السعادة

عنان عنان
1436/05/14 - 2015/03/05 21:48PM
" الخُطبةُ الأولى "

عبادَ اللهِ، الكلُّ يُريدُ السعادةَ، من منَّا لا يُريدُ السعادةَ، رجلٌُ يبحثُ عن زوجةٍ صالحةٍ يُريدُ السعادةَ، امرأةٌ تبحثُ عن زوجٍ صالحٍ تُريدُ السعادةَ، رجلٌ يبحثُ عن وظيفةٍ يُريدُ السعادةَ، تاجرٌ يجتهدُ ليلاً نهاراً ويسافرُ يُريدُ الربحَ والسعادةَ، موظفٌ يبحثُ عن منصبٍ أعلى وترقيةٍ يُريدُ السعادةَ، شابٌ يستمعُ إلى الأغاني يُريدُ السعادةَ، فتاةٌ تسمعُ الأغاني تُريدُ السعادةَ، شابٌ يُكلِّمُ فتاةً عبرَ الهاتفِ يُريدُ السعادةَ، فتاةٌ تُكلِّمُ شاباً عبرَ الهاتفِ تُريدُ السعادةَ، سارقٌ يُخططُ ليسرقَ يُريدُ السعادةَ، بخيلٌ يجمعُ المالَ ويَحرصُ عليهِ يُريدُ السعادةَ.
فأينَ السعادةُ؟ وكيفَ يصِلُ الإنسانُ إليها؟.

قال رسولُ اللهِ-صلى اللهُ عليه وسلم-: " مِنْ سعادةِ ابنِ أدمَ ثلاثةٌ، المرأةُ الصالحةُ، والبيتُ الواسعُ، والمركبُ الصَّالحُ " [رواهُ الحاكم وصححه]. يعني زوجةً صالحةً وبيتاً واسعاً ومركباً صالحاً ويُقاسُ على المركبِ الصالحِ في هذا الزمنِ السيارةُ، وهؤلاءِ الثلاثةُ أُمنيةُ كُلِّ إنسانٍ، فكيفَ تحصلُ عليهنَّ؟ أُطلبهِنَّ من اللهِ-عزَّ وجلَّ-الذي قالَ: " وأسالوا اللهَ من فضلهِ " قالَ سُفيانُ بنُ عيينةَ في هذه الأيةِ: " ما أمرَ إلَّا ليُعطي " وقدْ قالَ رسولُ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-: " إذا تمنى أحدُكم فليكثرْ فإنَّما يسألُ ربَّهُ عزَّ وجلَّ " [صححه الشيخُ الألباني-رحمه الله-].

فجعلَ اللهُ السعادةَ والوئامَ والراحةَ والطُمنانيةَ والسكينةَ مع المرأةِ الصالحةِ، قالَ تعالى: " (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم: 21].
وقالَ رسولُ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-: " الدنيا متاعٌ وخيرُ متاعِها المرأةُ الصالحةُ " [رواه مسلم]. وجعلَ اللهُ سعادةَ المرأةِ بحبِّها لزوجها وطاعتِها لزوجِها، جعلَ سعادتَها في الدنيا والأخرةِ، قالَ رسولُ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-: " الأ أخبرُكم بنساءكم من أهلِ الجنَّةِ؟ الودودُ الولودُ العؤودُ التي إذا ظلمتْ قالتْ لِزوجها: هذه يدي في يدك لا أذوقُ غُمضاً -أي لا أنام-حتى ترضى " [صححه الشيخُ الألباني-رحمه الله].

هلْ تُريدُ السعادةَ؟ حافظْ على الصلواتِ الخمسِ في أوقاتهنَّ في جماعةٍ مع المسلمينَ، وتأملْ في قولِه-صلى الله عليه وسلم-: " أرحنا بها يا بلالُ ". وتأملْ في قولِه: " وجُعلِتْ قُرةُ عيني في الصلاةِ ". فالصلاةُ تمنحكُ السعادةَ.

