السّحر و السّحرة
الشيخ محمّد الشّاذلي شلبي
1436/02/21 - 2014/12/13 19:16PM
[font="] السّحر و السّحـــرة
[/font]
[font="]
[/font][font="]الحمد لله القادر على كل شيء، مفرج الكروب، وغافر الذنوب، وصلى الله على عبده ورسوله محمد النبيّ المحبوب، الذي بعث إلى الناس جميعاً، لإخراجهم من ظلمات الجاهلية إلى نور الإيمان والعلم والسعادة، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد[/font][font="]:[/font]
[font="]سنتحد[/font][font="]ّ[/font][font="]ث هذا اليوم عن أمر عظيم.. عن ذنب كبير وشرّ مستطير.. سنتحدث عن مفرّق الجماعات، وهادم الأسر.. فكم من أسرة فرّق شملها، وكم من صحيح أعلّ صحّته، وكم من سعيد سلب الفرحة من قلبه، وكم من شفة أزال البسمة عنها.. إنّه كهف مظلم بظلام آثاره، ومستنقع قذر بقذارة أهله.. إنّه دهليز مرعب ممتلئ بكلّ أصناف الرّعب، إنّه شيء مهول.. [/font]
[font="]أتدرون عمّا نتحدث ؟.. وماذا نقصد ؟.. [/font]
[font="]إنّه السّحر.. تلك العزائم والشعوذة، والعقد التي تؤثّر في الأبدان والقلوب، فيُمرض ويقتل، ويفرّق بين المرء وزوجه، ويأخذ أحد الزوجين عن الآخر، وحسبنا الله ونعم الوكيل.. [/font]
[font="]السّحر هو المرض العضال والوباء الأسود الذي ابتليت به البشريّة كلّها ، ويتمّ ذلك بإتّحاد بين شيطان من الجنّ وشيطان من الإنس على أن يكون الهدف بينهما واحداً ، وهو إتعاس مجموعة من البشر..[/font]
[font="]أيها [/font][font="]الأحبّة[/font][font="]: إنّ السّحر عالم عجيب، ظاهره فاتن خلاّب، وباطنه قذر عفن، لقد عبّد الشيطان السّحر والسّحرة وأتباعهم للشمس والقمر، والنّجوم والأوثان، بل ترقّى به الحال إلى أن تعبّدهم لنفسه الخبيثة، لقد كان السّحر ولا يزال منزلقاً لم يَجْنِ البشر من ورائه إلا ثمرات مرّة، إنّه صورة مشوّهة، وأيد ملطّخة بدماء الأبرياء، لقد سلب الفرحة من قلوب كثير من الناس، وأزال البسمة عن شفاههم، إنه تاريخ مظلم بظلام آثاره، وضلال أتباعه..[/font]
[font="]لقد أعاب الله تبارك وتعالى على فريق من الذين أوتوا الكتاب أنّهم نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم، واتّجهوا إلى ما يضاده، ألا وهو السّحر، قال تعالى: " ٱتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ ٱلشَّيَٰطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ ٱلشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلّمُونَ ٱلنَّاسَ ٱلسّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى ٱلْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَٰرُوتَ وَمَٰرُوتَ وَمَا يُعَلّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ ".[/font][font="]( سورة البقرة جزء من الآية : 102 )[/font][font="].. لقد انتشر السّحر في طول الدنيا وعرضها، لم يدع أمّة من الأمم إلا كان فيها، واستخدم لتعبيد النّاس لغير ربّ العالمين، بل لقد كان أداة فاعلة في حرب الرّسل والرّسالات، وتهمة جاهزة تلصق بكلّ نبيّ يدعو إلى عبادة الله ونبذ الشّرك..[/font]
