الرهينة الفرنسية ليست الأولى ولا الوحيدة

عبدالله حمود الحبيشي
1442/02/28 - 2020/10/15 21:29PM

الحمد لله رب العالمين ..
عباد الله .. رأيتم وقرأتم وسمعتم قصة الرهينة الفرنسية التي عادت إلى بلادها بقلب غير الذي ذهبت به .. كانت على حال ورجعت على حال .. كانت تحمل اسما وعادت باسم جديد ، كانت في مهمة اغاثية في ظاهرها ، وفي الباطن قد يكون لها أغراض وأهداف .. فما الذي تغيير.. نزلت من الطائرة وهي تقول أنا أسمي مريم وقد أسلمت .. بل وتريد العودة إلى البلد التي كانت فيها .. وكأنها تقول أريد أن ارجع إلى المكان الذي استيقظ فيه قلبي .. من كلماتها التي نُقلت عنها قولها: "رأيت مسلمين عاملوني باحترام وكرامة يصلّون خمس مرات ويحبون عيسى أكثر منّا ، ليس عندهم عطور فرنسية لكنّهم أطهر منّا ، نساؤهم سوداوات لكن قلوبهنّ أبيض من الحليب لا يختلطن بالرجال ولا يختلين بهم ولا تُدخل إحداهن رجلا بيتها في غياب زوجها لا يشربن الخمور ولا يزنين" .. فإن صح هذا النقل على لسانها أو لم يصح فهذا لسان الحال .. فلا عجب في إسلامها ! .

إن خبر إسلام هذه الرهينة يذكرنا بإسلام السيد الأسير .. إنه سيد من سادات بني حنيفة في نجد كره الإسلام وحارب المسلمين وقتلهم، فحدث له مالم يكن متوقعا ..

روى البخاري ومسلم خبر هذا الأسير فيقول أبو هريرة رضي الله عنه : بَعَثَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ، فَجَاءَتْ برَجُلٍ مِن بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ له ثُمَامَةُ بنُ أُثَالٍ، فَرَبَطُوهُ بسَارِيَةٍ مِن سَوَارِي المَسْجِدِ، فَخَرَجَ إلَيْهِ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقَالَ: ما عِنْدَكَ يا ثُمَامَةُ؟ فَقَالَ: عِندِي خَيْرٌ يا مُحَمَّدُ، إنْ تَقْتُلْنِي تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وإنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ علَى شَاكِرٍ، وإنْ كُنْتَ تُرِيدُ المَالَ فَسَلْ منه ما شِئْتَ، فَتُرِكَ حتَّى كانَ الغَدُ، ثُمَّ قَالَ له: ما عِنْدَكَ يا ثُمَامَةُ؟ قَالَ: ما قُلتُ لَكَ: إنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ علَى شَاكِرٍ، فَتَرَكَهُ حتَّى كانَ بَعْدَ الغَدِ، فَقَالَ: ما عِنْدَكَ يا ثُمَامَةُ؟ فَقَالَ: عِندِي ما قُلتُ لَكَ، فَقَالَ: أطْلِقُوا ثُمَامَةَ فَانْطَلَقَ إلى نَخلٍ قَرِيبٍ مِنَ المَسْجِدِ، فَاغْتَسَلَ ثُمَّ دَخَلَ المَسْجِدَ، فَقَالَ: أشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللَّهِ، يا مُحَمَّدُ، واللَّهِ ما كانَ علَى الأرْضِ وجْهٌ أبْغَضَ إلَيَّ مِن وجْهِكَ، فقَدْ أصْبَحَ وجْهُكَ أحَبَّ الوُجُوهِ إلَيَّ، واللَّهِ ما كانَ مِن دِينٍ أبْغَضَ إلَيَّ مِن دِينِكَ، فأصْبَحَ دِينُكَ أحَبَّ الدِّينِ إلَيَّ، واللَّهِ ما كانَ مِن بَلَدٍ أبْغَضُ إلَيَّ مِن بَلَدِكَ، فأصْبَحَ بَلَدُكَ أحَبَّ البِلَادِ إلَيَّ، وإنَّ خَيْلَكَ أخَذَتْنِي وأَنَا أُرِيدُ العُمْرَةَ، فَمَاذَا تَرَى؟ فَبَشَّرَهُ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأَمَرَهُ أنْ يَعْتَمِرَ، فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ قَالَ له قَائِلٌ: صَبَوْتَ، قَالَ: لَا، ولَكِنْ أسْلَمْتُ مع مُحَمَّدٍ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ولَا واللَّهِ، لا يَأْتِيكُمْ مِنَ اليَمَامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ، حتَّى يَأْذَنَ فِيهَا النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.

