الزكاة الرمضانية
يوسف العوض
1439/09/09 - 2018/05/24 15:17PM
الخطبة الاولى:
أيها المسلمون: إنّ من الذنوب ذنباً هو من الأسباب التي تمنع بسببه السماء قطرها ، وتمسك الأرض نباتها ويقل الخير المدرار قال صلى الله عليه وسلم : (ولم يمنع قوم زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا) حديث صحيح.
عباد الله: إنّ الزكاة في الإسلام، ركن عظيم، وشعيرة ظاهرة، وعلامة فارقة بين أهل الإيمان والنفاق، وتزكية للنفوس، ونماء للمال. قال الله تعالى: (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) وعن أبي عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت) رواه البخاري ومسلم .
أيها المسلمون: إنّ ترك الزكاة إثم عظيم ومعرض لعذاب الله قال تعالى (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) ، وعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ ، فَيَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ " رواه مسلم.
عباد الله، إن الزكاة واجبة على كل من ملك نصابا إذا حال عليه الحول، والأموال الزكوية أربع وهي:
النوع الأول: النقود، وتُسمى: (الأثمان)، وهي ثلاثة أصناف: الذهب، والفضة، والأوراق النقدية التي قامت الآن مَقام الذهب والفضة.
ونصاب الذهب: عشرون دينارًا، ويُساوي بالجرام (85) خمسة وثمانون جرامًا .
ونصاب الفضة: مئتا درهم، وتُساوي بالجرام (595) خمسمائة وخمسة وتسعون جرامًا.
وبالنسبة لزكاة الذهب والحلي الملبوس من قبل النساء فقد اختلف أهل العلم فيه؛ والأكثر على عدم زكاته ،طالما يُلبس وهو قول جمهور الفقهاء وهناك قول لبعض المحققين من أهل العلم بوجوب الزكاة عليه والأحوط زكاته ، أما ما لا يلبس من الحلي وإنما يدخر فالأقوى وجوب زكاته.
ونِصاب الأوراق النقديَّة: هو نصاب الذهب أو الفضة؛ لأنها حلت محلهما في الثمنية، فإذا بلغَت نِصاب أحدهما وجبَت فيها الزكاة، والغالب تقدير نصاب الأوراق النقدية اليوم بالفضة؛ فإذا ملك المسلم ما يُعادل قيمة (595) جرامًا من الفضة، وحال عليه الحول وجبَت فيه الزكاة وقيمة جرام الفضة تتغيَّر من وقت لآخَر، ونصاب الأوراق النقدية هذه الأيام قرابة 1178ريال فمن كان عنده مثل هذا المبلغ وأكثر وحال عليه الحول فقد وجبت عليه الزكاة.
وأما الرواتب الشهرية فلا زكاة على شيء منها حتى يحول عليه الحول، وإذا كان يشق عليه حساب ذلك فله أن يحدد وقتا محددا في السنة كشهر رمضان يخرج زكاة كلِ ما لديه، فيكون ما تم حوله زُكِّي في وقته، وما لمْ يتمَّ حولُه فقد أُدِّيَتْ زكاتُه، ولا يضرُّ تعجيلُ الزكاة بل هو أربح وأسلم.
أيُّها المسلمون:وأما زكاة الأسهم في الشَّركات المختلفة فهي على قسمين:فهناك أسهم متبادلة، يطلب المسلم فيها الرِّبح يعرضها وقت الطَّلَب، ويُخفيها عند عدم الطَّلب؛ أي: يكون مضاربًا، فهذه تُزكَّى عند كلِّ رأس سنة، تزكَّى بقيمتها الحاضرة؛ لأنَّها بمنزلة النقود بيدك، فتقوم محفظة الأسهم بعد مضيّ السنة وتخرج ربع العشر، سواء زادت أم نقصت.
وأمَّا الأسهم التي جعلتها رصيدًا، لا تبيع ولا تشتري فيها، وإنَّما تستفيد من أرباحِها بأن كنت مستثمرًا، فالزَّكاة تجب في الرِّبح فقط إذا قبضته ومضى عليه الحوْل، وإن استهلكْتَها فلا زكاة فيها، هذا إذا كانت الشَّركة تخرج زكاتها، أمَّا إذا كانت لا تخرج زكاتها، فعليْك إخراج زكاة هذه الأرباح فوْر استلامها.