هلْ تُريدُ السعادةَ؟ أكثرْ من ذكرِ اللهِ-عزَّ وجلَّ-قالَ سبحانه: " ألا بذكرِ اللهِ تطمئنُّ القلوبُ " وتأمل معي في هذا الحديثِ العظيمِ الذي عندَ سماعِه تشعرُ بسعادةٍ فكيفَ بالعملِ بهِ؟ قالَ رسولُ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-: " من قالَ: لا إلهَ الا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ لهُ المُلكُ ولهُ الحمدُ وهو على كُلِّ شيءٍ قديرٍ في يومٍ مائةَ مرةٍ كانتْ له عدلَ عشرِ رقابٍ-أي كأنما أعتقَ عشرَ عبيدٍ-وكُتِبتْ له مائةُ حسنةٍ ومُحِيتْ عنه مائةُ سيئةٍ، وكانت له حِرزاً من الشيطانِ، يومَهُ ذلك حتى يُمسي، ولم يأتِ أحدٌ بأفضلَ مما جاءَ بهِ إلا أحدٌ عمِلَ أكثرَ من ذلكَ " [رواه البخاري].والذي يُكثِرُ من ذكرِ اللهِ يستجيبُ اللهُ دعاءَهُ، والذي يستجيبُ اللهُ دعاءهُ بالتأكيدِ سوفَ يشعرُ بسعادةٍ وفرحٍ عظيمٍ، قالَ رسولُ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-: " ثلاثةٌ لا يردُّ اللهُ دعاءَهم وذكرَ منهم، الذاكرُ للهِ كثيراً " [رواه البيهقي]. قالَ أحدُ السلفِ: " مساكينُ أهلِ الدنيا خرجوا منها ولمْ يذوقوا أطيبَ ما فيها، قالوا: وما هو؟ قالَ: ذِكرُ اللهِ.

هلْ تُريدُ السعادةَ؟ أطعْ ما أمرَكَ اللهُ به، وتجنبْ ما نهاكَ عنهُ، وأطعْ نبيَّكَ مُحمداً-صلى الله عليه وسلم- الذي قالَ اللهُ عنهُ: " وإن تُطيعوهُ تهتدوا " فالسعادةُ والهدايةُ في طاعةِ رسولِ اللهِ-صلى الله عليه وسلم- ومن ثمراتِ الطاعةِ، يكثُرُ الرزقُ والخيرُ، وتعُمُّ البركةُ، قالَ تعالى: " وألَّوِ استقاموا على الطريقةِ لأسقيانهم ماءً غدقاً ". قالَ ابنُ عباسٍ: " لو استقاموا على الطاعةِ ". بالطاعةِ يُثبِّتُ اللهُ العبدَ في الدنيا يُثبته عند المحنِ والفتنِ، والذي يثبتُ عندَ المحنِ والفتنِ يشعُرُ بسعادةٍ، ويُثبتهُ في فتنةِ القبرِ عندَ سؤالِ الملكينِ، والذي يثبُتُ وينجو سوفَ يشعرُ بفرحٍ وسعادةٍ، قالَ تعالى: " يُثبتُ اللهُ الذين آمنوا بالقولِ الثابتِ في الحياةِ الدنيا والأخرةِ ". والذي استقامَ على الطاعةِ في شبابِهِ يُسعِدهُ اللهُ في أرضِ المحشرِ، في ذلك اليومِ العصيبِ المُخيفِ، ويقيهِ من شرِ أهوالِ ذلك اليومِ، قالَ رسولُ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-: " سبعةٌ يُظلُهم اللهُ في ظلهِ يومَ لا ظلَ إلَّا ظلُه، وذكرَ منهم شابٌ نشأ في طاعةِ اللهِ " [متفقٌ عليهِ].
بالطاعةِ يشعُرُ الإنسانُ بحلاةٍ في قلبهِ، وسعادةٍ لا تُعادلها شهواتُ الدنيا وملذاتُها، فسعادةُ المسلمِ في قُربه من ربِّه، أعظمُ من سعادةٍ يقترفُ بها شهوةً أوْ شُبهةً، الزاني يتلذذُ ساعةً ثُمَّ يلومُ نفسَه، شاربُ الخمرِ يتلذذُ ساعةً ثُمَّ يشعُرُ بألمٍ وصُداعٍ، المرتشي يتلذذُ بالمالِ ساعةً لكنَّه يخافُ من كُلِّ بابٍ يَدُقُّ عليه ويأتيهِ الرعبُ من كُلِّ مكانٍ.