ما أعظم هذا الدين .. وما أقوى تأثيره على النفوس والقلوب والفطر إذا كانت سليمة .. لم يقل له النبي صلى الله عليه وسلم شيء عن الدين ، ولم يتحدث معه عن الإسلام .. لم يتكلم معه بوعد ولا وعيد.. لم يكن إلا ما يراه ويسمعه ثمامة بنفسه .. يسمع آيات الله يقرأها النبي صلى الله عليه وسلم في الصلوات الجهرية .. يسمع حديثه لأصحابه .. يرى المسلمين مصلين خاشعين .. يرى حرصهم على العبادة والطاعة .. يرى الطهر والنقاء والطمأنينة .. وقبل هذا ومعه وبعده معامله حسنه وإكرام لأسير فعل وفعل وقتل المسلمين .. فكان منه ما كان.. فمن أراد الله به خيرا وعرف هذا الدين ورأى المسلمين في تمسكهم بدينهم لا يملك إلا أن يشهد أنه دين حق وصدق .. والسعيد من وفقه الله لهذه الدين وسلوك الصراط المستقيم.

نسأل أن يتم نوره ويظهر دينه ويعز الإسلام وأهله ويثبتنا على الحق إلى أن نلقاه ..


الخطبة الثانية ..

أما بعد .. عباد الله .. إن حادثة إسلام الرهينة الفرنسية ليست الأولى وليست الوحيدة .. وفيها وفي غيرها من القصص عبر كما في قصة إسلام ثمامة بن اثال رضي الله عنه ..

فمن هذه الوقفات والعبر .. أن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء .. فيصبح الرجل عدوا وكارها للإسلام ويمسي من أقوى أنصار الدين والمدافعين عنه .. فلا نيأس من هداية أيّ أحد مهما كان موغلاً في الفساد والانحراف ، فهداية القلوب بيد علام الغيوب (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) فالله تعالى هو الهادي هداية التوفيق والسداد .

ومن الوقفات المهمة والتي يجب أن نقف معها طويلا ونحرص عليها كثيرا .. المعاملة .. ثم المعاملة .. ثم المعاملة .. الناس لا يريدون صلاتك وصيامك وحج وقيامك بالليل .. هذه كلها عبادات بينك وبين الله .. ولكنهم ينظرون وينتظرون منك المعاملة .. كثير ممن أسلم ودخل في هذا الدين كان بسبب المعاملة .. لا أقول أفراد فقط بل جماعات ودول دخلت في الإسلام بسبب المعاملة .. فقرأوا عن بلاد سمرقند وكيف أسلم أهلها .. وأقرأوا عن قصة انتشار الإسلام في جنوب شرق آسيا والتي تُعَدُّ من أعظم قصص انتشار الإسلام في العالم ؛ فالمسلمون لم يذهبوا إلى هذه المناطق الشاسعة المساحة العظيمة السكان بجيوش فاتحة ، ولم يخوضوا مع أهلها حروبًا تُذكر ، وإنما ذهبوا إليها كتُّجار يحملون أخلاقَ الإسلام ، وهَمَّ الدعوة إلى الله ، وذلك بالحسنى والمعاملة الحسنة ، فحقَّقوا القاعدة الأصيلة التي تؤكد أن الإسلام إنما يغزو القلوب لا الأراضي أو البُلدان .

في قصة إسلام ثمامة رضي الله عنه وما ذُكر في السير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لإصحابه : هذا ثمامة بن أثال ، هذا سيد حنفية وفارسها أحسنوا إساره .. ورجع عليه الصلاة والسلام إلى أهله فقال لهم (اجمعوا ما عندكم من طعام وابعثوا به إلى ثمامة بن أثال).. ثم أمر بناقته أن تحلب له في الغدو والرواح وأن يقدّم إليه لبنها .. وحين أطلقه لم يكن بفداء ولا بشرط .. فكان لهذه المعاملة الرائعة أثرها الفعال .

إن الفضاضة والغلظة منفرة ولو كانت من أعز الناس بل واتقى الناس وكلام الله يؤكد هذه الحقيقة (وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) ولو كنت يا محمد يا نبي الله ويا خاتم الرسل ويا أيها الصادق الأمنين .. لو كنت سيء الخلق قاسي القلب لفر الناس من حولك .. ولكن من رحمة الله جعلك لينا هينا عفوا سمحا وبهذه الصفات تأسر القلوب ويسمع لك العدو قبل الصديق .

نسأل الله أن يجعلنا دعاة خير بمعاملتنا وحسن أخلاقنا .. ويجعلنا مرغبين بالإسلام لا منفرين منه .
اللهم اعز دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين
اللهم انصر هذا الدين وأهله ..

المشاهدات 653 | التعليقات 0