السفر آداب وأحكام
د مراد باخريصة
1433/07/21 - 2012/06/11 19:28PM
السفر آداب وأحكام
يتهيأ كثير من الناس بعد مرور الامتحانات إلى السفر إلى مناطقهم والعودة إلى مواطنهم فكم من الطلاب يشدون في هذه الأيام أمتعتهم وكم من العوائل يستعدون للسفر إلى بلدانهم وكم من الناس نراهم يحزمون حقائبهم ويجمعون أغراضهم ويعزمون على السفر ليهربوا من حر الصيف وحرارة الجو فنريد اليوم أن نتحدث عن آداب السفر وأحكامه وسننه ومكروهاته.
إن السفر ما سمي سفراً إلا لأنه يسفر عن أخلاق الرجال ويبين معادن الناس ولذلك كان سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا شهد عنده رجل لرجل قال هل سافرت معه؟ هل عاملته بالدينار والدرهم؟ فإن قال نعم قبل منه وإن قال لا قال لا علم لك به.
عباد الله:
يقول الثعالبي رحمه الله "من فضائل السفر أن صاحبه يرى من عجائب الأمصار وبدائع الأقطار ومحاسن الآثار ما يزيده علماً بقدرة الله تعالى" فالمسافر حينما يسافر يرى عظمة الله في خلقه ويشاهد الشواهد والبينات الدالة على قدرته فكم ترى في الطريق من صور مختلفة وأشياء متنوعة وخلقاً جميلاً عجيباً جبال راسيات وحيوانات ونباتات وأشجار معروشات وغير معروشات يقول الله سبحانه وتعالى {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ} ويقول {وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ} ويقول {وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} فأين من يتأمل ويتفكر في خلق الله ومخلوقاته وخاصة عند السفر والسياحة في الأرض.
يقول الإمام الشافعي رحمه الله:
تغرب عن الأوطان تكتسب العلا * * * وسافر ففي الأسفار خمس فوائد
تفريجُ همٍّ واكتسابُ معيشة * * *وعلمٌ وآدابٌ وصحبةُ ماجد
فإن قيل في الأسفار ذلٌ وشدةٌ * * *وقطعُ الفيافي وارتكابُ الشدائد
فموت الفتى خير له من حياته* * * بدار هوانٍ بين واشٍ وحاسد
ويقول رحمه الله:
سافر تجد عوضاً عمَّن تفارقهُ.... وَانْصِبْ فَإنَّ لَذِيذَ الْعَيْشِ فِي النَّصَبِ
إني رأيتُ وقوفَ الماء يفسدهُ..... والعودُ في أرضه نوعً من الحطـب
عباد لله:
إن السفر في هذا الزمان بحكم تقارب الزمان والمكان لهو نعمة عظيمة من نعم الرحمن فالفرق بين الأسفار اليوم والأسفار في الأزمنة القديمة كالفرق بين السماء والأرض فالمسافر اليوم لا يحتاج إلى حيوانات يركبها ولا يحتاج إلى ماء أو زاد يحمله ولا يحتاج إلى فترات طويلة يقضيها في الطريق وهذه كلها نعم تحتاج إلى شكر وتحتاج أيضاً إلى حذر من مكر الله وغرور الحياة فالإنسان حينما يكون في الطائرة معلقاً بين السماء والأرض أو في السيارة تحيط به الحوادث من الأمام والخلف أو في الفلك في البحر بين الأمواج يجب عليه أن يكون أقرب ما يكون من الله محتمياً بحماه مترقباً للطفه ورحمته يقول الله سبحانه وتعالى عن أصحاب سبأ الذي كانوا في نعمة وغبطة من تواصل القرى حيث أن مسافرهم لا يحتاج إلى حمل ماء ولا زاد ولكنهم جحدوا نعمة الله وقالوا ربنا باعد بين أسفارنا {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} يقول النبي صلى الله عليه وسلم" لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان" رواه البخاري.
عباد الله:
من مستحبات السفر وسننه أن يختار الإنسان في السفر رفيقاًً صالحاً يذكره إذا نسي ويعينه إذا احتاج إلى إعانة وأن لا يسافر لوحده فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((لو أن الناس يعلمون من الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده)) رواه البخاري ويقول عليه الصلاة والسلام ((الراكب شيطان، والراكبان شيطانان، والثلاثة ركب)).