أمَّا السندات فهي ديون مؤجَّلة ، والصَّحيح من كلام أهل العلم وجوب تزْكية الدُّيون إذا كانت على موسرين فإذا حال الحوْل على الديون - ومنها السَّندات - زكَّاها كغيرِها من الأموال الموجودة عنده، وإن أخَّر زكاتها حتَّى قبضها زكَّاها إذا قبضها لما مضى من السنوات.
وليعلم الجميع أن الزكاة تجب في جميع الأوراق النقدية التي يَملِكها المسلم؛ ولو كان يجمعها لبناء منزل أو زواج أو شراء سيارة أو غير ذلك من الحوائج إذا حال عليه الحول وهو في ملكه.
وبالنسبة لمن اشترى أرضاً لا بقصد التجارة ، بل بقصد حفظ المال أو غير ذلك من الأسباب ... فلا زكاة عليه في الأرض ولو بقيت معه على هذه الحال عشر سنين ؛ لأنه لم ينو التجارة .
النوع الثاني: عُروض التجارة، وهي: كل ما أُعِدَّ للبيع والشراء من أجل الربح والتكسُّب. ويشمل ذلك جميعُ أنواع الأموال من العقارات، والسيارات والملابس، والأقمشة، والحديد، والأخشاب، والمواد الغذائية والحيوانات، وغيرها مما أعدَّ للتجارة.والواجب إخراجه في الزكاة من عروض التجارة: ربع العشر، وهو: (2.5) في المائة منها أو من قيمتها.
وطريقة إخراج زكاتها: أن تُقوَّمَ البضائع المعدَّة للبيع عند حلول وقت الزكاة بما تساويه في هذا الوقت، سواء أكانت قيمتها بقدر ثمنها الذي اشتراها به أم أقل أم أكثر، ويُضاف إليها السيولة الناتجة عنها، ثم يخرج منها ربع العشر (2.5) في المائة.
وأسهل طريقة لإخراج مقدار الزكاة الواجبة من العروض والنقود هي: أن يجمع المبلغ المقدر لقيمة عروض التجارة مع السيولة الناتجة عنها، ثم يقسم على (40 أربعين) والناتج هو الزكاةُ الواجب إخراجها.
الخطبة الثانية:
النوع الثالث من انواع الأموال التي تجب فيها الزكاة: الخارج من الأرض من الحبوب والثمار، ولا تَجِب الزكاة فيه حتى يبلغ نصابًا والنِّصاب: ثلاثمائةُ صاع بصاع النبي - صلى الله عليه وسلم.
ومقدار الزكاة فيه إن كان يُسقى بلا كلفة ولا مؤونة، كما لو سُقي بماء المطر، أو العيون، ففيه العشر.
وإن كان يُسقى بكلفة ومؤونة، كما لو احتاج آلةً ترفع المياهَ ففيه نصف العشر.
النوع الرابع: بهيمة الأنعام، وهي الإبل والبقر والغنم ضأنًا كانت أم مَعزًا، إذا كانت سائمةً وأُعدَّت للدرِّ والنسل.
والسائمة هي: التي ترعى الكلأ النابت كلَ السنَة أو أكثرَها، فإن لم تكن سائمةً فلا زكاة فيها، إلا أن تكون للتجارة، فإذا كانت مُعدَّةً للتكسُّب بالبيع والشراء فهي عروض تجارة تُزكى زكاة تجارة، سواء أكانت سائمةً أم معلوفةً، إذا بلغت نصاب التجارة بنفسِها أو بضمِّها إلى تجارته من غيرها.
ويشترط لزكاة السائمة من بهيمة الأنعام أن تبلغ نصابًا، وأقل النصاب في الإبل: خمس، وفي البقر: ثلاثون وفي الغنم: أربعون.
عباد الله: وأما أهل الزكاة المستحقون لها، فهم الأصناف الثمانية الذين حصرهم الله عز وجل في قوله: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} .
أخيرا من أشكل عليه شيء فليسأل أهل العلم والله الموفق .