السمع والطاعة في المنشط والمكره وحكم الاحتفال برأس السنة
د. ماجد بلال
1437/03/21 - 2016/01/01 08:38AM
خطبة جمعة
السمع والطاعة في المنشط والمكره
حكم الاحتفال بعيد رأس السنة
ماجد بلال شربه/ جامع ابن باز بتبوك / 21/3/1437ه
تواجه بلادنا حرسها الله حربا شرسة من بلاد فارس من جميع الجهات لزعزعة الامن والاستقرار وإشاعة الفوضى، فهاهي العراق لما أصبحت تحت الوصاية الفارسية باتت تمسي وتصبح كل يوم على القتل والدمار، وكذلك بلاد الشام لما أمدت فارس النظام الظالم بأسلحة الدمار أصبح أهلها مشردون شذر مذر، يصبحون على أشلاء الابراء إثر البراميل المتفجرة، ومازالوا يحرضون السفهاء في المنطقة الشرقية في بلادنا على قتل رجال الامن الذين يسهرون على راحتهم وحفظ أموالهم وأعراضهم، وآخرها دعمهم للحوثيين بالمال والسلاح حتى انقلبوا على رئيسهم الشرعي وحولوا البلاد إلى مسرح للقتل والدمار، حتى وفق الله خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز الذي سطر اسمه في صفحات التاريخ بالبطولة والشجاعة، التي رفعت رأس الإسلام والمسلمين والعرب في العالم أجمع في تصديه لهذا العدوان الغاشم، في عاصفة الحزم وإعادة الأمل، في نصرة شعب اليمن وأصل العرب، وإعادة الأمن والاستقرار بإذن الله تعالى.
وهاهم إخواننا المرابطون في الحد الجنوبي وفقهم الله تعالى يبذلون دماءهم وأرواحهم في رد البغاة والمعتدين الذين يرسلون صواريخهم بين الفينة والأخرى على الآمنين في نجران وجيزان، ونحن ننعم وننام في أمن واستقرار ورخاء ومنا من يفكر في السفر ومنا من يفكر في قضاء اجازته في مكان ما، واخواننا المرابطون تركوا اهليهم واوطانهم وذهبوا على الحدود يفدوننا بأرواحهم ودمائهم.
ولأجل هذا كله استلزم الأمر سياسة في الحزم والتقشف وجمع الأموال وترك السرف والبذخ، ومن المعلوم أن المال عصب الحياة ولا يكون القتال الا به، لذلك قرن الله الجهاد بالنفس الجهاد بالمال {وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [الحجرات: 15]، ولأن حفظ الأمن أهم من فضول الكماليات والتحسينيات، اقتضت حكمة الملك سلمان وفقه الله تعالى لتعديل أسعار الوقود فيما يتوافق مع دعم الحرب ضد المعتدي وتقوية الجيش للدفاع عن هذه البلاد، حتى لا تكون لقمة سائغة للأعداء الذين يتحينون فرصة لزعزعة الأمن واستقرار البلاد.
فسمعا وطاعة يا خادم الحرمين الشرفين، فوالله إن أرواحنا ودماءنا لترخص فداء لبلاد الحرمين الشريفين، وفداء لمهبط الوحي والنبوة، وفداء لبلاد لطالما رتعنا –بفضل الله- نحن وأولادنا مواطنون ومقيمون بخيراتها وثمراتها ونعيمها وأمنها وأمانها، ترخص أرواحنا يا سلمان بن عبد العزيز، لبلاد سهرت أنت واخوانك ورجالك على حفظ أمنها وإيمانها، أفنبخل بعد هذا كله ببضع ريالات لها الأثر الواضح في دعم القوة ورد المعتدي، لا والله، بل ترخص لأجل ذلك الأنفس والأموال.
