السلام النفسي.. الشيخ السيد طه أحمد

Sheikh Sayed2019
1444/06/27 - 2023/01/20 00:29AM

السلام النفسي

إعداد

الشيخ السيد طه أحمد

الحمد لله رب العالمين .. علق فلاح الإنسان على تزكية نفسه وتقويمها فقال تعالى }وَنَفۡسٖ وَمَا سَوَّىٰهَا (7) فَأَلۡهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقۡوَىٰهَا (8) قَدۡ أَفۡلَحَ مَن زَكَّىٰهَا (9) وَقَدۡ خَابَ مَن دَسَّىٰهَا (10){ ] الشمس[

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ... جعل السلام هدف الإسلام وغايته في الأرض، قال الله تعالى }وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(25) { ] يونس]

وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم .. جاء برسالة سلام للناس جميعاً  واعتبر إفْشَاء السلام سَبَبٌ في دخول الجنة: فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: }لا تدخلون الجَنّة حتى تُؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تَحَابُّوا، أَوَلا أَدُلُّكُمْ على شيءٍ؛ إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفْشُوا السّلام بينكم{. ] رواه مسلم[.

فاللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد .. فيا أيها المؤمنون

لقد جاء الإسلام لينشر السلام والوئام بين الناس جميعا فمن أسماء الله السلام والجنة هي دار السلام وتحية أهل الجنة السلام وتحية المؤمنين هي السلام وتحية الله لأنبيائه وعباده الصالحون هي السلام ، فالسلام هو المسالمة والمحبة والمودة ، فهناك نوعان من السلام سلام داخلي وهو السلام النفسي) وسلام خارجي مع الآخرين ، ولن يعيش الإنسان في سلام مع العالم إلا إذا حقق السلام مع نفسه وصدق من قال : "أن من يعيش في سلام مع نفسه يعيش في سلام مع العالم"

وبمعنى أدق أن من يعيش في حالة سلام مع الله سوف يحيا بالتأكيد حالة سلام مع نفسه ومن ثم الآخرين والعالم الخارجي.

والسلام الداخلي يبدأ من الروح، أي من تحسين علاقتك مع الله عز وجل ويسمى

(السلام مع الله عز وجل).

فحديثنا عن السلام النفسي وذلك من خلال هذه العناصر الرئيسية التالية ..

 

1ـ المقصود بالسلام النفسي.

 

2ـ مراحل النفس الإنسانية.

 

3ـ كيفية الوصول إلى السلام النفسي.

العنصر الأول : المقصود بالسلام النفسي

الحصول على راحة البال والهدوء النفسي والتخلص من الفوضى النفسية أو تحرير النفس من كل الأفكار والمشاعر السلبية التي تأصلت في النفس البشرية.

العنصر الثاني : مراحل النفس الإنسانية

لقد أقسم الله سبحانه وتعالى بالنفس الإنسانية لأنها أعظم ما خلق وأبدع، وجعل قَسَمَه بها سابع قسم شمل خلق السموات والأرض. فقال تعالى} وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا(1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (4) وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5) وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا(6) وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا(7) { (الشمس).

ثم بيّن الله تعالى أنّه ألهم نفوسنا دوافع الخير ونوازع الشر قال تعالي} فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا{ (الشمس: 8)، ولكنّ هذا الخير وهذا الشر ليسا قدراً مسيطراً على شخصية الإنسان لا مندوحة عنه، بل بإمكان الإنسان أن يزكو بنفسه ويرقى بها، وبإمكانه أن ينحطّ بها ويتدهور بشأنها ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا(10) ﴾ (الشمس).

لذا كان النبي يُكثر من هذا الدعاء: "اللهم آت نفسي تقواها وزكّها أنت خير من زكّاها، أنت وليّها ومولاها".

أمّا مراحل النفس التي عرضها القرآن الكريم فهي:

1ـ النّفس الأمّارة بالسّوء:

وهي النفس التي تأمر الإنسان بفعل السيّئات والتي أخبر عنها القرآن الكريم في قوله تعالى} وَمَا أُبَرِّىءُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ (53){  ]يوسف[..

