الزِّيِنَــــــــــــــــــــــــةُ(تعميم) 1445/10/24ه
يوسف العوض
الخطبة الأولى
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : إِنَّ اَلْمَسَاجِدَ بُيُوتُ اَللَّهِ جَلَّ وَعَلَا ، وَهِيَ خَيْرُ بِقَاعِ اَلْأَرْضِ ، وَأُحِبُّ اَلْبِلَادَ إِلَى اَللَّهِ تَعَالَى أَضَافَهَا إِلَى نَفْسِهِ تَشْرِيفًا لَهَا ، تَعَلَّقَتْ بِهَا قُلُوبُ اَلْمُحِبِّينَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِنِسْبَتِهَا إِلَى مَحْبُوبِهِمْ ، وَانْقَطَعَتْ إِلَى مُلَازَمَتِهَا لِإِظْهَارِ ذِكْرِهِ فِيهَا ، فَأَيْنَ يَذْهَبُ اَلْمُحِبُّونَ عَنْ بُيُوتِ مَوْلَاهُمْ ؟ قُلُوبُ اَلْمُحِبِّينَ بِبُيُوتِ مَحْبُوبِهِمْ مُتَعَلِّقَةٌ ، وَأَقْدَامُ اَلْعَابِدِينَ إِلَى بِيُوتِ مَعْبُودِهِمْ مُتَرَدِّدَةٌ تلك : ﴿ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ وعَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُودٍ رَضِي اللهُ عَنْهُ قَالَ: (مَن سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ غَدًا مُسْلِمًا، فَلْيُحَافِظْ علَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بهِنَّ، فإنَّ اللَّهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ ﷺ سُنَنَ الهُدَى، وإنَّهُنَّ مَن سُنَنَ الهُدَى، ولو أنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ في بُيُوتِكُمْ كما يُصَلِّي هذا المُتَخَلِّفُ في بَيْتِهِ، لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، ولو تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ، وَما مِن رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فيُحْسِنُ الطُّهُورَ، ثُمَّ يَعْمِدُ إلى مَسْجِدٍ مِن هذِه المَسَاجِدِ، إلَّا كَتَبَ اللَّهُ له بكُلِّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً، وَيَرْفَعُهُ بهَا دَرَجَةً، وَيَحُطُّ عنْه بهَا سَيِّئَةً، وَلقَدْ رَأَيْتُنَا وَما يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلقَدْ كانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى به يُهَادَى بيْنَ الرَّجُلَيْنِ حتَّى يُقَامَ في الصَّفِّ) ولِأَنَّ مَسَاجِدَنَا هِيَ أَمَاكِنُ مُقَدَّسَةٌ فَالْإِسْلَامُ دِينُ نِظَامٍ وَتَرْتِيبٍ، ومَسَاجِدُنَا هِي أَمَاكِنُ مُبَارَكَةٌ تُقَامُ فِيهَا الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ يَوْمِيًّا، وَهُنَاكَ أَحْكَامٌ يَجِبُ عَلَى الْآتِينَ لِلصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ الِالْتِزَامُ بِهَا فِي الْمَسْجِدِ، وَتُسَمَّى هَذِهِ الْأَحْكَامُ بِآدَابِ الْمَسْجِدِ، فَإِذَا تَمَّ رِعَايَةُ هَذِهِ الْآدَابِ ازْدَادَ مَعَهَا الْأَجْرُ وَالْمُكَافَأَةُ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : الْمُسْلِمُ لَمَّا يَذْهَبُ لِلْجَامِعِ، يُرَاجِعُ أَوَّلًا طَهَارَةَ بَدَنِهِ وَيَتَوَضَّأُ بِنَاءً عَلَى الْآيَةِ الَّتِي قَالَ اللّهُ تَعَالَى فِيهَا: ﴿ يَا بَنِٓي اٰدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا اِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ وَيَخْتَارُ مِنْ مَلَابِسِهِ النَّظِيفَةِ وَالَّتِي تَقُومُ بِشَرْطِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ لِأَنَّهُ سَيَخْرُجُ إِلَى مَحْضَرِ النَّاسِ، فَلا يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ بِحَاَلَةٍ مُلَوَّثَةٍ أو رَثَّةٍ ، وَلَا يَحْضُرُ الْمَسْجِدَ وَبِهِ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ لِمَا جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلاً، فَلْيَعْتَزِلْنَا مَسْجِدَنَا، وَلْيَقْعُدْ فٖي بَيْتِهِ» وَيَتَطَيَّبُ بِعُطُورٍ حَسَنَةٍ وَلَا يُزْعِجُ إِخْوَانَهُ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : ويَنْبَغِي الدُّخُولُ إِلَى الْمَسْجِدِ بِالْقَدَمِ الْيُمْنَى وَأَنْ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ وَأَنْ يَدْعُوَ بـ“اللَّهُمَّ افْتَحْ لَنَا أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ” وَأَنْ يَدْعُوَ فِي الْخُرُوجِ بـ“اللَّهُمَّ افْتَحْ لَنَا أَبْوَابَ فَضْلِكَ”، وَيَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّىَ الْمُسْلِمُ فِي الدُّخُولِ لِلْمَسْجِدِ رَكْعَتَيْنِ تَحِيَّةً لِلْمَسْجِدِ إِذَا لَمْ تَكُنْ فِي الْوَقْتِ كَرَاهَةٌ، وَيُكْرَهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي الْمَسَاجِدِ بِصَوْتٍ عَالٍ وَلَا يُزْعِجُ الْمُسْلِمِينَ لَا بِحَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَلَا بِأَقْوَالِهِ وَلَا بِقِرَاءَتِهِ بِارْتِفَاعِ الصَّوْتِ فِي الصَّلَاةِ، وَلَا بُدَّ مِنْ إِغْلَاقِ الْهَوَاتِفِ أَوْ عَلَى الْأَقَلِّ أَنْ يَجْعَلَ وَضْعَ الصَّوْتِ فِي حَالِ الْكَتْمِ. أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : وَيَجِبُ مُرَاعَاةُ تَرْتِيبِ الصُّفُوفِ وَالْبَدْءُ بِهَا مِنْ أَوَّلِ خَطٍّ وَيَجِبُ عَدَمُ الْقِيَامِ فِي الصُّفُوفِ الْمُتَأَخِّرَةِ مَعَ وُجُودِ فَرَاغٍ فِي الصُّفُوفِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَلَا يَنْبَغِي الْمُرُورُ مِنْ بَيْنِ يَدَيِ الْمُصَلِّينَ، وَيَجِبُ التَّذَكُّرُ أَنَّ الْمَرْءَ فِي حَالِ الْعِبَادَةِ وَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْمَسْجِدِ وَالِاشْتِغَالُ بِالتَّفَكُّرِ وَالذِّكْرِ وَالتَّسْبِيحِ وَالتَّنَفُّسِ مِنْ هَوَاءِ الْمَسَاجِدِ الْمَعْنَوِيِّ، الْمَسَاجِدُ هِي مَحَطَّاتٌ عَلَى طَرِيقِ الْجَنَّةِ، جَعَلَنَا اللَّهُ مِنْ أَهْلِهَا.
الخطبة الثانية
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: (إِنَّ اللهَ لَيُنادِي يومَ القيامةِ : أينَ جِيرَانِي، أينَ جِيرَانِي؟ قَالَ: “فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ: رَبَّنَا وَمَنْ يَنْبَغِيَ أَنْ يُجَاوِرَكَ؟ فَيَقُولُ: أَيْنَ عُمَّارُ الْمَسَاجِدِ؟) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ :(أَحَبُّ الْبِلاَدِ إِلَى اللهِ مَسَاجِدهَا، وَأَبْغَضُ الْبِلاَدِ إِلَى اللهِ أَسْوَاقهَا) اَللَّهُمَّ اِجْعَلْنَا مِنْ أَهْلِ اَلْمَسَاجِدِ وَمِمَّنْ يَعْمُرُهَا حِسًّا وَمَعْنَىً يَارَبَّ اَلْعَالَمَيْنَ.
المرفقات
1714647282_زينة.docx