الزَّكَاةُ طُهْرَةٌ لِلْمَالِ وَزَكَاةٌ لِلنَّفْسِ 9 محرم 1434هـ

الغزالي الغزالي
1434/01/08 - 2012/11/22 19:54PM
ركن الزَّكَاة 9 محرم 1434هـ / 23-11-2012
الْحَمْدُ للهِ الذِي فَرَضَ الزَّكَاةَ تَزْكَيَةً لِلنُّفُوسِ وَتَنْمِيَةً لِلأَمْوَال، وَرَتَّبَ عَلَى الإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِهِ خَلَفَاً عَاجِلاً في الحال، وَثَوَابَاً جَزِيلاً فِي الْمَآل، ونشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهَ لا شَرِيكَ لَهُ الْمَلِكُ الْكَبِيرُ الْمُتَعَال، وَنَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الذِي حَازَ أَكْمَلَ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ وَأَجّلَّ الْخِصَال، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَ على رسل الله وأنبيائه، وَسَلّم تَسْلِيمَاً كثيرا إلى آخر الأجال.. أَمَّا بَعْدُ فَيَا أَيُّهَا النَّاسُ: اتَّقُوا اللهَ تَعَالَى الذي أوجدكم، وَأَدُّوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ، فَإِنَّ الزَّكًاةَ قَرِينَةُ الصَّلاةِ فِي كِتَابِ اللهِ تعالى، مَنْ جَحَدَ وَجُوبَهَا كَفرْ، وَمَنْ مَنَعَهَا بُخْلاً وَتَهَاوُنَاً فَسَقْ، وَمَنْ أَدَّاهَا مُعْتَقِدَاً وَجُوبَهَا، رَاجِيَاً ثَوَابَهَا، فَلْيَبْشِرْ بَالْخَلَفِ الْعَاجِلِ وَالْبَرَكَةِ والْخَيْرِ الْكَثِيرِ، منقطع النظير، قَالَ العليم الخبير: (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ، وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) وَقَالَ: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ، فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ، وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ، وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ). وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَعْتَقِدُ أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ النُّصُوصِ إِنَّمَا هِيَ فِي الصَّدَقَةِ الْعَامَّةِ التَّطَوُّعِيَّةِ , وَأَمَّا الزَّكَاةُ فَلا تَدْخُلُ فِيهَا! وَهَذَا غير صحيح, لأَنَّ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ، وَالنَّفَقَاتِ الْوَاجِبَةَ، تَدْخُلُ فِيهَا دُخُولاً أَوَلَيَّاً, فإنَّ أَحَبَّ الْقُرُبَاتِ إِلَى اللهِ هِيَ الْعِبَادَاتُ الْمَفْرُوضَةُ ! وَالزَّكَاةُ فَرْضٌ مِنْ فَرَائِضِ الإِسْلامِ . أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: أَدُّوا الزَّكَاةَ قَبْلَ أَنْ تَفْقِدُوا الْمَالَ مُرْتَحِلِينَ عَنْهُ، أَوْ مُرْتَحِلاً عَنْكُمْ، فَإِنَّمَا أَنْتُمْ فِي الدُّنيَا غُرَبَاءُ مُسَافِرُونَ، وَالْمَالُ وَدِيعَةٌ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ لا تَدْرُونَ مَتَى تُعْدَمُونَهُ! أَدَّوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ الْيَوْمُ الذِي يُحْمَي عَلَيْهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فُتُكْوَى بِهِ الْجِبَاهُ وَالْجُنوبُ وَالظُّهُور! قَبْلَ أَنْ يُمَثَّلَ الْمَالُ لِصَاحِبِهِ شُجَاعَاً أَقْرَعَ، فَيَأْخُذَ بِشِدْقَيْهِ، وَيَقُولُ: أَنَا مَالُكَ، أَنَا كَنْزُكَ !عباد الله: إِنَّ الزَّكَاةَ عِبَادَةٌ كريمَةٌ، وَقُرْبَةٌ كَبِيرَةٌ عَظِيمَةٌ، كَيْفَ لا؟ وَهِيَ الرُّكْنُ الثَّالِثُ مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلامِ، وَمَبَانِيهِ الْعِظَام؟ وَلذَا فَاسْتَشْعِرْ هَذَا- يَا أَيها المبارك- حِينَ تُخْرِجُ زَكَاةَ مَالِكَ، وَاحْذَرْ أَنْ تَفْعَلْ كَمَا يَفْعَلُ الْبُخُلاءُ حَيْثُ يُخْرُجُ الْبَعْضُ زَكَاةَ مَالِهِ وَهُوَ يَرَى أَنَّهَا غِلٌّ عَلَيْهِ، وَحِمْلٌ ثَقِيلٌ لَدَيْه! فَهَذَا وَأَمْثَالُهُ قَدْ حُرِمُوا الْخَيْرَ وَاسْتَوْلَى عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ! إِنَّكَ حِينَ تُخْرِجُ زَكَاةَ مَالِكَ يَنْبَغِي أَنْ تَفْرَحَ، وَأَنْت تُعْطِيَهَا الْفُقَرَاءَ، وَتَعْلَمَ أَنَّكَ تَتَعَبَّدُ للهِ بِهَذَا وَتُؤَدِّيَ رُكْنَاً مِنْ أَرْكَانِ دِينِكَ، وَتُزَكِّيَ نَفْسَكَ مِنَ الْبُخْلِ، وَتَطَهِّرَهَا مِنَ الشُّحِّ وَالذُّنُوبِ، قَالَ تَعَالَى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا). وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ  عَنْ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ: (مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلا رَفَعَهُ اللَّهُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ. أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: احْذَرُوا كُلَّ الْحَذَرِ، وَخَافُوا كُلَّ الْخَوْفِ، أَنْ تَتَهَاوَنُوا فِي إِخْرَاجِ زَكَاةِ أَمْوَالِكُمْ ! فَإِنَّ التَّكَاسُلَ عَنْ إِخْرَاجِ زَكَاةِ الْمَالِ كَبِيرَةٌ مِنَ الْكَبَائِرِ، وَمُوبِقَةٌ مِنَ الْمُوبِقَاتِ! قَالَ تَعَالَى: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ، يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ، هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ). وَالْكَنْزُ: هُوَ كُلُّ مَالٍ لَمْ تُؤَدَّ زَكَاتُهُ ! وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: (مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلا فِضَّةٍ لا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا، إِلا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ، فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ، كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ، فَيَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ..) رَوَاهُ مُسْلِمٌ . وَعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ:«مَنْ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ، مُثِّلَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعاً أَقْرَعَ لَهُ زَبِيبَتَانِ، يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ يَأْخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ - يَعْنِى شِدْقَيْهِ - ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا مَالُكَ، أَنَا كَنْزُكَ، ثُمَّ تَلاَ هَذِهِ الآيَةَ: (لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ، بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ، سَيُطَوَّقُونُ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ. أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ الأَمْوَالَ التِي تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ وَهِيَ: الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ، وَالْخَارِجُ مِنَ الأَرْضِ، وَبَهِيمَةُ الأَنْعَامِ وَعُرُوضُ التِّجَارَةِ! وَمَا سِوَاهَا مِنَ الأمْوالِ فَلا زَكَاةَ فِيهَا! وَلَكِنْ اعْلَمُوا أَنَّهُ لا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي هَذِهِ الأَمْوَالِ حَتَّى تَبْلُغَ النِّصَابَ، وَيَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ، أَيْ تَبْقَى سَنَةً كَامِلَةً فِي مُلْكِكَ! وإنّما اشترط الحول؛ لأنّ المرء قد تكون في عنقِه واجباتٌ: كأن ينفق على نفسه وأهله، فإذا مرّ العام ولم