 فهي تأمر صاحبها بفعل كل رذيلة، تسيطر عليها الدوافع الغريزية، وتتمثل فيها الصفات الحيوانية، وتبرز فيها الدوافع الشريرة، فهي توجّه صاحبها بما تهواه من شهوات.

وأخبر سبحانه وتعالى عن تلك النفس أنها أمّارة بصيغة المبالغة ، وليست آمرة لكثرة ما تأمر بالسوء، ولأنّ ميلها للشهوات والمطامع صار عادة فيها إلاّ إنْ رحمها الله عز وجل وهداها رشدها.

2ـ النفس اللوّامة:

هي التي أقسم بها الله تعالى في القرآن الكريم فقال تعالي} وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2){  ]القيامة[.

فاللوامة نفس متيقّظة تقيّة خائفة متوجّسة، تندم بعد ارتكاب المعاصي والذنوب فتلوم نفسها ، تبرز فيها قوة الضمير فتحاسب نفسها أولاً بأوّل، وهذه كريمة على الله، لذلك أقسم بها في القرآن.

ومن أحسن الأقوال عن النفس اللوامة قول إمام التابعين الحسن البصري رضي الله عنه:  "إنّ المؤمن والله ما تراه إلا يلوم نفسه؛ ما أردت بكلمتي؟

ما أردت بأكلتي؟

ما أردت بحديث نفسي؟

وإن الفاجر يمضي قُدُماً ما يعاتب نفسه".

النفس اللوامة التي تلوم صاحبها وتقف له بالمرصاد بالتأنيب والتوبيخ كما فعل ماعز بن مالك الأسلمي والغامدية عندما ارتكبا جريمة الزنا وذهبا إلى رسول الله ليطهرهما من الذنب لأنهم عندهم سلام نفسي .

هكذا يقع الإنسان في الخطأ سرعان ما يعترف بالخطأ لأن متصالح مع نفسه كما فعل أبونا آدم وأمنا حواء عندما أكل من الشجرة  قالا كما قال الله تعالى}  قَالَا رَبَّنَا ظَلَمۡنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لَّمۡ تَغۡفِرۡ لَنَا وَتَرۡحَمۡنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ (23){

 ]الأعراف[ تصالح مع النفس.    

أما الذي يبرر لنفسه ولا يعترف بالخطأ فهذا يتخذ منطق إبليس عندما رد أمر الله تعالى وكابر وقال كما قالله تعالى } قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسۡجُدَ إِذۡ أَمَرۡتُكَۖ قَالَ أَنَا۠ خَيۡرٞ مِّنۡهُ خَلَقۡتَنِي مِن نَّارٖ وَخَلَقۡتَهُۥ مِن طِينٖ (12){ ] الأعراف[ تخاصم مع النفس

والمتصالح مع نفسه يقف معها بالمجاهدة ويقول لها كما كان الصالحون من قبل كان الرجل منهم يخاطب نفسه ويقول لها ....

ألا يا نفس ويحك ساعديني   بسعي منك في ظلم الليالي

لعلك في القيامة ان تفوزي    بطيب العيش في تلك العلالي

3ـ النفس المطمئنة:

هي التي اطمأنت إلى خالقها، واطمأنت في بسط الرزق وقبضه وفي المنع والعطاء.

وهي النفس المؤمنة التي استوعبت قدرة الله، وتبلور فيها الإيمان العميق والثقة بالغيب، لا يستفزها خوف ولا حزن، لأنها سكنت إلى الله واطمأنّت بذكره وأَنِسَت بقربه فهي آمنة مطمئنّة، تحسّ بالاستقرار النفسي والصحة النفسية، والشعور الإيجابي بالسعادة، رضيتْ بما أوتيتْ ورضي الله عنها فَحُق لها أن يخاطبها رب العالمين بقوله تعالي}  يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي(29) وَادْخُلِي جَنَّتِي(30 ){ ]الفجر[.

نفسٌ تمسّكت بالحق وسارت عليه هدىً ونبراساً لها في شؤون الحياة على الأرض.