[font="]وفي زماننا هذا انتشر السّحر والسّحرة وتوجّه لهم أهل الفسق وبغاة الباطل طلباً للشّفاء من دون الله، أو سعياً لتفريق شمل أسرة، أو لهثاً للانتقام من مخالف، وهم بذلك باعوا دينهم بدنياهم، و باعوا رضوان الله بسخطه..[/font]
[font="]أحبّتي في الله[/font][font="]: إنّ السّحرة عندما يسحرون ويقومون بأعمالهم الخبيثة فإنّه لابدّ لهم من طريقة معيّنة يسلكونها، ونظام ثابت يتّبعونه ليبلغ درجة الكفر بالله، فهم يدهسون المصحف بأقدامهم ويدخلون به الخلاء، أو يكتبون آيات الله بالقذارة أو بدمّ الحيض، ويذبحون لغير الله، ومنهم من يأتي أمّه أو ابنته، ومنهم من يسجد للكواكب، إنّ هذه الفعال الكفرية التي يفعلها السّاحر هي عنوان صداقته لإبليس لعنه الله..[/font]
[font="]ولذلك كان السّحر من المهلكات، في الحديث المتفق عليه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلّى الله عليه و سلّم قَالَ: " اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا هُنَّ ؟.. قَالَ الشِّرْكُ باللهِ وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَكْلُ الرِّبَا وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلاتِ ".. ولمّا كان السّاحر أشدّ كفراً كان الشيطان أكثر طاعة وأسرع في تنفيذ أمره، لقد خرج هذا السّاحر إلى حيث أراد إبليس، خرج إلى حيث غضب الله وسخطه، ولذلك من يعمل هذه الأعمال استحقّ أن يوصف بأنّه كافر، وقد اتّفق الأئمة العلماء على ذلك واستدلّوا بقول الله تعالى: " وَمَا يُعَلّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ ". [/font][font="]( سورة البقرة جزء من الآية: 102 )[/font][font="]..[/font]
[font="]وعند النسائي عن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم: " مَنْ عَقَدَ عُقْدَةً ثُمَّ نَفَثَ فِيهَا فَقَدْ سَحَرَ، وَمَنْ سَحَرَ فَقَدْ أَشْرَك،َ وَمَنْ تَعَلَّقَ شَيْئًا وُكِلَ إِلَيْهِ ".. وحدّ السّاحر القتل، لأنّه من أهل السعي في الأرض بالفساد، لتعلّمه السّحر، واستدعائه النّاس إليه، وإفساده إياهم، مع ما صار إليه من الكفر عند الترمذي من حديث جُنْدُبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم: " حَدُّ السَّاحِرِ ضَرْبَةٌ بِالسَّيْفِ "..[/font]
[font="]وللأسف إنّ السحرة قد لبّسوا على ضعاف العقل والبصيرة من النّاس بتلبّسهم لباس الطاعة في الظاهر حتى أنّ بعضهم يُلقّب بالشيخ، نعم إنه شيخ ضلالة، وربّما تجده يصلّي بالنّاس أحياناً ليلبِّس على الناس، وربّما ادّعى إنّه يصوم النوافل فيُخْدَع به المُغفّلون..[/font]
[font="]أيّها القرّاء الأفاضل[/font][font="]: إنّ هذه البضاعة منتشرة مشهورة في بلاد المسلمين، وأصبح روادها كثّر، دون خوف من الله، أو علم بأنّ لقيا المسحور المغلوب على أمره ستكون مع من سعى في سحره في يوم العدل، يوم القيامة فيشكو إلى الله ما وقع عليه من ضرر بسبب هذا السّاحر وذلك الذي سعى عنده لإضرار المسحور..[/font]
