الرياء والسمعة-الشركُ الخفيُ-1-5-1441هـ-مستفادة من خطبة الشيخ محمود الدوسري

محمد بن سامر
1441/05/01 - 2019/12/27 08:31AM
الحمدُ للهِ ربِ العالمينَ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وليُ الصالحينَ، وأشهدُ أنَّ محمدًا رسولُه الأمينُ، عليه وآلهِ الصلاةُ وأتمُ التسليمِ.
"يا أيها الذينَ آمنوا اتقوا اللهَ حقَ تقاتِه ولا تموتُنَّ إلا وأنتم مسلمون".
 أما بعدُ: فالرِّيَاءُ: عملُ الخيرِ ليراه الناسُ فيمدحوه، وَالسُّمْعَةُ: عملُ الخيرِ ليسمعَه الناسُ أو يسمعوا به فيمدحوه.
والرياءُ قسمانِ: الأولُ: شركٌ أكبرُ مخرجٌ من الإسلامِ؛ لأنه يدخلُ في أساسِ العملِ، وصاحِبُه من المنافقينَ الذينَ لا رغبةَ لهم في العبادةِ، ويقومونَ بها رياءً أو سمعةً، قالَ اللهُ-تعالى-فيهم: "إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاَةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً".
الثاني: شركٌ أصغرٌ غيرُ مخرجٍ من الإسلامِ، كمن يعملُ العملَ مخلصًا للهِ، يريدُ الثوابَ والأجرَ من اللهِ، لكنَه حسَّنه رياءً وسُمعة ليمدحَه الناسُ؛ كأنْ يُطيلَ في الصلاةِ لِيَراه الناسُ فيمدحوه، أو يرفعَ صوتَه بالقراءةِ والذِّكرِ لَيَسمعَه الناسُ فيمدحوه.
ومن أعظمِ أسباب الرياءِ: حبُّ مدحِ الناسِ وشكرِهم، أو الطمعُ فيما في أيديهم، أو الهربُ من نقدِهم وذمِهم، سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ-صلى اللهُ عليه وآلِه وسلمَ-عَنِ الرَّجُلِ يُقَاتِلُ شَجَاعَةً-ليُمدحَ-، وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً-أنفةً وترفعًا من أنْ يُغلَبَ ويُقهَرَ فيُذمَ-، وَيُقَاتِلُ رِيَاءً-ليراهُ الناسُ فيمدحوه-أَيُّ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صلى اللهُ عليه وآلِه وسلمَ-: "مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا؛ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ".
وللرياءِ صورٌ كثيرةٌ منها:
  • الرياءُ بالعملِ: كالذي يُرائي بإظهارِ الخشوعِ في الصلاةِ بإطالتِها، فيطيلُ القيامَ والركوعَ والسجودَ.
  • الرياءُ بالقولِ: كالرياءِ بالوعظِ والتذكيرِ، وذكرِ اللهِ وكثرةِ الحفظِ؛ للمدحِ والجدالِ والتفاخرِ، أو ذمِ النفسِ بين الناسِ؛ لِيُظهِرَ التواضعَ.
  • الرياءُ باللباسِ: كمَنْ يَلبسُ ثيابًا مُرقَّعةً أو خشنةً؛ لِيُظِهرَ أنه عابدٌ زاهدٌ في الدنيا.
  • الرياءُ بالبدنِ: كإظهار الضعفِ والاصفرارِ، أو التصويرُ بملابسِ الإحرامِ عندَ الكعبةِ؛ ليُرى فيقالُ: عابدٌ.
ومن مخاطر الرياء وأضراره:
  • أنه قدُ يجعلُ صاحبَه مشركًا شركًا أكبرَ مخرجًا من الإسلامِ.
  • أنه يُحبِطُ الأعمالَ التي يُصاحبها، ويُذهِبُ بركتَها؛ قالَ اللهُ-تعالى-: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ"، وقالَ رَسُولُ اللَّهِ-صلى اللهُ عليه وآلِه وسلمَ-: "إِذَا جَمَعَ اللَّهُ النَّاسَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ نَادَى مُنَادٍ: مَنْ كَانَ أَشْرَكَ أحدًا فِي عَمَلٍ عَمِلَهُ لِلَّهِ، فَلْيَطْلُبْ ثَوَابَهُ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ".
