الزكاة ورمضان-14-9-1438هـ-عنان-الملتقى-بتصرف
محمد بن سامر
1438/09/13 - 2017/06/08 21:41PM
[align=justify]
أما بعد: فلقدِ ارتبطَ شهرُ رمضانَ بإخراجِ الزكاةِ، حيثُ يُخرجُ المسلمونَ فيهِ زكاةَ أموالِهم؛ طلبًا للزيادةِ في الأجرِ، والمضاعفةِ في الحسناتِ، فبهذا الركنِ الإسلاميِ العظيمِ تزكو الأموالُ، وتسمو النفوسُ، ويرتقي المجتمعُ، ويصبحُ كالجسدِ الواحدِ.
واللهُ-عزَّ وجلَّ-قَرنَ الزكاةَ بالصلاةِ في كثيرٍ من الآياتِ فقالَ-تعالى-: "وأقيموا الصلاةَ وآتوا الزكاةَ".
والزكاةُ شِعارُ الأنبياءِ والمرسلينَ-عليهم الصلاةُ والسلامُ-، قالَ-تعالى-عن عيسى-عليه الصلاةُ والسلامُ-: [وأوصاني بالصلاةِ والزكاةِ ما دمتُ حيًا]، وقالَ-تعالى-عن إسماعيلَ-عليه الصلاةُ والسلامُ-: [وكانَ يأمرُ أهلَهُ بالصلاةِ والزكاةِ وكانَ عندَ ربِهِ مرضيًا].
والزكاةُ تُؤدَى للأصنافِ الثمانيةِ المذكورينَ في قولِه-تعالى-: [إنَّما الصدقاتُ للفقراءِ والمساكينِ والعاملينَ عليها والمُؤَلَّفةِ قلوبُهم وفي الرقابِ والغارمينَ وفي سبيلِ اللهِ وابنِ السبيلِ فريضةً مِنَ اللهِ واللهُ عليمٌ حكيمٌ].
قسَّمَ اللهُ-عزَّ وجلَّ- الأرزاقَ والأعمالَ بين الخلائقِ في هذا الكونِ الهائلِ؛ لِيُسَخِّرَ بعضَهم لبعضٍ، في الأعمالِ والحِرف والمهنِ، ولو جعلَ اللهُ الناسَ كلَّهم أغنياءَ لَتَعَطَّلَتْ كثيرٌ من مصالحِهم ومنافعِهم.
ولو أنَّ الأغنياءَ أخرجوا زكاةَ أموالِهم لَقَلَّ الفقراءُ أو لمْ يُوجدوا، لهذا قالَ عليٌ-رضيَ اللهُ عنهُ-: "إذا رأيتَ فقيرًا ... فاعلمْ أنَّ هناك غنيًا لمْ يُؤدِ زكاةَ مالِهِ".
واللهُ-سبحانَهُ وتعالى-أمرَ الأغنياءَ بالتصدقِ على الفقراءِ حتى لا يَحقِدَ الفقراءُ عليهم.
والفقيرُ له فضلٌ على الغنيِ؛ لأنَّهُ لولاه لمَا تصدَّقَ الغنيُ، قالَ أحدُ السلفِ: "لولا الفقيرُ لما تصدَّقَ الغنيُ".
كانتْ أمُنا عائشةُ-رضيَ اللهُ عنها-إذا تصدقتْ تُطَيِّبَ المالَ بالطيبِ وتقولُ: "الصدقةُ تقعُ في يدِ اللهِ قبلِ أنَّ تقعَ في يدِ الفقيرِ".
إنَّ الزكاةَ حينَ أُخْرِجتْ في العصورِ الإسلاميةِ، نجحتْ في محاربةِ الفقرِ، وأقامَتِ التكافلَ الاجتماعيَّ، وزرعتِ الحبَّ بينَ الفقراءِ والأغنياءِ، وقلَّلَتْ كثيرًا من وقوعِ الجرائمِ، وعوَّدتْ المؤمنينَ البذلَ والسخاءَ.
ففي خلافةِ عمرَ بنِ عبدِ العزيزِ-رحمَهُ اللهُ تعالى-كان يُنادَى بالصدقةِ فلا يجدونَ من يقبلُها؛ لأنَّ عمرَ بنَ عبدِ العزيزِ أعطى كلَّ المسلمينَ حقوقَهم فأغناهم، وكانَ يقولُ: "اُنْثُروا القمحَ على رؤوسِ الجبالِ؛ كي لا يُقالَ جاعَ طيرٌ في بلادِ المسلمينَ".
