السعيد من ملأ وعاءه بالماء
فهد الجمعة
1438/09/19 - 2017/06/14 11:11AM
الحمد لله الذي شرع الصيام، وأنزل القرآن، وفضل بعض الليالي والأيام، أحمده حمد المعترفين بنعمائه، وأشكره شكر المقرين بآلائه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد:
فاتقوا الله أيها المسلمون حق التقوى، وراقبوه في السر والنجوى، واعلموا رحكم الله أن الله لا يخفى عليه شيء في السر ولا في النجوى، (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) ، (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا)، (يا أيها الذين آمنوا تقوا الله وقولوا قولاً سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيما).
عباد الله: في الثلث الأخير من شهر رمضان تتضاعف الحسنات وتتعدد المناسبات، فقد جعل الله تبارك وتعالى في العشر الأواخر ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر إكراماً من الله لأمة محمد عليه الصلاة والسلام حتى تكثر حسناتها ولا تسبقها الأمم الأخرى، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قام ليلة القدر إيماناً واحتسابا غفر الله له ما تقدم من ذنبه) متفق عليه.
وهناك بعض الأعمال التي يشرع للمسلم القيام بها في العشر الأخيرة من رمضان، ومن هذه الأعمال:
1- إحياء الليل: فقد ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل العشر أحيا ليله وأيقظ أهله وشد مئزره، ومعنى إحياء الليل: أي استغرقه بالسهر في الصلاة والذكر وغيرهما.
2- الاعتكاف: فمما ينبغي الحرص الشديد عليه في هذه العشر: الاعتكاف في المساجد التي تصلي فيها، فقد كان هدى النبي صلى الله عليه وسلم الاعتكاف في العشر الأواخر حتى توفاه الله كما في الصحيحين عن عائشة .
وإنما كان يعتكف في هذه العشر التي تطلب فيها ليلة القدر قطعاً لانشغاله وتفريغاً للياليه وتخلياً لمناجاة ربه وذكره ودعائه, وكان يحتجز حصيراً يتخلى فيه عن الناس فلا يخالطهم ولا ينشغل بهم .ومن أسرار الاعتكاف صفاء القلب والروح، إذ أن مدار الأعمال على القلب كما في الحديث (ألا و أن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب)،
فلما كان الصيام وقاية للقلب من مغبة الصوارف الشهوانية من فضول الطعام والشراب والنكاح فكذلك الاعتكاف ينطوي على سر عظيم وهو حماية العبد من أثار فضول الصحبة وفضول الكلام وفضول النوم وغير ذلك من الصوارف.
3- قراءة القرآن: ومن أهم الأعمال في هذا الشهر وفي العشر الأواخر منه على وجه الخصوص تلاوة القرآن الكريم بتدبر وخشوع, واعتبار معانيه وأمره ونهيه قال تعالى: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان)، فهذا شهر القرآن, وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدارسه جبريل في كل يوم من أيام رمضان، وفي السنة التي توفي فيها قرأ القرآن على جبريل مرتين.
4- زكاة الفطر: وفي سبيل أن يعظم الله الأجر ويجزل الثواب للصائمين قرن الله تبارك وتعالى اختتام فريضة الصيام بأداء الزكاة، وبيّن الرسول صلى الله عليه وسلم المغزى منها حيث روى ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (صدقة الفطر طهرة الصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات) رواه أبو داود وابن ماجة والحاكم.
وزكاة الفطر تجب على الغني والفقير، والصغير والكبير، والذكر والأنثى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فرض زكاة الفطر على الصغير والكبير والذكر والأنثى والحر والمملوك من المسلمين). وأمر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة ، أي إلى صلاة العيد.
