السفر آداب ومحظورات
عبدالله بن جابر الزهراني
1433/08/02 - 2012/06/22 06:07AM
السفر آداب ومحظورات:
الخطبة الأولى:
عباد الله:
يكثر الكلام في هذه الأيام عن السفر والسياحة، ويشد كثير من الناس أمتعتهم استعداداً للتنقل بين الأمصار والأقطار، ولقد أولى الإسلام السفر شأناً عظيماً، وعده عذراً تسقط به بعض التكاليف، وخص السفر ببعض الأحكام رحمة بحال المسافر الذي قد تلحقه المشقة ويكون في عجلة من أمره، والأصل في السفر هو الإباحة والحل، ويختلف حكم السفر بحسب القصد من السفر، وبحسب الوجهة التي سيولي المسافر شطرها، والسفر يحمل في طياته فوائد كثيرة لخصها الإمام الشافعي –رحمه الله- في قوله:
تغرب عن الأوطان في طلب العلا……وسافر ففي الأسفار خمس فوائد
تفريج همٍّ واكتساب معيشة …وعلم وآداب وصحبة ماجد.
فمن فوائد السفر السير في الأرض، والنظر في عجيب خلق البديع سبحانه، والمسلم ينظر إلى آيات الله الكونية بعين التفكر والتأمل الذي يزيد في إيمانه، ويملأ قلبه يقيناً بعظمة خالقه، (قُلْ سِيرُواْ فِى الأرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ) حينما ترى العيون المناظر الخلابة والجبال الشاهقة والمياه الجارية والبحار الواسعة تخشع القلوب أمام بديع السموات والأرض, وتسبّحه الروح لمفاتنها الأخّاذة الجذابة، ( إن في خلق السموات والأرض والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون)، كم من الناس من يمر بهذه المناظر فيعجب من روعتها ولا ينسب ذلك الإبداع إلى خالقه وموجده، (قل انظروا ماذا في السماوات والأرض وماتغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون).
يقول الإمام أبو الوفاء ابن عقيل رحمه الله: "فنعوذ بالله من عيون شاخصة غير بصيرة، وقلوب ناظرة غير خبيرة".
أيها المسلمون: ومن فوائد السفر الترويح عن النفس وانشراح الصدر، فإن النفوس تمل والأجساد تكل، فتحتاج إلى ما يطرد ذلك بالتجديد والسير في الأرض، ومن فوائد السفر طلب الرزق وطلب العلاج والاستشفاء، يقول الله عز وجل: (ومن يهاجر في الأرض يجد مراغما كثيراً وسعة)، ومن فوائده طلب العلم ونشر الإسلام والدعوة إلى الله تعالى، ولقد ضرب سلفنا أروع الأمثلة في التنقل بين البلدان لطلب العلم والجهاد في سبيل الله والدعوة إليه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة).
أيها المسافر:
توجه حيثما شئت، واذهب إلى حيث تحب، ولكن اعلم أنك لن تذهب إلى مكان لا يراك فيه خالقك وبارئك، فالله لا تخفى عليه خافية، ولن تغيب عنه طرفة عين، يقول الحق سبحانه: (وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهوداً إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين)، (يابني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير).
فلا تظن أنك إن ابتعدت عن أعين المخلوقين أنك في بعد عن عين الخالق، ولا تجعل الله أهون الناظرين إليك، واستحي من السميع العليم قبل أن تستحيي من الناس، (يستحيون من الناس ولا يستحيون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول).
كن على اتصال دائم بالله، واذكر الله في حلك وترحالك، كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يودع مسافراً قال: (أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه) (استودع الله دينكم وأماناتكم وخواتيم أعمالكم)، فإذا شرع في السفر لم يزل دائم الصلة بالله، فيقول في أول السفر: (اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في المال والأهل، اللهم هون علينا سفرنا هذا واطو عنا بعده، اللهم إنا نعوذ بك من وعثاء السفر وكآية المنظر وسوء المنقلب في المال والأهل) فإذا صعد مكاناً عالياً كبر، وإذا هبط سبح، ويصلي النوافل والوتر على راحلته، ويستغل كل فرصة يجد فيها فراغاً للذكر والدعاء لأن دعاء المسافر مستجاب.
فإذا رجع شكر الله على أن حفظه وأعاده سالماً، وقال: (آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون، صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده).
