السرقة ..مفاهيمها وعقوباتها..وكيف نتحصن منها؟

عبدالإله بن سعود الجدوع
1434/04/25 - 2013/03/07 03:47AM
هذه خطبة عن ( السرقة ) استفدتها من عدة مصادر .. وأبرز محاورها
1 - مفاهيم خاطئة عن السرقة
2 - كيف نتحصن من السرقة ؟
3 - كيف نربي على عدم السرقة
4 - عقوبات السارق

ولاغنى لي عن تصويباتكم وملاحظاتكم ، رفع الله قدركم










أمابعد أيها المباركون : الله –عز وجل- جعل الملكية الفردية فطرة أزلية في النفوس البشرية ، وأحاطها في التشريع بسياج من الحماية والاحترام ، فكانت حقاً مقدساً ، لا يحل لأحد الاعتداء عليها بوجه من الوجوه ، ولهذا حرم الله السرقة والربا والغش والرشوة وتطفيف الكيل والوزن ، واعتبر كل مال أخذ بغير سبب مشروع أكلاً للمال بالباطل ، قال سبحانه ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ )
ومماعم وطم في هذا الزمن ، ويصح أن تقول ممايؤسف له ، هو أن تتفشى السرقة بأنواع عدة في المجتمع ، فأصبح من المألوف وللأسف أن تجلس في المجلس ويحدثك أحد عن سرقة حدثت له أو لمن حوله ، سواء كان المسروق حقيرا أو كبيرا ، ونحن إذ ذاك مانقول إلا مايرضي ربنا ، أن كلَّ ذلك في كتاب من قبل أن يبرأها سبحانه تعالى ، وأن ماأصاب من مصيبة فبما كسبت أيدينا ويعفو سبحانه عن كثير .
لكن بداية – أيها الفضلاء - مفهوم السرقة عند فئام من الناس يحتاج لإعادة تصحيح ، لأن بعض الناس لايطلق السرقة إلا لمن سرق سيارة أو كسر محلاّ تجاريا وسلب منه وهكذا ، بينما مفهومه أوسع من هذا ، فمن استعار من أحد مالاً أو شيئاً ثم جحده فهذا سرقة ، لأنه بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن امرأة تستعير المتاع فتجحده ، فأمر بقطع يدها رواه البخاري ، أيضاً الشيء البسيط في نظر البعض لايعد سرقة كسرقة الحذاء - أكرم الله السامعين - أوالقلم ونحو ذلك ، والنبي صلى الله عليه وسلم عد ّ أخذ البيضة سرقة فقال : «لعن الله السارق، يسرق البيضة فتقطع يدُه، ويسرق الحبل فتقطع يده»رواه البخاري
قد يقول قائل كيف يسرق بيضة أو حبل وتقطع يده وهو لم يبلغ النصاب المقدر شرعاً لقطع اليد فيقال ماقاله الشيخ محمد بن عثيمين"رحمه الله" أن المقصود أنه تهون السرقة في نفسه، ثم يسرق ويسرق حتى يأتي ما يبلغ النصاب فتقطع يده .
أيضاً من المفاهيم أن البعض يسرق أموال الشعب العامة التي تقيمها الدولة ، وإذا سألته لماذا؟ قال : الحكومة قوية وعندها خير كثير وما إلى ذلك ، ياأخي الكريم أنت لاشأن لك أن المسروق منه غني أو فقير ، المهم أن فعلك هذا سرقة وستحاسب عليه يوم القيامة .