يبقَ له نصاب لم تجب عليه الزّكاة، و إن بقِي لديه نصابٌ أو ازداد مالُه نموّا، دلّ ذلك على أنّه مكفِيّ ولله الحمد، فحينئذ يُخرج زكاة ماله. وَاعْلَمُوا أَنَّ الأوراق المالية، والقطع المعدنية، والعملات الأجنبية، كلها تَأْخُذُ حُكْمَ الذَّهَبِ وَالفِضْةِ، سَوَاءً أَكَانَتْ مُودَعَةً فِي حِسَابِكَ، أَمْ أَنَّهَا عِنْدَكَ فِي بَيْتِك، فِإِذَا حَالَ عَلَيْهَا الحَوْلُ وَقَدْ بَلَغَتْ نِصَاباً وَجَبَتْ زَكَاتُهَا ! وَأَمَّا الْخَارِجُ مِنَ الأَرْضِ فَهِيَ الْحُبُوبُ وَالثِّمَارُ، فَالْحُبُوبُ كَالْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ، وَأَمَّا الثِّمَارُ فَكَالتَّمْرِ وَالْزَّبِيْب ! وَأَمَّا بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ فَهِيَ الإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ. وَأَمَّا عُرُوضُ التِّجَارَةِ فَهِيَ كُلُّ مَالٍ أُعِدَّ لِلتِّجَارَةِ وَالتَّكَسُّبِ، سَوَاءً أَكَانَ مَوَادَّاً غِذَائِيِّةً أَوْ مَوَاد بناء، أَوْ مَلابِسَ أَوْ خضر وفواكه، أَوْحَيَوَانَاتٍ، أَوْ غَيْرَهَا مِمَّا اسْتَحْدَثَهُ النَّاسُ اليَوْمَ كَالأسْهُمِ التِّجَارِيَة ! وَعُرُوضُ التِّجَارَةِ تُقَوَّمُ فِي آخِرِ الْحَوْلِ وَتُخْرَجُ زَكَاةُ الْقِيمَةُ الْحَاضِرَةُ، وَلا يُنْظَرُ إِلى مَا اشْتَرَاهَا بِهِ, بَلْ بِسِعْرَهَا الْيَوْم ! وَعَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يلتزم بتقوى الله، ويعتصم بطاعته، وَيَسْتَقْصِيَ فِي إْحْصَاءِ بِضَاعَتِهِ التِي أَعَدَّهَا لِلتَّكَسُّبِ وَلا يُهْمِلْ مَنْهَا شَيْئَاً، فَإِنْ كَانَ لا يَقْدِرُ فَلْيَنْظُرْ مَنْ يُحْصِيهَا له وَلَوْ كَانَ بِالأُجْرَةِ! فَإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَهَاوَنُ فِي شَأْنِ زَكَاةِ عُرُوضِ التِّجَارَةِ فَلا يَحْسِبُهَا عَلَى وَجْهِ الدِّقَّةِ، بَلْ رُبَّمَا قَدَّرَ تَقْدَيرَا، وَأَسْوَأُ مِنْ ذَلِكَ مَنْ لا يُخْرِجُ زَكَاةَ تِجَارَتِهِ بِالْمَرَّةِ، خَاصَّةً بَعْضُ أُولَئِكَ التُّجَّارِ الذِينَ بَلَغَتْ رُؤُوسُ أَمْوَالِهِمُ الْمَلايِير، فَإذَا نَظَرَ فِي زَكَاةِ مَالِهِ فَإِذَا هِيَ تَبْلُغُ الْمَلايِين، استثقل ذَلِكَ وَبخل بِهِ، وَهَذَا سلوك خَطِير، وإثمه كَبِيرٌ! أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اعْلَمُوا أَنَّ أَهْلَ الزَّكَاةِ الذِينَ تُدْفَعُ لَهُمْ، قَدْ بَيَّنَهُمُ اللهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ بَيَانَاً وَاضِحَاً مُفَصَّلاً، قَالَ جل وعَلا: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ، وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ، وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ، فَرِيضَةً مِّنَ اللَّه،ِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ). فَلا تُجْزِئُ زَكَاتُكَ حَتَّى يَكُونَ الآخِذُ لَهَا مِنْ هَذِهِ الأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ ! ثُمْ أَخْرِجْ زَكَاتَكَ طَيَّبَةً بِهَا نَفْسُكَ، مُحْتَسِبَاً الأَجْرَ عِنْدَ رَبِّكَ، بِاشَّاً فِي وَجْهِ الْفَقِيرِ حِينَ تُعْطِيهِ، وَأَنْتَ تَرَى أَنَّكَ تَتَعَبَّدُ للهِ بِهَذَا الإِخْرَاج، وَأَنَّكَ بِذَلِكَ تُرْضِي رَبَّكَ، وَتُزَكِّي نَفْسَكَ، وَتُطَهِّرُ مَالَكَ، بَلْ وَتَحْفَظُهُ وَتُنَمِّيه ! وفقني الله وإياكم لأداء ما يجب علينا من مال وعمل، على الوجه الذي يرضاه بدون عجز ولا كسل، وزادنا من فضله ما نزداد به قربة إلى ربنا، ورفعة في درجاتنا، إنه جواد كريم، رؤوف رحيم. (آمين) وَأقُولُ قَوْلي هَذَا..

الحمدُ لله الذي قوّى أواصرَ الأخوَّة بالحثِّ على البذلِ والصّدقة، نحمده سبحانه ونشكره ونسأله التوفيقَ والبرَكة، ونشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، جعل عدمَ الإنفاقَ سبيلَ الهلَكة، ونشهد أنّ سيِّدنا ونبيَّنا محمّدًا عبده ورسوله القائل: ( أنفِق ـ يا بلال ـ ولا تخش من ذي العرش إقلالا)، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبِه، وعلى أنبياء الله ورسله، صلاةً دائمة مقرونة حبًّا وإجلالا، وسلّم تسليمًا كثيرًا متواصلا.. أَمَّا بَعْدُ عباد الله: يقول ربنا عز وجل: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ}. إن من أعظم الفتن التي يبتلي الله بها عباده هي فتنة المال، فكم فُتن بها من إنسان؟ وكم تغير بها حال الفقير بعد أن كان طائعاً لله، فلما رزقه الله تعالى مالاً أصبح لا يبالي بالطاعة ولا برضا الله، وأصبح حاله كحال قارون- سيئ الذكر- لما قال عن المال الذي جاء إليه، ونسي فضل الله عليه: {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي، أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا، وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ}. بل ذكر الله سبحانه أن المال من الأشياء التي تلهي الإنسان عن ذكر الله وعبادته فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}. لذلك أمر بعد هذه الآية بطريقة للنجاة من فتنة المال والخلاص منها، ألا وهي بذله في سبيل الله تعالى، والإنفاق والتصدق على الفقراء، وأداء الزكاة الواجبة فيه، فقال تعالى: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ، فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ، فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ}. فالذي يكدس المال ولا ينفق شيئا منه في سبيل الله تعالى، سيأتي يوم القيامة ورصيده من الحسنات قليل، فعن أَبِي ذَرٍّ قال: (كنت مع النَّبِيَّ فلما أَبْصَرَ أُحُدًا –الجبل- قال:«مَا أُحِبُّ أَنَّهُ يُحَوَّلُ لِى ذَهَبًا يَمْكُثُ عِنْدِى مِنْهُ دِينَارٌ فَوْقَ ثَلاَثٍ، إِلاَّ دِينَارًا أُرْصِدُهُ لِدَيْنٍ»،-أي: إلا لضرورة- ثُمَّ قَالَ« إِنَّ الأَكْثَرِينَ هُمُ الأَقَلُّونَ، إِلاَّ مَنْ قَالَ بِالْمَالِ هَكَذَا وَهَكَذَا»، وَأَشَارَ أَبُو شِهَابٍ بَيْنَ يَدَيْهِ وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. فالله تعالى فرض في المال حقوقاً كالزكاة وبين له فضائل كالصدقات، وحدد المستحقين للزكاة. وتوعّد أشد الوعيد على من يخل بها ممن تحققت فيه شروطها، قال تعالى: {هَاأَنتُمْ هَؤُلَاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ، وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ، وَاللَّهُ الْغَنِيُّ، وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء، وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ}. اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لا يَنْفَعُ، وَمِنْ نُفُوسٍ لا تَشْبَعُ، وَمِنْ قُلُوبٍ لا تَخْشَعُ، وَمِنْ دَعَوَاتٍ لا يُسْتَجَابُ لَهَا ! اللَّهُمَّ زِدْنَا وَلا تَنْقُصْنَا ، وَأَكْرِمْنَا وَلا تُهِنَّا ، وَأَعْطِنَا وَلا تَحْرِمْنَا ، وَآثِرْنَا وَلا تُؤْثِرْ عَلَيْنَا ، وَأَرْضِنَا وَارْضَ عَنَّا.. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ.. اَللّـهُمَّ وفقنا لأداء ما يجب علينا من صلاة وزكاة، في هذه الحياة وقبل الممات، واحفظ لنا الأبناء والبنات، وارحم الأباء والأمهات، وأسكنهم فسيح الجنات. اللهم يا عظيم العفو، يا واسع المغفرة، يا قريب الرحمة، يا ذا الجلال والإكرام، هب لنا العافية في الدنيا والآخرة. اللهم اجعل رزقنا رغداً، ولا تشمت بنا أحداً. اللهم وفقنا لصالح الأعمال، ونجنا من جميع الآهوال، واجعلنا صالحين مستقيمين في كل الأحوال، واكتب لنا الخير في الحال والمآل.. اللهم توفنا مسلمين، وابعثنا يوم القيامة مسلمين، واحشرنا في زمرة سيد المرسلين. اللهم اغفر لنا جميع ما مضى من ذنوبنا، واعصمنا فيما بقي من عمرنا، وارزقنا عملاً زكياً نختم به حياتنا، وخذ بنواصينا إلى الخير، واجعل رضاك عنا، منتهى رجائنا. اللهم اصلح أئمتنا وولاة أمورنا, وآمنا في أوطاننا ودورنا. ربنا اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين. ربنا اغفر لنا ولوالدينا ولمن.. ربنا آتنا في .. (آمين).. عبادَ اللهِ! اذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشكرُوهُ علَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ، إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ).
المشاهدات 2666 | التعليقات 1

في المغرب العربي، من عادة كثير من الخطباء، الحديث عن ركن الزكاة، مع دخول عام هجري جديد.. أي بعد مرور حول كامل.. وهو من شروط وجوب الزكاة..