ومن السنة أن يؤمر المسافرون عليهم أميراً منهم لما رواه أبو داود عن أبى هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا كان ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم)).
ومن السنة أن يسافر نهاية الأسبوع أو في يوم الخميس إن أمكنه ذلك لحديث كعب بن مالك رضي الله عنه قال: قلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج في سفر إلا في يوم الخميس رواه البخاري وأن يخرج المسافر مبكراً أول النهار يقول عليه الصلاة والسلام ((اللهم بارك لأمتي في بكورها، وكان إذا بعث سرية أو جيشا بعثهم من أول النهار)).
وأن لا ينسى المسافر دعاء السفر ((اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى، اللهم هون علينا سفرنا هذا واطو عنا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهم إنا نعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنظر، وسوء المنقلب في المال والأهل)).
ولا ينسى دعاء الركوب {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ}.
كما يشرع للمسافر أن يكبر إذا علا على شرف أو جبل ويسبح إذا هبط أو نزل وادياً أو منخفض يقول جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: (كنا إذا صعدنا كبرنا، وإذا نزلنا سبحنا) رواه البخاري قال أهل العلم التكبير عند الصعود فيه استشعار لكبرياء الله وعظمته والتسبيح عند الهبوط فيه تنزيه لله عن صفات النقص والانخفاض والضعة.
وإذا نزل المسافر منزلاً فليقل" أعوذ بكلمات التامات من شر ما خلق الله" فإذا قال ذلك فلن يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك وهذا أمر مهم وخاصة للمسافرين الذين يبيتون في الطريق يقول النبي صلى الله عليه وسلم ((وعليكم بسير الليل فإن الأرض تطوى بالليل ما لا تطوى بالنهار، وإياكم والتعريس على الطرق - والتعريس نزول المسافر آخر الليل ساعة للاستراحة - فإنها طرق الدواب ومأوى الحيات)).
كما أن على المسافر أن يتذكر أنه مجاب الدعوة فلا يبخل على نفسه وأهله ومن يحب من الدعاء يقول النبي صلى الله عليه وسلم ((ثلاث دعوات مستجابات، لاشك فيهن، دعوة المظلوم، ودعوة الوالد، ودعوة المسافر)).
يقول الله تبارك وتعالى (خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ * وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ * وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ * وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ * وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ).
الخطبة الثانية:
لقد رخص الله تعالى للمسافر سفراً مباحاً أن يقصر الصلاة الرباعية إلى ركعتين وأن يجمع بين الظهر والعصر في وقت إحداهما بأذان واحد وإقامتين وكذلك يجمع بين المغرب والعشاء في وقت إحداهما بأذان واحد وإقامتين فيجمع ويقصر حتى يصل إلى بلده.
ولا يكون الجمع والقصر إلا إذا تجاوز المسافر حدود البلدة التي هو فيها ولا يجوز له الجمع والقصر بمجرد العزم على السفر لأن بعض الناس إذا عزم على السفر بدأ بالجمع والقصر وهو لا يزال هنا فالمسافر لا يكون مسافراً إلا إذا خرج من البلدة التي هو فيها فمثلاً إذا كان هنا في " المكلا" ويريد السفر إلى عدن ...
لكن المصيبة العظمى أننا نرى كثيراً من الناس إذا سافروا لم يصّلوا أو يتركون الصلاة حتى يصلوا إلى مناطقهم فإذا وصلوا صلوها دفعة واحدة وهذا خطأ فاحش فالله سبحانه وتعالى رخص للمسافر بجمع الصلاة وقصرها ولم يرخص له بتركها وكم نرى في الأسفار أناساً يخرجون للوجبات ويقفون مرات ومرات لشراء القات وغيره وإذا حان وقت الصلاة لا يتوقفون وأحياناً يقف سائق السيارة للصلاة فلا يخرج لها إلا نفر قليل {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا}.
كما أن المسافر يسن له أن يترك جميع السنن الرواتب إلا الوتر والركعتين قبل صلاة الفجر فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتركهما في حظر ولا سفر وكان صلى الله عليه وسلم يوتر على دابته وهي تسير به وإن لم تكن على جهة القبلة وهذه سنة مهجورة قل من يطبقها اليوم.