  • أنه يكونُ سببًا في عذابِ صاحبِه يومَ القيامةِ؛ فقدْ أخبرَ رَسُولُ اللَّهِ-صلى اللهُ عليه وآلِه وسلمَ-أنَّ أوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى فيهمُ يَوْمَ القِيَامَةِ المراؤونَ، وهم ثلاثةُ أصنافٍ: شهيدٌ، ومتصدقٌ، وعالمٌ، فيذكرهُم اللهُ بنعمتِه عليهم، ويسألُهم: عن عملِهم بها، فيقولون: عملناها لك، نريدُ الثوابَ منك، فيُكَذِّبُهم اللهُ لأنهم عملوها رياءً وسمعةً، ثم يأمرُ بسحبِهم إلى النارِ.
  • أنه من الفتنِ التي خافَها رَسُولُ اللَّهِ-صلى اللهُ عليه وآلِه وسلمَ-على الأمةِ فقال: "أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِمَا هُوَ أَخْوَفُ عَلَيْكُمْ عِنْدِي مِنَ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ؟ قُلْنَا: بَلَى، فَقَالَ: الشِّرْكُ الْخَفِيُّ؛ أَنْ يَقُومَ الرَّجُلُ يُصَلِّي فَيُزَيِّنُ صَلاَتَهُ؛ لِمَا يَرَى مِنْ نَظَرِ رَجُلٍ"، وقالَ: "أَيُّهَا النَّاسُ! إِيَّاكُمْ وَشِرْكَ السَّرَائِرِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! وَمَا شِرْكُ السَّرَائِرِ؟ قَالَ: "يَقُومُ الرَّجُلُ فَيُصَلِّي، فَيُزَيِّنُ صَلاَتَهُ جَاهِدًا؛ لِمَا يَرَى مِنْ نَظَرِ النَّاسِ إِلَيْهِ، فَذَلِكَ شِرْكُ السَّرَائِرِ".
  • أنه يُورث الذلَّ والصَّغارَ والهَوَانَ والفضيحةَ في الدنيا والآخرة؛ قالَ رَسُولُ اللَّهِ-صلى اللهُ عليه وآلِه وسلمَ-: "مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ، وَمَنْ يُرَائِي يُرَائِي اللَّهُ بِهِ".
  • أنَّ الإخلاصَ للهِ سببٌ للنصرِ، وأنَّ الرياءَ سببُ للهزيمةِ، قالَ رَسُولُ اللَّهِ-صلى اللهُ عليه وآلِه وسلمَ-: "إِنَّمَا يَنْصُرُ اللَّهُ هَذِهِ الأُمَّةَ بِضَعِيفِهَا: بِدَعْوَتِهِمْ وَصَلاَتِهِمْ وَإِخْلاَصِهِمْ".
أستغفرُ الله ...
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ: فمن أهمِّ أسبابِ علاجِ الرياءِ:
  • معرفةُ أنَّ مالكَ النفعِ والضرِ هو اللهُ، فتعملَ العملَ للهِ، شكرًا له على نعمِه، راجيًا ثوابَه، خاشيًا عقابَه.
  • دعاءُ اللهِ بطلبِ العونِ منه على الإخلاصِ، والتعوذِ به من الرياءِ، وقدْ علمنا رَسُولُ اللَّهِ-صلى اللهُ عليه وآلِه وسلمَ-ذلكَ فقالَ: "أَيُّهَا النَّاسُ! اتَّقُوا هَذَا الشِّرْكَ؛ فَإِنَّهُ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ، فقال بعضُ الصحابة: كَيْفَ نَتَّقِيهِ وَهُوَ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: قُلْ: اللَّهُمَّ إِنَّا أعُوذُ بِكَ أَنْ أشْرِكَ بِكَ شَيْئًا وأنا أعلمُ، وَأسْتَغْفِرُكَ لِمَا لاَ أعلمُ".
