السميع -جل جلاله-
الفريق العلمي
الخطبة الأولى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70- 71]، أَمَّا بَعْدُ:
عِبَادَ اللَّهِ: نَقِفُ هُنَا مَعَ اسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى: (السَّمِيعِ) -جَلَّ جَلَالُهُ-؛ لِنَتَعَرَّفَ عَلَى مَعَانِي هَذَا الِاسْمِ؛ لِنَسْتَشْعِرَ قُرْبَهُ مِنَّا، وَلِنَتَذَوَّقَ طَعْمَ مُنَاجَاتِهِ فِي لَيَالِي الْوَحْشَةِ؛ قَالَ -سُبْحَانَهُ-: (فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)[الْبَقَرَةِ: 137]، وَرَدَ اسْمُ اللَّهِ: (السَّمِيعُ) فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ فِي خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ مَوْضِعًا.
فَرَبُّنَا سَمِيعٌ؛ أَحَاطَ سَمْعُهُ بِجَمِيعِ الْمَسْمُوعَاتِ؛ فَكُلُّ مَا فِي الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ وَالسُّفْلِيِّ مِنَ الْأَصْوَاتِ يَسْمَعُهَا؛ سِرَّهَا وَعَلَنَهَا، وَكَأَنَّهَا لَدَيْهُ صَوْتٌ وَاحِدٌ، لَا تَخْتَلِطُ عَلَيْهِ الْأَصْوَاتُ، وَلَا تَخْفَى عَلَيْهِ جَمِيعُ اللُّغَاتِ، وَالْقَرِيبُ مِنْهَا وَالْبَعِيدُ وَالسِّرُّ وَالْعَلَانِيَةُ عِنْدَهُ سَوَاءٌ.
يَعْلَمُ مَا فِي قَلْبِ الْقَائِلِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ، وَيَعْجَزُ الْقَائِلُ عَنِ التَّعْبِيرِ عَنْ مُرَادِهِ؛ فَيَعْلَمُ اللَّهُ مَا يُرِيدُهُ فَيُعْطِيهِ الَّذِي فِي قَلْبِهِ، وَالْمَخْلُوقُ يَزُولُ عَنْهُ السَّمْعُ بِالْمَوْتِ، وَاللَّهُ لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ، يُفْنِي الْخَلْقَ وَيَرِثُهُمْ جَمِيعًا، فَاشْتَرَاكُ الْمَخْلُوقِ مَعَ الْخَالِقِ فِي هَذَا الِاسْمِ لَا يَعْنِي: الْمُشَابَهَةَ -تَعَالَى- عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا!؛ لِأَنَّ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِ تُنَاسِبُ ضَعْفَهُ وَعَجْزَهُ وَخَلْقَهُ، وَصِفَاتِ الْخَالِقِ تَلِيقُ بِكَمَالِهِ وَجَلَالِهِ؛ فَالسَّمْعُ هُنَا يَأْتِي بِمَعْنَى "السَّمْعِ وَالْإِحَاطَةِ"، وَيَأْتِي بِمَعْنَى "الِاسْتِجَابَةِ وَالْقَبُولِ".
وَهُوَ السَّمِيعُ يَرَى وَيَسْمَعُ كُلَّ مَا *** فِي الْكَوْنِ مِنْ سِرٍّ وَمِنْ إِعْلَانِ
وَلِكُلِّ صَوْتٍ مِنْهُ سَمْعٌ حَاضِرٌ *** فَالسِّرُّ وَالْإِعْلَانُ مُسْتَوِيَانِ
وَالسَّمْعُ مِنْهُ وَاسِعُ الْأَصْوَاتِ لَا *** يَخْفَى عَلَيْهِ بَعِيدُهَا وَالدَّانِي
جَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ الْمَسْجِدَ؛ فَإِذَا بِصَحَابَتِهِ الْكِرَامِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ- يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِأَصْوَاتٍ مُرْتَفِعَةٍ؛ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَيُّهَا النَّاسُ، ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ؛ فَإِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا، وَلَكِنْ تَدْعُونَ سَمِيعًا بَصِيرًا".
تَأْتِي امْرَأَةٌ تُجَادِلُ فِي زَوْجِهَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهِيَ: خَوْلَةُ، وَعَائِشَةُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- فِي طَرَفِ الْبَيْتِ تَقُولُ: إِنَّهَا تَسْمَعُ كَلِمَةً وَتَغِيبُ كَلِمَةٌ، وَبَعْدَ ذَلِكَ الْجِدَالِ يَنْزِلُ جِبْرِيلُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- عَلَى مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِقَوْلِهِ -تَعَالَى-: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ)[الْمُجَادِلَةِ: 1]، يَا لَهُ مِنْ قُرْبٍ عَجِيبٍ، وَعِلْمٍ عَظِيمٍ، وَسَمْعٍ مُحِيطٍ.
