الركائز الشرعية التي أتت في خطبة حجة الوداع (خطبة عيد الأضحى)
محمد الأحمد
خطبة عيد الأضحى 1437هـ
الركائز الشرعية التي أتت في خطبة حجة الوداع
اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ (تسعاً)
الحمد للهِ الذي منَّ علينا وهدانا لنعمة الإسلام، ووحّدنا على دينه الذي أنزله من فوق سبع سماوات، ونشهد ألا إله إلا الله ربُّ العالمين، وإله الأولين والآخرين، نَعْبُده وحده لاشريك له ولو كره الكافرون، ونشهد أن محمداً عبدُ الله ورسوله، إمام المتقين، وقائد الغرِّ المُحجَّلين، وهادينا إلى الصراط المستقيم. فصلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه، ومَنْ تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرةً وأصيلاً .
أما بعد: فاتقوا الله أيها الناس، واعلموا أن الله قد اصطفاكم دون غيركم حينما مدَّ في أعماركم وأخذ أرواح غيركم، ليبتليكم وينظر كيف تعملون.
أيها المؤمنون: قبل أربعة عشر قرناً وفي السنة العاشرة من الهجرة كانت الحجة العظيمة والوحيدة لرسولنا صلى الله عليه وسلم.
كانت تبليغاً ووداعاً، ولذلك سُمّيت حجة الوداع، كانت خطبتُه في يوم عرفة خطبةً عظيمةً قرّر فيها بعض معاني الإسلام السامية، وأكّد ركائز الدين الثابتة، ولذلك ابتدأ خطبته صلى الله عليه وسلم بقوله: «أيُّها النَّاسُ، اسمعوا قولي، فإنِّي لا أدري لعلِّي لا ألقاكم بعدَ عامي هذا» فكانت كلماته من جوامع الكلم، والتي حوت ما فيه صلاح العباد والبلاد.
قرّر فيها صلى الله عليه وسلم حُرمة الدماء والأعراض والأموال فقال: «إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا» ولذلك كانت الدماء من أعظم وأخطر ما جاء الإسلام بالتحذير من التعرّض له بعد الشرك، وروي أن «زوال الكعبة أعظم من أن يراق دم امرئ مسلم» بل ورد الوعيد لمن قتل المعاهَد، وهو الكافر الذي دخل ديار المسلمين بعهدٍ وأمان، فقد قال صلى الله عليه وسلم «من قتل مُعاهَدًا لم يَرَحْ رائحةَ الجنَّةِ»، وكذلك الأموال، فلا يجوز لنا أن نأخذ مالاً بغير حقِّ، ومن ذلك ما يتّصل بظلم الناس في أموالهم حينما نؤخّر رواتبهم وأجورهم فضلاً عن أن نمنعهم إياها، أما الغش والسرقة فهذا الذي لا يُتصوّر كيف لمسلم أن يفعله !! وأما الأعراض فهي الخطر العظيم الذي جاءت الشريعة بمراعاة جوانبه، فمنعت التعدّي على العرض حتى بالغيبة، مع أنه كلامٌ قد يكون حقاً، ولذلك فمن حُرمة المسلم أن تدافِع عنه في غَيْبته، ولا ترضى أن يكون مجلسُك محلاً للغيبة والنميمة والكذب والكلام الفارغ.
وجاء في خطبة الوداع أن المسلمين إخوة، فهم إخوة في الدين، ولا أقوى من رابطة الدين أبداً، فبها يتعاونون على مصالح الدين والدنيا والآخرة. وأكّد صلى الله عليه وسلم هذا الأمر بقوله: « إنَّ ربَّكم واحدٌ، و إنَّ أباكم واحدٌ، ألا لا فضلَ لعربيٍّ على عجميٍّ، و لا لعجميٍّ على عربيٍّ، و لا لأحمرَ على أسودَ، و لا لأسودَ على أحمرَ إلا بالتقوى إنَّ أكرمَكم عند اللهِ أتقاكُم» تقريرٌ لمبدأ المساواة التامّة، وأن التفاضل هو بالتقوى والدين، وليس بالحسب ولا النسب ولا الجنسية ولا المال.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أرسى النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع مبدأً شرعياً في التعامل المالي، وهدَم قاعدةً اقتصاديةً يبني عليها الكفار اقتصادهم، ألا وهو الربا «وإنَّ كلَّ ربًا موضوعٌ، ولكن لَكم رؤوسُ أموالِكم، لا تظلِمونَ ولا تُظلَمونَ قضى اللَّهُ أنَّهُ لا ربًا وإنَّ ربا العبَّاسِ بنِ عبدِ المطَّلبِ موضوعٌ كلُّهُ» فالربا هو الهلاك، والذي يبني ماله من الربا فليسمع قوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين، فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله»، وما تهاوي بعض الاقتصاديات المعاصرة إلا بسبب ارتكانها على الربا.