واليوم بدأ أول يوم من أيام العشر الأخيرة من رمضان، فيها ليلة القدر، وما أدراك ما ليلة القدر؟ هي ليلة خير من ألف شهر من حرم فضلها فقد حرم خيراً كثيرا، قال تعالى(إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام هي حتى مطلع الفجر)، من صلى صلاة واحدة فكأنما صلى ألف شهر، ومن تصدق فيها فكأنما تصدق ألف شهر، ومن ذكر الله فيها فكأنما ذكر الله ألف شهر، هي في العشر الأخيرة من رمضان، أخفاها الله جل وعلا عن عباده ليجتهد المجتهدون ويشمر المشمرون ويتسابق المتسابقون ويتنافس المتنافسون، قال تعالى: (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون)، من قامها إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه، كما أخبر بذلك الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه عليه، فلا تحرم نفسك هذا الأجر العظيم وهذه الفرصة الجليلة، فإنما هي أيام معدودات، من ترك فيها بصمات خير وجد خيراً، ومن ترك غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه، قال تعالى: (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى)، وستنقضي هذه الليالي والأيام، وسيفضي كل منا إلى ما قدم، ولكل واحد منا خزانة سيجدها يوم العرض على الله، فاملأ خزانتك بما ينفعك، ولا تجعلها فارغةً فتندم، وأكثر في هذه الليالي من شتى الطاعات والقربات، من ذكر لله، والتصدق على الفقراء والمساكين، وصلة الأرحام، وقيام الليل، والدعاء، وبر الوالدين، والإحسان للضعفة والمعوزين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإسداء النصيحة ودلالة الناس للخير وتذكيرهم بالله جل في علاه، والتواصي بالحق والتواصي بالصبر والتواصي بالمرحمة، وقراءة القرآن، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، والكف عن أذى الآخرين بالقول والفعل، واجتناب ما حرم الله من غيبة ونميمة وقول باطل وبهتان وقول زور وشهادة زور، وأكل للرباء، وأكل لأموال الناس بالباطل، وأكل مال اليتيم، والكذب والظلم بأنواعه، لعل الله أن يغفر لنا جميعاً.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد: فاتقوا الله عباد الله.
أيها المسلمون: إن الجنة حُفّت بالمكاره، وأنها غالية نفيسة، لا تُنال بالنوم والكسل، والإخلاد إلى الأرض، واتباع هوى النفس. يقول النبي صلى الله عليه وسلم "من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة". وقد مثل النبي صلى الله عليه وسلم المسافر إلى الدار الآخرة بمن يسافر إلى بلد آخر لقضاء حاجة أو تحقيق مصلحة، فإن كان جاداً في سفره، تاركاً للنوم والكسل، متحملاً لمشاق السفر، فإنه يصل إلى غايته، ويحمد عاقبة سفره وتعبه، وأما من كان نوّاماً كسلاناً متبعاً لأهواء النفس وشهواتها، فإنه تنقطع به السبل، ويفوته الركب، ويسبقه الجادّون المشمّرون، والراحة لا تُنال بالراحة، ومعالي الأمور لا تُنال إلا على جسر من التعب والمشقات (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين)، ومن خصائص هذه العشر المباركة استحباب الاعتكاف فيها، والاعتكاف هو: لزوم المسجد للتفرغ لطاعة الله عز وجل، وهو من السنة الثابتة بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد)، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله عز وجل، واعتكف أزواجه وأصحابه معه وبعده.
وفي صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان عشرة أيام، فلما كان العام الذي قُبض فيه اعتكف عشرين يوماً.
والمقصود بالاعتكاف: انقطاع الإنسان عن الناس ليتفرغ لطاعة الله، ويجتهد في تحصيل الثواب والأجر وإدراك ليلة القدر، ولذلك ينبغي للمعتكف أن يشتغل بالذكر والعبادة، ويتجنب ما لا يعنيه من حديث الدنيا، ولا بأس أن يتحدث قليلا بحديث مباح مع أهله أو غيرهم.
ويحرم على المعتكف الجماع ومقدماته لقوله تعالى: (...ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد).
وأما خروجه من المسجد فهو على ثلاثة أقسام:
1- الخروج لأمر لا بد منه طبعاً أو شرعاً لقضاء حاجة البول والغائط والوضوء الواجب والغسل من الجنابة، وكذا الأكل والشرب فهذا جائز إذا لم يمكن فعله في المسجد. فإن أمكن فعله في المسجد فلا. مثل أن يكون في المسجد دورات مياه يمكن أن يقضي حاجته فيها، أو يكون له من يأتيه بالأكل والشرب، فلا يخرج حينئذ لعدم الحاجة إليه.
2- الخروج لأمر طاعة لا تجب عليه كعيادة مريض، وشهود جنازة ونحو ذلك، فلا يفعله إلا أن يشترط ذلك في ابتداء اعتكافه مثل أن يكون عنده مريض يحب أن يعوده أو يخشى من موته، فيشترط في ابتداء اعتكافه خروجه لذلك فلا بأس به.
3- الخروج لأمر ينافي الاعتكاف كالخروج للبيع والشراء ونحو ذلك، فلا يفعله لا بشرط ولا بغير شرط؛ لأنه يناقض الاعتكاف وينافي المقصود منه، فإن فعل انقطع اعتكافه ولا حرج عليه.