أيها الأخوة الكرام: دعونا في هذه العجالة أن ننظر إلى موضوع السرقة من زوايا ثلاث:
الأولى : كيف نتحصن من السرقة؟ الثانية: كيف نربي على عدم السرقة؟
الثالثة : ماهو مصير السارق في الدنيا والآخرة ؟
فأما كيف نتحصن من السرقة؟ فهو أولاً بلاشك بالتوكل على الله ، وتحصين المسلم نفسه وأولاده وبيته بالأذكار والأوراد الشرعية في الصباح والمساء من أقوى الأسباب ، كذلك أن يستودع الله الشيء الذي يخاف سرقته ، وذلك بأن يقول اللهم إني أستودعك سيارتي بيتي وهكذا ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إن الله إذا استُودِع شيئا حفظه ) صححه الألباني
ومن الأسباب الحسية التي تنبغي أن يجعلها في حرز ومأمن ماأمكن ، ويجب أن نقف جميعاً صفا واحدا لعدم تسهيل السرقة.
أما كيف نربي على عدم السرقة؟ ونقصد بالتربية تربية الصغار والكبار معاً ، ومن أعظم هذه الوسائل وأدومها هي تعزيز مراقبة الله في النفوس ، إذ النفس التي تخشى الله وترجو ماعند الله وتحب الله لاتتجرأ على ذلك الفعل الدنيء حتى وإن سهلت لها وسائل السرقة .
أيضاً قد يكون من التريبة عدم السكوت عن السارق ، والإبلاغ عنه والمطالبة بالحق ومعاقبته على هذا الفعل ، أيضاً من التربية ، تربية النفس والأبناء ومن حولك على القناعة ،
إذ لا يسرق السارق إلاوهو غير مقتنع برزق الله له – والعياذ بالله - ، أيضاً من التربية تربيتهم على حبّ الخير للناس كما يحبونه لأنفسهم ، تربيتهم على الإحساس بمشاعر الآخرين ، تربيتهم بمحاسبتهم على أخطائهم ، ولاشك أن مثل هذه التربية تحتاج إلى جهاد وعمل حتى تثمر ثمارا يانعة صالحة.
قد يقول قائل:ابني يسرق في البيت ، مع أن كل شيء متوفر ،فما الحل لهذه المشكلة ؟
يقول المختصون إجابة على ذلك : أولاً من الطبيعي لأي طفل صغير أن يأخذ الشيء الذي يشد انتباهه ، وينبغي ألا يؤخذ هذا السلوك على أنه سرقة من أول مرة . وينبغي على الوالدين حينها أن يعلّموا أبنائهم حقوق الملكية التي لهم وللآخرين . ولعلاج هذه المشكلة سواء عند الأطفال أو من في سن المراهقة ، أن تبحث عن السبب الذي يدفعهم لذلك ، فقد يكون السبب : الإحساس بالحرمان والتقتير الزائد عن الحد المعقول .
وقد يكون تقليداً للآخرين ممن هم حوله ، أو هو يتعلم من أشرطة الألعاب التي تجعل السرقة فوزا ودهاء وانتصارا ، وقد يسرق إثباتاً للذكاء أو الشجاعة ونحو ذلك ، أو أنه يريد أن يتساوى مع أخيه الذي يُفضل عليه مثلاً ، وغير ذلك من الأسباب ، المهم أنك إذا اكتشفت السبب هان عليك الوصول للعلاج ،
ومن العلاجات عدم إطلاق لقب السارق عليه أو توجيه السباب له أنه شخص سيء ونحو ذلك، بل يُتجه للخطأ وليس لشخصية المخطئ ، ويوضح له بالأسلوب الأمثل أن السرقة تغضب الله وأنه سلوك مشين ، ويساعد على رد المسروق بما يحفظ له كرامته مع أهمية حثه على الإستغفار والتوبة من هذا الذنب العظيم ، لأن الخطأ وقع الآن ، ولانريد أن الابن ينغمس في هذا الخطأ ويحكم على نفسه أنه سارق كما يتلفظ عليه والداه ، ومن الخطأ أيضاً أن يُعاقب قبل معرفة سبب السرقة ، أيضاً من الحلول كما يقول المختصين: توفير مبلغ مالي ثابت كي يتعود على الإدخار بدلاً من السرقة ليشتري به مايرى أنه ضروري بالنسبة له ، والحديث في هذا المشكلة واسع ، لكن لمن أراد الإستزادة فليرجع إلى المختصين.