أيها المسلم:
من رحمة الله بك أنه خفف عنك بعض الأمور التي قد تشق عليك في السفر، فالسفر يرهق الإنسان ويتعبه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (السفر قطعة من العذاب يمنع أحدكم نومه وطعامه وشرابه)، فرخص الله للمسافر في بعض الأحكام، فأباح للمسافر أن يفطر إذا سافر في نهار رمضان، وكان النبي الله صلى الله عليه وسلم يقصر الصلاة الرباعية في السفر ويصليها ركعتين، وكان يجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء في وقت إحداهما إذا اشتد به السير، ورخص للمسافر أن يمسح على الخف ثلاثة أيام بلياليها لا ينزع الخف عن قدمه، وكان صلى الله عليه وسلم يترك الصلوات الرواتب التي قبل الصلاة وبعدها، ولكنه يحافظ على الوتر وسنة الفجر، ومع ذلك فإنه سبحانه يكرم من كان مجتهداً في حال إقامته بأن يكتب له مثل ما كان يعمل مقيماً، يقول النبي : (إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً).
كل ذلك لئلا يدع المسلم فريضة الصلاة في السفر بحجة المشقة والإرهاق وعدم التمكن، إن وجد المسافر ماء تطهر وصلى على أي بقعة، وإلا تيمم الصعيد الطيب، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فعنده مسجده وطهوره).
عباد الله:
من عزم على السفر فليبدأ بالتوبة من المعاصي ويخرج من مظالم الخلق ويقضي ما أمكنه من ديونهم، ويرد الودائع ثم يستحل ممن كان بينه وبينه مماطلة في شيء أو مصاحبة. ويكتب وصيته ويوكل من يقضي دينه ما لم يتمكن من قضائه ويترك لأهله ما يلزمهم من نفقة ونحوها.
اصحب الرفقة الطيبة التي تحثك على الخير وتردعك عن الشر، كان النبي صلى الله عليه وسلم يبكر في السفر فيسافر أول النهار ودعا بالبركة في البكور فقال: ((اللهم بارك لأمتي في بكورها)).
حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الوحدة في السفر، لما قد يتعرض له الإنسان في السفر من المخاطر، فقال صلى الله عليه وسلم: ((لو أن الناس يعلمون من الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده)) وقال صلى الله عليه وسلم: ((الراكب شيطان، والراكبان شيطانان، والثلاثة ركب)) ، وأمر صلى الله عليه وسلم الجماعة أن يؤمرا أحدهم ليتفقوا ولا يتنازعوا فقال: ((إذا كان ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم)).
عباد الله: السفر قد يكون قربة وطاعة يقرب العبد من الله ويجني المسافر من ورائه الحسنات الكثيرة والأجور العظيمة، ومن ذلك السفر للحج والعمرة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الْحُجَّاجُ وَالْعُمَّارُ ، وَفْدُ اللهِ إِنْ دَعَوْهُ أَجَابَهُمْ ، وَإِنِ اسْتَغْفَرُوهُ غَفَرَ لَهُمْ).
و من سفر الطاعة السفر لصلة الرحم والوالدين وزيارة الأصدقاء، أخبر النبي عن رجلٍ زار أخا له فى قرية أخرى فأرصد الله له على مدرجته ملكا فلما أتى عليه، قال: أين تريد؟ قال: أريد أخا لي في هذه القرية. قال هل لك عليه من نعمة تربها؟ قال: لا غير أني أحببته في الله عز وجل. قال: فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه ».
ومن السفر الذي يؤجر عليه العبد السفر لطلب الرزق وكسب العيش، فمن يتغرب عن بلاده ليجلب لأولاده وأهله لقمة العيش فهو في طاعة وقربة إذا احتسب الأجر والثواب، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعل في في امرأتك).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم....
الخطبة الثانية:
فاتقوا الله عباد الله:
واعلموا أنه كما أن السفر يكون طاعة وقربة لله، فإنه قد يكون معصية يأثم عليها العبد، ومن تلك الأسفار السفر لارتكاب المعاصي والفجور، سواء كان لبلاد مسلمة أو غير مسلمة، ويعظم الخطب وتزداد المفاسد حين يكون السفر لبلاد الكفر، لغير حاجة، فإن السفر لبلاد الكفار فيه محاذير كثيرة ومفاسد عظيمة، ومن تلك المفاسد الإقامة بين أظهر الكفار والعيش بينهم مع رؤيتهم يمارسون الفواحش ويشربون الخمور ويمارسون المعاصي بشتى أنواعها، بدون إنكار عليهم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: « أنا برىء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين ».