ورأى عمرُ بنُ الخطابِ-رضيَ اللهُ عنه-رجلًا مِنْ أهلِ الذِّمَةِ-من الكفارِ المسالمينِ المعاهَدينَ-يتكففُ الناسَ-يطلبُهم صدقةً-، فقالَ له: "ما أنصفناك!-ظلمانكَ-؛ أنْ كنا قدْ أخذنا منك الجِزْيَةَ في شبابِك، وأضعناك في شيبتِك"، ثم أمرَ له برزقٍ-راتبٍ-دائمٍ.
إذا انتشرَ الفقرُ في المجتمعاتِ فإنَّ وقوعَ الجرائمِ يكثرُ، فالزانيةُ والقاتلُ والسارقُ وقعوا في الجريمةِ-في الغالبِ-من أجلِ المالِ.
طلبتِ امرأةٌ فقيرةٌ مالًا من رجلٍ غنيٍ، فرفضَ أن يعطيَها حتى يزنيَ بها، فوافقتْ-بعدَ ترددٍ-لفقرِها وحاجتِها، فلما خلا بها قالتْ له: "إني لمْ أزنِ في حياتي قطُ، فلا تفضحْني ولا تُطلعْ علينا أحدًا، فقالَ لها: "لمْ أتركْ بابًا إلا وقدْ أغلقْتُهُ"، فقالتْ لهُ: "ولكنْ بقيَ بابٌ لمْ تُغْلِقْهُ"، فقالَ لها: "أيُ بابٍ؟" فقالتْ: "البابُ الذي بينَنا وبينَ اللهِ"، فأعطاها المالَ وقامَ وتركَها، فما الذي جعلَ هذا المرأة تنجرُ للزنا مُكْرَهَةً؟ إِنَّهُ الفقرُ.
قالَ رسولُ اللهِ-صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلمَّ-: "قالَ رجلٌ من بني إسرائيلَ: لأتصدقنَّ الليلةَ بصدقةٍ، فخرجَ فوجدَ امرأةً، فأعطاها الصدقةَ، فأصبحَ الناسُ يتحدثونَ: تُصُدِقَ الليلةَ على زانيةٍ، فقالَ: الحمدِ للهِ على زانيةٍ، لأتصدقنَّ الليلةَ بصدقةٍ، فخرجَ فوجدَ رجلًا فأعطاه الصدقةَ، فأصبحَ الناسُ يتحدثونَ: تُصُدِقَ الليلةَ على سارقٍ، فقالَ: الحمدُ للهِ على سارقٍ، لأتصدقنَّ الليلةَ بصدقةٍ، فخرجَ فوجدَ رجلًا فأعطاه الصدقةَ، فأصبحَ الناسُ يتحدثونَ: تُصُدِقَ الليلةَ على غنيٍ فقالَ: الحمدُ للهِ على غنيٍ، فجاءه مَلَكٌ على صورةِ رجلٍ فقالَ لهُ: أما صدقتُك فقدْ قُبلتْ؛ أما الزانيةُ فلعلَّها تَستعفُ، وأما السارقُ فلعلَّه يتوبُ، وأما الغنيُّ فلعلَّه يتصدقُ...".
قالَ ابنُ حزمٍ-رحمَه اللهُ-: "وفي هذا الحديثِ بيانُ جوازِ الصدقةِ على الغنيِ والفقيرِ والصالحِ والطالحِ".
الذين يكنزونَ أموالَهم ولا يُنفقونَها في سبيلِ اللهِ توعدَّهم اللهُ-تعالى-بعذابٍ أليمٍ فقالَ: [والذينَ يكنزونَ الذهبَ والفضةَ ولا يُنفقونَها في سبيلِ اللهِ فبشرْهُم بعذابٍ أليمٍ*يومَ يُحمَى عليها في نارِ جهنَّم فتُكوى بها جِباهُم وجنوبُهم وظهورُهم هذا ما كَنَزْتم لأنفسِكم فذوقوا ما كنتم تكنزونَ]، وقالَ رسولُ اللهِ-صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلمَ-: "ما مِنْ صاحبِ ذهبٍ ولا فضةٍ لا يؤدي منها حقَّها، إلا إذا كانَ يومُ القيامةِ صُفِّحتْ له صفائحُ من نارٍ، فَأُحْمِيَ عليها في نارِ جهنمَ، فيُكوى بها جنبُهُ وجبينُهُ وظهرُهُ، كلما بَرَدَت أُعيدتْ له، في يومٍ كانَ مقدارُه خمسينَ ألفَ سنةٍ، حتى يُقضَى بين العبادِ، ثم يُرَى سبيلَه إِما إلى الجنةِ وإِما إلى النَّارِ"، وقالَ عمرُ-رضيَ اللهُ عنه-: "أيُّما مالٍ لم تُؤَدَّ زكاتُه، فهو كنزٌ يُعذَّبُ به صاحبُه يومَ القيامةِ".
ومِنْ أسبابِ منعِ الزكاةِ: حُبُّ المالِ، وطولُ الأملِ-أنْ يأمَلَ الإنسانُ أن يعيشَ حياةً طويلةً-، قالَ رسولُ اللهِ-صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلمَ-: "يهرُم ابنُ آدمَ على حُبِّ اثنتينِ: حُبِّ المالِ وطولِ الأملِ".
وطولُ الأملِ مذمومٌ؛ لأنَّهُ يُنسي الآخرةَ، ويُقَسِّي القلبَ، وكثيرُ من الناسِ إذا ظنَّ أنَّ أملَّه طويلٌ فإنَّه يكونُ مانعًا للخيرِ، قالَ عليٌ-رضيَ اللهُ عنهُ-: "إنَّ أخوفَ ما أخافَ عليكم اتباعُ الهوى وطولُ الأملِ، لأنَّ اتباعَ الهوى يَصُدُ عن سبيلِ اللهِ، وطولَ الأملِ يُنسي الآخرةَ"، وقالَ رسولُ اللهِ-صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلمَ-: "كنْ في الدنيا كأنَّك غريبٌ أو عابرُ سبيلٍ"، وكانَ ابنُ عمرُ-رضي اللهُ عنهما-يقولُ: "إذا أصبحتَ فلا تنتظرِ المساءَ، وإذا أمسيتَ فلا تنتظرِ الصباحَ، وخذْ من صحتِك لمرضِك، ومن حياتِك لموتِك".
قالَ أهلُ العلمِ: "في الصدقةِ عشرُ خِصالٍ محمودةٌ، خمسٌ في الدنيا وخمسٌ في الآخرةِ، أما التي في الدنيا: فتطهيرُ البدنِ، وتطهيرُ المالِ، ودفعُ البلايا والأمراضِ، وإدخالُ السرورِ على المساكينِ، وحصولُ بركةِ المالِ، وأما التي في الآخرة: فخِفَّةُ الحسابِ، وثِقَلُ الميزانِ، والجوازُ على الصراطِ، ورفعُ الدرجاتِ في الجنةِ، والظلُ يومَ القيامةِ"، أستغفر الله...
أما بعدُ: فرمضانُ يمرُ سريعًا، قدِ اقتربَ نصفُه، فالعاقلُ من اغتنمَ بالخيرِ الأوقاتَ، والغافلُ منِ اشتغل بالملهياتِ أو المحرماتِ، قالَ الحسنُ البَصريُّ-رحمَهُ اللهُ-: "إنَّ اللهَ جعلَ شهرَ رمضانَ مضمارًا لخلقِهِ، يستبقون فيه بطاعتِهِ إلى مرضاتِهِ، فسبقَ قومٌ ففازوا، وتخلفَّ آخرون فخابُوا".
وقدِ ارتقى النبيُّ-صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلمَ-المنبرَ فلما رقى درجةً قالَ: "آمينَ"، فلما سُئِلَ عن ذلك قالَ: "جاءني جبريلُ-عليه السلامُ-فقالَ: "شقيَ عبدٌ أدركَ رمضانَ فانسلخَ منهُ ولم يُغفرْ له، فقلْ: آمينَ، فقلتُ: آمينَ".
إخواني: اغتنموا رمضانَ بالدعاءِ لأنفسِكم وإخوانِكم المسلمينَ، لعلَّ اللهَ يُفرجُ عنكم وعنهم الهمومَ والكُرُباتِ، قالَ رسولُ اللهِ-صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلمَ-: "للصائمِ عند فطرِه دعوةٌ مستجابةٌ".
فالدعاءُ سلاحُ مَنْ لا سلاحَ له، مِنَ المظلومينَ والضعفاءِ والعاجزينَ، إذا انقطعتْ بِهِمُ الأسبابُ، وأُغلقتْ في وجوهِهِمُ الأبوابُ.
[/align]
أما بعد: فلقدِ ارتبطَ شهرُ رمضانَ بإخراجِ الزكاةِ، حيثُ يُخرجُ المسلمونَ فيهِ زكاةَ أموالِهم؛ طلبًا للزيادةِ في الأجرِ، والمضاعفةِ في الحسناتِ، فبهذا الركنِ الإسلاميِ العظيمِ تزكو الأموالُ، وتسمو النفوسُ، ويرتقي المجتمعُ، ويصبحُ كالجسدِ الواحدِ.
واللهُ-عزَّ وجلَّ-قَرنَ الزكاةَ بالصلاةِ في كثيرٍ من الآياتِ فقالَ-تعالى-: "وأقيموا الصلاةَ وآتوا الزكاةَ".
والزكاةُ شِعارُ الأنبياءِ والمرسلينَ-عليهم الصلاةُ والسلامُ-، قالَ-تعالى-عن عيسى-عليه الصلاةُ والسلامُ-: [وأوصاني بالصلاةِ والزكاةِ ما دمتُ حيًا]، وقالَ-تعالى-عن إسماعيلَ-عليه الصلاةُ والسلامُ-: [وكانَ يأمرُ أهلَهُ بالصلاةِ والزكاةِ وكانَ عندَ ربِهِ مرضيًا].
والزكاةُ تُؤدَى للأصنافِ الثمانيةِ المذكورينَ في قولِه-تعالى-: [إنَّما الصدقاتُ للفقراءِ والمساكينِ والعاملينَ عليها والمُؤَلَّفةِ قلوبُهم وفي الرقابِ والغارمينَ وفي سبيلِ اللهِ وابنِ السبيلِ فريضةً مِنَ اللهِ واللهُ عليمٌ حكيمٌ].
قسَّمَ اللهُ-عزَّ وجلَّ- الأرزاقَ والأعمالَ بين الخلائقِ في هذا الكونِ الهائلِ؛ لِيُسَخِّرَ بعضَهم لبعضٍ، في الأعمالِ والحِرف والمهنِ، ولو جعلَ اللهُ الناسَ كلَّهم أغنياءَ لَتَعَطَّلَتْ كثيرٌ من مصالحِهم ومنافعِهم.
ولو أنَّ الأغنياءَ أخرجوا زكاةَ أموالِهم لَقَلَّ الفقراءُ أو لمْ يُوجدوا، لهذا قالَ عليٌ-رضيَ اللهُ عنهُ-: "إذا رأيتَ فقيرًا ... فاعلمْ أنَّ هناك غنيًا لمْ يُؤدِ زكاةَ مالِهِ".
واللهُ-سبحانَهُ وتعالى-أمرَ الأغنياءَ بالتصدقِ على الفقراءِ حتى لا يَحقِدَ الفقراءُ عليهم.
والفقيرُ له فضلٌ على الغنيِ؛ لأنَّهُ لولاه لمَا تصدَّقَ الغنيُ، قالَ أحدُ السلفِ: "لولا الفقيرُ لما تصدَّقَ الغنيُ".
كانتْ أمُنا عائشةُ-رضيَ اللهُ عنها-إذا تصدقتْ تُطَيِّبَ المالَ بالطيبِ وتقولُ: "الصدقةُ تقعُ في يدِ اللهِ قبلِ أنَّ تقعَ في يدِ الفقيرِ".
إنَّ الزكاةَ حينَ أُخْرِجتْ في العصورِ الإسلاميةِ، نجحتْ في محاربةِ الفقرِ، وأقامَتِ التكافلَ الاجتماعيَّ، وزرعتِ الحبَّ بينَ الفقراءِ والأغنياءِ، وقلَّلَتْ كثيرًا من وقوعِ الجرائمِ، وعوَّدتْ المؤمنينَ البذلَ والسخاءَ.
ففي خلافةِ عمرَ بنِ عبدِ العزيزِ-رحمَهُ اللهُ تعالى-كان يُنادَى بالصدقةِ فلا يجدونَ من يقبلُها؛ لأنَّ عمرَ بنَ عبدِ العزيزِ أعطى كلَّ المسلمينَ حقوقَهم فأغناهم، وكانَ يقولُ: "اُنْثُروا القمحَ على رؤوسِ الجبالِ؛ كي لا يُقالَ جاعَ طيرٌ في بلادِ المسلمينَ".
ورأى عمرُ بنُ الخطابِ-رضيَ اللهُ عنه-رجلًا مِنْ أهلِ الذِّمَةِ-من الكفارِ المسالمينِ المعاهَدينَ-يتكففُ الناسَ-يطلبُهم صدقةً-، فقالَ له: "ما أنصفناك!-ظلمانكَ-؛ أنْ كنا قدْ أخذنا منك الجِزْيَةَ في شبابِك، وأضعناك في شيبتِك"، ثم أمرَ له برزقٍ-راتبٍ-دائمٍ.
إذا انتشرَ الفقرُ في المجتمعاتِ فإنَّ وقوعَ الجرائمِ يكثرُ، فالزانيةُ والقاتلُ والسارقُ وقعوا في الجريمةِ-في الغالبِ-من أجلِ المالِ.
طلبتِ امرأةٌ فقيرةٌ مالًا من رجلٍ غنيٍ، فرفضَ أن يعطيَها حتى يزنيَ بها، فوافقتْ-بعدَ ترددٍ-لفقرِها وحاجتِها، فلما خلا بها قالتْ له: "إني لمْ أزنِ في حياتي قطُ، فلا تفضحْني ولا تُطلعْ علينا أحدًا، فقالَ لها: "لمْ أتركْ بابًا إلا وقدْ أغلقْتُهُ"، فقالتْ لهُ: "ولكنْ بقيَ بابٌ لمْ تُغْلِقْهُ"، فقالَ لها: "أيُ بابٍ؟" فقالتْ: "البابُ الذي بينَنا وبينَ اللهِ"، فأعطاها المالَ وقامَ وتركَها، فما الذي جعلَ هذا المرأة تنجرُ للزنا مُكْرَهَةً؟ إِنَّهُ الفقرُ.
قالَ رسولُ اللهِ-صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلمَّ-: "قالَ رجلٌ من بني إسرائيلَ: لأتصدقنَّ الليلةَ بصدقةٍ، فخرجَ فوجدَ امرأةً، فأعطاها الصدقةَ، فأصبحَ الناسُ يتحدثونَ: تُصُدِقَ الليلةَ على زانيةٍ، فقالَ: الحمدِ للهِ على زانيةٍ، لأتصدقنَّ الليلةَ بصدقةٍ، فخرجَ فوجدَ رجلًا فأعطاه الصدقةَ، فأصبحَ الناسُ يتحدثونَ: تُصُدِقَ الليلةَ على سارقٍ، فقالَ: الحمدُ للهِ على سارقٍ، لأتصدقنَّ الليلةَ بصدقةٍ، فخرجَ فوجدَ رجلًا فأعطاه الصدقةَ، فأصبحَ الناسُ يتحدثونَ: تُصُدِقَ الليلةَ على غنيٍ فقالَ: الحمدُ للهِ على غنيٍ، فجاءه مَلَكٌ على صورةِ رجلٍ فقالَ لهُ: أما صدقتُك فقدْ قُبلتْ؛ أما الزانيةُ فلعلَّها تَستعفُ، وأما السارقُ فلعلَّه يتوبُ، وأما الغنيُّ فلعلَّه يتصدقُ...".
قالَ ابنُ حزمٍ-رحمَه اللهُ-: "وفي هذا الحديثِ بيانُ جوازِ الصدقةِ على الغنيِ والفقيرِ والصالحِ والطالحِ".
الذين يكنزونَ أموالَهم ولا يُنفقونَها في سبيلِ اللهِ توعدَّهم اللهُ-تعالى-بعذابٍ أليمٍ فقالَ: [والذينَ يكنزونَ الذهبَ والفضةَ ولا يُنفقونَها في سبيلِ اللهِ فبشرْهُم بعذابٍ أليمٍ*يومَ يُحمَى عليها في نارِ جهنَّم فتُكوى بها جِباهُم وجنوبُهم وظهورُهم هذا ما كَنَزْتم لأنفسِكم فذوقوا ما كنتم تكنزونَ]، وقالَ رسولُ اللهِ-صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلمَ-: "ما مِنْ صاحبِ ذهبٍ ولا فضةٍ لا يؤدي منها حقَّها، إلا إذا كانَ يومُ القيامةِ صُفِّحتْ له صفائحُ من نارٍ، فَأُحْمِيَ عليها في نارِ جهنمَ، فيُكوى بها جنبُهُ وجبينُهُ وظهرُهُ، كلما بَرَدَت أُعيدتْ له، في يومٍ كانَ مقدارُه خمسينَ ألفَ سنةٍ، حتى يُقضَى بين العبادِ، ثم يُرَى سبيلَه إِما إلى الجنةِ وإِما إلى النَّارِ"، وقالَ عمرُ-رضيَ اللهُ عنه-: "أيُّما مالٍ لم تُؤَدَّ زكاتُه، فهو كنزٌ يُعذَّبُ به صاحبُه يومَ القيامةِ".
ومِنْ أسبابِ منعِ الزكاةِ: حُبُّ المالِ، وطولُ الأملِ-أنْ يأمَلَ الإنسانُ أن يعيشَ حياةً طويلةً-، قالَ رسولُ اللهِ-صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلمَ-: "يهرُم ابنُ آدمَ على حُبِّ اثنتينِ: حُبِّ المالِ وطولِ الأملِ".
وطولُ الأملِ مذمومٌ؛ لأنَّهُ يُنسي الآخرةَ، ويُقَسِّي القلبَ، وكثيرُ من الناسِ إذا ظنَّ أنَّ أملَّه طويلٌ فإنَّه يكونُ مانعًا للخيرِ، قالَ عليٌ-رضيَ اللهُ عنهُ-: "إنَّ أخوفَ ما أخافَ عليكم اتباعُ الهوى وطولُ الأملِ، لأنَّ اتباعَ الهوى يَصُدُ عن سبيلِ اللهِ، وطولَ الأملِ يُنسي الآخرةَ"، وقالَ رسولُ اللهِ-صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلمَ-: "كنْ في الدنيا كأنَّك غريبٌ أو عابرُ سبيلٍ"، وكانَ ابنُ عمرُ-رضي اللهُ عنهما-يقولُ: "إذا أصبحتَ فلا تنتظرِ المساءَ، وإذا أمسيتَ فلا تنتظرِ الصباحَ، وخذْ من صحتِك لمرضِك، ومن حياتِك لموتِك".
قالَ أهلُ العلمِ: "في الصدقةِ عشرُ خِصالٍ محمودةٌ، خمسٌ في الدنيا وخمسٌ في الآخرةِ، أما التي في الدنيا: فتطهيرُ البدنِ، وتطهيرُ المالِ، ودفعُ البلايا والأمراضِ، وإدخالُ السرورِ على المساكينِ، وحصولُ بركةِ المالِ، وأما التي في الآخرة: فخِفَّةُ الحسابِ، وثِقَلُ الميزانِ، والجوازُ على الصراطِ، ورفعُ الدرجاتِ في الجنةِ، والظلُ يومَ القيامةِ"، أستغفر الله...
الخطبة الثانية
وقدِ ارتقى النبيُّ-صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلمَ-المنبرَ فلما رقى درجةً قالَ: "آمينَ"، فلما سُئِلَ عن ذلك قالَ: "جاءني جبريلُ-عليه السلامُ-فقالَ: "شقيَ عبدٌ أدركَ رمضانَ فانسلخَ منهُ ولم يُغفرْ له، فقلْ: آمينَ، فقلتُ: آمينَ".
إخواني: اغتنموا رمضانَ بالدعاءِ لأنفسِكم وإخوانِكم المسلمينَ، لعلَّ اللهَ يُفرجُ عنكم وعنهم الهمومَ والكُرُباتِ، قالَ رسولُ اللهِ-صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلمَ-: "للصائمِ عند فطرِه دعوةٌ مستجابةٌ".
فالدعاءُ سلاحُ مَنْ لا سلاحَ له، مِنَ المظلومينَ والضعفاءِ والعاجزينَ، إذا انقطعتْ بِهِمُ الأسبابُ، وأُغلقتْ في وجوهِهِمُ الأبوابُ.
أتهزأ بالدعــــــــاءِ وتَزْدَرِيهِ*وما تدري بما صنعَ الدعاءُ
سهامُ الليلِ لا تُخطي ولكنْ*لها أمدٌ وللأمدِ انقضاءُ
سهامُ الليلِ لا تُخطي ولكنْ*لها أمدٌ وللأمدِ انقضاءُ
المرفقات
الزكاة ورمضان-14-9-1438هـ-عنان-الملتقى-بتصرف.docx
الزكاة ورمضان-14-9-1438هـ-عنان-الملتقى-بتصرف.docx
الزكاة ورمضان-14-9-1438هـ-عنان-الملتقى-بتصرف.pdf
الزكاة ورمضان-14-9-1438هـ-عنان-الملتقى-بتصرف.pdf