السنة الجديدة والتغيير للأستاذ حسين بن محفوظ

د مراد باخريصة
1434/01/03 - 2012/11/17 06:11AM
2/1/1434هـ السنة الجديدة والتغيير 15/11/2012م
الحمد لله الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وتبارك الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً،والصلاة والسلام على من أرسله ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له توحيداً وإقراراً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي غير الله به تاريخ البشرية تغييراً كبيراً، صلى الله عليه وعى آله وصحبه وسلم تسليماً مزيداً كثيراً.
أما بعد:
*الوصية بالتقوى:
معشر المؤمنين:
ها نحن بفضل الله تعالى ومنِّه وكرمه نبدأ سنةً جديدةً أخرى تُضاف إلى أعمارنا، ولا ندري هل نكمِلُها ونعيش أخرى؟ أو نلحقُ بركب الموتى والعائدين إلى الله وفقني الله وإياكم لما فيه رضاه، وأحسن خاتمتنا، وأطال في الأعمار مع حسن الأعمال فإنه: { وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ }.

ثم إنها فرصةٌ إخوة الإسلام لمحاسبة النفس ومراجعة أوضاعنا وترتيب أوراقنا.. ماذا قدمتَ لنفسك؟ ماذا قدمتَ لأسرتك وأهلك؟ ماذا قدمتَ لمجتمعك وأمتك؟ هل كانت السنةُ الماضيةُ سَنةَ تغييرٍ نحو الأفضلِ والأكمل، أم أننا تأخرنا وبَعُدنا عن اللهِ عز وجل، وهكذا العبدُ إما أن ينهضَ أو يكبوَ؛ كما قال تعالى: { لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ } أي: (لمن شاء منكم أيها الناس أن يتقدم في طاعة الله أو يتأخر في معصية الله) ويقول ابن القيم- رحمه الله - : ( والقصدُ أن إضاعةَ الوقتِ الصحيحِ يدعو إلى دَرْكِ النقيصة؛ إذ صاحبُ حفظه مُترقٍّ على درجات الكمال فإذا أضاعهُ لم يقفْ موضعَهُ بل ينزل إلى درجاتٍ من النقص، فإن لم يكن في تقدمٍ فهو متأخرٌ ولا بد، فالعبدُ سائرٌ لا واقف، فإما إلى فوقَ وإما إلى
أسفل، إما إلى أمامٍ وإما إلى وراء، وليس في الطبيعةِ ولا في الشريعةِ وقوفٌ ألبتة، ما هو إلا مراحلُ تطوى أسرعُ طيٍّ إلى الجنة أو إلى النار، فمسرِعٌ ومبطئ ومتقدمٌ ومتأخر، وليس في الطريق واقفٌ ألبتة وإنما يتخالفون فى جهة المسير وفي السرعة )، فلنتأمل في أحوالنا المتردية، ولنحركْ الفكرَ في كيفية تغييرها والنهوض بها.. وإن أول خطوة في ميدان التغيير والنهوض: الإيمانُ واليقينُ بأن من المحال دوامَ الحال، وأن التغييرَ سيأتي لا محالة إذا عملنا بأسبابه وسننه، فسنة الله تعالى والقانون الإلهي العام يقوم على الأسباب والمسببات وربط النتائج بالمقدمات على نحو هو في غاية الدقة والصرامة والاطراد.. والإنسان هو جزء من هذا الكون، ولكنه جزء ممتاز، يخضعُ لهذا القانون في جميع حركاته وسكناته وتقلبات أحواله، كما تخضع له الأمم أيضاً في علوها وانخفاضها وسعادتها وشقائها وعزها وذلها وبقائها وهلاكها، فلا نيأس ولا نتشاءم بل نتفاءل ونسعى للتغيير.