ولا يمكن حصول الطمأنينة الحقيقية إلا بالله وذكره كما قال تعالى} الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ  (28){ ]الرعد[

فإنّ طمأنينة القلب سكينة واستقرار بزوال القلق والانزعاج والاضطراب عنه، وهذا لا يتأتّى بشيء سوى بالله تعالى وذكره.

صاحب النفس المطمئنة مطمئن لاختيار الله عز وجل قال أحد السلف : " إني أدعو الله في حاجة فإذا أعطاني إياها فرحت مرة وإذا لم يعطني إياها فرحت عشر مرات؛ لأن الأولى اختياري، والثانية اختيار الله عز وجل"

بالإيمان، والطاعة، واجتناب المعصية" يسعى الإسلام إلى تقوية مناعة الفرد النفسية، وتحقيق التوازن بين البعد الروحي والبعد الجسدي؛ مما يؤدي إلى شعور الفرد بالطمأنينة والسكينة واتصاف المجتمع كله بالأمن والسلام.

العنصر الثالث : كيفية الوصول إلى السلام النفسي.

النفس البشرية كائن حيّ يتطور، ويتغيّر، ولذلك يجب أن نغيّره باتجاه الأفضل، وينبغي أن نعلم أن التغيير يبدأ من الداخل، وعلينا أن نحفظ القانون الإلهي في التغيير والمتمثل في قوله تعالى} إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ )11){ ]الرعد[.

فالنفس قد تكون تارة أمّارة ، وتارة لوّامة ، وتارة مطمئنّة في اليوم الواحد، بل في الساعة الواحدة يحصل لها هذا وذاك.

لذلك كانت تزكية النفس وتنميتها من أهم الضرورات لأن بتزكيتها يكون الفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة ،وبإهمال التزكية تكون الخيبة والخسارة ،فقال تعالي} وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10){ ]الشمس[ .

وقال تعالى { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى(15)}]الأعلى[.

لذا كانت التزكية إحدى المهـام التي بعث الله عزَّ وجلَّ الرسل من أجلها .. 

فكانت دعوة نبي الله إبراهيم عليه السلام {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129)}  ]البقرة[.

وقد استجاب الله عزَّ وجلَّ لدعوته فبعث لنا حبيبنا محمد ليقوم بهذه المهمة ..

ولكنه سبحـــانه قدَّم التزكيــــة على العلم، كما جاء في كتابــه الكريــم ..

قال تعالى {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151)} ]البقرة[..

ثمَّ قال تعالى {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ(164)} ]آل عمران[..

وقال عزَّ وجلَّ {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ(2)} ]الجمعة[.

فالتزكية قبل العلم ،لأن التزكية تُطهِّر القلب حتى يكون مؤهلاً لتقبُل العلم والعمل به، وحينها لن يحول بينه وبين الهداية قواطع وموانع ..

وآفات النفوس كالكبر والعُجب تقطع على المرء طريقه إلى الهداية، مما يؤدي إلى اعوجاجه وتوقفه عن العمل ..

ولكن التزكية تُحرر النفس من تلك الآفات وتجعله ينتفع بما يتعلَّم ، فلا ينبغي أن تُقدِم شيئًا على تزكية نفسك ومعرفة عيوبها والشروع في إصلاحها. 

وبالتزكية يتحقق القلب بالتوحيد والإخلاص ،ويصل للمنازل العالية من الصبر، والشكر والخوف، والرجاء ،والمحبة لله سبحانه وتعالى ، والصدق مع الله، ويتخلى عن الرياء والعجب ، والغرور ، والغضب وغيرها من آفات النفوس ..

ولقد كان السلف الصالح يولون أمر تزكية النفس وتطهير القلب اهتماما بالغًا، ويقدمونها على سائر الأمور لعلمهم خطر الموقف بين يدي الله عز وجل ..

ولعلمهم أن اهمالهم لأنفسهم فيه الخطر في الدنيا والآخرة لذلك كانوا يسعون في تزكية أنفسهم وتطهيرها واستكمال فضائلها ولله در القائل ..