وابتدأ صلى الله عليه وسلم بعمّه العباس، حتى لا يُقال أنه حابى قرابتَه، كما يفعل بعض الناس اليوم حينما يستثني أقاربه وأصحابه من الأنظمة والقوانين.
الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرةً وأصيلاً.
وفي خطبة الوداع قرَّر صلى الله عليه وسلم مبدأ أهمية الثبات على الدين والتسليم لربِّ العالمين «وإنكم ستلقونَ ربَّكم، فيسألُكم عن أعمالِكم» نعم أيها المؤمنون: عليكم أنفسَكم، لا يضركم من ضلَّ إذا اهتديتم، ولا يغرنّكم قلة السالكين على الطريق المستقيم، ولا كثرة الهالكين في دروب الشياطين، فإنكم على الحق ما دام كتاب ربكم وسنة نبيّكم تتمسّكون بها.
ولذلك جاء في ذات الخطبة قولُه صلى الله عليه وسلم: « وقد تركتُ فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتُم به . كتابَ اللهِ . » نعم؛ فلا عصمة إلا بالتمسّك به، ولا عنوان للمسلم إلا أنّه يتبع ما جاء في الكتاب والسنة. الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيراً.
ومما جاء في خطبة الوداع قوله صلى الله عليه وسلم « إنَّ الشَّيطانَ قد يئِسَ أن يعبدَ في أرضِكم هذِهِ أبدًا، ولَكنَّهُ أن يطاعَ فيما سوى ذلِكَ فقد رضِيَ بهِ مِمَّا تحقِّرونَ من أعمالِكم، فاحذروهُ على دينِكُم.» وإن أخطر قضيةٍ يأتي بها الشيطان، هي قضية التشكيك في بعض المعتقدات وبعض الأحكام الشرعية، ويُحاولون تقرير أنَّ من حق كل إنسان أن يُناقش في مسلمات الدين!!
وهذا خطأ، بل مزلقٌ خطير جداً، لأن الآيات والأحاديث، لاتؤخذ بالعقل، ولا تؤخذ بحسب إملاءات الغرب والشرق، بل نأخذها بمبدأ التسليم التام «وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا»
الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرة وأصيلاً
أيها المسلمات المؤمنات القانتات المصلّيات، قال صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع: «فإنَّ لَكم على نسائِكم حقًّا ولَهنَّ عليْكم حقًّا» ثم قال: «واستوصوا بالنِّساءِ خيرًا، فإنَّهنَّ عندَكم عَوانٍ [أي مثل الأسارى] لا يملِكنَ لأنفسِهنَّ شيئًا، وإنَّكم إنَّما أخذتُموهنَّ بأمانةِ اللَّهِ، واستحللتُم فروجَهنَّ بِكلمةِ اللَّهِ» فأين أولئك الذي يدّعون الرجولة من هذه الكلمة النبوية العظيمة، حينما يُهينون نساءهم وأولادهم، بل بعضهم يتجرأ على ضرب زوجته ونسائه، ولو كان أمام الرجال لم يستطع أن يفعل ذلك.
أيتها المسلمة، عليك المدار والرجاء بعد الله في الحرص على تربية أبنائك، بل وتوجيه زوجِك وإخوانِك، ليكن لكِ سهماً في الرقي بأهلك ومجتمعِك وأمتك، احتسبي في كلِّ شيء حتى في تعليم أبنائك القراءة والكتابة، وساهمي في تربيةٍ يرتفع بها شأن الأمة، بل واشتركي اشتراكاً حقيقياً في الرقي بشأن الأمة، فالمرأة هي المربيّة للأجيال والمعلّمة والركن الركين لزوجها، وهي العالِمة والمتعلمة والطبيبة، فاحتسبي ولا تستصغري أيَّ عمل فلعلّه كبيرٌ عند الله.