إخوة العقيدة والإسلام:
إن الإخلاصَ لله تعالى، والإخلاص مع أنفسنا وأسرنا وأمتنا من أجل النهوض بها، والترقي بها في مدارج العبودية لله عز وجل وتحقيق هدف الخلافة في الأرض، وكذا الاستعانةُ بالله عز وجل من أكبر المعينات في طريق التغيير، وقد أمرنا الله تعالى في كل ركعة من صلاتنا أن نقول: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} فالعبادة غاية والاستعانة وسيلة إليها، ولا يمكن للعبد أن يحقق طموحاته وآماله إلا بالاستعانة بالله عز وجل؛ ولهذا ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إلي اللَّهِ من الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وفي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ على ما يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ ولا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فلا تَقُلْ لو أَنِّي فَعَلْتُ كان كَذَا وَكَذَا وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وما شَاءَ فَعَلَ فإن لو تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ )، يقول الإمام النووي – رحمه الله - : ( والمراد بالقوة هنا عزيمة النفس والقريحة في أمور الآخرة... واحرص على طاعة الله تعالى والرغبة فيما عنده، واطلب الإعانة من الله تعالى على ذلك ولا تعجز ولا تكسل عن طلب الطاعة ولا عن طلب الإعانة ) وقال غيره من العلماء: ( الإشارة بالقوة ها هنا إلى العزم والحزم والاحتياط لا إلى قوة البدن )، فلنستعن بالله تعالى ولتكن عندنا عزيمة وإصرارعلى تغيير أنفسنا وواقعنا كما جاء في الحديث: ( ولا تعجز ) فبالعزيمة وعلو الهمة والإصرار على الوصول إلى الهدف سنصل بإذن الله، فكل من سار على الدرب وصل، وقد قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} فلا نلتفت إلى القاعدين المثبطين الذين لا هم لهم إلا النقد الهدام، فإذا أمرتَ بمعروفٍ أو نهيتَ عن منكر، قالوا: و ما شأنُك؟ دعِ الخلق للخالق! إذا أردت أن تعمل وتُغير، قالوا: قد سبقَك أناس وفشلوا! وهكذا دواليك يرفعون شعار " ليس في الإمكان أحسنُ مما كان" .. والمؤمن الصادقُ لا يعبأ بهم بل يمضي في طريق الحق والخير والصلاح:
قالوا: السعادة في السكون وفي الخمول وفي الخمود
في العيش بين الأهل لا عيش المهاجر والطريد
في المشي خلف الركب في في دعة وفي خطو وئيد
في أن تقول كما يقال فلا اعتراض ولا ردود
في أن تسير مع القطيع وأن تقاد ولا تقود
قلت: الحياة هي التحرك لا السكون ولا الهمود
هي الجهاد، وهل يجا هد من تعلق بالقعود؟
وهي التلذذ بالمتاعب لا التلذذ بالرقود
هي أن تذود عن الحياض وأي حر لا يذود؟
وتقول: لا، ونعم، إذا ما شئت في بصر حديد

عباد الله:
علينا أيضاً أن نحدد الهدف، ماذا نريد؟ ماذا تريد لنفسك أن تكون؟ ماذا تريد لأسرتك وأمتك؟ نحدده بدقة ووضوح ويكون هدفاً نبيلاً شريفاً ونخطط للوصول إليه ، يقول عمر رضي الله
عنه: إني لأكره أن أرى أحدكم فارغاً سبهللاً، لا في أمر دنيا ولا في أمر آخرة، أي بلا هدف ولا عمل، وهذه سيرة النبي صلى الله عليه وسلم فيها الكثير من رؤية النبي صلى الله عليه وسلم والتخطيط للمستقبل، منذ أمره للصحابة للمدينة إلى التخطيط الدقيق في هجرته، ثم المعارك التي خاضها عليه الصلاة والسلام، والتربية للصحابة رضي الله عنهم فأخرج منهم القائد السياسي والقائد العسكري والعالم والتاجر والشاعر والقاضي والجندي وكافة ما تحتاجه الأمة؛ فأصبح المجتمع متكاملاً مستغنياً عن غيره، وقد قال الله عز وجل لنا: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ...