يا خادمَ الجسمِ كمْ تَشقَى بِخِدْمَتِهِ .. أتَطلُبُ الرِّبْـحَ مما فيه خُسـرانُ.

أقْبِلْ على النفسِ واسْتكمِلْ فَضائِلَها .. فَأَنْتَ بالنفسِ لا بالجسمِ إنسـانُ

وعلينا أن نعلم أن السلام الداخلي مطلب شرعي أمر به الله ورسوله قال تعالى: {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ(89)} [الشعراء]، وعندما سُئل النبي صلى الله عليه وسلم: "أي الناس أفضل؟ قال: }كل مخموم القلب صدوق اللسان»، قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: «هو التقي النقي لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد{.] صحيح ابن ماجة[

من يمتلك السلام الداخلي كأنه يمتلك الدنيا بحذافيرها، ولم لا!

فقد أخرج الترمذي في سننه عن سلمة بن عبيد الله بن محصن الخطمي، عن أبيه، وكانت له صحبة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: }من أصبح منكم آمنا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا{.

وقال أحد السلف " نحن في سعادة ولذةٍ لوعلمها الملوك وأبناء الملوك لجالدونا عليها بالسيوف" .

وقد بين الله عز وجل حال النفسية الشقية المعذبة والتي تعيش دائما وأبدا في نكد مستمر ومناحة دائمة، وبين الطريق لسعادتها وسلامها في الدنيا والآخرة  فقال تعالى } إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ جَزُوعٗا (20) وَإِذَا مَسَّهُ ٱلۡخَيۡرُ مَنُوعًا (21) إِلَّا ٱلۡمُصَلِّينَ (22) ٱلَّذِينَ هُمۡ عَلَىٰ صَلَاتِهِمۡ دَآئِمُونَ (23) وَٱلَّذِينَ فِيٓ أَمۡوَٰلِهِمۡ حَقّٞ مَّعۡلُومٞ (24) لِّلسَّآئِلِ وَٱلۡمَحۡرُومِ (25) وَٱلَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوۡمِ ٱلدِّينِ (26) وَٱلَّذِينَ هُم مِّنۡ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشۡفِقُونَ (27) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمۡ غَيۡرُ مَأۡمُونٖ (28) وَٱلَّذِينَ هُمۡ لِفُرُوجِهِمۡ حَٰفِظُونَ (29) إِلَّا عَلَىٰٓ أَزۡوَٰجِهِمۡ أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُهُمۡ فَإِنَّهُمۡ غَيۡرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنِ ٱبۡتَغَىٰ وَرَآءَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡعَادُونَ (31) وَٱلَّذِينَ هُمۡ لِأَمَٰنَٰتِهِمۡ وَعَهۡدِهِمۡ رَٰعُونَ (32) وَٱلَّذِينَ هُم بِشَهَٰدَٰتِهِمۡ قَآئِمُونَ (33) وَٱلَّذِينَ هُمۡ عَلَىٰ صَلَاتِهِمۡ يُحَافِظُونَ (34) أُوْلَٰٓئِكَ فِي جَنَّٰتٖ مُّكۡرَمُونَ (35){ ] المعارج[

فالإنسان المتخاصم مع نفسه يكون حاله جازع وساخط عند الابتلاء وجاحد  في حال الرخاء ، ولكن المؤمن  متميز بإيمانه, متميز برضاه عن الله تعالى, متميز بسلامه مع نفسه, متميز بسلامه مع الناس, فلا يظلم أحدا, ولا يجهل على أحد, ولا يحقد, ولا يحسد, المؤمن في ظل السلام مع نفسه سعيد الدنيا سعيد الآخرة بنص حديث النبي عليه الصلاة والسلام قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: } كُنَّا يَوْمًا جُلُوسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الْآنَ مِنْ هَذَا الْفَجِّ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ» قَالَ: فَطَلَعَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْأَنْصَارِ تَنْطِفُ لِحْيَتُهُ مِنْ وُضُوئِهِ، قَدْ عَلَّقَ نَعْلَيْهِ فِي يَدِهِ الشِّمَالِ فَسَلَّمَ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ ذَلِكَ، فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ عَلَى مِثْلِ الْمَرَّةِ الْأُولَى، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ أَيْضًا، فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ الْأَوَّلِ ..

