الزلزال الكاذب د. خالد رُوشه

احمد ابوبكر
1437/10/14 - 2016/07/19 10:05AM
[align=justify]في اللحظات العصيبة للأمم يتشبث الناس بقيمهم ومبادئهم الراسخة فيهم , ويعلون من شأن ثوابتهم المتعمقة في قلوبهم ونفوسهم , فترى حقيقة الجميع , وتستطيع أن تصنف صنوف الناس تصنيفا دقيقا , فالشدائد كاشفات , والبلايا منقيات ..



على إنك حتما ستجد من صنوف الناس صنفا خبيث الطباع , حقير المبادىء , خسيس المعدن , قد تملك النفاق من سلوكه , وتملك الشر من قلبه , فإذا به يبحث – في الشدائد – عن مصالحه الخاصة على حساب المصالح العامة , ويجني من أعماله القبيحة ما يضر به مجتمعه وأمته , فلا تمر الشدائد إلا وقد كثر ماله على حساب فقر الناس , وامتلأ بطنه على حساب جوعهم , وزاد ملكه على أجسادهم وجوارحهم , وارتفع في الدنيا على حساب ضررهم وأذاهم ..



إن مثلهم كمثل سارقي القبور , يجدون في الموت غنى , وفي القبر شغلا , وفي الخراب حياة لهم ! .. وياليتهم استفادوا من الموت استفادة حلالا , بل جمعوا بين الخسة والحرمة !



ومهما حدثتك عن أوصافهم فلن أوفيهم حقهم في ذكر المسالب والمناقص , لكن هناك صفة من صفاتهم , يشتهرون بها في الشدائد التي تمر بالأمة والمجتمع , لا تنفك عنهم , ولايستطيعون العيش بدونها في الأزمات , إنها صفة الإرجاف !



هم المرجفون , مدمنوالكذب , وناشرو الإشاعة , وباذرو الفتنة , الذين يخفون أخبار الانتصار , ويبدون أنباء الهزيمة , بل إنهم ليقلبون النصر هزيمة في حس الناس ومعلوماتهم .



إنهم يغيرون الحقائق , فيبثون إشاعات الأمن حين الخطر , وينذرون الناس شرا عندما ينتشر الأمن ..



وساعة يرون الخوف قد انتشر بين اطراف المجتمع , والثقة قد اهتزت في قادته وعلمائه , والعجز والاستسلام قد دب في أوصال الناس , عندها تعمهم الفرحة , وتعتريهم النشوة , فقد حققوا مآربهم , وأنجزوا أدوارهم !



لقد حذرنا الله سبحانه منهم ومن أمثالهم بينما يصف المنافقين وصفاتهم , " وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به " , فهم ينشرون أنباء الأمن والخوف رجاء الفتنة والتأثر السلبي به , فإشاعة الأمن ضارة وقت الشدائد كإذاعة الخوف تماما وربما أكثر , فهي تدفع للكسل والقعود والغفلة والانشغال بغير واجب الوقت , كما أن إشاعة الخوف تنشر الرعب وتضعف الثقة وتدعوا للهزيمة ..



لذلك حذر الله سبحانه من وجودهم بين الصفوف في وقت الشدائد :" لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ "



لقد عانت الأمة كثيرا من هؤلاء المرجفين , إذ أمعنوا في فعلهم الضار الخبيث , وأوغلوا في جسد مجتمعاتهم النصل المسموم , وصار عملهم متسعا كبير الاثر , كثير الأتباع ..



أنشئت وكالات أنباء خاصة على أحدث طراز لا هدف لها سوى الإرجاف ونشر السموم , وأقيمت فضائيات واشتهرت لاهم لها سوى تغيير الحقائق , وتخصص أناس في تخريج أجيال جديدة متخصصة في إلباس ثياب الزور !



حتى إن طالب الحقائق ليجهد حتى يحصلها , والراغب في المعلومات الصادقة لايكاد يجدها بين المتاح الشهير من مؤسساتها !



كما اتسعت دائرة الإرجاف لتجمع بين طياتها نشر الاسرار , والطعن في ثوابت الأمة , والنيل من علمائها ومربيها , وتشويه تاريخها , والتقليل من مقدساتها ..!



الهزيمة النفسية للأمة والمجتمع كانت نصب أعينهم دائما , وكانت هدفا يقاس قياسا دقيقا كل لحظة , لتوأد الهمة , وتنكسر العزيمة الباقية في الأمة , فلا يبقى من ابنائها إلا كل خائر عاجز كسير النفس عديم الأمل !



لست معوذا أن أشير إلى أسماء أو انتماءات أو اتجاهات فيما يخص هذه الحرب المعلوماتية النفسية الواسعة ضد الأمة , فكل من يقوم بشىء من الإرجاف فهو مرجف بقدر ما يقوم به , مهما كان وصفه ومهما كان حاله , إذ إن حالة الأزمة تؤثر فيها الحروف قبل الكلمات , والانطباعات قبل التصريحات , فلا عذر لأحد وقت الشدة أن ينشر سوء أو يقتل أملا , أو يخفي حقا , أو يظهر كذبا , أو يرفع باطلا , أو ينصر ظالما ..



لقد حرص القائد الفذ صلى الله عليه وسلم أن يقضي على شتى معاني الإرجاف في مجتمعه الإيماني القوي في وقت الأزمات .



فأكد على إنهاء اشكال التردد , مهما استقلها الناس , فهو يشاور الناس في أحد ليخرج لعدوه أو يبقى في المدينة , فيشير عليه غالبهم بالخروج , ثم يشعرون أنهم اثقلوا عليه طلبا فى ذلك فجاءوا يتراجعون عن رأيهم كرامة له , لكنه يرفض التردد قائلا لهم " ماكان لنبي إذا لبس لامته للحرب أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه "



ويقضي في نفوسهم على معاني الخوف من الناس , فيأمرهم بالخروج من حمراء الاسد وهم جرحى ومرضى وقد تعرضوا لهزيمة , وقد جاءهم خبر من عدوهم يعدهم باستئصال بقيتهم , فيأمرهم بالخروج قائلا " حسبي الله ونعم الوكيل " ..



ويعلمهم إذا جاءتهم إشاعة الأمن أو الخوف , أن يردوها إليه , ولا ينشرونها بين الناس , فيعلم هو خبرها ومرادها .



إن الإرجاف وظيفة من وظائف النفاق , ليحدث زلزالا كاذبا في صفوف أبناء أمتنا ومجتمعاتنا , وقد كشفهم القرآن وفضحهم في كل وقت وحين , وربط سلوكهم بالمنافقين والذين في قلوبهم مرض , ليعلم دورهم , ولتتبين خبيأتهم , ولتفضح سريرتهم ..


قال سبحانه : " لَئِن لَّمْ يَنتَهِ المُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي المَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلا قَلِيلًا "


[/align]
المشاهدات 553 | التعليقات 0