سر يا سلمان بن عبد العزيز فوا الله لقد بايعناك على المكره كما بايعناك على المنشط، ونعوذ بالله من أهل النفاق الذين لا يبايعون إلا على الرخاء والنعيم فإذا جاءت الشدة والحاجة والقتال يولون الأدبار معرضين { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (11) لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ} [الحشر: 11، 12]
نعوذ بالله أن نكون من المنافقين الذين قال الله عنهم { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (77) أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (78) مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (79) } [النساء: 77 - 79]
بل بايعناك على عهد الله وسنة رسوله {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] و عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال : "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: ... ورجل بايع إمامًا لا يبايعه إلا لدنيا فإن أعطاه منها وفى وإن لم يعطه لم يفِ(( صحيح البخاري (3/ 111) صحيح مسلم (1/ 103)، وعن عبادة ابن الصامت قال: «بَايَعْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ، وَالْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ، وَعَلَى أَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَعَلَى أَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ،) صحيح مسلم (3/ 1470) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَيْكَ السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ فِي عُسْرِكَ وَيُسْرِكَ، وَمَنْشَطِكَ وَمَكْرَهِكَ، وَأَثَرَةٍ عَلَيْكَ» صحيح مسلم (3/ 1467)
كل ذلك لأن حفظ الأرواح واستتباب الأمن والأمان أهم من الأموال والذهب والفضة والدراهم والدنانير.
ثم نقول رسالة إلى كل من كانت الدنيا أكبر همه ومبلغ علمه إلى الذين {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ } [الروم: 7]، عن زيد بن ثابت قال، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ثلاث خصال لا يغل عليهن قلب مسلم أبدا: إخلاص العمل لله، ومناصحة ولاة الأمر، ولزوم الجماعة، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم، وقال: من كان همه الآخرة، جمع الله شمله، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت نيته الدنيا، فرق الله عليه ضيعته، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له"، (صححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (1/ 761))، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ، وَعَبْدُ الخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ، وَإِذَا شِيكَ فَلاَ انْتَقَشَ" صحيح البخاري (4/ 34) واعلم أننا لم نخلق من أجل المال والطعام والشراب، بل خلقنا لأجل العبادة ورزقنا قد تكفل به الله سبحانه وتعالى فلن تموت إلا وقد استكملت كل ذرة كتبها الله لك، وما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك، رفعت الأقلام وجفت الصحف.
رسالة إلى أولئك الذين يبخلون على دعم وطنهم وأمنهم وأمانهم ببضع ريالات، وهم يغسلون أيديهم بدهن العود الفاخر الذي يقدر بمآت الآلاف، أو بالسمن، أو يستعرضون بالجمال المطبوخة على الصحون، أو أكوام الرز الملقاة في القمامة، ويصرفون {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل: 112]، { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: 7]، {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16) ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ (17) وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ (18) فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (19) وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [سبأ: 15 - 20]، {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96) أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ (97) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (99) أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ} [الأعراف: 96 - 100]، {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ} [العنكبوت: 67]
اللهُمَّ إِنِّا نعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ» صحيح مسلم (4/ 2097)
واجعلنا من الشاكرين يا رب العالمين
اللهم اجمع كلمتنا على الحق يا رب العالمين، اللهم اجمع شملنا وألف بين قلوبنا ووحد صفوفنا يا رب العالمين
اللهم أدم علينا الأمن والأمان يا رب العالمين،
بارك الله لي ولكم ...
الخطبة الثانية:
يحتفل النصارى هذه الأيام بميلاد المسيح وفي ذلك يقول الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله تعالى نقلا عن ابن القيّم - رحمه الله – في كتابه أحكام أهل الذمة ، حيث قال : وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق ، مثل أن يُهنئهم بأعيادهم وصومهم ، فيقول : عيد مبارك عليك ، أو تهنأ بهذا العيد ونحوه، فهذا إن سلِمَ قائله من الكفر فهو من المحرّمات ، وهو بمنزلة أن تُهنئه بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم إثماً عند الله ، وأشدّ مَـقتاً من التهنئة بشرب الخمر، وقتل النفس، وارتكاب الفرج الحرام، ونحوه.
وكثير ممن لا قدر للدِّين عنده يقع في ذلك ، ولا يدري قبح ما فعل ، فمن هنّـأ عبدًا بمعصية، أو بدعة، أو كفْرٍ، فقد تعرّض لِمقت الله وسخطه . انتهى كلامه - رحمه الله -.
