السُّمُّ القَاتِلُ

أ.د عبدالله الطيار
1440/01/05 - 2018/09/15 19:04PM

إنّ الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ، ونعوذُ باللهِ منْ شرورِ أنفسنا ومن سيئاتِ أعمالنا من يهدهِ اللهُ فلا مضلّ لهُ ومن يضللْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ ، وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه بعثه اللهُ رحمةً للعالمين، صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وأصحابهِ، وسلَّم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:

فأوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون}[الحشر:18].

عباد الله: كثرتْ الفتنُ المعروضةُ على الناسِ، وكلُّ فتنةٍ تختلفُ باختلافِ قوّتها وجاذبيتِهَا، ومن أكثرِ هذه الفتنِ انتشارًا بين الناسِ مصيبةُ الدّخانِ.

إنه وباءُ العصرِ، والقاتلُ البطيءُ، الذي أثمرَ أجساداً بالية، وقلوبًا مريضة، وأنفُسًا مضطربةً، وأعصابًا متعبة، وحياةً قصيرة مُرهَقَة، وتسبّب في إزهاق الأرواحِ وإهلاكِ الأموالِ بغير حقٍّ.

لقدْ أصبحَ شربُ الدُّخانِ في كثيرٍ من المجتمعاتِ مظهرًا من مظاهرِ التمدّنِ والرُّقيّ ، وهذا انتكاسٌ خطيرٌ للفطرِ السليمةِ وارتكاسٌ في أوحالِ الرذيلةِ، ولقدْ تساهلَ كثيرٌ من المسلمينَ في شربهِ، إمّا تقليداً أو رغبةً، حتى وصل الأمرُ إلى شربهِ في الأماكنِ العامةِ، وعند أماكنِ العبادةِ.

عبادَ اللهِ: ومنْ أهمِّ أسبابِ وقوعِ المسلمِ في شربهِ ما يلي:

أولاً: أنّهُ لا يفكرُ في عواقبِ الأمورِ عند إقدامهِ على شربهِ، بل يتناولُه أحياناً بدافعِ الشهوةِ وإشباعِ رغبةِ النفسِ الوقتيةِ.

ثانياً: مخالطةُ أشخاصٍ يدخنونَ، وخاصةً إذا كانوا من أصدقائهِ المقرّبينَ؛ فهمْ يعينونهُ على شربهِ، وقدْ قال صلى الله عليه وسلمَ:( إنّمَا مَثَلُ الجَلِيسِ الصّالِحِ وجَلِيسِ السّوءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ ونَافِخِ الكيرِ، فَحَامِلُ المِسْكِ إِمّا أَنْ يُحْذِيكَ، وَإِمّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيّبَةً، وَنَافِخِ الْكِيرِ إِمّا أَنْ يَحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا مُنْتِنَةً)(متفق عليه).

ثالثاً: أثرُ البيئةِ المحيطةِ بالشخصِ، وخاصةً عندما يَرى الشابُ أباهُ يدخنُ أمامهُ في البيتِ، أو يرى أخاهُ الأكبرُ، أو قريبهُ، وإذا ذهبَ إلى المدرسةِ رأى مدرسهُ يدخنُ، وإذا ذهبَ لدائرةٍ حكوميةٍ شاهدَ الموظفَ يدخنُ، وهكذا في سائرِ الأمكنةِ والطرقاتِ التي يرتادُها.

رابعاً: الظنُّ عند بعضِ الشبابِ أن شخصيتهمْ ورجولتهمْ لا تكتملُ إلا بشربهِ.

خامساً: التقليدُ الأعمى؛ حيثُ يتناوله تقليداً، ثم في النهايةِ يصبحُ عادةً عندَهُ يصعبُ عليهِ بعدها التخلُّصَ منها.

سادساً: تساهلُ بعضِ أولياءِ الأمورِ في تربيةِ أولادهمْ وتوجيههمْ، ومتابعتهمْ، فلا يدرونَ أين ذهبوا، ومع من جلسوا.