وإذا صلى المسافر خلف المقيم فإنه يتم الصلاة مثله ولا يجوز له القصر إذا صلى خلف إمام مقيم ليس بمسافر.
وإذا انتهى المسافر من سفره فعليه أن يعجل بالعودة إلى أهله وأن لا يتأخر لغير حاجة ماسة يقول النبي صلى الله عليه وسلم ((السفر قطعة من العذاب يمنع أحدكم طعامه وشرابه ونومه، فإذا قضى أحدكم نهمته فليعجل إلى أهله)) رواه البخاري. وجاء النهي عن طرق الرجل أهله ليلاً دون إخبار مسبق يقول صلى الله عليه وسلم ((إذا أطال أحدكم الغيبة فلا يطرقن أهله ليلاً)) في رواية((حتى تستحد المغيبة وتمتشط الشعثة)).
ويسن للمسافر أن يقول إذا رجع إذا رجع من سفره((آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون)) وأن يبدأ بالمسجد فيركع فيه ركعتين ثم ينصرف إلى بيته وفي كل هذا وردت أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
كما يسن استقبال المسافر إذا رجع من سفره وتقبيله فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعانق أصحابه ويقبلهم إذا قدموا من السفر.
وننبه في الأخير إلى الحذر من أمرين:
أولاً: التحذير من السفر إلى بلاد الكفر لغير حاجة ماسة كمن يذهب للتنزه أو يذهب لدراسة تخصص موجود في البلدان الإسلامية يقول النبي صلى الله عليه وسلم " أنا برئ من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين".
والأمر الآخر سفر المرأة بغير محرم فإنه لا يجوز وهذا للأسف موجود بكثرة فكم من الطالبات يسافرن إلى بعض الأماكن لوحدهن بغير محرم وكم نرى من الرجال من يأتي بامرأة ثم يوكل سائق السيارة أن ينتبه لها وأن يضعها في المكان الفلاني في المنطقة الفلانية ثم يذهب ويتركها لتسافر لوحدها من غير محرم معها يقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يحل لمرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم ولا ليلة إلا مع ذي محرم " رواه البخاري ومسلم.
يتهيأ كثير من الناس بعد مرور الامتحانات إلى السفر إلى مناطقهم والعودة إلى مواطنهم فكم من الطلاب يشدون في هذه الأيام أمتعتهم وكم من العوائل يستعدون للسفر إلى بلدانهم وكم من الناس نراهم يحزمون حقائبهم ويجمعون أغراضهم ويعزمون على السفر ليهربوا من حر الصيف وحرارة الجو فنريد اليوم أن نتحدث عن آداب السفر وأحكامه وسننه ومكروهاته.
إن السفر ما سمي سفراً إلا لأنه يسفر عن أخلاق الرجال ويبين معادن الناس ولذلك كان سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا شهد عنده رجل لرجل قال هل سافرت معه؟ هل عاملته بالدينار والدرهم؟ فإن قال نعم قبل منه وإن قال لا قال لا علم لك به.
عباد الله:
يقول الثعالبي رحمه الله "من فضائل السفر أن صاحبه يرى من عجائب الأمصار وبدائع الأقطار ومحاسن الآثار ما يزيده علماً بقدرة الله تعالى" فالمسافر حينما يسافر يرى عظمة الله في خلقه ويشاهد الشواهد والبينات الدالة على قدرته فكم ترى في الطريق من صور مختلفة وأشياء متنوعة وخلقاً جميلاً عجيباً جبال راسيات وحيوانات ونباتات وأشجار معروشات وغير معروشات يقول الله سبحانه وتعالى {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ} ويقول {وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ} ويقول {وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} فأين من يتأمل ويتفكر في خلق الله ومخلوقاته وخاصة عند السفر والسياحة في الأرض.