وإنما كانت تهنئة الكفار بأعيادهم الدينية حرامًا، وبهذه المثابة التي ذكرها ابن القيم؛ لأن فيها إقرارًا لما هم عليه من شعائر الكفر ، ورِضًا به لهم ، وإن كان هو لا يرضى بهذا الكفر لنفسه ، لكن يَحرم على المسلم أن يَرضى بشعائر الكفر، أو يُهنئ بها غيره ؛ لأن الله تعالى لا يرضى بذلك ، كما قال تعالى : ( إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ) . وقال تعالى: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ) وتهنئتهم بذلك حرام، سواء كانوا مشاركين للشخص في العمل أم لا.
وإذا هنئونا بأعيادهم فإننا لا نُجيبهم على ذلك ، لأنها ليست بأعياد لنا ، ولأنها أعياد لا يرضاها الله تعالى ، لأنها أعياد إما مبتدعة في دينهم ، وإما مشروعة لكن نُسِخت بدين الإسلام الذي بَعَث الله به محمداً - صلى الله عليه وسلم - إلى جميع الخلق ، وقال فيه : (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِين).
وإجابة المسلم دعوتهم بهذه المناسبة حرام، لأن هذا أعظم من تهنئتهم بها، لما في ذلك من مشاركتهم فيها.
وكذلك يَحرم على المسلمين التّشبّه بالكفار بإقامة الحفلات بهذه المناسبة، أو تبادل الهدايا، أو توزيع الحلوى، أو أطباق الطعام، أو تعطيل الأعمال ونحو ذلك، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (مَنْ تشبّه بقوم فهو منهم).
ومَنْ فَعَل شيئا من ذلك فهو آثم، سواء فَعَلَه مُجاملة، أو تَودّداً، أو حياءً، أو لغير ذلك من الأسباب؛ لأنه من المُداهنة في دين الله، ومن أسباب تقوية نفوس الكفار وفخرهم بِدينهم.
اللهم انصر الإسلام والمسلمين في كل مكان واجعلنا اعزة ظاهرين يا رب العالمين.
صلوا وسلموا ....
السمع والطاعة في المنشط والمكره
حكم الاحتفال بعيد رأس السنة
ماجد بلال شربه/ جامع ابن باز بتبوك / 21/3/1437ه
تواجه بلادنا حرسها الله حربا شرسة من بلاد فارس من جميع الجهات لزعزعة الامن والاستقرار وإشاعة الفوضى، فهاهي العراق لما أصبحت تحت الوصاية الفارسية باتت تمسي وتصبح كل يوم على القتل والدمار، وكذلك بلاد الشام لما أمدت فارس النظام الظالم بأسلحة الدمار أصبح أهلها مشردون شذر مذر، يصبحون على أشلاء الابراء إثر البراميل المتفجرة، ومازالوا يحرضون السفهاء في المنطقة الشرقية في بلادنا على قتل رجال الامن الذين يسهرون على راحتهم وحفظ أموالهم وأعراضهم، وآخرها دعمهم للحوثيين بالمال والسلاح حتى انقلبوا على رئيسهم الشرعي وحولوا البلاد إلى مسرح للقتل والدمار، حتى وفق الله خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز الذي سطر اسمه في صفحات التاريخ بالبطولة والشجاعة، التي رفعت رأس الإسلام والمسلمين والعرب في العالم أجمع في تصديه لهذا العدوان الغاشم، في عاصفة الحزم وإعادة الأمل، في نصرة شعب اليمن وأصل العرب، وإعادة الأمن والاستقرار بإذن الله تعالى.
وهاهم إخواننا المرابطون في الحد الجنوبي وفقهم الله تعالى يبذلون دماءهم وأرواحهم في رد البغاة والمعتدين الذين يرسلون صواريخهم بين الفينة والأخرى على الآمنين في نجران وجيزان، ونحن ننعم وننام في أمن واستقرار ورخاء ومنا من يفكر في السفر ومنا من يفكر في قضاء اجازته في مكان ما، واخواننا المرابطون تركوا اهليهم واوطانهم وذهبوا على الحدود يفدوننا بأرواحهم ودمائهم.
