الســـــــــــــــــــــــــــــــــودان (تعميم) 1444/10/22ه
يوسف العوض
الخطبة الأولى
أيُّها المُسلمونَ : يُتَابِعُ اَلْمُسْلِمُونَ بقَلَقٍ وَحُزْنٍ وَاهْتِمَامٍ مَا يَجْرِي مِنْ قِتَالٍ عَلَى أَرْضِ اَلسُّودَانَ اَلشَّقِيقِ ، هَذَا اَلْقِتَالُ اَلَّذِي أُرِيقَتْ فِيهِ دِمَاءُ مِئَاتِ اَلْأَبْرِيَاءِ ، وَهُجِّرَ مِئَاتُ اَلْآلَافِ ، وَرُوَّعَ اَلْآمِنُونَ ، وَعَاشَ اَلنَّاسُ أَيَّامًا عَصِيبَةً مُنْذُ أَيَّامِ اَلْقِتَالِ اَلَّتِي لَمْ تُرَاعَ فِيهَا حُرْمَةُ اَلشَّهْرِ اَلْفَضِيلِ ، شَهْرِ رَمَضَانَ اَلْمُبَارَكِ وَمَا يَزَالُ اَلْقِتَالُ مُسْتَمِرًّا بِطَرِيقَةٍ تَدُلُّ عَلَى اِسْتِهَانَةٍ بِالْأَرْوَاحِ وَالدِّمَاءِ وَالْحُرُمَاتِ، والنَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ:" فإنَّ دِمَاءَكُمْ، وأَمْوَالَكُمْ، وأَعْرَاضَكُمْ، وأَبْشَارَكُمْ، علَيْكُم حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَومِكُمْ هذا، في شَهْرِكُمْ هذا، في بَلَدِكُمْ هذا"وفي هذا دَلالةٌ على حُرمة دَمِ المُسلم ِ .
أيُّها المُسلمونَ : كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَحرِصُ على تَوضيحِ أُمورِ الدِّينِ والدُّنيا للمسْلِمين، ومِن ذلك أنَّه أمَرَ النَّاسَ أنْ يَلْزَمُوا السَّمْعَ والطَّاعةَ لِولاةِ أُمورِهم؛ لِمَا في الخُروجِ عليهم مِنَ المَفاسِدِ الكَبيرةِ، وحَذَّرَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن شَقِّ عَصا الطَّاعةِ، ومُفارَقةِ الجَماعةِ أو إلحاقِ الضَّررِ بالمسْلِمين ، وفي جاء في حديثِ أبي هريرةَ رضي الله عنه يقول صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ "مَن خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ، وفارَقَ الجَماعَةَ فَماتَ، ماتَ مِيتَةً جاهِلِيَّةً، ومَن قاتَلَ تَحْتَ رايَةٍ عُمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ، أوْ يَدْعُو إلى عَصَبَةٍ، أوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً، فَقُتِلَ، فقِتْلَةٌ جاهِلِيَّةٌ، ومَن خَرَجَ علَى أُمَّتِي، يَضْرِبُ بَرَّها وفاجِرَها، ولا يَتَحاشَى -وفي رواية: لا يَتَحاشَ- مِن مُؤْمِنِها، ولا يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ، فليسَ مِنِّي ولَسْتُ منه" رواه مسلم ، فيُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ مَن خرَج عن طاعةِ الإمامِ ووُلاةِ الأمورِ، وفارَق جماعةَ الإسلامِ المتَّفِقةَ على بَيعةِ الإمامِ، فمَات على تلكَ الحالِ مِن المفارَقةِ وعدَمِ الطَّاعةِ؛ مَاتَ مِيتَةً جاهليَّةً، أي: على الضَّلالِ؛ لأنَّه مُفارِقٌ للجماعةِ عاصٍ لِوَلِيِّ أمرِه، فتكونُ مَوتتُه على هَيئةِ مَوتِ أهلِ الجاهليَّةِ، وهي فَترةُ ما قبْلَ بَعثةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ فإنَّهم كانوا لا يُطِيعون أميرًا ولا يَنضمُّون إلى جَماعةٍ واحدةٍ، بلْ كانوا فِرَقًا وعَصائبَ يُقاتِلُ بعضُهم بعضًا.