[font="]نعم، هذا هو حال الذين يذهبون إلى هناك، نعم هناك حيث يُطفأ نور الإيمان، حيث المعصية، لقد اشتعلت قلوب بعضهم بفتيل الحسد، فسهروا الليل وكابدوا النهار، فساروا بخطوات سريعة، دون إحساس بمبلغ الجرم الذي يسعون فيه، وبدون مبالاة بأنّ هذا الطريق إيذاء للمسلم، فيدخل أحدهم على السّاحر ويتحدّث معه بحديث الغدر والخيانة، ثم ما يلبث أن يسمع كلمات الطمأنينة من هذا السّاحر المفسد بأنّ كلّ شيء سوف يسير لما يخطّطون، يقول تعالى: " يَعِدُهُمْ وَيُمَنّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً ". [/font][font="]( سورة النّساء الآية: 120 )[/font][font="]..[/font]
[font="]ثم ما هو إلا وقت يسير حتى يشعر ذلك المسكين المبتلى بأنّ نفسه ليست تلك الأولى، وأنّ حياته قد طرأ عليها ما غيّر مسارها إلى حيث لا يريد.. قال الفضيل بن عياض: والله ما يحلّ لك أن تؤذي كلباً أو خنزيراً بغير حقّ فكيف تؤذي مسلماً..[/font]
[font="]كم أثّرت تلك الصفقات المعقودة في جنح الظلام على حياة أسر، فكم من نساء قد طلقن، ومن أطفال قد شرّدوا، وكم من أبرياء قد ماتوا، وكم من تجارة قد كسدت، وصحّة قد ذبلت، فلا حول ولا قوة إلا بالله.. ألا وإنّ من السّحر العلم بالنّجوم وتأثيراتها النّفسيّة، والتنبّؤ عن طريقها بالمستقبل وما جرى وما سيجري، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه و سلّم: " مَنْ اقْتَبَسَ عِلْمًا مِنَ النُّجُومِ اقْتَبَسَ شُعْبَةً مِنْ السِّحْرِ زَادَ مَا زَادَ ". ومن ذلك تعلّق قلوب الكثير من النّاس بالتّنجيم والأبراج التي تكاد لا تخلو منها مجلّة أو صحيفة..[/font]
[font="]عباد الله[/font][font="]: لقد ابتلي بعض الناس في أيامنا هذه بضعف الإيمان، والرّكون إلى الشيطان ووساوسه و إتّباعه، حتى أصبح الفرد يبحث عن ضالته و مبتغاه وإن كان فيها سخط الله وعذابه غير آبه بجنّة أو نار.. و لا أخفي عليكم الأمر، فقد عمد أحدهم السّفر إلى المغرب حاملا معه ملابس لزوجته ليفرّق بينها و بين أهلها و أبنائها.. و عمدت إحداهنّ التنقّل إلى أوروبا الشرقية لتسحر زوجها حتى يصير مطيعا لها، لا يرفض لها طلبا، أو أنّها لا تريد زوجها أن يطلّقها ليتزوّج بأخرى، وإن تزوّج فلعلّه يميل إليها ويطلّق الثانية ليعود. وهي بذلك ضاربة عرض الحائط بسخط الله، وهي بذلك قد اشترت الفلس والخسران وباعت الغفران قال تعالى: " أُوْلَئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلضَّلَلَةَ بِٱلْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ ". [/font][font="]( سورة البقرة الآية: 16 )[/font][font="].. [/font]
[font="]فمن الناس من إذا ابتلي بمرض لفترة طويلة ولم يجد معه العلاج أصيب باليأس والقنوط، الذي يفتح للشيطان عليه باباً يزيّن له من خلاله الذهاب إلى السّحرة و الكهنة علّه أن يعرف دواء لعلّته تلك، ونسي قول رسولنا صلى الله عليه و سلم الذي عند مسلم: " عَجَبًا لأََمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لأحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِن، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَه "..[/font]
[font="]نسي أن الله سبحانه لم يجعل شفاءً فيما حرّم، عند أبي داود عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم عَنْ النُّشْرَةِ فَقَالَ: " هُوَ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ". َقَالَ الْحَسَن: النُّشْرَة مِنْ السِّحْر..[/font]
