الرضا جنة الدنيا ومفتاح الغنى(2)-26-11-1441هـ-مستفادة من الشيخ عبدالله الطوالة

محمد بن سامر
1441/11/25 - 2020/07/16 06:11AM
الرضا جنة الدنيا ومفتاح الغنى(2)-26-11-1441هـ-مستفادة من خطبة الشيخ عبدالله الطوالة
الحمدُ للهِ ربِ العالمينَ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وليُ الصالحينَ، وأشهدُ أنَّ محمدًا رسولُه الأمينُ، عليه وآلهِ أتمُ الصلاةِ والتسليمِ.
"يا أيها الذينَ آمنوا اتقوا اللهَ حقَ تقاتِه ولا تموتُنَّ إلا وأنتم مسلمون".
أما بعد: فيا إخواني الكرام:
هذهِ قصةٌ حقيقيةٌ يرويها الشيخُ حسن الميداني-رحمه الله-فيقول: "كنت عائدًا إلى بيتي قبلَ المغربِ بساعةٍ في رمضانَ، فاستوقفني رجلٌ ممن يترددون على درسي، ثم سلَّم عليَّ بلهفةٍ وقال لي: أستحلفُكَ بالله أنْ تفطِرَ عندي اليوم، يقولُ الشيخُ: فعقدَتْ لهفتُه لساني، فقلت له: يا أَخي أهلي في انتظاري، وظروفي لا تسمحُ، لكنَّ الرجلَ أصرَّ، فذهبتُ معهُ وأنا لا أعرفُ ظروفَه، ولا مكانَ بيتِه، وصلنا إلى بيتهِ فإذا هو بيتٌ متواضعٌ جِدًا، سطحٌ صغيرٌ، فيه غرفةٌ واحدةٌ، ومطبخٌ، وفناءٌ مكشوفٌ، والبيتُ مدخلُه ضيقٌ، ودَرَجُ سُلَّمِهِ من الخشبِ المتهالِك القديمِ، صعدته بحذرٍ شديدٍ، خشيةَ السقوطِ، ومع كلِ ذلك فقد كانتِ السَّعادَةُ والحبورُ يملآنِ قلبَ هذا الرَّجُلِ، والبِشرُ والسرورُ يَغمُرُانِ مُحياهُ، وكان حمدُ اللهِ وشُكرُه وذكرُ نعمتِه يخرجُ من شَفتِيهِ بلا تَوقُفٍ، وهو يقولُ: انظُرْ شَيخِي إلى هذا البيتِ، إنَّهُ مِلكِي، الحمدُ للهِ، ليسَ لأحدٍ شيءٌ عِندي، انظُر، الشَمسُ تُشرِقُ على غُرفَتي في الصِباحِ من هنا، وتَغربُ من الجهةِ الأُخرى، هُنا أقرأُ القرآنَ بعدَ الفجرِ، وقبلَ المغربِ، وزوجتي-وفقها الله ورضى عَنهَا-، تَقعُدُ هنا تدعو الله لنا، واللهِ يا شيخ كَأنَّنا في الجنَّةِ.
أجلسني في الغرفةِ، ودخل هو المطبخَ، فسمِعتُهُ يقولُ لزوجتهِ بصَوتٍ خَافِتٍ: أحضري لنا الفَطورَ، الشيخُ حسن الميداني سوفَ يُفطرُ عندنا، فقالت لهُ زوجتهُ: يا فضيحتي، ليس لدينا سِوى فولِنا المعتاد، ولم يبقَ على الأذان إلا نِصفُ ساعةٍ، وليسَ لدينا ما نطبَخُهُ، وحتى لو كانَ عندنا فلا يُوجدُ وقتٌ، يقولُ الشيخُ: فناديتُ الرجلَ وقلتُ لهُ: يا أخي الكريم: لي عندَك شرطٌ، فقال: تفضلْ شَيخِي، فقلتُ له: أنا أبدأُ فطوري بالماءِ والتَّمرِ فقط، وتَمْرِي مَعِي، ثم أُكملُ فطوري بَعدَ نِصفِ ساعةٍ من الأذانِ، بعدمَا أُصلي المغربَ وأُنهي أذكاري، ولا آكلُ إلا فولًا، لأنني في حِميةٍ صِحيَّةٍ، فقال الرجلُ: كما تحبُ، يقولُ الشيخُ: أفطرتُ عِندهُ وأنا في غايةِ السَّعادةِ والبهجَةِ، وأحبَبتُ الدُّنيا على لِسانِ هذا الرجلِ الراضِي، الذي ما تَوقَفتْ من فَمهِ عِباراتُ الثَناءِ والحمدِ على نِعمِ اللهِ، وعلى هذا البيتِ الذي مَلَّكهُ اللهُ إيَّاهُ، وعلى تلكَ الزَّوجَةِ الصَالِحةِ الرَّضِيَةِ، وعلى هذه الحياةِ الجَميلةِ التي يَتغَنى بِها طَوالَ الوقتِ.
وبعدَ عِدَّةِ أيامٍ، دُعِيتُ للإفطارِ مع آخرينَ عِندَ أحدِ الأغنياءِ، ممن أَنعمَ اللهُ عليهِم بالمالِ والجاهِ والأولادِ، وكانت الدعوةُ في مزرعتهِ الفخمةِ، يتوسطُها قَصرٌ، يُطِلُ على مَسبحٍ كبيرٍ، ومَربَطٍ للخيلِ، فأفطرنَا عندَه، وأثناءَ مُغادَرتي، انفرَدَ بي، وأخذَ يَشْكُو لي مِن ضِيقِ الحَياةِ، وهُمومِ التَّجَارَةِ، ومَتَاعِبِ الأولادِ، وسُوءِ طِباعِ زوجتِهِ، وطَمَعِ كُلِّ مَنْ حَولَهُ بأموالِهِ، ومِنْ كَثرةِ المصَارِيفِ، وتعَبهِ الشدَيدِ لإرضَاءِ الجميع، وأنَّهُ قد سَئِمَ من هذه الحياة، ويتمنى الموتَ ليتخلَّصَ من هذه الهمومِ التي لا تَتوقفُ، يقولُ الشيخُ: لقد كانت المسافَةُ بين بابِ القصرِ وسيارتي قصِيرةً، ولكنَّ هذا الرجلَ الثريَ استطاعَ خِلالها، أنْ يجعلَ الدُّنيا تَسْوَدُ في عِيني، وشَعرتُ بِحِمْلٍ ثَقيلٍ أطبَقَ على صَدْرِي وأَنْفَاسِي، حتى أني بعدَ أنْ ركِبتُ سَيارَتي، نَظرتُ إلى السماءِ، وتنفستُ بعُمقٍ، وقلتُ بملءِ فَمي: الحمدُ للهِ على نِعمةِ الرضا.
أستغفرُ اللهَ لي ولكم وللمسلمين...
 