  • معرفةُ سوءِ عاقبةِ الرياءِ في الدنيا والآخرة: فمَنْ تزيَّنَ بما ليس فيه؛ شانَه اللهُ، ومَنْ عَمِلَ عملًا دونَ إخلاصٍ، ليراه الناسُ ويسمعوه، فضحَه اللهُ وجعلَه أولَ المعذبينَ بالنار يومَ القيامةِ.
  • كِتمانُ العملِ وإخفاؤُه عنِ الناسِ، فمن السَّبعةِ الذين يظلهم اللهُ في ظلِه يومَ القيامةِ: "رَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ"، وقالَ رَسُولُ اللَّهِ-صلى اللهُ عليه وآلِه وسلمَ: "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ التَّقِيَّ الْغَنِيَّ الْخَفِيَّ".
  • تَذَكُّر الموتِ والخوفُ من سوءِ الخاتمةِ.
  • معرفةُ فوائدِ الإخلاص للهِ في الدنيا والآخرةِ، ومصاحبةُ المخلصينَ المتقينَ.
     إخواني الكرامُ: هناك أمورٌ قد يظنُ بعضُ الناسِ أنها من الرياءِ والسمعةِ وليست منها: ومنها:
  • إذا عَمِلَ الرجلُ عملًا صالحًا خالصًا للهِ-تعالى-ثم ألقى اللهُ له الثناءَ الحَسَن في قلوبِ المؤمنينَ وألسنتِهم، ففَرِحَ بذلك، لم يضرَه ذلك، ولا يُعَدُّ من الرياءِ، قالَ اللهُ-تعالى-: "قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ"، وسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ-صلى اللهُ عليه وآلِه وسلمَ-عن الرجلِ يعملُ العملَ من الخيرِ فيمدحُه الناسُ عليه، فقال: "تِلْكَ عَاجِلُ بُشْرَى الْمُؤْمِنِ".
  • نشاطُ الإنسانِ في العبادةِ وعملِ الخيرِ، عندَ رؤيةِ العابدينَ، ومجالسة المخلصينَ الصالحينَ لا يُعَدُ من الرياء.
  • كتمانُ الذنوبُ وعدمُ إظهارها لا يُعَدُ من الرياء، بل هو واجبٌ شرعي؛ لأنَّ اللهَ-تعالى يَكرهُ ظهورَ المعاصي، والمجاهرةَ بها، ويُحبُ سترَها.
  • إظهارُ شعائرِ الإسلامِ؛ كالجمعةِ والجماعةِ، والحجِ والعمرةِ، وغيرها، فالمسلمُ لا يكونُ مرائيًا بإظهارها؛ لأنَّ تاركَها يستحقُ الذمَّ والمقتَ.
اللهم اهدنا والمسلمينَ لأحسنِ الأخلاقِ والأعمالِ، واصرفْ عنا والمسلمينَ سيِئ الأخلاقِ والأعمالِ، اللهم أصلحْ ولاةَ أُمورِنا وولاةَ أُمورِ المسلمينِ، وارزقهمْ البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ، ووفقهمْ لما تحبُ وترضى، وانصرْ جنودَنا المرابطينَ، ورُدَّهُم سالمينَ غانمينَ، اللهم اغفرْ لنا ولوالدينا وللمسلمينَ، أسألُك لي ولهم من كلِّ خيرٍ، وأعوذُ وأُعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، اللهم اشفنا واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، اللهم اجعلنا والمسلمينَ ممن نصرَك فنصرْته، وحفظَك فحفظتْه، اللهم عليك بأعداءِ المسلمينَ فإنهم لا يعجزونَك، اكفنا واكفِ المسلمين شرَّهم بما شئتَ يا قويُ يا عزيزُ.
المرفقات

والسمعة-الشركُ-الخفيُ-1-5-1441هـ-مستفادة-من

والسمعة-الشركُ-الخفيُ-1-5-1441هـ-مستفادة-من

المشاهدات 942 | التعليقات 0