عبادَ اللهِ: لقد ثبتَ أن الدخانَ له أضرارٌ كثيرةٌ على الإنسانِ من الناحيةِ الصحيةِ والماليةِ والعقليةِ والنفسيةِ، ومن ذلك:

أولاً: أنهُ يوهنُ الجسدَ ويقللُ من نشاطِهِ وحيويتِهِ، ويغيرُ لونهُ بالصفرةِ وخصوصاً الأسنانَ، ويذهبُ نضرةَ الوجهِ، ويورثُ النسيانَ ويضعفُ القدرةَ على التركيزِ، ويسببُ القلقَ النفسيّ وتوتر الأعصابِ وضعفُ الغيرة، ويجلب البلغم والسّعالَ والأمراضَ الصدريةِ، ويورثُ السلّ الرئوي ويفسدُ كريات الدم مما يتسبب في مرضِ القلبِ والموتِ بالسكتةِ القلبيةِ غالباً.

ثانياً: أنّ شاربَهُ يقصّرُ في الطاعاتِ، ويصدرُ منهُ رائحةٌ كريهةٌ تؤذي الناسَ، والكرامَ الكاتبينَ.

ثالثاً: أنّ شاربهُ يضيعُ كثيراً من مالِهِ على شرائِهِ، وينفقهُ في غير حلّهِ، وقدْ نهى النبيُّ صلى الله عليه وسلّم عن إضاعةِ المالِ.

رابعاً: تأثيرُهُ الضارُّ على نفسيةِ شاربهِ؛ فيتسببُّ في هبوطِ مستوى ذكائِهِ، وتعكِّرِ مزاجهِ، وشرودهِ وكثرةِ قلقهِ، وإصابتهِ بالهمومِ والغمومِ، وهو منْ أكبرِ وسائلِ الشيطانِ لاستدراجِ العبدِ إلى ما هو أعظمُ منهُ.

فإذا كان كلُّ ما ذكرناهُ ثابتاً وظاهراً للعيانِ وغيرهُ كثير؛ فكيفَ يقبلُ الشخصَ العاقلَ بمحضِ إرادتِهِ واختيارِهِ ورغبتِهِ على هذا الشرابِ، ويهينُ كرامتهُ ويقلّلْ منزلتهُ في أعينِ الناسِ، أسألُ اللهَ الهدايةَ للجميعِ.

أعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيمِ:{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون} [الأعراف:157].

باركَ اللهُ لي ولكمْ في القرآنِ العظيمِ ونفعني وإيَّاكمْ بما فيهِ من الآياتِ والعظاتِ والذكرِ الحكيمِ أقولُ ما سمعتمْ فاستغفروا اللهَ يغفر لي ولكم إنَّه هو الغفورُ الرحيمُ.

 

الخطبة الثانية:

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على أشرفِ الأنبياءِ والمرسلين، نبيِّنا محمد صلى الله عليه وآلهِ وصحبهِ أجمعين ،أما بعدُ:  

فاتقوا اللهَ أيها المؤمنون والمؤمنات: واعلموا أن من أهم طرق الوقاية من هذا الوباء الخبيث ما يلي:

أولاً: استشعارُ المسلمِ بخطورتهِ، وأنهُ سُمٌّ زعافٌ يسببُ الموتَ البطيءَ لشاربِهِ.

ثانياً: البعدُ عن أماكنِ تدخينِهِ، وتركُ مخالطةِ من يشربُهُ.

ثالثاً: استشعارُ معاناةِ من يشربونهُ، وتعاسةِ الحياةِ التي يعيشونَها.

رابعاً: عدمُ الانخداعِ بما يُنشرُ عن الدخانِ من إعلاناتٍ زائفةٍ خدّاعةٍ.

خامساً: متابعةُ الأولادِ ومنعهمْ من مجالسةِ المدخنينَ.

سادساً: ممارسةُ الرياضةِ وملءُ الفراغِ بما ينفعُ.

سابعاً: استعمالُ بعضُ الأدويةِ والعلاجاتِ المباحةِ التي تساعدُ على تركِهِ بإذنِ الله.

عباد الله: من ابتُلِيَ بالتدخينِ يمكنهُ بفضلِ اللهِ تعالى وعونِهِ أنْ يُقلعَ عنْهُ بكلِّ يسرٍ وسهولةٍ متى استصحبَ النيةَ الصّالحةَ والعزيمةَ الصادقَةَ، ومنَ السُّبُلِ المعينة على تركهِ ما يلي:

أولاً: الاعتصامُ باللهِ جلّ وعلا وصدقُ الالتجاءِ إليهِ وطلبُ الإعانةَ منهُ على تركِهِ.

ثانياً: الإقلاعُ عنهُ، وعقدُ العزمِ على عدمِ العودةِ إليهِ مرةً أخرى.

ثالثاً: التفكّرُ في آثارِهِ السيئةِ، وما يسبّبُهُ من أمراضٍ كثيرةٍ وأزماتٍ حادّةٍ.

رابعاً: الابتعادُ عن الصحبةِ التي تذكرُهُ بِهِ ، والمجالسَ التي يدخنُ فيها.

خامساً: ممارسةُ الرياضةِ، وملءُ الفراغِ بما ينفعُ.

سادساً: استعمالُ بعضُ الأدويةِ أو العلاجاتِ المباحةِ التي تساعدُ على تركِهِ بإذنِ اللهِ.

سابعاً: استعمالُ السواكِ وأنواع العلكِ التي تحتوي على روائحَ طيبة تدخلُ الراحة والسرور على نفسهِ وجسدِهِ.

ثامناً: الإقلالُ من شربِ المنبهاتِ؛ كالقهوةِ والنسكافيه والشاي، والإكثار من تناول الفواكه والغذاءَ المفيد، وشربُ جميع أنواع العصائرِ الطبيعيةِ، التي تقوّي الجسدَ، وتعينُ على تركِ الرغبةِ في التدخينِ.

وختاماً: اعلم أخي المبتلى بالتدخين – أعانك الله على تركِهِ – أن الأمر سهلٌ ويسيرٌ جداً على من يسرَهُ اللهُ عليهِ، فاستعنْ باللهِ، وعلّقْ قلبكَ بهِ، واتركهُ من أجلهِ، وجاهدْ نفسكَ، وتذكّر وأنت تتركهُ من أجل اللهِ أنّ اللهَ جلّ وعلا سيعوضكَ خيرًا في الدنيا والآخرة. أسألُ اللهَ جلّ وعلا وهو اللطيفُ بعبادهِ أن يعينَ كلَّ مدخنٍ على تركِهِ، وأنْ يرزقنا وإياهُ حسنَ الخاتمةِ وسكنى الجنةِ ووالدينا وجميع المسلمين.

عباد الله: اعلموا بارك الله فيكم أنّ أفضلَ الصيامِ بعدَ رمضان صيامُ شهرُ اللهِ المحرّم، فأكثروا فيه من الصيامِ.

وأفضلُ الصيامُ في هذا الشهرِ صيامُ يومِ عاشوراء، قال صلى الله عليه وسلم: (صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ)(رواه مسلم).

وفي هذا العامِ 1440هـ ثبت دخولُ شهر المحرّمِ يوم الثلاثاءِ فيكونُ اليومَ العاشرَ هو يومُ الخميسِ القادمِ.

ويسنُّ صيامَ اليوم التاسعِ معهُ لقولِهِ صلى الله عليهِ وسلّمِ: (لئنْ بقيتُ إلى قَابِلٍ لأصومنّ التّاسِعَ)(رواهُ مسلم)، وقدْ قالَ ذلكَ في آخرِ حياتِهِ لمّا أُمرَ بمخالفةِ أهلِ الكتابِ، ومنْ صامَ ثلاثةَ أيامٍ فهو زيادةُ خيرٍ، ومن اكتفى بالعاشرِ فهوَ جائز.

هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً: {إِنَّ اللَّه وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِي يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} (الأحزاب:٥٦).                                                                                                                 الجمعة:5/1/1440هـ

 

 

المشاهدات 1334 | التعليقات 0