الزواج الناجح (2)

هلال الهاجري
1444/03/09 - 2022/10/05 06:03AM

الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُه ونستغفرهُ ونتوبُ إليه، ونعوذُ باللهِ من شُرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فلا مُضلَّ له، ومن يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا الهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن مُحمداً عبدُه ورسولُه، صلى اللهُ عليه وعلى آلِه وأصحابِه ومن تَبعهم بإحسانٍ وسلمَ تسليماً كَثيراً .. أما بعدُ:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ).

لو تأملنَا في كِتابِ اللهِ تَعالى لَوَجدنَا أنَّ المِيثاقَ الغَليظَ ذُكِرَ ثَلاثَ مَراتٍ، الأولى في قَولِه تَعالى: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا)، فَوَفَّى هَؤلاءِ الأنبياءُ بالمِيثاقِ فَاصبحوا مِن أولي العَزمِ مِن الرُّسلِ، والثَّانيةُ في بَني إسرائيلَ في قَولِه سُبحانَهُ: (وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا)، فَنقضوا المِيثاقَ فكَانَ عَاقِبَتُهم اللَّعنةَ وَقَسوةَ القَلبِ: (فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً)، وأما الثَالثةُ فَهي فِي عَقدِ النِّكاحِ كَما قَالَ عَزَّ وجَلَّ: (وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا)، فَهو مِيثاقٌ غَليظٌ بينَ الرَّجلِ وبينَ المَرأةِ، لَه مَعانٍ جَليلةٌ، ومَقاصدُ نَبيلةٌ، قائمٌ عَلى الصِّدقِ والوَفاءِ والأمانِ، وعَلى العِفَّةِ والمَعروفِ والإحسانِ، فَيَا خَسارةَ مَن نَقضَ المِيثاقَ، وقَطعَ الوَصلَ، وتَسبَّبَ في فَسادِ الأرضِ، (الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ).    

أيُّها الأحبَّةُ .. كُنَّا قَد ذَكرنا في الخُطبةِ السَّابقةِ أُولى خُطواتِ الزَّواجِ النَّاجحِ، وذَلكَ بِحُسنِ اختيارِ الزَّوجِ والزَّوجةِ، ونَظرِ المُخطوبَيْنِ إلى بَعضِهما قَبلَ الزَّواجِ، واليَومَ نَذكرُ مَستَعينينَ باللهِ تَعالى الخُطوةَ الثَّانيةَ.

إنَّ مِن أسبابِ نَجاحِ الزَّواجِ هو تَخفيفَ المُهورِ، وتَيسيرَ تَكاليفِهِ التي تَقطعُ الظُّهورِ، واسألِ اليَومَ أَيَّ شابٍ: لِماذا لا تَبحثُ عَن بنتِ الحَلالِ، سَيُجيبُكَ بِكلِّ أسى: ومن أينَ لي بالمالِ، فمن الأَخطاءِ الشَّائعةِ، اعتقادُ أن كَثرةَ مَهرِ المرأةِ أدعى لمَعرفةِ قِيمتِها والحفاظِ عليها، وأنَّهُ كلما بَذلَ الزَّوجُ أكثرَ مَهراً كلما حَافظَ على زَوجتِه، فنقولُ: نعوذُ باللهِ أن تكونَ بناتُنا سِلَعاً تُباعُ وتُشترى، ولو كانَ الأمرُ كذلك لكانتْ الدُّنيا وما فيها لا تُساوي ظُفْرَ فَلَذةِ الكبدِ وقُرَّةِ العينِ، ولكنَّها سُنَّةَ اللهِ تعالى في الزَّواج، بأن تنتقلَ البِنتُ من أبٍ حَنونٍ يُحبُّها، إلى زَوجٍ صالحٍ يُكرِمُها، وَقَد قالَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: (خَيْرُ الصَّدَاقِ أَيْسَرُهُ).

ولو كَانَ غَلاءُ المُهورِ عَلامةً على كرامةِ المرأةِ وعُلُوِّ مكانَتِها، لكانَ أَغلى المُهورِ هو مَهرَ سيِّدةِ نساءِ أهلِ الجنَّةِ وبنتِ أشرفِ النَّاسِ عليه الصَّلاةُ والسلامُ، فاطمةَ رضيَ اللهُ عنها، فماذا كانَ مَهرُها؟، يَقُولُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَرَدْتُ أَنْ أَخْطُبَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَتَهُ، فَقُلْتُ مَا لِي مِنْ شَيْءٍ فَكَيْفَ، ثُمَّ ذَكَرْتُ صِلَتَهُ وَعَائِدَتَهُ فَخَطَبْتُهَا إِلَيْهِ، فَقَالَ: (هَلْ لَكَ مِنْ شَيْءٍ؟)، قُلْتُ: لَا، قَالَ: (فَأَيْنَ دِرْعُكَ الْحُطَمِيَّةُ الَّتِي أَعْطَيْتُكَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا؟، قَالَ: هِيَ عِنْدِي، قَالَ فَأَعْطِهَا إِيَّاهُ).