يقول الإمام الشافعي رحمه الله:
تغرب عن الأوطان تكتسب العلا * * * وسافر ففي الأسفار خمس فوائد
تفريجُ همٍّ واكتسابُ معيشة * * *وعلمٌ وآدابٌ وصحبةُ ماجد
فإن قيل في الأسفار ذلٌ وشدةٌ * * *وقطعُ الفيافي وارتكابُ الشدائد
فموت الفتى خير له من حياته* * * بدار هوانٍ بين واشٍ وحاسد
ويقول رحمه الله:
سافر تجد عوضاً عمَّن تفارقهُ.... وَانْصِبْ فَإنَّ لَذِيذَ الْعَيْشِ فِي النَّصَبِ
إني رأيتُ وقوفَ الماء يفسدهُ..... والعودُ في أرضه نوعً من الحطـب
عباد لله:
إن السفر في هذا الزمان بحكم تقارب الزمان والمكان لهو نعمة عظيمة من نعم الرحمن فالفرق بين الأسفار اليوم والأسفار في الأزمنة القديمة كالفرق بين السماء والأرض فالمسافر اليوم لا يحتاج إلى حيوانات يركبها ولا يحتاج إلى ماء أو زاد يحمله ولا يحتاج إلى فترات طويلة يقضيها في الطريق وهذه كلها نعم تحتاج إلى شكر وتحتاج أيضاً إلى حذر من مكر الله وغرور الحياة فالإنسان حينما يكون في الطائرة معلقاً بين السماء والأرض أو في السيارة تحيط به الحوادث من الأمام والخلف أو في الفلك في البحر بين الأمواج يجب عليه أن يكون أقرب ما يكون من الله محتمياً بحماه مترقباً للطفه ورحمته يقول الله سبحانه وتعالى عن أصحاب سبأ الذي كانوا في نعمة وغبطة من تواصل القرى حيث أن مسافرهم لا يحتاج إلى حمل ماء ولا زاد ولكنهم جحدوا نعمة الله وقالوا ربنا باعد بين أسفارنا {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} يقول النبي صلى الله عليه وسلم" لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان" رواه البخاري.
عباد الله:
من مستحبات السفر وسننه أن يختار الإنسان في السفر رفيقاًً صالحاً يذكره إذا نسي ويعينه إذا احتاج إلى إعانة وأن لا يسافر لوحده فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((لو أن الناس يعلمون من الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده)) رواه البخاري ويقول عليه الصلاة والسلام ((الراكب شيطان، والراكبان شيطانان، والثلاثة ركب)).
ومن السنة أن يؤمر المسافرون عليهم أميراً منهم لما رواه أبو داود عن أبى هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا كان ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم)).
ومن السنة أن يسافر نهاية الأسبوع أو في يوم الخميس إن أمكنه ذلك لحديث كعب بن مالك رضي الله عنه قال: قلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج في سفر إلا في يوم الخميس رواه البخاري وأن يخرج المسافر مبكراً أول النهار يقول عليه الصلاة والسلام ((اللهم بارك لأمتي في بكورها، وكان إذا بعث سرية أو جيشا بعثهم من أول النهار)).
وأن لا ينسى المسافر دعاء السفر ((اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى، اللهم هون علينا سفرنا هذا واطو عنا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهم إنا نعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنظر، وسوء المنقلب في المال والأهل)).
ولا ينسى دعاء الركوب {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ}.
كما يشرع للمسافر أن يكبر إذا علا على شرف أو جبل ويسبح إذا هبط أو نزل وادياً أو منخفض يقول جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: (كنا إذا صعدنا كبرنا، وإذا نزلنا سبحنا) رواه البخاري قال أهل العلم التكبير عند الصعود فيه استشعار لكبرياء الله وعظمته والتسبيح عند الهبوط فيه تنزيه لله عن صفات النقص والانخفاض والضعة.
وإذا نزل المسافر منزلاً فليقل" أعوذ بكلمات التامات من شر ما خلق الله" فإذا قال ذلك فلن يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك وهذا أمر مهم وخاصة للمسافرين الذين يبيتون في الطريق يقول النبي صلى الله عليه وسلم ((وعليكم بسير الليل فإن الأرض تطوى بالليل ما لا تطوى بالنهار، وإياكم والتعريس على الطرق - والتعريس نزول المسافر آخر الليل ساعة للاستراحة - فإنها طرق الدواب ومأوى الحيات)).
كما أن على المسافر أن يتذكر أنه مجاب الدعوة فلا يبخل على نفسه وأهله ومن يحب من الدعاء يقول النبي صلى الله عليه وسلم ((ثلاث دعوات مستجابات، لاشك فيهن، دعوة المظلوم، ودعوة الوالد، ودعوة المسافر)).