أيُّها المُسلمونَ : وأخبَرَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ مَن قاتَلَ تحتَ رَايَةٍ «عُمِّيَّةٍ» نِسبَةً إلى العَمَى الَّذِي لا يَستبِين فيه وجْهُ الحقِّ من الباطلِ؛ يَغْضَبُ لِلْعَصَبَةِ ويُقاتِلُ لِلْعَصَبَةِ، أي: يَغضَبُ لِمَحْضِ التَّعَصُّبِ لقومِه أو قَبيلتِه، لا لِنُصْرَةِ الدِّينِ والحقِّ، فيُقاتِلُ بغيرِ بَصِيرَةٍ وعلمٍ تعصُّبًا، فإذا قُتِل على تلكَ الحالِ، كانت كقِتْلةِ الجاهليَّةِ ، «ومَن خرَج على أُمَّتِي يَضرِبُ بَرَّها»، أي: صالِحَها المجْتَنبَ للمَناهي، «وفاجِرَها» وهو الَّذي لا يَقرَبُ الطَّاعاتِ، ويُجاهِرُ بالمَعاصي، فهذا الخارجيُّ يُوقِعُ أذاهُ على مَن تَمكَّنَ منه دونَ تَفرِقةٍ بيْن تَقِيٍّ وشَقيٍّ، «ولا يَتَحَاشَى»، أي: لا يَكْتَرِثُ ولا يُبالِي بما يَفعَلُه ولا يَخافُ عُقوبَتَه ووبَالَه مِن قتْلِ مُؤمِنِها، ولا يَفِي لذِي عَهدٍ، وهُم الذِّمِّيُّون الَّذين لهُم عَهدٌ وأمانٌ مِن المسْلِمين، بلْ يَنقُضُه ويَقتُلُهم كما يَقتُلُ المسْلِمين، ويَحتمِلُ أنَّه لا يَفي للإمامِ بَيعتَه بالولايةِ وبالسَّمعِ والطَّاعةِ، فمَن فَعَل ذلكَ فليْس منِّي، أي: ليْست له حُرمةٌ، بلْ إنْ ظُفِر به قُتِل، أو عُوقِبَ بحسَبِ حالِه وجَريمتِه. ويَحتمِلُ أنْ يكونَ مَعناه: لَيْسَ على طَرِيقَتي، وهذا تَبرُّؤٌ مِن أفعالِه، وأمرُه إلى مَشيئةِ اللهِ؛ إنْ شاءَ عذَّبَه، وإنْ شاء غفَرَ له، لا أنَّه كافرٌ خارجٌ عن مِلَّةِ الإسلامِ ، نَسألُ اللهَ أن يؤلف بين قلوبِ المُسلمينَ وأنْ يُصلحَ أحوالَهم.
الخطبة الثانية
أيُّها المُسلمونَ : أَيْنَمَا حَلَّتْ اَلْأَزَمَاتُ تَقَدُّمُ بلادُنا دَائِمًا يَدَ اَلْمُسَاعَدَةِ لِتَخْفِيفِ أَثَرِ هَذِهِ اَلْأَزَمَاتِ عَلَى شُعُوبِ اَلْعَالَمِ ؛ وَذَلِكَ اِمْتِدَادًا لِدَوْرِهَا اَلْإِنْسَانِيِّ بِالْوُقُوفِ مَعَ اَلْمُتَضَرِّرِينَ وَالْمُحْتَاجِينَ ، وَيَأْتِي اَلتَّوْجِيهُ اَلْكَرِيمُ مِنْ قِيَادَةِ المملكةِ اَلْيَوْمَ بِتَقْدِيمِ مُسَاعَدَاتٍ مُتَنَوِّعَةٍ لِلسُّودَانِ وَذَلِكَ بتَنْظِيمِ حَمْلَةٍ شَعْبِيَّةٍ عَبْرَ مِنَصَّةٍ " سَاهَمَ " لِتَخْفِيفِ آثَارِ اَلْأَوْضَاعِ اَلَّتِي يَمُرُّ بِهَا اَلشَّعْبُ اَلسُّودَانِيُّ ، تَأْكِيدًا لِهَذَا اَلدَّوْرِ اَلْإِنْسَانِيِّ .
أيُّها المُسلمونَ : ونذكركم بقوله تعالى : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً) وقال تعالى : (مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "مَثَلُ البخيلِ والمتصدِّقِ، كمَثلِ رجليْنِ عليْهِما جُبَّتانِ من حديدٍ، من ثُديِّهِما إلى تَراقِيهِما؛ فأمّا المُنفِق فلا يُنفِقُ شيئًا إلَّا سبغَتْ على جِلدِهِ، حتى تُخْفِي بنانَهُ، وتَعفُو أثرَهُ؛ وأمَا البخيلُ فلا يُريدُ أنْ يُنفِقَ شيئًا إلَا لزِقَتْ كلُّ حلَقةٍ مَكانَها، فهوَ يُوَسِّعُها فلا تتَّسِعُ"حديثٌ صحيحٌ ، واللهُ لايُضيعُ أجرَ من أحسنَ عملاً.
اَللَّهُمَّ إِنَّا اِسْتَوْدَعْنَاكُ اَلسُّودَانَ وَأَهْلَهُ ، أَمْنَهُ وَأَمَانَهُ ، لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ ، أَرْضَهُ وَسَمَاءَهُ ، فَاحْفَظْهُ يَا رَبِّي ، اَللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَوْدِعُكُ أَهْلَنَا اَلْكِرَامَ فِي اَلسُّودَانَ احَفَظْهُم وَانْصُرْهُمْ عَلَى اَلْقَوْمِ اَلظَّالِمِينَ اَللَّهُمَّ اِضْرِبْ اَلظَّالِمِينَ بِالظَّالِمِينَ وَأَخْرَج المستضعفين من بينهم سَالِمِينَ .