يَجْتَمِعُ عِنْدَ الْبَيْتِ قُرَشِيَّانِ وَثَقَفِيٌّ، أَوْ ثَقَفِيَّانِ وَقُرَشِيٌّ؛ فَيَقُولُونَ عَنِ الصَّحَابَةِ: كَثِيرَةٌ شُحُومُ بُطُونِهِمْ، قَلَيْلٌ فِقْهُ قُلُوبِهُمْ، فَقَالَ أَحَدُهُمْ: أَتَرَوْنَ أَنَّ اللَّهَ يَسْمَعُ مَا نَقُولُ؟ قَالَ الْآخَرُ: يَسْمَعُ إِنْ جَهَرْنَا وَلَا يَسْمَعُ إِنْ أَخْفَيْنَا، وَقَالَ الْآخَرُ: إِنْ كَانَ يَسْمَعُ إِذَا جَهَرْنَا؛ فَإِنَّهُ يَسْمَعُ إِنْ أَخْفَيْنَا؛ فَأَنْزَلَ اللَّهُ -تَعَالَى-: (وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[فُصِّلَتْ: 22-23].
وَسَمْعُ اللَّهِ لِأَوْلِيَائِهِ: سَمْعُ إِجَابَةٍ وَحِفْظٍ وَتَوْفِيقٍ، سَمْعٌ يُهَدِّئُ مِنْ رَوْعِهِمْ كَمَا هَدَّأَ مِنْ رَوْعِ مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- عِنْدَمَا أَعْلَنَ خَوْفَهُ مِنَ الذَّهَابِ إِلَى فِرْعَوْنَ، فَقَالَ لَهُ: (لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى)[طه: 46]، (وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)[يُونُسَ: 65].
تَجْتَمِعُ عَلَيْكَ شَيَاطِينُ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ؛ فَيَأْخُذُونَ بِالْوَسْوَسَةِ وَالْقَهْرِ حَتَّى تُصَابَ بِالْهَمِّ وَالْحَزَنِ؛ فَيَأْمُرُكَ اللَّهُ بِالِاسِتِعَانِةِ بِهِ وَالِاسْتِعَاذَةِ بِهِ مِنْهُمْ بِاسْمَيْهِ؛ (السَّمِيعِ الْعَلِيمِ)؛ (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)[الْأَعْرَافِ: 200].
يَسْمَعُ نِدَاءَ الْمُضْطَرِّينِ، وَيُجِيبُ دُعَاءَ الْمُحْتَاجِينَ، وَيُعِينُ الْمَلْهُوفِينَ، وَيَسْمَعُ حَمْدَ الْحَامِدِينَ، وَيَسْمَعُ دُعَاءَ الدَّاعِينَ، وَيَسْمَعُ دَبِيبَ النَّمْلَةِ السَّوْدَاءِ عَلَى الصَّخْرَةِ الصَّمَّاءِ فِي اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ، وَيَسْمَعُ خَطَرَاتِ الْقُلُوبِ، وَيَسْمَعُ هَوَاجِسَ النُّفُوسِ، وَيَسْمَعُ مُنَاجَاةَ الضَّمَائِرِ.
إِذَا صَفَعَتْكَ الْمَخَاوِفُ، وَإِذَا الْتَأَمَتْ حَوْلَكَ الْخُطُوبُ؛ فَتَوَسَّلْ إِلَى رَبِّكَ بِهَذَا الِاسْمِ الْعَظِيمِ؛ كَمَا تَوَسَّلَ الْأَنْبِيَاءُ بِهِ؛ فَهُوَ الَّذِي يَسْمَعُ الْمُنَاجَاةَ، وَيُجِيبُ عِنْدَ الِاضْطِرَارِ، وَيَكْشِفُ السُّوءَ؛ فَلَا تُسْمِعْ هَمَّكَ لِأَحَدٍ، انْطَرِحْ عِنْدَهُ سَاجِدًا، أَنِخْ مَطَايَاكَ بِبَابِهِ، وَتَحَدَّثْ إِلَيْهِ وَابْكِ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ انْتَظِرِ الْفَرَجَ.
زَكَرِيَّا -عَلَيْهِ السَّلَامُ- يُعْطِيهِ اللَّهُ مَا فِي قَلْبِهِ بَعْدَ أَنْ نَادَاهُ سِرًّا؛ (قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا)[مَرْيَمَ: 3]؛ فَيَهَبُ لَهُ الذُّرِّيَةَ الصَّالِحَةَ؛ بَعْدَ تَضُرِّعِهِ بِاسْمِهِ؛ (هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ)[آلِ عِمْرَانَ: 38].
إِبْرَاهِيمُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- يَسْأَلُ اللَّهَ بِهَذَا الِاسْمِ أَنْ يَتَقَبَّلَ عَمَلَهُ؛ حِينَ أَنْهَى هُوَ وَابْنُهُ إِسَمَاعِيلُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- بِنَاءَ الْكَعْبَةِ؛ (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)[الْبَقَرَةِ: 127].