[font="]قال في فَتْح الْوَدُود: لَعَلَّهُ كَانَ مُشْتَمِلاً عَلَى أَسْمَاء الشَّيَاطِين أَوْ كَانَ بِلِسَانٍ غَيْر مَعْلُوم، فَلِذَلِكَ جَاءَ إنه سِحْر، سُمِّيَ نُشْرَة لانتشار الدَّاء وَانْكِشَاف الْبَلاَء بِه..[/font]
[font="]" هُوَ مِنْ عَمَل الشَّيْطَان ":[/font][font="] أَيْ مِنْ النَّوْع الَّذِي كَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّة يُعَالِجُونَ بِهِ وَيَعْتَقِدُونَ فِيهِ، وَأَمَّا مَا كَانَ مِن الآيَات الْقُرْآنِيَّة وَالأَسْمَاء وَالصِّفَات الرَّبَّانِيَّة وَالدَّعَوَات الْمَأْثُورَة النَّبَوِيَّة فَلاَ بَأْس بِهِ..[/font]
[font="] أولم تعلم هذه الفئة من الناس أنها قد أتت فعلاً شنيعاً، روى الإمام مسلم في صحيحه، قال: " من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوماً "، وهذا الوعيد عن سؤاله فقط، أما من يسألهم ويصدّقهم فقد قال صلّى الله عليه و سلم: " من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ". [/font][font="]( رواه أبو داود و خرّجه أهل السنن الأربعة و صحّحه الحاكم )[/font][font="].. [/font]
[font="]وفي الحديث الذي حسنه الألباني: " لا يدخل الجنّة مدمن خمر، ولا مؤمن بسحر، ولا قاطع رحم ".. [/font]
[font="]نسأل الله الكريم العافية و السلامة من شرّ السّحرة و الكهنة و سائر المشعوذين.. كما نسأله سبحانه أن يقي المسلمين شرّهم، و أن يوفّق المسلمين للحذر منهم و تنفيذ حكم الله تعالى فيهم حتى يستريح العباد من ضررهم و أعمالهم الخبيثة، إنّه وليّ ذلك و القادر عليه و آخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.. [/font]
[/font]
[font="]
[/font][font="]الحمد لله القادر على كل شيء، مفرج الكروب، وغافر الذنوب، وصلى الله على عبده ورسوله محمد النبيّ المحبوب، الذي بعث إلى الناس جميعاً، لإخراجهم من ظلمات الجاهلية إلى نور الإيمان والعلم والسعادة، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد[/font][font="]:[/font]
[font="]سنتحد[/font][font="]ّ[/font][font="]ث هذا اليوم عن أمر عظيم.. عن ذنب كبير وشرّ مستطير.. سنتحدث عن مفرّق الجماعات، وهادم الأسر.. فكم من أسرة فرّق شملها، وكم من صحيح أعلّ صحّته، وكم من سعيد سلب الفرحة من قلبه، وكم من شفة أزال البسمة عنها.. إنّه كهف مظلم بظلام آثاره، ومستنقع قذر بقذارة أهله.. إنّه دهليز مرعب ممتلئ بكلّ أصناف الرّعب، إنّه شيء مهول.. [/font]
[font="]أتدرون عمّا نتحدث ؟.. وماذا نقصد ؟.. [/font]
[font="]إنّه السّحر.. تلك العزائم والشعوذة، والعقد التي تؤثّر في الأبدان والقلوب، فيُمرض ويقتل، ويفرّق بين المرء وزوجه، ويأخذ أحد الزوجين عن الآخر، وحسبنا الله ونعم الوكيل.. [/font]
[font="]السّحر هو المرض العضال والوباء الأسود الذي ابتليت به البشريّة كلّها ، ويتمّ ذلك بإتّحاد بين شيطان من الجنّ وشيطان من الإنس على أن يكون الهدف بينهما واحداً ، وهو إتعاس مجموعة من البشر..[/font]