يقول الله تبارك وتعالى (خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ * وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ * وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ * وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ * وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ).
الخطبة الثانية:
لقد رخص الله تعالى للمسافر سفراً مباحاً أن يقصر الصلاة الرباعية إلى ركعتين وأن يجمع بين الظهر والعصر في وقت إحداهما بأذان واحد وإقامتين وكذلك يجمع بين المغرب والعشاء في وقت إحداهما بأذان واحد وإقامتين فيجمع ويقصر حتى يصل إلى بلده.
ولا يكون الجمع والقصر إلا إذا تجاوز المسافر حدود البلدة التي هو فيها ولا يجوز له الجمع والقصر بمجرد العزم على السفر لأن بعض الناس إذا عزم على السفر بدأ بالجمع والقصر وهو لا يزال هنا فالمسافر لا يكون مسافراً إلا إذا خرج من البلدة التي هو فيها فمثلاً إذا كان هنا في " المكلا" ويريد السفر إلى عدن ...
لكن المصيبة العظمى أننا نرى كثيراً من الناس إذا سافروا لم يصّلوا أو يتركون الصلاة حتى يصلوا إلى مناطقهم فإذا وصلوا صلوها دفعة واحدة وهذا خطأ فاحش فالله سبحانه وتعالى رخص للمسافر بجمع الصلاة وقصرها ولم يرخص له بتركها وكم نرى في الأسفار أناساً يخرجون للوجبات ويقفون مرات ومرات لشراء القات وغيره وإذا حان وقت الصلاة لا يتوقفون وأحياناً يقف سائق السيارة للصلاة فلا يخرج لها إلا نفر قليل {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا}.
كما أن المسافر يسن له أن يترك جميع السنن الرواتب إلا الوتر والركعتين قبل صلاة الفجر فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتركهما في حظر ولا سفر وكان صلى الله عليه وسلم يوتر على دابته وهي تسير به وإن لم تكن على جهة القبلة وهذه سنة مهجورة قل من يطبقها اليوم.
وإذا صلى المسافر خلف المقيم فإنه يتم الصلاة مثله ولا يجوز له القصر إذا صلى خلف إمام مقيم ليس بمسافر.
وإذا انتهى المسافر من سفره فعليه أن يعجل بالعودة إلى أهله وأن لا يتأخر لغير حاجة ماسة يقول النبي صلى الله عليه وسلم ((السفر قطعة من العذاب يمنع أحدكم طعامه وشرابه ونومه، فإذا قضى أحدكم نهمته فليعجل إلى أهله)) رواه البخاري. وجاء النهي عن طرق الرجل أهله ليلاً دون إخبار مسبق يقول صلى الله عليه وسلم ((إذا أطال أحدكم الغيبة فلا يطرقن أهله ليلاً)) في رواية((حتى تستحد المغيبة وتمتشط الشعثة)).
ويسن للمسافر أن يقول إذا رجع إذا رجع من سفره((آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون)) وأن يبدأ بالمسجد فيركع فيه ركعتين ثم ينصرف إلى بيته وفي كل هذا وردت أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
كما يسن استقبال المسافر إذا رجع من سفره وتقبيله فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعانق أصحابه ويقبلهم إذا قدموا من السفر.
وننبه في الأخير إلى الحذر من أمرين:
أولاً: التحذير من السفر إلى بلاد الكفر لغير حاجة ماسة كمن يذهب للتنزه أو يذهب لدراسة تخصص موجود في البلدان الإسلامية يقول النبي صلى الله عليه وسلم " أنا برئ من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين".
والأمر الآخر سفر المرأة بغير محرم فإنه لا يجوز وهذا للأسف موجود بكثرة فكم من الطالبات يسافرن إلى بعض الأماكن لوحدهن بغير محرم وكم نرى من الرجال من يأتي بامرأة ثم يوكل سائق السيارة أن ينتبه لها وأن يضعها في المكان الفلاني في المنطقة الفلانية ثم يذهب ويتركها لتسافر لوحدها من غير محرم معها يقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يحل لمرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم ولا ليلة إلا مع ذي محرم " رواه البخاري ومسلم.