الزواج فرحة ولكن

عبدالله بن جابر الزهراني
1433/07/24 - 2012/06/14 20:54PM
الزواج فرحة ولكن
[font="traditional arabic"]
عباد الله:
يقول الله تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون )
ذكر الله في هذه الآية أن من آياته العظيمة التي تحتاج إلى تفكر ونظر وتأمل نعمة الزواج فهو السبيل إلى استقرار النفوس وإشباع غريزتها العاطفية والشهوانية، به تسكن النفوس وتحس بالراحة والطمأنينة، وتذهب وساوس الشيطان وإغراءاته، به يجتمع الزوجان على ما أباح الله ويشرعان في تأسيس بيت مسلم تظلله نسمات الإيمان وتحوطه عناية الرحمن، بالزواج ينشر الطهر ضياءه، ويسدل العفاف رداءه، ويحصل الإحصان لمن استطاع الباءة، عندها تنحسر المنكرات، وتظهر الخيرات والبركات، ويعيش المجتمع رفاهية الأمن الخلقي ورغد العيش الاجتماعي.
الزواج من سنن الأنبياء والمرسلين يقول الله جل وعلا: ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية .
ولما أراد بعض الصحابة العزوف عن الزواج والتفرغ للعبادة، أنكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم وأخبر أن ذلك ليس من فعله ولا من شرعه فقال: (أما أنا فإني أصلي وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني).
وأمر النبي صلى الله عليه وسلم شباب الأمة المسلمة بالإقبال على الزوج، وجمْع الهمِّ لتوفير ما يستطيع الشاب أن يحصن به نفسه، وذكر بأن الزواج هو الطريق الأوحد لتفريغ الشهوة في الطريق المباح وإبعاد النفس عن التفكير في السبيل المحرم، فقال صلى الله عليه وسلم: ( يامعشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)
بالزواج تفتح البيوت وتبنى الأسر وينشأ الأولاد ويكثر سواد الأمة يقول صلى الله عليه وسلم: (تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم).
أيها المسلمون: هذه بعض فوائد الزواج وهي أكثر من أن تحصر فما بال شباب الأمة يعزفون عن الزواج ويتعللون بالمشاغل والأعباء؟ رأى أحد التابعين رجلاً عازفاً عن الزواج فقال له : لتنكحن أو لأقولن لك ما قال عمر رضي الله عنه لأبي الزوائد : « ما يمنعك من النكاح إلا عجز أو فجور »، فإذا كان الشاب يستطيع أن يتزوج ولديه قدرة مالية فلماذا يتأخر عن الزواج ويتفلت من المسؤولية، ويتعذر بأنه لا يزال في أول شبابه ثم يبحث عن الطرق المحرمة لقضاء شهوته، فمن كان هذا حاله فيجب عليه أن يبادر بالزواج.
أيها المسلمون: إن هناك عقبات وعراقيل وضعها الناس في طريق هذا المشروع الخير والحلم الجميل، فشوهوا صورة الزواج وكدروا على الراغبين في الظفر به، فانقلب الزواج إلى هم لا ينقطع، وأمنية لا تكاد أن تتحقق إلا بشق الأنفس، ومن هنا كان واجبا على الجميع بحث هذه العراقيل ووضعها على ميزان الشرع، فما كان منها دخيلا على المسلمين فلا عبرة به، وما كان له أصل في الدين ولكن الناس أساؤوا فيه وتعدوا، فالواجب مراعاة ما شرع الله دون إفراط أو تفريط.
فمن تلك العراقيل تأخير تزويج البنات والأخوات، إما عنادا ومكابرة أو طمعا في مرتب أو انتظارا لصاحب المال الوفير أو المنصب الأثير، وغفل أولئك عن قول الله تعالى وهو العليم الخبير بما يصلح الناس (وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم) ، وأين هم من قول المصطفى صلى الله عليه وسلم : ((إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير قالوا: يا رسول الله وإن كان فيه؟ قال: إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه ثلاث مرات)).