قلت ماقلت فما من خطأ فمن نفسي والشيطان ، ومامن صواب فمن الله وحده ، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم






الخطبة الثانية:

ماذا يحدث للسارق إذا سرق ؟ سارق الجوالات سارق البيوت سارق السيارات سارق الأحذية و سارق الأراضي وسارق الأموال العامة وغير ذلك . ماذا يحدث له؟
أولاً : أن حبل الوصل بينه وبين الله ينقطع ودعواته لاتصل ، لأن النبي أخبر عن الذي يمد يديه إلى السماء يقول: يا رب يا رب ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام فأنى يستجاب له .
ثانياً : أن الله سيمحق عليه مالاً جزاء على فعله ، والجزاء من جنس العمل كما تقرره كثير من الآيات والأحاديث .
ثالثاً : أنه تَحِلّ عليه دعوة رسول الله عندما قال ( لعن الله السارق ) يعني يدعو عليه بأن يُطرد من رحمة الله
رابعاً : أن فيها أذية لمن سُرق منه ، ووقد عظمها الله تعالى في القرآن (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا )
خامساً : أنه إذا لم يُرجع السارق ماسرقه في الدنيا ، فسيرجعه يوم القيامة ، لكن سيرجعه من حسناته إلى الشخص المسروق منه .
سادساً : أن السارق سيدخل النار يوم القيامة حتى وإن كان مجاهدا في سبيل الله
لما كان يوم خيبر أقبل نفر من أصحاب النبي بعد الغزوة وقالوا فلان شهيد ، وفلان شهيد ، حتى مروا على رجل فقالوا : فلان شهيد ، فقال النبي ( كلا ، إني رأيته في النار في بردة أو عباءة غلها )
سابعاً : أن من يكون معاهدا على شيء ومؤتمناً على أموال المسلمين ، ثم يسرق منها ويخون العهد سيكون جزاءه مخزياً يوم القيامة وذلك بأن يوضع عند دبره لواء طويل بطول غدرته ، ويشار عليه أمام الخلائق – أمام آبائه وأجداده وكل الخلائق – ويقال هذه غدرة فلان بن فلان – ينادى باسمه - . يقول النبي ( لكل غادر لواءٌ عند استه يوم القيامة يُرفع له بقدر غدره ) رواه مسلم ، ويقول (لكل غادرٍ لواءٌ يوم القيامة، يقال: هذه غدرة فلان ) متفق عليه
ثامناً : جعل الرسول صلى الله عليه وسلم السرقة منافية لما يوجبه الإيمان ، فقال في الصحيحين ( لا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ) ، واليد الخائنة التي تمتد إلى ما ليس لها بدون حق، وتعبث في الأرض فساداً هي يد مهينة بقاؤها مضر ، كالعضو المريض الذي يعود على الجسم كله بالضرر والأذى ، فمن العقل والحكمة بتره ليسلم الجسم وسبحان من أكرم هذه اليد اليمنى يوم تكون عاملة منتجة، حتى كان الاعتداء عليها فيه نصف دية الرجل، ولما أهانها صاحبها بالسرقة هانت عند الله فقطعت .
تاسعاً : أن من عقوبة السارق في الدنيا قطع اليد من مفصل الكف كما قرره الله في القرآن ، ولايغني عن القطع أن يتنازل الشخص المسروق منه ، لأن صفوان بن أمية سُرق منه رداء فأبلغ النبي فلما عُرف السارق وأمر بقطع يده تنازل صفوان فقال النبي (هلاّ كان قبل أن تأتيني به ) وقطعت يد السارق . (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) ختمها بالعزيز حتى يكون له السلطان وحده سبحانه ، وقال {حَكِيمٌ} حتى لا يقال: إن هذه العقوبة سفه ووحشية. بل هي حكمة من لدن حكيم خبير.
المشاهدات 8614 | التعليقات 0