرصوا على استثمارها فيما ينفعُكم، من طاعةٍ تقرِّبُكم إلى ربكم، أو علمٍ ديني أو دنيوي ينفعُكم، أو عملٍ نافعٍ يملأُ أوقاتَكم، وتذكَّروا أن الفراغَ مفسدة، والصحبةَ الفاسدةَ مهلكة، ولن تزول قدما عبدٍ يومَ القيامة حتى يُسأل عن عمره فيمَ أفناه، وعن شبابه فيمَ أبلاه، فأعدُّوا للسؤال جوابا، وللجواب قولًا صوابا.
اللهم بارك لنا في الكتاب والسنة، وانفعنا بما فيهما من الآيات والحكمة.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وإمام المرسلين، أما بعد:
فقد رأى رسولُ الله ﷺ في ليلةٍ من الليالي رؤيا، مرَّ فيها على أقوامٍ من المعذَّبين في البرزخ، ورأى منهم رجلًا مضطجعًا، وآخرُ قائمٌ عليه بصخرة، فيهوي بها على رأسه، فيثلغُ رأسَه، فيتدَحرج الحجر، فيتبعُ الحجرَ فيأخذُه، فلا يرجعُ إليه حتى يصحَّ رأسُه كما كان، ثم يعودُ عليه فيفعلُ به مثلَ ما فعلَ في المرة الأولى.
أتدرون من ذاك الرجلُ الذي يعذَّب هذا العذاب؟ إنه الرجلُ يأخذُ القرآنَ فيرفُضُه، وينامُ عن الصلاة المكتوبة.
فالحذرَ الحذرَ يا عباد الله من السهرِ الطويل، الذي يؤدِّي إلى النومِ عن الفرائض، وتأخيرِ الصلواتِ عن وقتها، والتخلُّفِ عن الجمعة والجماعة.
وعلى العبد أن يحاسبَ نفسَه، وأن يعظِّمَ أمرَ الصلاةِ في قلبه، فهي في الدنيا مفتاحُ الخيرات، وفي الآخرة نورٌ ونجاة.
ثم صلُّوا وسلِّموا على رسول الله، كما أمركم ربكم جل في علاه، فقال جل من قائل: (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عيه وسلموا تسليما)، اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.