[font="]أيها [/font][font="]الأحبّة[/font][font="]: إنّ السّحر عالم عجيب، ظاهره فاتن خلاّب، وباطنه قذر عفن، لقد عبّد الشيطان السّحر والسّحرة وأتباعهم للشمس والقمر، والنّجوم والأوثان، بل ترقّى به الحال إلى أن تعبّدهم لنفسه الخبيثة، لقد كان السّحر ولا يزال منزلقاً لم يَجْنِ البشر من ورائه إلا ثمرات مرّة، إنّه صورة مشوّهة، وأيد ملطّخة بدماء الأبرياء، لقد سلب الفرحة من قلوب كثير من الناس، وأزال البسمة عن شفاههم، إنه تاريخ مظلم بظلام آثاره، وضلال أتباعه..[/font]
[font="]لقد أعاب الله تبارك وتعالى على فريق من الذين أوتوا الكتاب أنّهم نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم، واتّجهوا إلى ما يضاده، ألا وهو السّحر، قال تعالى: " ٱتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ ٱلشَّيَٰطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ ٱلشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلّمُونَ ٱلنَّاسَ ٱلسّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى ٱلْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَٰرُوتَ وَمَٰرُوتَ وَمَا يُعَلّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ ".[/font][font="]( سورة البقرة جزء من الآية : 102 )[/font][font="].. لقد انتشر السّحر في طول الدنيا وعرضها، لم يدع أمّة من الأمم إلا كان فيها، واستخدم لتعبيد النّاس لغير ربّ العالمين، بل لقد كان أداة فاعلة في حرب الرّسل والرّسالات، وتهمة جاهزة تلصق بكلّ نبيّ يدعو إلى عبادة الله ونبذ الشّرك..[/font]
[font="]وفي زماننا هذا انتشر السّحر والسّحرة وتوجّه لهم أهل الفسق وبغاة الباطل طلباً للشّفاء من دون الله، أو سعياً لتفريق شمل أسرة، أو لهثاً للانتقام من مخالف، وهم بذلك باعوا دينهم بدنياهم، و باعوا رضوان الله بسخطه..[/font]
[font="]أحبّتي في الله[/font][font="]: إنّ السّحرة عندما يسحرون ويقومون بأعمالهم الخبيثة فإنّه لابدّ لهم من طريقة معيّنة يسلكونها، ونظام ثابت يتّبعونه ليبلغ درجة الكفر بالله، فهم يدهسون المصحف بأقدامهم ويدخلون به الخلاء، أو يكتبون آيات الله بالقذارة أو بدمّ الحيض، ويذبحون لغير الله، ومنهم من يأتي أمّه أو ابنته، ومنهم من يسجد للكواكب، إنّ هذه الفعال الكفرية التي يفعلها السّاحر هي عنوان صداقته لإبليس لعنه الله..[/font]
[font="]ولذلك كان السّحر من المهلكات، في الحديث المتفق عليه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلّى الله عليه و سلّم قَالَ: " اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا هُنَّ ؟.. قَالَ الشِّرْكُ باللهِ وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَكْلُ الرِّبَا وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلاتِ ".. ولمّا كان السّاحر أشدّ كفراً كان الشيطان أكثر طاعة وأسرع في تنفيذ أمره، لقد خرج هذا السّاحر إلى حيث أراد إبليس، خرج إلى حيث غضب الله وسخطه، ولذلك من يعمل هذه الأعمال استحقّ أن يوصف بأنّه كافر، وقد اتّفق الأئمة العلماء على ذلك واستدلّوا بقول الله تعالى: " وَمَا يُعَلّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ ". [/font][font="]( سورة البقرة جزء من الآية: 102 )[/font][font="]..[/font]