ومن المفاسد إنفاق الأموال الكثيرة في بلاد الكفار، وتبذير الأموال في الترفيه والترف وفي ذلك دعم لاقتصاد الكفار وتضييع لنعمة المال التي سيسأل عنها العبد يوم القيامة.
ومن المفاسد التنازل عن التعاليم الإسلامية، والتساهل في الفرائض والواجبات، وتعظم المفاسد حين يصحب الرجل أهله وأبناءه وبناته، ويسكنهم بين أظهر الكفار الأيام الكثيرة، ويغفل عنهم، فيغشون النوادي والملاهي والحوانيت، وينبهر الأولاد بما يرون من انفلات وانحلال في الأخلاق، فترجع الأسرة كارهة لوطنها مبغضة للتعاليم الإسلامية، بل قد يرجع بعضهم بالإدمان على المسكرات والخمور ومحبة الفواحش، وترك الفرائض والواجبات.
ولقد حذر العلماء من السفر إلى بلاد الكفار واشترطوا لإباحة السفر إلى بلاد الكفار شروطاً منها أن يكون السفر لحاجة كالسفر لطلب علم لا يوجد في بلد المسلمين أو السفر للدعوة إلى الله، ومن الشروط أن يكون من يريد السفر محصناً بالعلم بحيث يدفع عنه الشبهات، وأن يكون محصناً بدين يحصنه من الشهوات، فإن كان من يريد السفر ضعيف العلم أو ضعيف الديانة حرم عليه السفر، ومن الشروط أن يتمكن من إقامة دينه بدون تضييق عليه، فمتى توفرت تلك الشروط جاز السفر ومتى قضي المسافر حاجته وجب عليه الرجوع فوراً إلى بلاد المسلمين، وينبغي للمسلم أن لا يغتر بالإعلانات التي تروج للسياحة في البلاد الكافرة.
وليعلم العبد أنه في هذه الدنيا مسافر إلى الدار الآخرة، ماهي إلا أيام حتى تنقضي رحلة الحياة ثم ينتقل إلى الدار الآخرة الباقية فليستعد ويتزود لذلك السفر، (وماهذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون).
ألا وصلوا....
الخطبة الأولى:
عباد الله:
يكثر الكلام في هذه الأيام عن السفر والسياحة، ويشد كثير من الناس أمتعتهم استعداداً للتنقل بين الأمصار والأقطار، ولقد أولى الإسلام السفر شأناً عظيماً، وعده عذراً تسقط به بعض التكاليف، وخص السفر ببعض الأحكام رحمة بحال المسافر الذي قد تلحقه المشقة ويكون في عجلة من أمره، والأصل في السفر هو الإباحة والحل، ويختلف حكم السفر بحسب القصد من السفر، وبحسب الوجهة التي سيولي المسافر شطرها، والسفر يحمل في طياته فوائد كثيرة لخصها الإمام الشافعي –رحمه الله- في قوله:
تغرب عن الأوطان في طلب العلا……وسافر ففي الأسفار خمس فوائد
تفريج همٍّ واكتساب معيشة …وعلم وآداب وصحبة ماجد.
فمن فوائد السفر السير في الأرض، والنظر في عجيب خلق البديع سبحانه، والمسلم ينظر إلى آيات الله الكونية بعين التفكر والتأمل الذي يزيد في إيمانه، ويملأ قلبه يقيناً بعظمة خالقه، (قُلْ سِيرُواْ فِى الأرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ) حينما ترى العيون المناظر الخلابة والجبال الشاهقة والمياه الجارية والبحار الواسعة تخشع القلوب أمام بديع السموات والأرض, وتسبّحه الروح لمفاتنها الأخّاذة الجذابة، ( إن في خلق السموات والأرض والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون)، كم من الناس من يمر بهذه المناظر فيعجب من روعتها ولا ينسب ذلك الإبداع إلى خالقه وموجده، (قل انظروا ماذا في السماوات والأرض وماتغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون).
يقول الإمام أبو الوفاء ابن عقيل رحمه الله: "فنعوذ بالله من عيون شاخصة غير بصيرة، وقلوب ناظرة غير خبيرة".
