الرعد والبرق آدب ومحاذير" د. صالح دعكيك

شادي باجبير
1446/04/22 - 2024/10/25 21:26PM

بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة: "الرعد والبرق آدب ومحاذير" د. صالح دعكيك، مسجد آل ياسر المكلا، 15/9/2024م

*الحمد لله رب العالمين 

   إن من فضل الله تعالى ورحمته على الخلق، من البشر والحيوان والنبات أن ينزل عليهم المطر لتعم به الحياة، وتحيا بها الأنفس، فنزول الأمطار من النعم الله الظاهرة، والآيات الباهرة، كما قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ * يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾. النحل، (10، 11).

﴿أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُون﴾. النمل (60).

    وكثيرا ما تكون مقدمات الغيث مصحوبة بالرعد والبرق، وهي أيضا من آيات الله تعالى في الكون، وقد جعل الله ذلك للناس خوفا وطمعا، يطمع فيه البشر ويخافونه في آن واحد.. يخافون أن يكون مقدمة عذاب وهلاك وأذى، ويطمعون في ما يحويه من الغيث والرحمة والنفع، قال تعالى:﴿هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ * وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ﴾. الرعد (12،13).

   ونقف اليوم وقفات شرعية وواقعية مع البرق والرعد، نوجزها في النقاط الآتية:

أولا: جاء في سنن الترمذي (3117) وحسنه، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال : (أقبلت يهود إلى النبي e فقالوا: يا أبا القاسم أخبرنا عن الرعد، ما هو؟ قال: « ملك من الملائكة، موكل بالسحاب معه مخاريق من نار يسوق بها السحاب حيث شاء الله»، فقالوا : فما هذا الصوت الذي نسمع؟ قال: « زجره بالسحاب إذا زجره، حتى ينتهي إلى حيث أُمر»، قالوا: صدقت).

    وفي معنى الحديث يقول الحافظ ابن عبد البر رحمه الله في الاستذكار (8/ 588): "جمهور أهل العلم يقولون: الرعد ملك يزجر السحاب، ويجوز أن يكون زجره لها تسبيحاً، لقول الله تعالى: وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ."

ومعرفتنا الحديثة لكيفية تكوين السحب وحدوث الرعد والبرق وما يقع من تصادم السحاب وحدوث الشحنات الكهربائية وغيرها، لا يعني ذلك أن الملائكة لا تقوم ترعاها، وتقوم بتوجيهها، ولا يعني كذلك أن الرعد أو غيرَه من مخلوقات الله تعالى لا تسبح بحمد خالقها سبحانه وتعالى، فكل شيء في هذا الكون يسبح بحمده جماداً كان أو نباتاً أو حيواناً، كما قال تعالى: ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾،الإسراء:(44)، فالكون كله يدبره الله تعالى بحكمته وعلمه.

ثانيا: روى مسلم في صحيحه (899) من حديث عائشة رضي الله عنها: (أنها قالت ما رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم مستجمعا ضاحكا حتى أرى منه لهواته، إنما كان يبتسم، قالت: وكان إذا رأى غيما أو ريحا عُرِفَ ذلك في وجهه، فقالت يا رسول الله: أرى الناس إذا رأوا الغيم فرحوا، رجاء أن يكون فيه المطر، وأراك إذا رأيته عُرِفتْ في وجهك الكراهية؟ فقال: « يا عائشة، ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب، قد عذب قوم بالريح ،وقد رأى قوم العذاب فقالوا (هذا عارض ممطرنا)».

    فهذا نبيناe وهو أعلم الخلق بربه، وبآياته، يتمعر وجهه، وعُرِفَتْ فيه الكراهية، فعلى المؤمن أن يدخله الخوف إذا أبصر تغير الأحوال الجوية خشية العذاب، فإذا بان له أنه رحمة بما أنزل الله عزوجل من الغيث، فليفرح بالرحمة، وليشكر المنعم على النعمة، كما جاء عن عائشة رضي الله عنها: «أن النبي e  إذا رأى مخيلة الرعد و البرق يتمعر وجهه حتى يعلم أرحمة هي أم عذاب». أخرجه الحاكم (7771) وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي.

ثالثا: يسن أن يقول المسلم عند سماع صوت الرعد والصواعق ما جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمع الرعد والصواعق قال: «اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك». رواه الترمذي (350) وصححه الحاكم (4/318) ووافقه الذهبي .

    وكان ابن الزبير رضي الله عنه إذا سمع الرعد، ترك الحديث، وقال: "سبحان الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته"، ثم يقول: :إن هذا لوعيد شديد لأهل الأرض". رواه مالك (1801) والبخاري في الأدب (723). بإسناد صحيح.