ولأجل هذا كله استلزم الأمر سياسة في الحزم والتقشف وجمع الأموال وترك السرف والبذخ، ومن المعلوم أن المال عصب الحياة ولا يكون القتال الا به، لذلك قرن الله الجهاد بالنفس الجهاد بالمال {وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [الحجرات: 15]، ولأن حفظ الأمن أهم من فضول الكماليات والتحسينيات، اقتضت حكمة الملك سلمان وفقه الله تعالى لتعديل أسعار الوقود فيما يتوافق مع دعم الحرب ضد المعتدي وتقوية الجيش للدفاع عن هذه البلاد، حتى لا تكون لقمة سائغة للأعداء الذين يتحينون فرصة لزعزعة الأمن واستقرار البلاد.
فسمعا وطاعة يا خادم الحرمين الشرفين، فوالله إن أرواحنا ودماءنا لترخص فداء لبلاد الحرمين الشريفين، وفداء لمهبط الوحي والنبوة، وفداء لبلاد لطالما رتعنا –بفضل الله- نحن وأولادنا مواطنون ومقيمون بخيراتها وثمراتها ونعيمها وأمنها وأمانها، ترخص أرواحنا يا سلمان بن عبد العزيز، لبلاد سهرت أنت واخوانك ورجالك على حفظ أمنها وإيمانها، أفنبخل بعد هذا كله ببضع ريالات لها الأثر الواضح في دعم القوة ورد المعتدي، لا والله، بل ترخص لأجل ذلك الأنفس والأموال.
سر يا سلمان بن عبد العزيز فوا الله لقد بايعناك على المكره كما بايعناك على المنشط، ونعوذ بالله من أهل النفاق الذين لا يبايعون إلا على الرخاء والنعيم فإذا جاءت الشدة والحاجة والقتال يولون الأدبار معرضين { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (11) لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ} [الحشر: 11، 12]
نعوذ بالله أن نكون من المنافقين الذين قال الله عنهم { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (77) أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (78) مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (79) } [النساء: 77 - 79]
بل بايعناك على عهد الله وسنة رسوله {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] و عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال : "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: ... ورجل بايع إمامًا لا يبايعه إلا لدنيا فإن أعطاه منها وفى وإن لم يعطه لم يفِ(( صحيح البخاري (3/ 111) صحيح مسلم (1/ 103)، وعن عبادة ابن الصامت قال: «بَايَعْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ، وَالْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ، وَعَلَى أَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَعَلَى أَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ،) صحيح مسلم (3/ 1470) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَيْكَ السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ فِي عُسْرِكَ وَيُسْرِكَ، وَمَنْشَطِكَ وَمَكْرَهِكَ، وَأَثَرَةٍ عَلَيْكَ» صحيح مسلم (3/ 1467)
كل ذلك لأن حفظ الأرواح واستتباب الأمن والأمان أهم من الأموال والذهب والفضة والدراهم والدنانير.
ثم نقول رسالة إلى كل من كانت الدنيا أكبر همه ومبلغ علمه إلى الذين {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ } [الروم: 7]، عن زيد بن ثابت قال، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ثلاث خصال لا يغل عليهن قلب مسلم أبدا: إخلاص العمل لله، ومناصحة ولاة الأمر، ولزوم الجماعة، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم، وقال: من كان همه الآخرة، جمع الله شمله، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت نيته الدنيا، فرق الله عليه ضيعته، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له"، (صححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (1/ 761))، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ، وَعَبْدُ الخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ، وَإِذَا شِيكَ فَلاَ انْتَقَشَ" صحيح البخاري (4/ 34) واعلم أننا لم نخلق من أجل المال والطعام والشراب، بل خلقنا لأجل العبادة ورزقنا قد تكفل به الله سبحانه وتعالى فلن تموت إلا وقد استكملت كل ذرة كتبها الله لك، وما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك، رفعت الأقلام وجفت الصحف.