أيها المسلمون: ومن فوائد السفر الترويح عن النفس وانشراح الصدر، فإن النفوس تمل والأجساد تكل، فتحتاج إلى ما يطرد ذلك بالتجديد والسير في الأرض، ومن فوائد السفر طلب الرزق وطلب العلاج والاستشفاء، يقول الله عز وجل: (ومن يهاجر في الأرض يجد مراغما كثيراً وسعة)، ومن فوائده طلب العلم ونشر الإسلام والدعوة إلى الله تعالى، ولقد ضرب سلفنا أروع الأمثلة في التنقل بين البلدان لطلب العلم والجهاد في سبيل الله والدعوة إليه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة).
أيها المسافر:
توجه حيثما شئت، واذهب إلى حيث تحب، ولكن اعلم أنك لن تذهب إلى مكان لا يراك فيه خالقك وبارئك، فالله لا تخفى عليه خافية، ولن تغيب عنه طرفة عين، يقول الحق سبحانه: (وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهوداً إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين)، (يابني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير).
فلا تظن أنك إن ابتعدت عن أعين المخلوقين أنك في بعد عن عين الخالق، ولا تجعل الله أهون الناظرين إليك، واستحي من السميع العليم قبل أن تستحيي من الناس، (يستحيون من الناس ولا يستحيون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول).
كن على اتصال دائم بالله، واذكر الله في حلك وترحالك، كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يودع مسافراً قال: (أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه) (استودع الله دينكم وأماناتكم وخواتيم أعمالكم)، فإذا شرع في السفر لم يزل دائم الصلة بالله، فيقول في أول السفر: (اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في المال والأهل، اللهم هون علينا سفرنا هذا واطو عنا بعده، اللهم إنا نعوذ بك من وعثاء السفر وكآية المنظر وسوء المنقلب في المال والأهل) فإذا صعد مكاناً عالياً كبر، وإذا هبط سبح، ويصلي النوافل والوتر على راحلته، ويستغل كل فرصة يجد فيها فراغاً للذكر والدعاء لأن دعاء المسافر مستجاب.
فإذا رجع شكر الله على أن حفظه وأعاده سالماً، وقال: (آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون، صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده).
أيها المسلم:
من رحمة الله بك أنه خفف عنك بعض الأمور التي قد تشق عليك في السفر، فالسفر يرهق الإنسان ويتعبه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (السفر قطعة من العذاب يمنع أحدكم نومه وطعامه وشرابه)، فرخص الله للمسافر في بعض الأحكام، فأباح للمسافر أن يفطر إذا سافر في نهار رمضان، وكان النبي الله صلى الله عليه وسلم يقصر الصلاة الرباعية في السفر ويصليها ركعتين، وكان يجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء في وقت إحداهما إذا اشتد به السير، ورخص للمسافر أن يمسح على الخف ثلاثة أيام بلياليها لا ينزع الخف عن قدمه، وكان صلى الله عليه وسلم يترك الصلوات الرواتب التي قبل الصلاة وبعدها، ولكنه يحافظ على الوتر وسنة الفجر، ومع ذلك فإنه سبحانه يكرم من كان مجتهداً في حال إقامته بأن يكتب له مثل ما كان يعمل مقيماً، يقول النبي : (إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً).
كل ذلك لئلا يدع المسلم فريضة الصلاة في السفر بحجة المشقة والإرهاق وعدم التمكن، إن وجد المسافر ماء تطهر وصلى على أي بقعة، وإلا تيمم الصعيد الطيب، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فعنده مسجده وطهوره).
عباد الله:
من عزم على السفر فليبدأ بالتوبة من المعاصي ويخرج من مظالم الخلق ويقضي ما أمكنه من ديونهم، ويرد الودائع ثم يستحل ممن كان بينه وبينه مماطلة في شيء أو مصاحبة. ويكتب وصيته ويوكل من يقضي دينه ما لم يتمكن من قضائه ويترك لأهله ما يلزمهم من نفقة ونحوها.
اصحب الرفقة الطيبة التي تحثك على الخير وتردعك عن الشر، كان النبي صلى الله عليه وسلم يبكر في السفر فيسافر أول النهار ودعا بالبركة في البكور فقال: ((اللهم بارك لأمتي في بكورها)).
حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الوحدة في السفر، لما قد يتعرض له الإنسان في السفر من المخاطر، فقال صلى الله عليه وسلم: ((لو أن الناس يعلمون من الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده)) وقال صلى الله عليه وسلم: ((الراكب شيطان، والراكبان شيطانان، والثلاثة ركب)) ، وأمر صلى الله عليه وسلم الجماعة أن يؤمرا أحدهم ليتفقوا ولا يتنازعوا فقال: ((إذا كان ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم)).