رابعا: أخرج الترمذي في سننه (2252) وصححه من حديث عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تسبوا الريح، فإذا رأيتم ما تكرهون فقولوا: اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح وخير ما فيها وخير ما أمرت به، ونعوذ بك من شر هذه الريح وشر ما فيها وشر ما أمرت به».

  قال العلماء : لا يجوز سب الريح، بل تجب التوبة عند التضرر بها، حيث يكون حينئذ تأديب من الله تعالى.  مرعاة المفاتيح (5/ 202).

     أقول ما تسمعون، واستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

((الخطبة الثانية))

       الصواعق من الظواهر التي تكثر في آخر الزمان، وتتلاحق، وتصير ظاهرة للعيان، يراها الناس، وقد جاء في حديث أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تكثر الصواعق عند اقتراب الساعة، حتى يأتي الرجل القوم، فيقول: من صُعق تلكم الغداة، فيقولون: صعق فلان وفلان وفلان». رواه أحـمد (3/64) والحاكم (4/491)، وصححه على شرط مسلم.

    وفعلا أضحت الصواعق والبروق من الظواهر البارزة اليوم في العالم، وتختلف كثرة وقلة بحسب جغرافية البلدان القابلة لكثرة هذه الظواهر. ولعلّ رؤيةَ تلك الخطوط المنكسرة اللامعة أثناء هيجان السحب المعتمة، باعثةٌ على الرهبة والتفكّر والتسبيح في آن واحد.

    في حادثة مثيرة، التقطتها عدسات التصوير في جمهورية الكونغو، جمعت مباراة كرة القدم بين فريقين في عام 1998 في مقاطعة كاساي، وبينما كانت المباراة تسير بشكلها الطبيعي، لمع وميض لامع شوّش الرؤية برهةً خاطفة، ثمّ عادت عدسة الكاميرا تنقل صورة اللاعبين، وهم يتساقطون تباعا على الأرض، وقد ذُهل الحاضرون من هول المشهد، وتنبئ مصادر محليّة أن 11 شخصا قضوا نحبهم في هذه الحادثة، منهم لاعبون ومشجعون في تلك المباراة. الجزيرة الوثائقية.

    وقد ذكرت الإحصائيات، أن نتائج الوفيات من الرعد والبرق تصل إلى عشرات الآلاف سنويا، وقدر موقع ويكيبيديا، أن عدد الوفيات يصل إلى  24,000 وفاة تقريبا.

   وانطلاقا من الخطورة التي تحملها الصواعق والبروق، فإني أشير هنا إلى أشهر طرق الوقاية التي يذكرها المتخصصون، ومنها:

1-عند ظهور الرعد والبرق، لا تقف في مكان مكشوف، ولا تمش، وادخل مباشرة إلى المنزل أو السيارة، فإن حركتك تحدث شحنة كهربائية موجبة، قابلة لجذب البرق.

2- لا تسِرْ حافيا، ولا تلمس أي أدوات كهربائية أو معدنية، ولا تقف تحت الأشجار، ولا بقرب البرادات، أو أعمدة الكهرباء، أو أماكن ذات أسقف معدنية أو زنكية، ولا تستلق على الأسطح الخرسانية؛ لأن البرق ينتقل عبر المعادن.

3- الابتعاد عن الأبواب والنوافذ المفتوحة، وتجنب استخدام المصعد أثناء البرق أو الرعد، وتجنب الصعود إلى الأسطح العالية، والبُعْد عن الوقوف في المرتفعات العالية، أو قُرْبَ الأبراج المعدنية، لأنَّها أكثر الأماكن عرضة للبرق.

4- يجب فصل الكوابل والأجهزة الكهربائية، تحديدًا أجهزة الاستقبال، مثل الراديو والتليفزيون والتلفون الأرضي، وعند حدوث أي تسرب للمياه في البيت يجب قطع التيار الكهربائي عن المنزل فورا.

5- تجنب الاستحمام بالماء، أو غسل الصحون والأطباق حال حدوث البرق أو الرعد، وإن كنت في البحر أو في مجامع المياه، فاخرج إلى اليابسة فورا.

6- يجب عدم التجمع في مكان مكشوف، والافتراق فورا، لأن لكل إنسان شحنات كهربائية، وعند الاجتماع تتكاتف جميعها، محدثة شحنات متزايدة، فتكون عرضة للخطر.

   أسأل الله أن يحفظنا وبلادنا من كل مكروه، ويجعل الأمطار غيثا مباركا عاما جللا طبقا نافعا غير ضار برحمته تعالى.

    وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه بقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.

        والحمد لله رب العالمين.

 

المشاهدات 36 | التعليقات 0