عباد الله: لم يتبقى من شهر رمضان إلا القليل، سابقوا إلى مرضاة ربكم، وسلوه الإعانة والقبول، فإن الله تعالى يقول: (إنما يتقبل الله من المتقين).
فاتقوا الله أيها المسلمون حق التقوى، وراقبوه في السر والنجوى، واعلموا رحكم الله أن الله لا يخفى عليه شيء في السر ولا في النجوى، (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) ، (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا)، (يا أيها الذين آمنوا تقوا الله وقولوا قولاً سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيما).
عباد الله: في الثلث الأخير من شهر رمضان تتضاعف الحسنات وتتعدد المناسبات، فقد جعل الله تبارك وتعالى في العشر الأواخر ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر إكراماً من الله لأمة محمد عليه الصلاة والسلام حتى تكثر حسناتها ولا تسبقها الأمم الأخرى، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قام ليلة القدر إيماناً واحتسابا غفر الله له ما تقدم من ذنبه) متفق عليه.
وهناك بعض الأعمال التي يشرع للمسلم القيام بها في العشر الأخيرة من رمضان، ومن هذه الأعمال:
1- إحياء الليل: فقد ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل العشر أحيا ليله وأيقظ أهله وشد مئزره، ومعنى إحياء الليل: أي استغرقه بالسهر في الصلاة والذكر وغيرهما.
2- الاعتكاف: فمما ينبغي الحرص الشديد عليه في هذه العشر: الاعتكاف في المساجد التي تصلي فيها، فقد كان هدى النبي صلى الله عليه وسلم الاعتكاف في العشر الأواخر حتى توفاه الله كما في الصحيحين عن عائشة .
وإنما كان يعتكف في هذه العشر التي تطلب فيها ليلة القدر قطعاً لانشغاله وتفريغاً للياليه وتخلياً لمناجاة ربه وذكره ودعائه, وكان يحتجز حصيراً يتخلى فيه عن الناس فلا يخالطهم ولا ينشغل بهم .ومن أسرار الاعتكاف صفاء القلب والروح، إذ أن مدار الأعمال على القلب كما في الحديث (ألا و أن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب)،
فلما كان الصيام وقاية للقلب من مغبة الصوارف الشهوانية من فضول الطعام والشراب والنكاح فكذلك الاعتكاف ينطوي على سر عظيم وهو حماية العبد من أثار فضول الصحبة وفضول الكلام وفضول النوم وغير ذلك من الصوارف.
3- قراءة القرآن: ومن أهم الأعمال في هذا الشهر وفي العشر الأواخر منه على وجه الخصوص تلاوة القرآن الكريم بتدبر وخشوع, واعتبار معانيه وأمره ونهيه قال تعالى: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان)، فهذا شهر القرآن, وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدارسه جبريل في كل يوم من أيام رمضان، وفي السنة التي توفي فيها قرأ القرآن على جبريل مرتين.
4- زكاة الفطر: وفي سبيل أن يعظم الله الأجر ويجزل الثواب للصائمين قرن الله تبارك وتعالى اختتام فريضة الصيام بأداء الزكاة، وبيّن الرسول صلى الله عليه وسلم المغزى منها حيث روى ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (صدقة الفطر طهرة الصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات) رواه أبو داود وابن ماجة والحاكم.
وزكاة الفطر تجب على الغني والفقير، والصغير والكبير، والذكر والأنثى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فرض زكاة الفطر على الصغير والكبير والذكر والأنثى والحر والمملوك من المسلمين). وأمر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة ، أي إلى صلاة العيد.