[font="]وعند النسائي عن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم: " مَنْ عَقَدَ عُقْدَةً ثُمَّ نَفَثَ فِيهَا فَقَدْ سَحَرَ، وَمَنْ سَحَرَ فَقَدْ أَشْرَك،َ وَمَنْ تَعَلَّقَ شَيْئًا وُكِلَ إِلَيْهِ ".. وحدّ السّاحر القتل، لأنّه من أهل السعي في الأرض بالفساد، لتعلّمه السّحر، واستدعائه النّاس إليه، وإفساده إياهم، مع ما صار إليه من الكفر عند الترمذي من حديث جُنْدُبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم: " حَدُّ السَّاحِرِ ضَرْبَةٌ بِالسَّيْفِ "..[/font]
[font="]وللأسف إنّ السحرة قد لبّسوا على ضعاف العقل والبصيرة من النّاس بتلبّسهم لباس الطاعة في الظاهر حتى أنّ بعضهم يُلقّب بالشيخ، نعم إنه شيخ ضلالة، وربّما تجده يصلّي بالنّاس أحياناً ليلبِّس على الناس، وربّما ادّعى إنّه يصوم النوافل فيُخْدَع به المُغفّلون..[/font]
[font="]أيّها القرّاء الأفاضل[/font][font="]: إنّ هذه البضاعة منتشرة مشهورة في بلاد المسلمين، وأصبح روادها كثّر، دون خوف من الله، أو علم بأنّ لقيا المسحور المغلوب على أمره ستكون مع من سعى في سحره في يوم العدل، يوم القيامة فيشكو إلى الله ما وقع عليه من ضرر بسبب هذا السّاحر وذلك الذي سعى عنده لإضرار المسحور..[/font]
[font="]نعم، هذا هو حال الذين يذهبون إلى هناك، نعم هناك حيث يُطفأ نور الإيمان، حيث المعصية، لقد اشتعلت قلوب بعضهم بفتيل الحسد، فسهروا الليل وكابدوا النهار، فساروا بخطوات سريعة، دون إحساس بمبلغ الجرم الذي يسعون فيه، وبدون مبالاة بأنّ هذا الطريق إيذاء للمسلم، فيدخل أحدهم على السّاحر ويتحدّث معه بحديث الغدر والخيانة، ثم ما يلبث أن يسمع كلمات الطمأنينة من هذا السّاحر المفسد بأنّ كلّ شيء سوف يسير لما يخطّطون، يقول تعالى: " يَعِدُهُمْ وَيُمَنّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً ". [/font][font="]( سورة النّساء الآية: 120 )[/font][font="]..[/font]
[font="]ثم ما هو إلا وقت يسير حتى يشعر ذلك المسكين المبتلى بأنّ نفسه ليست تلك الأولى، وأنّ حياته قد طرأ عليها ما غيّر مسارها إلى حيث لا يريد.. قال الفضيل بن عياض: والله ما يحلّ لك أن تؤذي كلباً أو خنزيراً بغير حقّ فكيف تؤذي مسلماً..[/font]
[font="]كم أثّرت تلك الصفقات المعقودة في جنح الظلام على حياة أسر، فكم من نساء قد طلقن، ومن أطفال قد شرّدوا، وكم من أبرياء قد ماتوا، وكم من تجارة قد كسدت، وصحّة قد ذبلت، فلا حول ولا قوة إلا بالله.. ألا وإنّ من السّحر العلم بالنّجوم وتأثيراتها النّفسيّة، والتنبّؤ عن طريقها بالمستقبل وما جرى وما سيجري، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه و سلّم: " مَنْ اقْتَبَسَ عِلْمًا مِنَ النُّجُومِ اقْتَبَسَ شُعْبَةً مِنْ السِّحْرِ زَادَ مَا زَادَ ". ومن ذلك تعلّق قلوب الكثير من النّاس بالتّنجيم والأبراج التي تكاد لا تخلو منها مجلّة أو صحيفة..[/font]