هلْ تُريدُ السعادةَ؟ برْ والديك، فبرُ الوالدينِ متعةٌ في الدنيا وغنيمةٌ في الأخرةِ، وتوفيقٌ ونجاحٌ في الدنيا والأخرةِ، قالَ رسولُ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-: " رضا اللهُ من رضا الوالدينِ، وسخطِ اللهُ من سخطِ الوالدينِ " [حسنه الشيخُ الألباني-رحمه الله-]. وإذا رضيَ اللهُ عن العبدِ بالتأكيدِ سوفَ يمنحهُ السعادةَ.

هل تُريدُ السعادةَ؟ إقرأْ كتابَ اللهِ وأكثرْ من قرءاتِهِ، وتأملْ عجائبَه، قالَ رسولُ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-: " من سرَّه أن يُحبِّهُ اللهُ ورسولُه، فلينظرْ في المُصحفِ " [حسنه الشيخ الألباني-رحمه الله-]. والذي يُحبُّهُ اللهُ يرزقُه السعادةَ.

نفعني الله وإياكم بهديهِ كتابه وأجارنا من خزي عذابِه أقولُ قولي هذا وأستغفرُ اللهَ لي ولكم فاستغفروه من كُلِّ ذنبٍ وتوبوا إليهِ، إنه هو التوابُ الرحيمً.

" الخُطبةُ الثانيةُ "

هلْ تُريدُ السعادةَ؟ أكثرْ من الأعمالِ الصالحةِ، وقدْ رتبَ اللهُ على العملِ الصالحِ، حياةً هنيئةً طيبةً، قالَ تعالى: " من عمل صالحاً من ذكرٍ أو أُنثى وهو مؤمنٌ فلنحيينهُ حياةً طيبةً ولنجزينهم أجرَهم بأحسنِ ما كانوا يعملونَ ". قالَ أحدُ السلفِ: " هم في نعيمٍ في الدورِ الثلاثِ، دارِ الدنيا، ودارِ البرزخِ، ودارِ الأخرةِ ". والعملُ الصالحُ يجلِبُ محبةَ اللهِ ومحبةَ الناسِ في الدنيا، قال تعالى: " إنَّ الذين آمنوا وعملوا الصالحاتِ سيجعلُ لهمُ الرحمنُ وُداً " أي محبةٌ وقربةٌ في قلوبِ الخلقِ، وإذا أحبك الناسُ ستشعرُ بسعادةٍ.

هل تُريدُ السعادةَ؟ صلْ رحمَكَ، فصلةُ الرحمِ تمنحُ السعادةَ والراحةَ، قالَ رسولُ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-: " من سرَّه أن يُبسطَ له في رزقِه ويُنسأَ له في أثرهِ، فليصلْ رحمَهُ " [رواه البخاري]. والإنسان إذا إزداد رزقُه سيشعرُ بسعادةٍ لا تُدركُ.

هلْ تُريدُ السعادةَ؟ تصدقْ على الفقراءِ والمساكينَ والمُحتاجينَ، قالَ رسولُ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-: " أحبُّ الأعمالِ إلى اللهِ، سُرورٌ تُدخلِهُ على قلبِ مُسلمٍ " [رواه مسلم]. فالذي يتصدقُ يشعرُ بسعادةٍ لأنه أدخلَ السعادةَ والسرورَ على قلوبِ المُحتاجينَ، فكانَ الجزاءُ من جنسِ العملِ.