 فَلَمَّا قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبِعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَقَالَ: إِنِّي لَاحَيْتُ أَبِي، فَأَقْسَمْتُ أَلَّا أَدْخُلَ عَلَيْهِ ثَلَاثًا، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُؤْوِيَنِي إِلَيْكَ حَتَّى تَمْضِيَ الثَّلَاثُ فَعَلْتَ، قَالَ: نَعَمْ.. قَالَ أَنَسٌ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُحَدِّثُ أَنَّهُ بَاتَ مَعَهُ ثَلَاثَ لَيَالٍ، فَلَمْ يَرَهُ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ شَيْئًا، غَيْرَ أَنَّهُ إِذَا تَعَارَّ انْقَلَبَ عَلَى فِرَاشِهِ، وَذَكَرَ اللَّهَ وَكَبَّرَ حَتَّى يَقُومَ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: غير أَنِّي لَمْ أَسْمَعْهُ يَقُولُ إِلَّا خَيْرًا، فَلَمَّا مَضَتِ الثَّلَاثُ، وَكِدْتُ أَحْتَقِرُ عَمَلَهُ.. قُلْتُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَ وَالِدِي هِجْرَةٌ وَلَا غَضَبٌ، وَلَكِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ: «يَطْلُعُ الْآنَ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ» ، فَطَلَعْتَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَأَرَدْتُ أَنْ آوِيَ إِلَيْكَ لَأَنْظُرَ مَا عَمَلُكَ، فَأَقْتَدِيَ بِكَ، فَلَمْ أَرَكَ تَعْمَلُ كَبِيرَ عَمَلٍ، فَمَا الَّذِي بَلَغَ بِكَ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: مَا هُوَ إِلَّا مَا رَأَيْتَ قَالَ: فَانْصَرَفْتُ عَنْهُ، فَلَمَّا وَلَّيْتُ دَعَانِي فَقَالَ: مَا هُوَ إِلَّا مَا رَأَيْتَ، غَيْرَ أَنِّي لَا أَجِدُ فِي نَفْسِي عَلَى أَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ غِشًّا، وَلَا أَحْسُدُهُ عَلَى مَا أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ إِلَيْهِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: هَذِهِ الَّتِي بَلَغَتْ بِكَ هِيَ الَّتِي لَا نُطِيقُ{ ..

ما أحوجنا إلى أن نحقق السلام النفسي لكي نُوجد المسلم الحقيقي الذي يسلم جميع الخلائق من أذي لسانه ويديه وعينيه وأذنيه وأفعاله ..

"المسلمُ من سَلِمَ المسلمونُ من لسانهِ ويَدِهِ،" ]متفق عليه[

المسلم من سلم الجار من تجسسه وشره، المسلم من سلم زوجه من قهره وبطشه، المسلم من سلم الصديق من ظلمه وغشمه، المسلم من سلم القريب من قطيعته وهجره.

هذا هو الاسلام دين السلام، السلام الذي يتحقق به الأمن، فيعيش العبد آمنا في حياته، يؤدي ما افترضه الله عليه حتى ينقضي وقته في الدنيا، فينتقل من أمن في دنياه الى أمن في آخرته كما قال تعالي }وهم من فزع يومئذ آمنون (89){ ]النمل[.

فالمسلم ينشر الأمن في الدنيا، ويعمل على ترسيخه، ويجتهد للحفاظ عليه، حتى يلقى الله تعالى وتقول له الملائكة كما قال تعالي }ادخلوها بسلام آمنين(46){ ]الحجر[ .

فاللهم آمنا في أنفسنا وفي أوطاننا، واصرف عنا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن، والحمد لله رب العالمين.

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

المرفقات

1674163707_السلام النفسي.pdf

المشاهدات 844 | التعليقات 0