وكم من فتاة بقيت حبيسة بيتها تنتظر نصيبها لتسعد كمثيلاتها من النساء، وتتمنى أن لو كان لها أولاد يملؤون حياتها ويبرون بها في حال كبرها، ولكن حال دون ذلك أب أو أخ قاسي القلب قد عضلها عن النكاح حمقا وجهالة، وأي ظلم أشنع من ذلك يا عباد الله؟
إن الله تعالى قد أنزل آية تتلى إلى يوم الدين بسبب عضل ولي، فقد أخرج البخاري عن معقل بن يسار أنه قال: زوجت أختا لي من رجل فطلقها حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها فقلت له: زوجتك وفرشتك وأكرمتك فطلقتها ثم جئت تخطبها، لا والله لا تعود إليك أبدا، وكان رجلا لا بأس به، وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه فأنزل الله هذه الآية: فلا تعضلوهن ، فقلت: الآن أفعل يا رسول الله قال: فزوجها إياه.
وتزداد المصيبة حين تجبر الفتاة على الزواج من ابن عمها أو قريبها رغما عنها، أخرج البخاري في صحيحه عن خنساء بنت خدام أن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد نكاحه. أي فسخه وأبطله.
فيا معشر الآباء إن بناتكم أمانة في أعناقكم، ولسن سلعا تباع بأعلى سعر أو ينتظر بها المواسم، واحذر أيها الأب أن تكون فلذة كبدك خصما لك يوم القيامة. ولا يعني ذلك تزويج أول خاطب يطرق الباب، ولكن متى تقدم صاحب الدين والخلق فمرحبا به وإن قل ماله، وليس للخلق والدين مقابل من الثمن، وما أكرم والدٌ بنتَه بأكثر من زوج صالح،
كم من المصائب التي تعانيها بعض النساء من أزواجهن، فهذه تشتكي زوجا لا يصلي، وأخرى تعاني الأمرين من زوج سكير لا تأمنه على بناته ومحارمه، عياذا بالله تعالى.
عباد الله: إن أهم معيار ينبغي أن يجعله المقبل على الزواج هو الدين والأمور الأخرى تبع للدين، فلا خير في جمال أو مال أو نسب بلا دين، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك)).
عباد الله: إن من أهم ما يحول بين الشباب والزواج كثرة التكاليف والأعباء المالية، وكثير من تلك التكاليف لا فائدة فيه، بل كثير منها إنما يكون للمباهاة والتفاخر، فهذا يتزوج في صالة أفراح ليلتها الواحدة بسبعين ألف ريال، وآخر يأتي بفرقة لتحيي الحفل ثم يستدين حق تلك الفرقة، وثالث يذبح خمسين رأساً من الغنم ثم تكب في النفايات، كم ينفق قبل الزواج وفي ليلة الخطبة ثم في ليلة عقد النكاح، ثم في ليلة الزواج من أشياء تافهة تذهب في لحظات ثم تبقى ديوناً وأعباء على ظهر الزوج، فيدخل الزوج على زوجته وهو مهموم ومثقل كاهله بالديون من أجل اشتراطات أهل الزوجة، بل كثير من تلك التكاليف المتسبب فيها النساء والسفهاء وكلما ذُكِّر أولئك بأنه ينبغي تقليل التكاليف تعللوا بأنها ليلة واحدة وأنها ليلة العمر، ويغيب الرجل عن ضبط الأمور وينسى أن الله جعل له القوامة، قال الله تعالى: (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم).
إن الإسلام يدعو إلى التبسط وتقليل التكاليف والابتعاد عن التبذير وإنفاق المال في غير فائدة، لقد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم وزوج بناته وكان زواجه متواضعاً، متواضعاً في المهر ومتواضعاً في تكاليف الزواج، وكانت حياته متواضعة بعيدة عن التكلف والتفاخر والكبرياء، فبارك الله في زواجه وزواج بناته وأخرجت تلك الأسر أولاداً عظماء خلد التاريخ ذكرهم.