هلْ تُريدُ السعادةَ؟ ارضى بما قسم اللهُ لك، قالَ رسولُ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-: " ارضى بما قسمَ اللهُ لك تكن أغنى الناسِ" [رواه الترمذي]. وإذا أردتَ السعادةَ، فعليكَ بالقناعةِ، قالَ رسولُ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-: " قد أفلحَ من أسلمَ ورزقَ كفافاً وقنَّعه الله بما أتاهُ " [رواه مسلم]. وقال-صلى الله عليه وسلم-: " من أصبحَ منكم آمنا في سِربه معافى في بدنهِ عنده قوتُ يومِه، فكأنَّما حِيزتْ له الدنيا بحذافيرِها " [حسنه الشيخ الألباني-رحمه الله-].
قال ابنُ مسعودٍ: " ما من يومٍ إلا وملكٌ ينادي، يا ابنَ أدمَ قليلٌ يُكفيك خيرٌ من كثيرٍ يُطغيك ". ويقولُ الجُنيدُ-رحمه الله-: " لو علم الملوكُ وأبناءُ الملوكِ ما نحنُ فيهِ من لذةِ الإيمانِ، لجالدونا عليها بالسيوفِ ". يقصدُ من جمعَ بينَ الطاعةِ والقناعةِ يعيشُ بسعادةٍ، ما عابَ النبيُّ-صلى الله عليه وسلم-طعاماً قطُّ، إن إشتاهه أكلَهُ وإن كرهُ تركه.
وأسمعوا لهذه القصةِ الجميلةِ، عليٌ بنُ المأمونِ العباسي، يعيشُ في قصرِ أبيهِ أميرٌ وابنُ خليفةٍ، رأى عاملاً يكدحُ في القصرِ، ثم يُصلي الصلاةَ في وقتِها، وتبدو عليه علاماتُ السعادةِ والرضا، فسأله فقالَ يا أيها الأميرُ: وما لي لا أكونُ سعيداً وأنا عندي زوجةٌ وأمٌ يدعوانِ لي كُلَّ يومٍ، وأنتظرُ مولوداً، فتركَ عليٌّ بنُ المأمونِ القصرَ، وعمل بالتجارةِ، حتى قيلَ: من الإمارةِ إلى التجارةِ.

هل تُريدُ السعادةَ، فأكثرْ من الأستغفارِ، تُريدُ النجاةَ من العذابِ والبلاءِ، أكثرْ من الأستغفارِ، قالَ تعالى: " وما كانَ اللهُ معذبَهم وهم يستغفرونَ ". تُريدُ المتاعَ الحسنَ والراحةَ والطُمنانيةَ، أكثرْ من الأستغفارِ، قالَ تعالى: " وأنِ استغفروا ربَّكم ثم توبوا إليهِ يمتعكم متاعاً حسناً إلى أجلٍ مُسمى ". تُريدَ السعةَ في الرزقِ والخيرِ والبركةِ أكثرْ من الإستغفارِ، قالَ تعالى على لسانِ نبيه نوحٍ-عليه السلام-: " فقلتُ إستغفروا ربَّكم إنه كان غفاراً يُرسلُ السماءَ عليكم مدراراً ويمددكم بأموالٍ وبنينَ ويجعلْ لكم جناتٍ ويجعلْ لكم أنهاراً ". وقالَ رسولُ اللهِ-صلى اللهُ عليه وسلم-: " من لزم الإستغفارَ جعلَ اللهُ من كُلِّ همٍ فرجاً ومن كُلِّ ضيقٍ مخرجاً ورزقه من حيثُ لا يحتسبُ " [رواه الحاكم وغيرهُ].

يا عبدَ اللهِ، هل تريدُ النجاحَ والتوفيقَ في العلمِ في العملِ في جميعِ شؤونِ حياتك، صلِّ الفجرَ في جماعةٍ، وقدْ دعا رسولُ اللهِ-صلى الله عليه وسلم- ربَّه فقالَ: " اللهمَّ باركْ لأمتي في بُكورها " والبركةُ هي الإنجاز بأقلِّ شيءٍ وأيسرِ تكلفةٍ.

ولا بدَّ أن تعلمَ أنَّ مهما رزقنا اللهُ السعادةَ في الدنيا، سيبقى فيها منغصاتٌ ونصبٌ ووصبٌ، فالسعادةُ الحقيقةُ هي في الجنةِ، قالَ عبدُ اللهِ بنُ أحمدَ بنِ حنبلٍ: " متى الراحةُ يا أبي؟ قالَ: " عندَ أولِّ قدمٍ يضعها العبدُ في الجنةِ ".
فأهلُ الجنةِ، يعيشونَ فلا يموتونَ، ويصحونَ ولا يسقمونَ، ويتمتعون ولا ييأسونَ، هم وأزواجهم على الأرائكِ متكئونَ، لهم فيها فاكهةٌ ولهم ما يدعون، سلامٌ قولاً من ربٍّ رحيمٍ ". جعلني اللهُ وإياكم من أهلها.

وصلِّ اللهمَّ وباركْ على سيدنا محمدٍ وعلى آلهِ وأصحابه أجمعين.
المشاهدات 1765 | التعليقات 0