واليوم بدأ أول يوم من أيام العشر الأخيرة من رمضان، فيها ليلة القدر، وما أدراك ما ليلة القدر؟ هي ليلة خير من ألف شهر من حرم فضلها فقد حرم خيراً كثيرا، قال تعالى(إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام هي حتى مطلع الفجر)، من صلى صلاة واحدة فكأنما صلى ألف شهر، ومن تصدق فيها فكأنما تصدق ألف شهر، ومن ذكر الله فيها فكأنما ذكر الله ألف شهر، هي في العشر الأخيرة من رمضان، أخفاها الله جل وعلا عن عباده ليجتهد المجتهدون ويشمر المشمرون ويتسابق المتسابقون ويتنافس المتنافسون، قال تعالى: (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون)، من قامها إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه، كما أخبر بذلك الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه عليه، فلا تحرم نفسك هذا الأجر العظيم وهذه الفرصة الجليلة، فإنما هي أيام معدودات، من ترك فيها بصمات خير وجد خيراً، ومن ترك غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه، قال تعالى: (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى)، وستنقضي هذه الليالي والأيام، وسيفضي كل منا إلى ما قدم، ولكل واحد منا خزانة سيجدها يوم العرض على الله، فاملأ خزانتك بما ينفعك، ولا تجعلها فارغةً فتندم، وأكثر في هذه الليالي من شتى الطاعات والقربات، من ذكر لله، والتصدق على الفقراء والمساكين، وصلة الأرحام، وقيام الليل، والدعاء، وبر الوالدين، والإحسان للضعفة والمعوزين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإسداء النصيحة ودلالة الناس للخير وتذكيرهم بالله جل في علاه، والتواصي بالحق والتواصي بالصبر والتواصي بالمرحمة، وقراءة القرآن، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، والكف عن أذى الآخرين بالقول والفعل، واجتناب ما حرم الله من غيبة ونميمة وقول باطل وبهتان وقول زور وشهادة زور، وأكل للرباء، وأكل لأموال الناس بالباطل، وأكل مال اليتيم، والكذب والظلم بأنواعه، لعل الله أن يغفر لنا جميعاً.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد: فاتقوا الله عباد الله.
أيها المسلمون: إن الجنة حُفّت بالمكاره، وأنها غالية نفيسة، لا تُنال بالنوم والكسل، والإخلاد إلى الأرض، واتباع هوى النفس. يقول النبي صلى الله عليه وسلم "من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة". وقد مثل النبي صلى الله عليه وسلم المسافر إلى الدار الآخرة بمن يسافر إلى بلد آخر لقضاء حاجة أو تحقيق مصلحة، فإن كان جاداً في سفره، تاركاً للنوم والكسل، متحملاً لمشاق السفر، فإنه يصل إلى غايته، ويحمد عاقبة سفره وتعبه، وأما من كان نوّاماً كسلاناً متبعاً لأهواء النفس وشهواتها، فإنه تنقطع به السبل، ويفوته الركب، ويسبقه الجادّون المشمّرون، والراحة لا تُنال بالراحة، ومعالي الأمور لا تُنال إلا على جسر من التعب والمشقات (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين)، ومن خصائص هذه العشر المباركة استحباب الاعتكاف فيها، والاعتكاف هو: لزوم المسجد للتفرغ لطاعة الله عز وجل، وهو من السنة الثابتة بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد)، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله عز وجل، واعتكف أزواجه وأصحابه معه وبعده.
وفي صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان عشرة أيام، فلما كان العام الذي قُبض فيه اعتكف عشرين يوماً.
والمقصود بالاعتكاف: انقطاع الإنسان عن الناس ليتفرغ لطاعة الله، ويجتهد في تحصيل الثواب والأجر وإدراك ليلة القدر، ولذلك ينبغي للمعتكف أن يشتغل بالذكر والعبادة، ويتجنب ما لا يعنيه من حديث الدنيا، ولا بأس أن يتحدث قليلا بحديث مباح مع أهله أو غيرهم.
ويحرم على المعتكف الجماع ومقدماته لقوله تعالى: (...ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد).
وأما خروجه من المسجد فهو على ثلاثة أقسام:
1- الخروج لأمر لا بد منه طبعاً أو شرعاً لقضاء حاجة البول والغائط والوضوء الواجب والغسل من الجنابة، وكذا الأكل والشرب فهذا جائز إذا لم يمكن فعله في المسجد. فإن أمكن فعله في المسجد فلا. مثل أن يكون في المسجد دورات مياه يمكن أن يقضي حاجته فيها، أو يكون له من يأتيه بالأكل والشرب، فلا يخرج حينئذ لعدم الحاجة إليه.
2- الخروج لأمر طاعة لا تجب عليه كعيادة مريض، وشهود جنازة ونحو ذلك، فلا يفعله إلا أن يشترط ذلك في ابتداء اعتكافه مثل أن يكون عنده مريض يحب أن يعوده أو يخشى من موته، فيشترط في ابتداء اعتكافه خروجه لذلك فلا بأس به.
3- الخروج لأمر ينافي الاعتكاف كالخروج للبيع والشراء ونحو ذلك، فلا يفعله لا بشرط ولا بغير شرط؛ لأنه يناقض الاعتكاف وينافي المقصود منه، فإن فعل انقطع اعتكافه ولا حرج عليه.
عباد الله: لم يتبقى من شهر رمضان إلا القليل، سابقوا إلى مرضاة ربكم، وسلوه الإعانة والقبول، فإن الله تعالى يقول: (إنما يتقبل الله من المتقين).