إن العقلاء هم الذين يعرفون فيم تصرف الأموال، فالزوج أحق بذلك المال من غيره، فهو بأمس الحاجة إلى الريال الواحد ليؤثث به منزله وينفق به على أسرته، وإذا كان الزوج مستغنياً فليعن من يبحث عمن يعينه على إعفاف نفسه،
وإن من علامات بركة النكاح خلوه مما حرم الله تعالى من إسراف وتبذير، ومتى كان العرس كذلك سعد به الزوجان وضيوفهما، وأضحى الفرح شكرا لله بالقول والفعل، وإلا كان وبالا وحسرة يبقى ألمها وإثمها.
فقد أمر الله تعالى بالتوسط والاعتدال في الأكل والشرب، فقال جل ذكره: يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين
. قال ابن عباس رضي الله عنهما: أحل الله تعالى في هذه الآية الأكل والشرب ما لم يكن سرفا أو مخيلة. وقد ورد هذا المعنى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: ((كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا من غير إسراف ولا مخيلة، فإن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده)).
وذكر الله تعالى من صفات عباده المتقين: والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما [الفرقان:67]، وقال جل شأنه: (وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا) لأن الشيطان لا يدعو إلا إلى كل خصلة ذميمة فيدعو الإنسان إلى البخل والإمساك فإذا عصاه، دعاه إلى الإسراف والتبذير. والله تعالى إنما يأمر بأعدل الأمور وأقسطها ويمدح عليه، ، والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، كلها تدعو إلى الاعتدال، وترغب في القصد والاقتصاد، وتنهى عن التبذير والإسراف.
وإن الناظر لما عليه الحال في بعض المجتمعات البائسة التي تعيش حالات الجوع والفقر يدرك ما أنعم الله به علينا، فيدفعه ذلك إلى مزيد من الشكر والثناء والإقرار بنعم الله وحفظها وصونها ومراقبة الله تعالى فيها والخوف من أليم عقابه وشديد انتقامه، وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد.
بارك الله...

الخطبة الثانية
أيها المسلمون، إن ليلة الزواج هي الليلة الأولى من بناء أسرة جديدة فلماذا لا يكون الأساس موافقاً لشرع الله يقول الله تعالى: (أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أمن أسس رأسه..)، إن الطاعة لها بركتها والمعصية لها مغبتها وشؤمها، ولذلك يجب أن يكون الزواج خالياً من المنكرات التي تعكر صفو الاحتفال بهذه المناسبة المهمة، إن الفرح الذي يجر إلى المعاصي والأشر والبطر لهو فرح مذموم، ومن تلك المنكرات التي تكثر في الزواجات منكرات النساء حتى أصبحت بعض الزواجات لا توافق أعرافنا وتقاليدنا وديننا، فالألبسة التي تظهر كثيراً من جسد المرأة وتظهر العورة ألبسة محرمة لا يجوز للزوج أو الأب أن يسمح بمثل تلك الألبسة بل يجب عليه أن ينهى من تحت يده عن كل منكر، والمعازف والموسيقى التي تصدح في بعض الحفلات هي مزامير للشيطان، أجمع العلماء على تحريمها، وإنما المباح هو الدف والأناشيد والقصائد المجردة عن المعازف، لإعلان النكاح والتمييز بين النكاح والسفاح، يقول الرسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فصل ما بين الحرام والحلال الدف والصوت)).
والأدهى والأمر من ذلك هو دخول بعض الرجال إلى النساء اللاتي لا يحل له النظر إليهن ثم الانتصاص أمامهن مع الزوجة وممارسة بعض الأفعال التي تدل على سفاهة وصفاقة من يفعل ذلك، فهل ذهبت من النفوس الغيرة وهل غاض من القلوب الحياء،
ألا ما أجمل أن يكون الزواج خالياً من المنكرات، موافقاً لشرع الله، يدعو الناس لأهله بالبركة والتوفيق، فيبارك الله في تلك الأسرة،
اللهم بارك للأزواج وبارك عليهم واجمع بينهم في كل خير ، اللهم اجعل أفراحنا موافقة لشرعك، خالية من المنكرات، اللهم أعن الأيامى على الزواج، اللهم أعف شباب المسلمين وأعذهم من الفتن والفواحش ما ظهر منها وما بطن.
ألا وصلوا.
[/font]
المشاهدات 1644 | التعليقات 0