هِيَ بِنْتُ مَنْ؟ هِيَ زَوجُ مَنْ؟ هِيَ أُمُّ مَنْ؟ *** مَنْ ذا يُداني في الفَخارِ أَباها

وهل سمِعتُم بأعظمِ مَهرٍ سَجَّلَه التَّاريخُ؟، خَطَبَ أَبُو طَلْحَةَ أُمَّ سُلَيْمٍ، فَقَالَتْ: وَاللَّهِ مَا مِثْلُكَ يَا أَبَا طَلْحَةَ يُرَدُّ، وَلَكِنَّكَ رَجُلٌ كَافِرٌ وَأَنَا امْرَأَةٌ مُسْلِمَةٌ، وَلَا يَحِلُّ لِي أَنْ أَتَزَوَّجَكَ، فَإِنْ تُسْلِمْ فَذَاكَ مَهْرِي، وَمَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ فَأَسْلَمَ فَكَانَ ذَلِكَ مَهْرَهَا، قَالَ ثَابِتٌ: فَمَا سَمِعْتُ بِامْرَأَةٍ قَطُّ كَانَتْ أَكْرَمَ مَهْرًا مِنْ أُمِّ سُلَيْمٍ فِي الْإِسْلَامَ.

أقولُ قولي هذا وأستغفرُ اللهَ العظيمَ الجليلَ، لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ من كلِّ ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفورُ الرحيمُ.

الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ على فضلِه وإحسانِه، أعطى كلَّ شيءٍ خلقَه ثم هدى، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه المصطفى، صلى اللهُ عليه وعلى آلِه وأصحابِه والتَّابعينَ وسلمَ، أما بعد:

وأما ما يَحدثُ في لَيلةِ العُرسِ من المُباهاةِ والإسرافِ في كَثيرٍ مِن الأعراسِ، ومَا قَد يَصاحبُهُ أحياناً مِن المَعَازفِ المُحرَّمةِ، فَهو شَيءٌ لا يُقِرُّهُ عَقلٌ ولا دِينٌ، وإذا كَانَ عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ قَالَ: (‌خَيْرُ ‌النِّكَاحِ ‌أَيْسَرُهُ)، فَيُفهمُ مِنه أنَّ شَرَّ النِّكاحِ أعسَرُهُ، فَمَن أرادَ البَركةَ لِذُريَتِهِ فِي الزَّواجِ، فَعليهِ بِقلَّةِ التَّكاليفِ والمَصَاريفِ، لا لِبُخلٍ وتَقتيرٍ ولَكن لِعَدمِ إسرافٍ وتَبذيرٍ، ولِتَحصيلِ ما وَعدَ بِه صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلمَ: (أَعْظَمُ النِّسَاءِ بَرَكَةً أَيْسَرُهُنَّ مَئُونَةً).

إذ ما الفائدةُ من أن تُزوِّجَ ابنتَك بأعلى المُهورِ، وفي أغلى القُصورِ، ثُمَّ تعيشُ مع زوجِها حياةً تَعيسةً بسببِ الدِّيونِ المُتَراكمةِ، والتي هِيَ مِن أكبرِ أسبابِ المَشاكلِ الأُسريَّةِ، وإحصائياتُ الطَّلاقِ، تَدقُّ جَرسَ الإنذارِ.

فيا أولياءَ أمورِ النِّساءِ، الأمرُ بأيديكم، يَسِّروا المُهورَ على الأزواجِ، وخَفِّفوا الطَّلَباتِ في حَفلِ الزَّواج، واطلبوا البَركةَ والسعادةَ والحياةَ الطَّيِّبةَ لبناتِكم، فإذا اجتمعَ في عُرْسٍ، نَفقَةٌ لا تَقطَعُ الأعناقَ، وزوجٌ ذو دِينٍ وأخلاقٍ، فأبشرْ بسعادةٍ وموَدةٍ وبَركةٍ لِجوهرتِك الغَاليَةِ، عندَ من يقَدِّرُها لتَقديرِك له، ويَرفقُ بها لرفقِك به، ويُكرِمُها لإكرامِك له، فِي حَياةٍ زوجيَّةٍ مُباركةٍ .. ولا زَالَ للحَديثِ عَن الزَّواجِ النَّاجحِ بَقيَّةٌ بإذنِ اللهِ تَعالى.

اللهم حصِّنْ شبابَ المسلمينَ، اللهم حصِّنْ فتيَاتِ المسلمينَ، اللهم يَسِّر لهم الزواجَ وأعنهم على مؤنتِه، واحفظهم من كلِّ فتنةٍ، وثبتْهم على دينِك، اللهم حَبّبْ إليهم الإيمانَ وزيِّنْه في قلوبِهم وكرِّه إليهم الكُفرَ والفُسوقَ والعِصيانَ واجعلهم من الرَّاشدينَ، اللهم جَنبْهم الزِّنا واللِّواطَ والخمرَ والمُخدِّراتِ، اللهم سلِّمهم من العِللِ والأوبِئةِ والآفاتِ، اللهم سلِّمهم من شَرِّ الأشرارِ، آناءِ اللَّيلِ وأَطرافِ النَّهارِ في الإعلانِ والإسرارِ، يا عَزيزُ يا غَفَّارُ، اللهمَّ وفِّقْ إمامَنا ووليَّ أَمرِنا خَادمَ الحرمينِ الشريفينِ لما تحبُّ وتَرضى، اللهمَّ ‌وفِّق ‌وليَ عَهدِهِ لما فِيهِ عِزُّ الإسلامِ وصلاحُ المسلمينَ، أَنتَ وَليُ ذَلكَ والقَادرُ.

المرفقات

1664938976_الزواج الناجح (2).docx

1664938993_الزواج الناجح (2).pdf

المشاهدات 1495 | التعليقات 0