[font="]عباد الله[/font][font="]: لقد ابتلي بعض الناس في أيامنا هذه بضعف الإيمان، والرّكون إلى الشيطان ووساوسه و إتّباعه، حتى أصبح الفرد يبحث عن ضالته و مبتغاه وإن كان فيها سخط الله وعذابه غير آبه بجنّة أو نار.. و لا أخفي عليكم الأمر، فقد عمد أحدهم السّفر إلى المغرب حاملا معه ملابس لزوجته ليفرّق بينها و بين أهلها و أبنائها.. و عمدت إحداهنّ التنقّل إلى أوروبا الشرقية لتسحر زوجها حتى يصير مطيعا لها، لا يرفض لها طلبا، أو أنّها لا تريد زوجها أن يطلّقها ليتزوّج بأخرى، وإن تزوّج فلعلّه يميل إليها ويطلّق الثانية ليعود. وهي بذلك ضاربة عرض الحائط بسخط الله، وهي بذلك قد اشترت الفلس والخسران وباعت الغفران قال تعالى: " أُوْلَئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلضَّلَلَةَ بِٱلْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ ". [/font][font="]( سورة البقرة الآية: 16 )[/font][font="].. [/font]
[font="]فمن الناس من إذا ابتلي بمرض لفترة طويلة ولم يجد معه العلاج أصيب باليأس والقنوط، الذي يفتح للشيطان عليه باباً يزيّن له من خلاله الذهاب إلى السّحرة و الكهنة علّه أن يعرف دواء لعلّته تلك، ونسي قول رسولنا صلى الله عليه و سلم الذي عند مسلم: " عَجَبًا لأََمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لأحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِن، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَه "..[/font]
[font="]نسي أن الله سبحانه لم يجعل شفاءً فيما حرّم، عند أبي داود عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم عَنْ النُّشْرَةِ فَقَالَ: " هُوَ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ". َقَالَ الْحَسَن: النُّشْرَة مِنْ السِّحْر..[/font]
[font="]قال في فَتْح الْوَدُود: لَعَلَّهُ كَانَ مُشْتَمِلاً عَلَى أَسْمَاء الشَّيَاطِين أَوْ كَانَ بِلِسَانٍ غَيْر مَعْلُوم، فَلِذَلِكَ جَاءَ إنه سِحْر، سُمِّيَ نُشْرَة لانتشار الدَّاء وَانْكِشَاف الْبَلاَء بِه..[/font]
[font="]" هُوَ مِنْ عَمَل الشَّيْطَان ":[/font][font="] أَيْ مِنْ النَّوْع الَّذِي كَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّة يُعَالِجُونَ بِهِ وَيَعْتَقِدُونَ فِيهِ، وَأَمَّا مَا كَانَ مِن الآيَات الْقُرْآنِيَّة وَالأَسْمَاء وَالصِّفَات الرَّبَّانِيَّة وَالدَّعَوَات الْمَأْثُورَة النَّبَوِيَّة فَلاَ بَأْس بِهِ..[/font]
[font="] أولم تعلم هذه الفئة من الناس أنها قد أتت فعلاً شنيعاً، روى الإمام مسلم في صحيحه، قال: " من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوماً "، وهذا الوعيد عن سؤاله فقط، أما من يسألهم ويصدّقهم فقد قال صلّى الله عليه و سلم: " من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ". [/font][font="]( رواه أبو داود و خرّجه أهل السنن الأربعة و صحّحه الحاكم )[/font][font="].. [/font]
[font="]وفي الحديث الذي حسنه الألباني: " لا يدخل الجنّة مدمن خمر، ولا مؤمن بسحر، ولا قاطع رحم ".. [/font]
[font="]نسأل الله الكريم العافية و السلامة من شرّ السّحرة و الكهنة و سائر المشعوذين.. كما نسأله سبحانه أن يقي المسلمين شرّهم، و أن يوفّق المسلمين للحذر منهم و تنفيذ حكم الله تعالى فيهم حتى يستريح العباد من ضررهم و أعمالهم الخبيثة، إنّه وليّ ذلك و القادر عليه و آخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.. [/font]