رسالة إلى أولئك الذين يبخلون على دعم وطنهم وأمنهم وأمانهم ببضع ريالات، وهم يغسلون أيديهم بدهن العود الفاخر الذي يقدر بمآت الآلاف، أو بالسمن، أو يستعرضون بالجمال المطبوخة على الصحون، أو أكوام الرز الملقاة في القمامة، ويصرفون {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل: 112]، { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: 7]، {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16) ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ (17) وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ (18) فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (19) وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [سبأ: 15 - 20]، {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96) أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ (97) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (99) أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ} [الأعراف: 96 - 100]، {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ} [العنكبوت: 67]
اللهُمَّ إِنِّا نعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ» صحيح مسلم (4/ 2097)
واجعلنا من الشاكرين يا رب العالمين
اللهم اجمع كلمتنا على الحق يا رب العالمين، اللهم اجمع شملنا وألف بين قلوبنا ووحد صفوفنا يا رب العالمين
اللهم أدم علينا الأمن والأمان يا رب العالمين،
بارك الله لي ولكم ...
الخطبة الثانية:
يحتفل النصارى هذه الأيام بميلاد المسيح وفي ذلك يقول الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله تعالى نقلا عن ابن القيّم - رحمه الله – في كتابه أحكام أهل الذمة ، حيث قال : وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق ، مثل أن يُهنئهم بأعيادهم وصومهم ، فيقول : عيد مبارك عليك ، أو تهنأ بهذا العيد ونحوه، فهذا إن سلِمَ قائله من الكفر فهو من المحرّمات ، وهو بمنزلة أن تُهنئه بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم إثماً عند الله ، وأشدّ مَـقتاً من التهنئة بشرب الخمر، وقتل النفس، وارتكاب الفرج الحرام، ونحوه.
وكثير ممن لا قدر للدِّين عنده يقع في ذلك ، ولا يدري قبح ما فعل ، فمن هنّـأ عبدًا بمعصية، أو بدعة، أو كفْرٍ، فقد تعرّض لِمقت الله وسخطه . انتهى كلامه - رحمه الله -.
وإنما كانت تهنئة الكفار بأعيادهم الدينية حرامًا، وبهذه المثابة التي ذكرها ابن القيم؛ لأن فيها إقرارًا لما هم عليه من شعائر الكفر ، ورِضًا به لهم ، وإن كان هو لا يرضى بهذا الكفر لنفسه ، لكن يَحرم على المسلم أن يَرضى بشعائر الكفر، أو يُهنئ بها غيره ؛ لأن الله تعالى لا يرضى بذلك ، كما قال تعالى : ( إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ) . وقال تعالى: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ) وتهنئتهم بذلك حرام، سواء كانوا مشاركين للشخص في العمل أم لا.
وإذا هنئونا بأعيادهم فإننا لا نُجيبهم على ذلك ، لأنها ليست بأعياد لنا ، ولأنها أعياد لا يرضاها الله تعالى ، لأنها أعياد إما مبتدعة في دينهم ، وإما مشروعة لكن نُسِخت بدين الإسلام الذي بَعَث الله به محمداً - صلى الله عليه وسلم - إلى جميع الخلق ، وقال فيه : (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِين).
وإجابة المسلم دعوتهم بهذه المناسبة حرام، لأن هذا أعظم من تهنئتهم بها، لما في ذلك من مشاركتهم فيها.
وكذلك يَحرم على المسلمين التّشبّه بالكفار بإقامة الحفلات بهذه المناسبة، أو تبادل الهدايا، أو توزيع الحلوى، أو أطباق الطعام، أو تعطيل الأعمال ونحو ذلك، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (مَنْ تشبّه بقوم فهو منهم).
ومَنْ فَعَل شيئا من ذلك فهو آثم، سواء فَعَلَه مُجاملة، أو تَودّداً، أو حياءً، أو لغير ذلك من الأسباب؛ لأنه من المُداهنة في دين الله، ومن أسباب تقوية نفوس الكفار وفخرهم بِدينهم.
اللهم انصر الإسلام والمسلمين في كل مكان واجعلنا اعزة ظاهرين يا رب العالمين.
صلوا وسلموا ....
المرفقات
خطبة السمع والطاعة في المنشط والمكره وحكم الاحتفال برأس السنة.pdf
خطبة السمع والطاعة في المنشط والمكره وحكم الاحتفال برأس السنة.pdf
خطبة السمع والطاعة في المنشط والمكره غلاء الاسعار.docx
خطبة السمع والطاعة في المنشط والمكره غلاء الاسعار.docx