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي جعل للحياة قوانين وسنن، والصلاة والسلام على خير من أخذ بها واستن، وأشهد أن لاإله إلا الله من اعتصم بها وصل، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه خير الصحب والآل.
أما بعد:
عباد الله:أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى:
معشر المؤمنين:
إذا أردنا أن نغير لابد أن نمتلك الهمة العالية للوصول إلى أهدافنا النبيلة، وأغراضنا الجليلة، وقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم في مواقف كثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم: (فإذا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ: فإنه أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ، أُرَاهُ فَوْقَهُ عَرْشُ الرحمن وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ ) رواه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، ومنها ماجاء عن يعلى بن الأشدق عن النابغة الجعدي قال: أنشدت النبي صلى الله عليه وسلم وأنا عن يمينه:
بلغنا السماء مجدَنا وجدودَنا وإنا لنرجو فوقَ ذلك مظهرا

فقال: ( أين المظهرُ يا أبا ليلى) وفي لفظ فقال: ( إلى أين لا أمَّ لك ) قلت: الجنة فقال: (أجل إن شاء الله ) فقلت:
ولا خير في علم إذا لم يكن له بوادر تحمي صفوَه أن يكدَّرا
ولا خير في جهل إذا لم يكن له حليم إذا ما أورد الأمرَ أصدرا
فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أجدت لا يُفضضْ فوك مرتين ) فلقد رأيتُه بعد عشرين سنة ومائة سنة وإن لأسنانه أشراً،أي حدة.
يقول ابن الجوزي –رحمه الله -: ( فينبغي للعاقل أن ينتهي إلى غاية ما يمكنه؛ فلو يتصور للآدمي صعود السموات لرأيت أقبح النقص رضاه بالأرض، ولو كانت النبوة تحصل بالاجتهاد رأيت المقصر في تحصيلها حضيض، غير أنه إذا لم يمكن ذلك فينبغي أن يطلب الممكن ) وكلكم تعلمن قول المتنبي:
على قدر أهلِ العزم تأتي العزائمُ وتأتي على قدر الكرامِ المكارمُ
وتكبر في عينِ الصغير صغارُه وتصغر في عينِ العظيم العظائمُ
أخيراً إخوة الإسلام والإيمان:
من أسباب الوصول إلى التغيير المنشود أن نتعاون جميعاً للوصول إليه، وللأسف أن قد عرف عن الحضارم أنهم يحسد بعضهم بعضاً، ويهدم بعضهم مشاريع بعض إلا من رحم الله، كنت الأسبوع الماضي في مكتبة لشراء كتاب، فأراني صاحب المكتبة نسخ كثيرة من كتاب معين، وقال: هذا الكتاب أعده أحد أساتذة الجامعات في مادة ليكون منهجاً للطلاب، واتفق معنا على طباعته، ثم طبعناه، ولكن غيروا هذا الأستاذ عن هذه المادة ووضعوا آخر، فلم يعتمد ذلك الكتاب، ومشكلتكم الحضارم أنكم متحاسدون، إن هذا ليس خلق الإسلام وقد أمر الله بالتعاون فقال: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَاتَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } ولا من أخلاق قدوتنا محمد صلى الله عليه وسلم فقد كان أصفى الناس قلباً وأخبر أن الحسد يحلق الدين، وشجع الصحابة رضي الله عنهم ليكونوا نجوماً في السماء، ودعمهم وفسح لهم المجال، فمتى نستفيق؟ ومتى ننهض إذا كان بعضنا يأكل بعضاً ويحطم الآخر؟! هذه رقة في الدين، ومرض في القلب، وسفاهة في العقل يجب أن نتخلص منها.
المشاهدات 1640 | التعليقات 0