السخرية بشي من شعائر الدين

الحمد لله حمد الشاكرين ، وأثني عليه ثناء الذاكرين ، أحمده تبارك وتعالى بمحامده التي هو لها أهل ، وأثني عليه الخير كله لا أحصي ثناءً عليه هو كما أثنى على نفسه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تعظيمٍ لجنابه وإيمانٍ بعظمته وجلاله وكبريائه ، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله الداعي إلى صراط الله المستقيم ودينه القويم ، صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
عباد الله : اتقوا الله تعالى ؛ فإن في تقواه جل وعلا سعادة الدنيا ، والفوز بثواب الله ، والنجاة من عقابه وسخطه سبحانه . وتقوى الله عز وجل : عملٌ بطاعة الله على نورٍ من الله رجاء ثواب الله ، وتركٌ لمعصية الله على نورٍ من الله خوف من عذاب الله.
إخوة الإيمان والعقيدة ... إنَّ ديننا الإسلام دينٌ عظيم مبني على التعظيم ( ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ) وكلما قويَ التعظيم في قلب المسلم أذعن وانقاد واستسلم وأطاع ، وإذا خلا القلب من التعظيم تمرَّد على هذا الدين بل تحوَّل عبداً ساخراً مستهزئاً متهكما ؛ وهذا - عباد الله - يكشف لنا سرَّ الانحلال الذي يبتلى به بعض الناس ويصاب به بعض العباد .
أيها المؤمنون .. حدث من أحداث غزوة تبوك، الذي نزل فيه قرآن يتلى إلى يوم القيامة، قال عن عبد الله بن عمر : قال رجل في غزوة تبوك في مجلس: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء، لا أرغب بطونًا، ولا أكذب ألسنة، ولا أجبن عند اللقاء! فقال رجل في المجلس: كذبت، ولكنك منافق، لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزل القرآن، قال عبد الله: فأنا رأيته متعلقًا بحقب ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم والحجارة تنكيه، وهو يقول: يا رسول الله، إنما كنا نخوض ونلعب، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول ( أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون ).
إنها ظاهرة الاستهزاء والسخرية، ظاهرة قديمة حديثة، حذرنا القرآن الكريم منها، لأن ديدن الكفار هو الاستهزاء من المؤمنين ( إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ ) وبين الله تعالى أن أول عمل يقوم به المكذبون للرسول الاستهزاء والسخرية ( يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون ).
عباد الله ... إن الاستهزاء بالله أو برسول الله صلى الله عليه وسلم أو بشيءٍ من شرائع الإسلام وأحكام الدين .. ردةٌ عن الإسلام وجريمةٌ عظمى ومصيبةٌ كبرى لا تصدُر من قلبٍ مؤمن - وإن كان المستهزئ مازحاً أو هازلاً - فوجود هذا الاستهزاء دليلٌ على الكفر وذهاب الإيمان ؛ ولهذا قال الله تعالى في سورة التوبة التي تسمى الفاضحة لأن الله سبحانه وتعالى فضح فيها المنافقين وهتك أستارهم وكشف عن مخازيهم ( يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ * وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ ) إنَّه الإجرام الفظيع والتعدي الشنيع أن يتطاول إنسان خَلَقه الله عز وجل ومنَّ عليه بالسمع والبصر والفؤاد والحواس فيتلفظ لسانه تطاولاً على الله رب العباد ، أو تطاولاً على شرع الله عزَّ وجل ، أو تهكماً واستهزاءً برسوله ومصطفاه صلى الله عليه وسلم ، أو تعدِّياً على شيءٍ من شرع الله وأحكام الله.
فقد توعد الله من اتخذ آياته هزواً ولعباً بالعذاب المهين، فقال ( وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ).
ولعظيم خطر الاستهزاء بالدين حذر الله من الجلوس مع المستهزئين فقال تعالى ( وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَئُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا ).
عباد الله .. إذا ظهر لنا ذلك فحري بكل عاقل حريص على دينه أن يبتعد عن كل سخرية واستهزاء بأي شعيرة من شعائر هذا الدين، وينبغي أن يكون بينه وبين ذلك خطوط حمراء لا يقترب منها.
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ( وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم


الخطبة الثانية :

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهدُ أنَّ محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
معاشر المؤمنين ... لا نتصور وجود شخص في ديار الإسلام يحصل منه استهزاءٌ بشيءٍ من شرع الله عز وجل وشعائره، لكن ذلك القلب إذا خلا منه التعظيم لله عز وجل أتى بالعجائب والغرائب، أين عقل هذا الإنسان ؟! أين فكره ؟! أين وعيه ؟! أين معرفته ؟! إذا كان سمح للسانه أن يتلفظ بتلك الألفاظ وأن يتعدى ويتجاوز بتلك التعديات والتجاوزات.
قبل أيام ... انتشرت صورة حاج وضيف من ضيوف الرحمن يقوم بشعيرة من شعائر الحج .. يقوم برمي الجمرات .. فيأتي ضعيف الإيمان حباه الله المهارة في التصميم والرسم، فيلعب بالصورة ويقلبها .. فيظهر الحاج أنه يستخدم النبل في رمي الجمرات .. من باب الضحك والسخرية. وللأسف قام بعض الناس بنشرها عبر برامج التواصل الاجتماعي.
أما علمتم – يا عباد الله – الحديث القدسي ، يقول الله عز وجل (من عاد لي وليًا فقد آذنته بالحرب ) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وَإِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لاَ يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ ).
واعلموا ... أن الله جعل السخرية بالمؤمنين سبباً في دخول النار ( قَالَ اخسأوا فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ، إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ، فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ )
أحذروه ثم أحذروه ثم أحذروه ... في ظل وجود مثل هذه الآفة وصدور مثل هذه الصور والأقاويل في كلماتٍ تُكتب وألفاظٍ تسطَّر من أناسٍ من بني جلدتنا ومن أبناء المسلمين وفي ديار المسلمين تتأكد المسئولية ويعظم الواجب في صيانة الأبناء وحفظ النشء ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا).
اللهم أعز الإسلام والمسلمين اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أقر أعيننا بنصر الإسلام وأهله، اللهم وأذل الشرك والمشركين وأحمي حوزة الدين ودمر أعداء الملة ومن شايعهم وسائر الكفرة والملحدين، اللهم ارفع عنا الغلا والوبا والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين، اللهم من أرادنا وأراد المسلمين بسوء فأشغله بنفسه واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميره يا رب العالمين، اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وأيد بالحق إمامنا وولي أمرنا ووفقه بتوفيقك، وأعزه بطاعتك وارزقه البطانة الصالحة التي تدله على الخير وتعينه عليه، اللهم وفق ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك وبسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم. اللهم واجمع كلمتهم على الحق يا رب العالمين، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم وعبادك الصالحين، اللهم تقبل حجاج بيتك واجعل حجهم مبرورًا وسعيهم مشكورًا وذنبهم مغفورًا، اللهم ردهم إلى أهليهم سالمين غانمين، اللهم وانصر المجاهدين الذين يجاهدون في سبيلك لإعلاء كلمتك وإعزاز دينك، اللهم كن لهم ولا تكن عليهم، اللهم وأيدهم بتأييدك وانصرهم بنصرك واجعل الدائرة على أعدائهم يا قوي يا عزيز، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
المشاهدات 5941 | التعليقات 4

جزاك الله خير

خطبة موفقة ومناسبة لأنتشار الصورة

أسأل الله أن لا يحرمك أجرها ،،


جزاك الله خير الجزاء على هذه الخطبة.


الله المستعان ظواهر مؤسفة وصور مؤلمة حقيقة ولا غرابة فحين يضعف الإيمان ويكثر الجهل بالله ويأمن السفهاء العقوبة فلا تعجب أن يساء الأدب ويكثر الزلل.
اللهم قلبونا حبا وتعظيما وخوفا وإيمانا

بورك فيك شيخ إبراهيم وبكل الإخوة المشاركين


جزاكم الله خيرا