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:
فيا أخي الحبيب: كُنْ عَادِلًا مُنصفًا وأعطِ كُلَّ أمرٍ حقهُ، واقْدُرْ لكُلِّ مَوقِفٍ قَدْرُهُ، لا تُضَخِمْ, ولا تُقزِّمْ، لا تُهوِّلْ, ولا تُهمِلْ، وخُذْ لِكلِّ حَالةٍ أسبَابَها المناسِبةَ والممكِنةَ، وتَوكَلَّ على العَزِيزِ الرَّحِيمِ، وكَفى بالله وكيلًا، ثمَّ إذا حَصلَ المقْدُورُ، وفَاتَكَ ماكُنتَ تَظنُّهُ سيَنفَعُكَ، أو أصَابَكَ ما كُنتَ تَظنُّهُ سيَضُرُكَ، فلا تَنْدَمْ ولا تَتَحسَّرْ، وسلِّمْ الأمرَ للهِ صَاحِبِ الأمرَ، وارْضَ بما قَضَى وقَدَّرَ، واعلَمْ أنَّ ما أصَابَك لم يكُنْ ليُخطِئَك، ولاَ تَقُلْ لَوْ أَنِّى فَعَلْتُ كذا لكَانَ كَذَا، وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ.
أَخيَّ المبارك: أَمرُكَ بيَدِكَ، وحَياتُكَ مِنْ صُنْعِ أَفْكَارِكَ، وأنتَ مَنْ تَكْتُبُ قِصْةَ نَجَاحِكَ أو فَشَلِكَ، فَغَيِّرْ قَناعَاتِك, لتَتَغيَّرَ مُجريَاتُ حَياتِكَ.
فإمَّا أنْ تَرْضَى فتسْعَدَ وترْقَى، وإمَّا أنْ تغضبَ فتخْسَرَ وتَشْقَى.
لا إله إلا اللهُ العظيمُ الحليمُ، لا إله إلا اللهُ ربُ العرشِ العظيمِ، لا إله إلا اللهُ ربُ السماواتِ وربُ الأرضِ وربُ العرشِ الكريمِ، لا إله إلا أنتَ سبحانَك إنَّا كنا من الظالمينَ، اللهم اهدنا والمسلمينَ لأحسنِ الأخلاقِ والأعمالِ، واصرفْ عنا والمسلمينَ سيِئ الأخلاقِ والأعمالِ، اللهم أصلحْ ولاةَ أُمورِنا وولاةَ أُمورِ المسلمينِ، وارزقهمْ البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ، ووفقهمْ لما تحبُ وترضى، وانصرْ جنودَنا المرابطينَ، ورُدَّهُم سالمينَ غانمينَ، اللهم اغفرْ لنا ولوالدينا وللمسلمينَ، أسألُك لي ولهم من كلِّ خيرٍ، وأعوذُ وأُعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، اللهم اشفنا واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، اللهم اجعلنا والمسلمينَ ممن نصرَك فنصرْته، وحفظَك فحفظتْه، اللهم عليك بأعداءِ المسلمينَ فإنهم لا يعجزونَك، اكفنا واكفِ المسلمين شرَّهم بما شئتَ يا قويُ يا عزيزُ.
المرفقات

الرضا-جنة-الدنيا-ومفتاح-الغنى2-26-11-1441هـ-مست

الرضا-جنة-الدنيا-ومفتاح-الغنى2-26-11-1441هـ-مست

الرضا-جنة-الدنيا-ومفتاح-الغنى2-26-11-1441هـ-مست-2

الرضا-جنة-الدنيا-ومفتاح-الغنى2-26-11-1441هـ-مست-2

المشاهدات 684 | التعليقات 0