عباد الله: السفر قد يكون قربة وطاعة يقرب العبد من الله ويجني المسافر من ورائه الحسنات الكثيرة والأجور العظيمة، ومن ذلك السفر للحج والعمرة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الْحُجَّاجُ وَالْعُمَّارُ ، وَفْدُ اللهِ إِنْ دَعَوْهُ أَجَابَهُمْ ، وَإِنِ اسْتَغْفَرُوهُ غَفَرَ لَهُمْ).
و من سفر الطاعة السفر لصلة الرحم والوالدين وزيارة الأصدقاء، أخبر النبي عن رجلٍ زار أخا له فى قرية أخرى فأرصد الله له على مدرجته ملكا فلما أتى عليه، قال: أين تريد؟ قال: أريد أخا لي في هذه القرية. قال هل لك عليه من نعمة تربها؟ قال: لا غير أني أحببته في الله عز وجل. قال: فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه ».
ومن السفر الذي يؤجر عليه العبد السفر لطلب الرزق وكسب العيش، فمن يتغرب عن بلاده ليجلب لأولاده وأهله لقمة العيش فهو في طاعة وقربة إذا احتسب الأجر والثواب، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعل في في امرأتك).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم....
الخطبة الثانية:
فاتقوا الله عباد الله:
واعلموا أنه كما أن السفر يكون طاعة وقربة لله، فإنه قد يكون معصية يأثم عليها العبد، ومن تلك الأسفار السفر لارتكاب المعاصي والفجور، سواء كان لبلاد مسلمة أو غير مسلمة، ويعظم الخطب وتزداد المفاسد حين يكون السفر لبلاد الكفر، لغير حاجة، فإن السفر لبلاد الكفار فيه محاذير كثيرة ومفاسد عظيمة، ومن تلك المفاسد الإقامة بين أظهر الكفار والعيش بينهم مع رؤيتهم يمارسون الفواحش ويشربون الخمور ويمارسون المعاصي بشتى أنواعها، بدون إنكار عليهم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: « أنا برىء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين ».
ومن المفاسد إنفاق الأموال الكثيرة في بلاد الكفار، وتبذير الأموال في الترفيه والترف وفي ذلك دعم لاقتصاد الكفار وتضييع لنعمة المال التي سيسأل عنها العبد يوم القيامة.
ومن المفاسد التنازل عن التعاليم الإسلامية، والتساهل في الفرائض والواجبات، وتعظم المفاسد حين يصحب الرجل أهله وأبناءه وبناته، ويسكنهم بين أظهر الكفار الأيام الكثيرة، ويغفل عنهم، فيغشون النوادي والملاهي والحوانيت، وينبهر الأولاد بما يرون من انفلات وانحلال في الأخلاق، فترجع الأسرة كارهة لوطنها مبغضة للتعاليم الإسلامية، بل قد يرجع بعضهم بالإدمان على المسكرات والخمور ومحبة الفواحش، وترك الفرائض والواجبات.
ولقد حذر العلماء من السفر إلى بلاد الكفار واشترطوا لإباحة السفر إلى بلاد الكفار شروطاً منها أن يكون السفر لحاجة كالسفر لطلب علم لا يوجد في بلد المسلمين أو السفر للدعوة إلى الله، ومن الشروط أن يكون من يريد السفر محصناً بالعلم بحيث يدفع عنه الشبهات، وأن يكون محصناً بدين يحصنه من الشهوات، فإن كان من يريد السفر ضعيف العلم أو ضعيف الديانة حرم عليه السفر، ومن الشروط أن يتمكن من إقامة دينه بدون تضييق عليه، فمتى توفرت تلك الشروط جاز السفر ومتى قضي المسافر حاجته وجب عليه الرجوع فوراً إلى بلاد المسلمين، وينبغي للمسلم أن لا يغتر بالإعلانات التي تروج للسياحة في البلاد الكافرة.
وليعلم العبد أنه في هذه الدنيا مسافر إلى الدار الآخرة، ماهي إلا أيام حتى تنقضي رحلة الحياة ثم ينتقل إلى الدار الآخرة الباقية فليستعد ويتزود لذلك السفر، (وماهذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون).
ألا وصلوا....
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق