الزكاة بين الترهيب والترغيب

زراك محمد
1435/01/19 - 2013/11/22 17:24PM
الزكاة بين الترهيب والترغيب
خطبة الجمعة من المسجد الكبير بأولاد برحيل تارودانت
22 نونبـــــر 2013. 18. محرم 1435

الحمد لله الذي جعل الزكاة ركنا من أركان الإسلام، تزكية للمال وتطهيراً للآثام، ومنفعة للفقراء والمساكين والايتام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك العلاّم، وأشهد أن محمد عبده ورسوله سيد الأنام، اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان الى نهاية الايام والاعوام .. أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله وطاعته
أيها المؤمنون! لا زلنا في شهر الله المحرم ، ويرتبط هذا الشهر عند كثير من الناس بإخراج الزكاة، التي فرضها الله - عز وجل - في أموالهم وأنعامهم وزروعهم.
والزّكاة ركن من أركان الإسلام ، وهي شعار أهل الإيمان، كما انها سبب للنجاة من النيران، وسبيل للرحمة والغفران.
أتحدث إليكم اليوم مذكِّرًا ونذيرا، لما اعده الله تعالى لمن منع زكاة ماله من عقاب ومصائب، ومذكرا وبشيرا، بما يترتب على أدائها من ثواب وفوائد ، راجين من الله ان يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم اولو الألباب، اللهم اهدنا واهد بنا يارب العالمين.
عباد الله! إن بعض المسلمين يتساهلون في اخراج الزكاة، فيعطل الواحد منهم هذا الركن من الإسلام، وقد تجده من المصلين الصائمين القارئين للقرآن، وربما تصدق على الفقراء والأيتام ، لكنه لا يؤتي الزكاة، فيفعل النوافل ويترك الفرائض..
وإنني أتعجب كل العجب حينما نرى بعض الناس في مجتمعنا، يحتال على ربه، ليسقط الزكاة عن نفسه، فيتخلص من كل ماله قبل حلول وقت الزكاة بشراء عقار أو منزل ونحوه، والله تعالى أعلم بما في قلبه، ومن مكر ليمنع حق الفقراء في ماله فجدير أن يمكر الله تعالى به فيخسر كل ماله، ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين
تدبروا معي قول ربنا سبحانه، وهو يحدثنا عن الذين خَسِروا أنفسَهم وأهليهم يوم القيامة، كيف يصرخ أحدهم في أرض الحشر قائلاًيا لَيْتَنِى لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} فيأتي الجواب قائلاً: خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاْسْلُكُوهُ
ولماذا هذا العذاب؟ إِنَّهُ كَانَ لاَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ * وَلاَ يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ
هذه الآيات المزلزِلة للقلوب هي التي جعلت أبا الدرداء الصحابي، العابد الزاهد التقي، يقول لامرأته: "يا أم الدرداء، إن لله سلسلة لم تَزَل تغلي بها مراجل النار منذ خلق الله جهنم إلى يوم تُلقى في أعناق الناس، وقد نجَّانا الله من نصفها بإيماننا بالله العظيم، فحُضِّي على طعام المسكين
".
فإذا كان هذا حال أبي الدرداء العابد الزاهد المنفِق في سبيل الله، فكيف بحالنا نحن اليوم وقد أصبحنا نتفنَّن في الهروب من الزكاة؟
!
أيها الهارب من الزكاة: يقول - تعالىوَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} وهذا رسولنا الكريم يفسر لنا هذه الآية فيقول: ((مَنْ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ لَهُ مَالُهُ شُجَاعًا أَقْرَعَ أي ثعبانا لَهُ زَبِيبَتَانِ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَأْخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ يَقُولُ: أَنَا مَالُكَ، أَنَا كَنْزُكَ))
أيها المؤمنون! فإذا كان الله عز وجل أعد لمانعي الزكاة انواعا من المصائب والآفات، فإنه في المقابل وعد المزكين بالزيادة والنماء وحصولِ البركات. فهنيئا لمن برأ ذمته وزكى ماله، هنيئا له الغفران والرحمات، من رب الأرض والسموات.
ويكفي في ثواب الزكاة ان نعلم أن الله يطهِّر المزكي من الشح والبخل، ويطهِّر ماله ويبارك فيه، واسمع إلى كتاب الله وهو يقول: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} ولذلك الذي يُخرِج زكاة ماله يشعر بلذَّة، ويشعر بحلاوة الإيمان وطمأنينة النفس
.
تحدثنا كتب الحديث أن امنا عائشة ، كانت ترش الدرهم بالروائح الطيبة، والعطور الزكية، قبل أن تعطيه للفقير ،فقال لها النبي r لماذا تصنعين ذلك، فقالت: إني سمعتك تقول: ((إن درهم الصدقة يقع في يد الله قبل أن يقع في يد الفقير))، وأنا أحب أن يقع درهمي في يد الله معطرًا
.
أرأيتم كيف عبَّرت أمنا عائشة - رضي الله عنها - عن شعورها بلذَّة الصدقة وحلاوتها.
وهذا الشعور هو الذي جعل الصحابة الكرام ، يسجلون للتاريخ مواقف عجيبة في الانفاق في سبيل الله ، رغم فقرهم وجوعهم،كان الواحد منهم يأتي بماله كله ويضعه أمام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيقول له النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ماذا أبقيت لأهلك؟))، فيقول : أبقيت لهم الله ورسوله.

وياتي الآخر وقافلته محمَّلة بالبضائع، ويجتمع حولها التجَّار ويدفعون له بالدرهم درهمين وثلاثة، وهو يقول لهم: لقد بعتُها لِمَن يعطي على الدرهم عشرةَ دراهم، بعتُها لله - تعالى - الذي يجازي على الحسنة بعشر أمثالها
.
وياتي آخر وقد باع بستانه بمبلغ كبير، وفي المساء جاؤوا له بالمال، فقال: مبلغًا كهذا يبيت عندي ولا أدري هل سيعيش أم لا! أتدري ماذا فعل؟ قام وتصدَّق به على الفقراء والمساكين، ولم يطلع عليه الفجر وعنده درهم واحد
.
أين أنت من هؤلاء؟! أين أنت من مواقفهم؟! نحن لا نريد منك أن تفعل مثلما فعل هؤلاء الرجال العظماء؛ إنما فقط أخرج زكاةَ مالك، وأعطها للمساكين والفقراء.
والزكاة سبب للنجاة من النيران، قال عز وجل:( فأنذرتكم نارا تلظى* لا يصلاها إلا الأشقى* الذي كذب وتولى * وسيجنبها الأتقى* الذي يؤتي ماله يتزكى
ووعد سبحانه المزكين بمضاعفة الأجر والثواب، قال سبحانه:(وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يهدينا لعمل الصالحات، ويدخلنا برحمته الجنات. أقول قولي هذا...
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين....
أما بعد فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن الزكاة لا تطهر المال الحرام.. فلا يحسبن واهم أن الزكاة كفارةللمرتشي عن رشوته وللغاصب عن إثم غصبه، وللمرابي عن نجاسة رباه، ولمن منع بناته واخواته من الميراث عن سوء فعله، ولتاجر المخدرات عن قذارة فعله، وللمختلس عن خيانته يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يقبل الله صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول أي مصدر حرام
وقد أقسم النبي r قائلا: والذي نفسي بيده، لا يكسب عبد مالاً حرامًا، فيتصدق به فيقبل منه ، ولا ينفق منه فيبارك له فيه ، ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار ، إن الله لا يمحو السيئ بالسيئ، ولكن يمحو السيئ بالحسن، إن الخبيث لا يمحو الخبيث
هذا وصلوا
اللهم صل على سيدنا محمد...
وارض اللهم عن جميع صحابته الأبرار, وعن أزواجه وسائر آل بيته الطيبين الأطهار, وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
وانصر اللهم أمير المؤمنين محمدا السادس, حامي الملة والدين, اللهم احفظه بما حفظت به الذكر الحكيم وأقر عينيه بولي عهده المحبوب واحفظه في كافة أسرته الشريفة إنك حميد مجيد,
اللهم إنا نعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك، لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك وجميع سخطك، اللهم إنا نعوذ بك من علم لا ينفع وقلب لا يخشع ونفس لا تشبع ودعاء لا يستجاب، اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما اخرنا وما أسررنا وما اعلنا وما أنت أعلم به منا، اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك واغننا بفضلك عمن سواك،
رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ
رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ
رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ
رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ)سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين(.














المشاهدات 4538 | التعليقات 1

بارك ربي فيك شيخ زراك ونفع بهذه الخطبة الجليلة والنافعة والمؤثرة

عجيب أمرهم وربي يعطيهم ويمنحهم فلا يشكروه ثم يسألهم فلا يعطوه أي نكران للجميل وكفر بالإحسان بعد هذا