السكينة في البيوت

السكينة في البيوت
(الخطبة الأولى)
الْحَمْدُ لِلَّهِ الذي جعل لنا من بيوتنا سكنا؛ أحمده حَمْدًا كَثِيرًا كَمَا أَمَرَ، جَعَلَ السَّكِينَةَ سَبَبَ سَعَادَةِ الْأُسَرِ، وَرَاحَةِ قُلُوبِ الْبَشَرِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَعَلَى مَنِ اهْتَدَى بِهَدْيِهِ.
إلى يوم الدين؛ أما بعد :
أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّهِ وَنَفْسِي بِالتَّزَوُّدِ بِتَقْوَى اللَّهِ، (فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى)
عباد الله! إن نعم الله علينا كثيرة لا تعد ولا تحصى كما قال تعالى: وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ولذلك يجب علينا أن نشكر الله تعالى على هذه النعم صباح مساء، وأن لا نغفل عن ذلك أبدا حفاظا على هذه النعم وحتى تدوم لنا كما وعد الله من شكر بالزيادة والتعظيم، ومن كفر بالعذاب الأليم، قال تعالى: "وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد".
وإن من أعظم نعم الله علينا أن جعل لنا بيوتا نسكنها ونستقر فيها ونستريح ونستظل من الحر ونستدفئ من البرد ونستتر فيها عن أنظار الناس ونحرز فيها أموالنا ونتحصن بها من عدونا.
يقول سبحانه ممتنا علينا بهذه البيوت:" والله جعل لكم من بيوتكم سكناً وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتاً تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم"
فهذه النعمة عباد الله من النعم الجليلة التي امتن الله بها علينا، وللأسف كثير منا نسي شكر هذه النعمة العظيمة، وهذه المنحة الربانية الجليلة!
وتأملوا رعاكم الله فيمن لا يجد سكنا يؤويه كيف تكون حاله، ونحن نسكن في هذه البيوت الحديثة المزودة بكل وسائل الراحة كالإنارة والتكييف الصيفي والشتوي والمياه المتدفقة العذبة، فما أعظمها من نعمة !
أيها المؤمنون: إن مما يؤسف أن الكثير الآن أصبح لا يرتاح في بيته رغم وسائل الراحة الكثيرة فيه، وأصبح الواحد منا منذ أن يدخل تجد أن لا يستقر ويرغب بالخروج من المنزل وكل ذلك من آثار الذنوب وترك الذكر والقرآن داخل البيوت حتى ضاقت رغم اتساعها ولا ريب فقد قال عز وجل : " وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً"
عباد الله! بيت المسلم يجب أن يكون بيتا متميزا عن غيره من البيوت، وذلك بأن يفعل ما شرعه الله للمسلمين في بيوتهم.
إنه من الواجب على كل مسلم أن يجعل بيته واحة غناء ترتاح فيه النفوس وتطمئن القلوب.
وليس ذلك بوضع الزهور والتحف والأثاث الفخم.
بل لا يكون ذلك والله إلا بإحياء ذكر الله تبارك وتعالى في البيت، فبه تحيا البيوت.
فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثل البيت الذي يذكر الله فيه والبيت الذي لا يذكر الله فيه مثل: الحي والميت)) مسلم.
فتأمل وفقني الله وإياك بم شبه الرسول البيت الذي يذكر الله فيه، وبم شبه الرسول البيت الذي لا يذكر الله فيه، شبههما بالحي والميت. وما هو الفرق بين الحي والميت.
إنه الروح، فالحي فيه روح والميت بلا روح، فروح البيت ذكر الله، وبيت لا يذكر الله فيه لا روح فيه نسأل الله العافية.
وهنا نذكر أمورا نرجو أن تكون سببا في حصول السكينة بالبيوت وسعادة أهلها فيها :
أولا: إلقاء السلام عند الدخول للبيت؛ فعن أنس قال: قال لي رسول الله ﷺ: "يا بنيّ، إذا دخلت على أهلك فسلم يكن بركة عليك، وعلى أهل بيتك. رواه الترمذي
ثانيا : تلاوة القرآن في البيت! فالقرآن سبب لحصول الخيرات وانشراح الصدور وطمأنينة القلوب؛ قال تعالى" ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى "
والقرآن كله خير وبركة ولاسيما سورة البقرة؛ قال ﷺ: ((لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة))
وكذلك قال ﷺ ((اقرأوا سورة البقرة فأن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة)) والبطلة: أي السحرة.
وهكذا عباد الله يكون البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة في حصن حصين من الشياطين والسحر.
فكم من بيت اليوم لا يسمع فيه القرآن ولا يتلى فيه إلا ما ندر من الأحايين القليلة.
إن قراءة القرآن في البيوت نور لها وحياة لها ولأهلها.
قراءة القرآن في البيوت طرد للشياطين، وحصن من السحر وأهله، والعين وأهلها.
ثالثا : ومما تحيا به البيوت كذلك صلاة النوافل فيها.
قال صلى الله عليه وسلم: ((اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها قبورا)) أخرجه مسلم، أي صلوا فيها من النوافل ولا تجعلوها كالقبور مهجورة من الصلاة.
وقال صلى الله عليه وسلم: ((عليكم بالصلاة في بيوتكم فإن خير صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة)) أخرجه مسلم.
إن الصلاة في البيت إقامة عملية لذكر الله عز وجل تتربى به الأسرة علي الطاعة والالتزام وحب الصلاة، ويتعود الصغار على الصلاة بسبب رؤية والدهم أو أخوهم وهو يصلي أمامهم.
رابعا: مما تحيا به البيوت توفر بعض الكتب النافعة بالبيت فإن القراءة تغذي العقل وترفع صاحبها عن التوافه وتطرد منه الجفاء مما يقلل المشكلات ويحقق السلام والوئام بالبيت. خامسا: ومن الأمور التي تحيا بها البيوت كذلك التواصي بالحق والتعاون على على البر والتقوى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فكل ذلك يقوي بنيان البيت ويجعله متماسكا عامرا بالخير..
اللهم بارك في بيوتنا واجعلها عامرة بالخيرات؛ أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
(الخطبة الثانية)
الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَ هَدْيَهُ.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ السَّكِينَةَ فِي الْبُيُوتِ تَنْمُو بِالتَّفَاهُمِ وَالتَّحَاوُرِ، وَتَسْتَمِرُّ بِالتَّعَاوُنِ وَالتَّشَاوُرِ، فَيَهْنَأُ الزَّوْجَانِ بِسَعَادَةٍ أُسَرِيَّةٍ، وَينْشَأُ الأولاد فِي طُمَأْنِينَةٍ نَفْسِيَّةٍ، وَسَكِينَةٍ اجْتِمَاعِيَّةٍ، فَيَكُونُونَ مُتَمَيِّزِينَ، وَلِأَهْلِيهِمْ نَافِعِينَ، وَلِلْمُجْتَمَعِ مُحِبِّينَ، ولدينهم خادمين ولأمتهم رَافِعِينَ. فَاللَّهُمَّ امْلَأْ بُيُوتَنَا بِالسَّكِينَةِ، وَحَقِّقْ لِأُسَرِنَا الطُّمَأْنِينَةَ، وَاجْعَلْ بيوتنا سَعِيدَةً، وَصَلِّ يَا رَبَّنَا وَسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَأَدِمِ اللَّهُمَّ عَلَى بلادنا خَيْرَهَا وَهَنَاءَهَا، وَانْشُرِ السَّعَادَةَ بَيْنَ أَهْلِهَا، وعم بالخيرات جميع أوطان المسلمين؛ اللَّهُمَّ وَفِّقْ ولي أمرنا وولي عهده لِمَا تُحِبُّهُ وَتَرْضَاهُ.
اللهم انج المستضعفين من المؤمنين في كل مكان. اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين اللهم انت الغني ونحن الفقراء، اللهم أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا من بركات السماء وانشر رحمتك على العباد، اللهم اغثنا برحمتك، وارزقنا بكرمك، واعفُ عنا، وانشر الخير فينا وبارك لنا فيما رزقتنا وانفعنا به.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
عِبَادَ اللَّهِ: اذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ، وَأَقِمِ الصَّلَاةَ.
 
المرفقات

1732821311_السكينة في البيوت_241129_211337.pdf

المشاهدات 298 | التعليقات 0