هذه المرأة العظيمة، وليست المرأة التي جعلها أهل الغرب والكفر سلعةً رخيصة يُتاجرون بصورتها في الدعايات والإعلان وفي إشباع نزواتهم وشهواتهم، ثم يريدون منا أن تكون نساؤنا كنسائهم، أسأل الله أن يحفظ نساءنا وأبناءنا وشبابنا وأنفسنا من كيد الكائدين ومخططات الكافرين.
الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرةً وأصيلاً
أقول ما سمعتم وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه.
الخطبة الثانية: الله أكبر (سبعاً)
الحمد لله الذي أعزَّ أولياءه الطائعين، وأذلّه أعداءه المشركين، وأشهد ألا إله الله ربّ العالمين، أمرنا بعبادته وتوحيده، ونهانا عن معصيته والإشراك به، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله الذي لم يكن طريقٌ إلى الخير إلا دلنا عليه، ولا سبيل إلى الشرِّ إلا حذّرنا منه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
الله أكبر ما قصد الحجاج بيت الله الحرام إجلالًا وتعظيمًا.
أما بعد:فقد مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبته ينصح ويعظ ويُقرر، وبعد أن انتهى صلى الله عليه وسلم أنزل الله على رسوله آية عظيمةً بها خِتام أحكام القرآن، قال عنها أحد اليهود لعمر بن الخطاب: لو علينا معشر اليهود نزلت لا تخذنا ذلك اليوم عيدًا (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا).
فاتقوا الله أيها المؤمنون واعلموا أنَّ"الدين كامل ليس بحاجة إلى استدراك أحد، شَرعه مَن خلق الخلق وعَلِم اختلافَ عصورهم، وجعله الدينَ إلى يوم القيامة، فليس ديناً لزمان، ولا لفئة من الناس، بل هو الشرع الصالح لكل زمان ومكان، ومهما تقدم العلوم التجريبية، وتغيرت الحضارات، واستجدت الأمور، فسيظل الدين بحدوده وأوامره ونواهيه هو منهج الحياة الوحيد الذي يكفل للمسلمين صلاحَ دينهم ودنياهم".
قال الله في كتابهواصفاً أهل الإيمان الحق:{وَالمُؤمِنُونَ وَالمُؤمِنَاتُ بَعضُهُم أَولِيَاءُ بَعضٍ يَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَيَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ. وَعَدَ اللهُ المُؤمِنِينَ وَالمُؤمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً في جَنَّاتِ عَدنٍ وَرِضوَانٌ مِنَ اللهِ أَكبَرُ ذَلِكَ هُوَ الفَوزُ العَظِيمُ}.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيراً ....... اللهم إنا نسألك في هذا اليوم المبارك أن ترحم ضعفنا، وتقبل دعاءنا وتعتق رقابنا، وأن تغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين.
اللهم تقبَّل من الحجَّاج حجَّهم ودعاءهم، وآمنهم في مناسكهم، واغفر اللهمَّ لهم.
اللهم تقبّل من أهل الأضاحي ضحاياهم، واكتب الأجر لمن لم يستطع منا.
اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثتنا، اللهم أغثنا،.
اللهم صلّ وسلم على محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان.
أَعَادَ اللهُ هذا العيد عَلَيْنَا وَعَلَيْكُمْ وَعَلَى المُسْلِمِينَ بِاليُمْنِ وَالإِيمَانِ وَالسَّلاَمَةِ وَالإِسْلامِ، وَتَقَبَّلَ اللهُ مِنَّا وَمِنْكُمْ صَالِحَ الأَعْمَالِ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
المرفقات
عيد-الأضحى-1437هـ-وصايا-خطبة-الوداع
عيد-الأضحى-1437هـ-وصايا-خطبة-الوداع
عيد-الأضحى-1437هـ-وصايا-خطبة-الوداع-2
عيد-الأضحى-1437هـ-وصايا-خطبة-الوداع-2