وَبِهَذَا الِاسْمِ الْمُبَارَكِ إِبْرَاهِيمُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- يَشْكُرُ اللَّهَ عَلَى اسْتِجَابَةِ دُعَائِهِ؛ (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ)[إِبْرَاهِيمَ: 39].
وَبِهَذَا الِاسْمِ تَتَقَرَّبُ امْرَأَةُ عِمْرَانَ إِلَى رَبِّهَا بِقَبُولِ عَمَلِهَا؛ حِينَ نَذَرَتْ مَا فِي بَطْنِهَا؛ (إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)[آلِ عِمْرَانَ: 35].
ضَاقَتِ الدُّنْيَا بِيُوسُفَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- مِنْ مَكَايِدِ الْفَسَادِ حَوْلَهُ؛ فَدَعَا رَبَّهُ؛ (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ * فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)[يُوسُفَ: 33-34].
يُونُسُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- فِي بَطْنِ الْحُوتِ يُنَادِي؛ (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)[الْأَنْبِيَاءِ: 87]؛ فَإِذَا بِالسَّمِيعِ الْعَلِيمِ يُنْجِيهِ مِنَ الْغَمِّ؛ (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ)[الْأَنْبِيَاءِ: 88]؛ فَمَنْ لَنَا سِوَى رَبِّنَا -عَزَّ وَجَلَّ-.
اللَّهُمَّ ارْحَمْنَا وَاسْتَجِبْ لَنَا، إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
عِبَادَ اللَّهِ: الْمُؤْمِنُ يَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ يَسْمَعُ كُلَّ نَجْوَى، وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ، وَأَنَّ اللَّهَ يَعَلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ؛ فَيُقْبِلُ عَلَى اللَّهِ بِالدُّعَاءِ رَاجِيًا مَا عِنْدَهُ مِنَ الْجَزَاءِ.
وَكَانَ نَبِيُّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْتَعِيذُ بِهَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ؛ (السَّمِيعِ الْعَلِيمِ) إِذَا قَامَ لِصَلَاةِ اللَّيْلِ؛ فَيَقُولُ: "أَعُوذُ بِاللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ؛ مِنْ هَمْزِهِ وَنَفْخِهِ وَنَفْثِهِ"(حَدِيثٌ صَحِيحٌ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ).
وَتَعَوَّذَ بِالِاسْمَيْنِ؛ (السَّمِيعِ الْعَلِيمِ) مِنْ كُلِّ ضَرَرٍ يُصِيبُهُ: "مَنْ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ، وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ؛ لَمْ تُصِبْهُ فَجْأَةُ بَلَاءٍ حَتَّى يُصْبِحَ، وَمَنْ قَالَهَا حِينَ يُصْبِحُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ؛ لَمْ تُصِبْهُ فَجْأَةُ بَلَاءٍ حَتَّى يُمْسِيَ"(حَدِيثٌ صَحِيحٌ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ).
اسْمُ اللَّهِ (السَّمِيعُ) مِنْ أَقَرَبِ الْأَسْمَاءِ إِلَيْكَ، كُلَّمَا نَاجَيْتَهُ سَمِعَكَ وَيَسْتَجِيبُ لَكَ؛ فَيَنْبَغِي أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ أَعْظَمَ مَعْرِفَةٍ هِيَ: مَعْرِفَتُكَ بِأَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى؛ وَخَاصَّةً وَأَنْتَ تُنَاجِيهِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً؛ وَاسْتِشْعَارُكَ لِهَذَا الِاسْمِ (السَّمِيعِ) يَجْعَلُكَ فِي قُرْبٍ دَائِمٍ مِنْهُ.
إِلَيْكَ إِلَهَ الْعَرْشِ أَشْكُو تَضَرُّعَا *** وَأَدْعُوكَ فِي الضَّرَّاءِ رَبِّي لِتَسْمَعَا
إِلَهِي فَحَقِّقْ ذَا الرَّجَا وَكُنْ بِنَا *** رَؤُوفًا رَحِيمًا مُسْتَجِيبًا لَنَا النِّدَا
اللَّهُمَّ يَا سَمِيعُ.. يَا عَلِيمُ اجْعَلْنَا مِمَّنْ دَعَاكَ فَأَجَبْتَهُ، وَتَضَرَّعَ إِلَيْكَ فَرَحِمْتَهُ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالسَّدَادَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعِفَّةَ وَالْغِنَى، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ، وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ، وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ؛ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ؛ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، وَأَنْ تَجْعَلَ كُلَّ قَضَاءٍ قَضَيْتَهُ لَنَا خَيْرًا.
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَالْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ.
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا، وَأَلِّفْ بَيْنِ قُلُوبِنَا، وَاهْدِنَا سُبُلَ السَّلَامِ، وَأَخْرِجْنَا مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، وَبَارِكْ لَنَا فِي أَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّاتِنَا، وَأَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّتِنَا وَأَمْوَالِنَا، وَاجْعَلْنَا مُبَارَكِينَ أَيْنَمَا كُنَّا.
وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.