السلف محاسبة النفس ( خطبة قصيرة )
عبد العزيز بن فاهد الشهراني
عباد الله: قال تعالى: ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ * لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ) [الحشر: 18- 20] . وعن حنظلة الأسيديّ- رضي اللّه عنه- وكان من كتّاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم- قال: لقينى أبوبكر فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ قال: قلت: نافق حنظلة. قال: سبحان اللّه! ما تقول؟ قال: قلت: نكون عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يذكّرنا بالنّار والجنّة. حتّى كأنّا رأي عين، فإذا خرجنا من عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عافسنا الأزواج والأولاد والضّيعات فنسينا كثيرا. قال أبو بكر: فو اللّه، إنّا لنلقى مثل هذا. فانطلقت أنا وأبو بكر، حتّى دخلنا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، قلت: نافق حنظلة، يا رسول اللّه، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «وما ذاك؟». قلت: يا رسول اللّه، نكون عندك. تذكّرنا بالنّار والجنّة، حتّى كأنّا رأي عين. فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضّيعات، نسينا كثيرا. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «والّذي نفسي بيده إن لو تدومون على ما تكونون عندي، وفي الذّكر، لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة، (ساعة وساعة)» ثلاث مرّات.[ مسلم (2750) ] . وقال عمر بن الخطّاب- رضي اللّه عنه-: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا. فإنّه أهون عليكم في الحساب غدا، أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتزيّنوا للعرض الأكبر (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ) [الحاقة: 18]، وعن سلمة بن منصور عن مولى لهم كان يصحب الأحنف بن قيس، قال: كنت أصحبه، فكان عامّة صلاته الدّعاء، وكان يجيء المصباح، فيضع أصبعه فيه، ثمّ يقول: حسّ ، ثمّ يقول: يا حنيف ما حملك على ما صنعت يوم كذا، ما حملك على ما صنعت يوم كذا. وقال إبراهيم التّيميّ: مثّلت نفسي في الجنّة آكل من ثمارها، وأشرب من أنهارها، وأعانق أبكارها، ثمّ مثّلت نفسي في النّار آكل من زقّومها، وأشرب من صديدها، وأعالج سلاسلها، وأغلالها، فقلت لنفسي: أي نفسي، أيّ شيء تريدين؟ قالت: أريد أن أردّ إلى الدّنيا، فأعمل صالحا، قال: قلت: فأنت في الأمنيّة، فاعملي. وقال الحسن- رحمه اللّه-: إنّ العبد لا يزال بخير ما كان له واعظ من نفسه، وكانت المحاسبة من همّته. وقال مالك بن دينار- رحمه اللّه-: رحم اللّه عبدا قال لنفسه: ألست صاحبة كذا؟ ألست صاحبة كذا؟ ثمّ زمّها، ثمّ خطمها، ثمّ ألزمها كتاب اللّه- عزّ وجلّ- فكان لها قائدا. وعن الحسن- رحمه اللّه-: (وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) [القيامة:2] قال: لا تلقى المؤمن إلّا يعاتب نفسه، ماذا أردت بكلمتي، ماذا أردت بأكلتي.
عباد الله/ لقد عرف أرباب البصائر من جملة العباد أنّ اللّه تعالى لهم بالمرصاد، وأنّهم سيناقشون في الحساب، ويطالبون بمثاقيل الذّرّ من الخطرات واللّحظات، وتحقّقوا أنّه لا ينجيهم من هذه الأخطار إلّا لزوم المحاسبة، وصدق المراقبة، ومطالبة النّفس في الأنفاس والحركات ومحاسبتها في الخطرات واللّحظات، فمن حاسب نفسه قبل أن يحاسب خفّ في القيامة حسابه وحضر عند السّؤال جوابه، وحسن منقلبه ومآبه، ومن لم يحاسب نفسه دامت حسراته، وطالت في عرصات القيامة وقفاته، وقادته إلى الخزي والمقت سيّئاته، فلمّا انكشف لهم ذلك علموا أنّه لا ينجيهم منه إلّا طاعة اللّه وقد أمرهم بالصّبر والمرابطة فقال عزّ من قائل: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا) [آل عمران:200]
قال ابن القيّم- رحمه اللّه-: قد دلّ على وجوب محاسبة النّفس قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ) [الحشر: 18] يقول تعالى: لينظر أحدكم ما قدّم ليوم القيامة من الأعمال: أمن الصّالحات الّتي تنجيه، أم من السّيّئات الّتي توبقه؟.قال قتادة: ما زال ربّكم يقرّب السّاعة حتّى جعلها كغد.والمقصود أنّ صلاح القلب بمحاسبة النّفس، وفساده بإهمالها والاسترسال معها.
أيها المسلمون: إن لمحاسبة النفس في الدنيا فوائد وثمرات عظيمة منها:
أولا: الاطلاع على عيوب النفس ،ومن لم يطلع على عيب نفسه لم يمكنه معالجته وإزالته .
ثانيا: التوبة والندم وتدارك ما فات في زمن الإمكان.
ثالثا: معرفه حق الله تعالى،فإنها أصل محاسبة النفس، هو محاسبتها على تفريطها في حق الله.
رابعا: انكسار العبد وتذللـه بين يدي الله نبارك وتعالى.
خامسا: معرفه كرم الله سبحانه ومدى عفوه ورحمته بعباده، في انه لم يعجل لهم عقوبتهم، مع ما هم علبه من المعاصي والمخالفات.
سادسا: الزهد ومقت النفس والتخلص من التكبر والعجب.
سابعا: تجد أن من يحاسب نفسه يجتهد في الطاعة ويترك المعصية، حتى تسهل عليه المحاسبة فيما بعد.
ثامنا: رد الحقوق إلي أهلها, ومحاوله تصحيح ما فات , وغيرها من الفـوائد العظيمة الجليلة.