الرضا باب السعادة الكبير-23-11-1437ه-عبدالله الطريف-الملتقى-بتصرف
محمد بن سامر
1437/11/22 - 2016/08/25 17:13PM
[align=justify]
أما بعد: فحديثُنا اليوم عن جنةِ الدنيا، ومُستراحِ العابدينَ، وقرةِ عيونِ المشتاقين، حديثُنا اليوم عن الرضا بالقضاءِ والقدرِ، ذلك العملُ القلبيُ العظيمُ.
فما قضى اللهُ لا محالةَ آتٍ للعبدِ، وما دامَ الأمرُ كذلك فعلى العبدِ أنْ يرضى بما قدرَ اللهُ-سبحانَه-فقدْ حثَّ المصطفى-صلى اللهُ عليه وآلهِ وسلمَّ-عليهِ فيما رواه ابْنُ عَبَّاسٍ-رضيَ اللهُ عنهما-قال: "كُنْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ-صلى الله عليه وآلهِ وسلمَّ-يَوْمًا فَقَالَ: يَا غُلَامُ إِنِّي مُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظْ اللهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظْ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، تَعَرَّفْ إلَى اللهِ فِي الرَّخَاءِ, يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللهِ..."، إلى أنْ قالَ: "وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ, لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ, وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ, لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ, رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ, وَجَفَّتْ الصُّحُفُ".
لقدْ أكدَ النبيُ-صلى اللهُ عليه وآلهِ وسلمَّ-أنَّ البشرَ لا يضرونَ ولا ينفعونَ إلا بما كتبَه اللهُ، ولذلك قالَ بعضُهم: "لا تقلقْ منْ تدابيرِ البشرِ، فأقصى ما يستطيعونَ فعلَه معك هو تنفيذُ إرادةِ اللهِ"، وقدْ ذكرَ ابنُ القيمِ-رحمَه اللهُ-أكثرَ من ستينَ فائدةً للرضا وإليكم عشرًا منها:
1- أنَّ قضاءَ اللهِ-تعالى-لك خيرٌ لك على كلِ حالٍ، كما قَالَ رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ-: "عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ"، وهذا للمؤمنِ فقط؛ لأنَّه يعلمُ أنَّ كلَّ شيءٍ بقضاءِ اللهِ وقدرِه، ولذا فإنَّ ظاهرةَ التخلصِ من مشكلاتِ الدنيا بالانتحارِ قليلةٌ في المسلمينَ، وكثيرةٌ في غيرِ المسلمينَ؛ لأنَّ الكافرَ لا يؤمنُ بقضاءِ اللهِ وقدرِه، فإذا أُصيب في تجارةٍ، أو أصيب بمرض، أو أصيب بموتِ قريبٍ، أو غيرِ ذلك، فلا يجدُ أمامَه إلا أنْ ينتحرَ هربًا من الدنيا، أما المؤمنُ فيعلمُ أنَّ هذا قضاءُ اللهِ وقدرُه عليه، فيصبرُ عليه؛ فتُمحى سيئاتُه فليس عليهِ حسابٌ، وتُكتبُ له الحسناتُ بغيرِ عدٍ ولا حسابٍ.
2- ومنها: أنّكَ إذا رضيتَ عن اللهِ في جميعِ الحالاتِ رضيَ اللهُ عنك، فإنَّ الجزاءَ من جنسِ العملِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ-صلى اللهُ عليه وآلهِ وسلمَّ: "إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ, مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ، وَإِنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ".
3- ومنها: أنَّ الرضى يفتحُ لك بابَ جنةِ الدنيا قبلَ جنةِ الآخرةِ، ويُخَلِّصُك مما ينتجُ عن السُّخْطِ من الهمِ والغمِ، والحُزْنِ وشتاتِ القلبِ، وكسوفِ البالِ وسوءِ الحالِ، وظنِ السوءِ باللهِ.
4- ومنها: أنَّ الرضى يُعطيك الطمأنينةَ وبردَ القلبِ وسكونَه وقرارَه، والسُخْطَ يعطيك ضدَ ذلك.
5- ومنها: أنَّ الرضى يُنزل على المرءِ نعمةً من أعظمِ نعمِ اللهِ، وهي السكينةُ التي لا أنفعَ له منها، فتصلُحُ أحوالُه وشؤونُه كلَّها.
أما السُخْطُ فيُبعدُه عنها، ويَذهبُ معها السرورُ والأمنُ، والراحةُ وطيبُ العيشِ.
6- ومنها: أنَّ الرضى يفتحُ لك بابَ السلامةِ، فيجعلُ قلبَك سليمًا نقيًا مِنّ الغِشِ والحقدِ والحسدِ وغيرِها من الشرورِ، ولا ينجو من عذابِ اللهِ إلا من أتى اللهَ بقلبٍ سليمٍ، والسُخْطُ يوجب ضدَ ذلك.
7- ومنها: أنَّك إذا ملأتَ قلبكَ من الرضى بالقضاءِ والقدرِ؛ ملأ اللهُ صدرَك غنىً وأمنًا وقناعةً، وفرَّغَ قلبَك لمحبتهِ، والإنابةِ إليهِ، والتوكلِ عليه، وإنْ فاتَك حظُك من الرضى؛ امتلأ قلبُك بضدِ ذلك، واشتغلَ عما فيه سعادتُه وفلاحُه؛ فالرضى يُفَرِّغُ قلبَك للهِ، والسُخْطُ يُفَرِّغُ قلبَك من اللهِ.
8- ومنها: أنَّ الرضى ينتجُ عنه الشكرَ، الذى هو مِن أعلى مقاماتِ الإيمانِ بل هو حقيقتُه، والسُخْطُ ينتجُ عنه ضدُه وهو الكفرُ بالنعمِ، وربما أدى إلى الكفرِ بالمنعمِ اللهِ-سبحانه-.
9- ومنها: أنَّ الرضى يزيلُ عن العبدِ الحرصَ والتكالبَ على الدنيا، الذي هو رأسُ كلِّ خطيئةٍ، وأصلُ كلِّ بليةٍ.
10- ومنها: أنَّ الشيطانَ إنما يظفرُ بكَ وينتصرُ عليكَ عند تَحَكُمِ السُخْطُ والشهوةِ فيك، فهناكَ يصطادُك لأنَّك تقولُ ما لا يُرضي اللهَ وتفعلُه وتنويه، ولهذا قَالَ النبيُ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ-لَمَّا دَخَلَ عَلَى ابنهِ إِبْرَاهِيمَ، عندَ موتِه: "إِنَّ الْعَيْنَ تَدْمَعُ، وَالْقَلْبَ يَحْزَنُ، وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يَرْضَى رَبُّنَا، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ"، لأنَّ موتَ القريبِ خاصةً الولدَ من الأسبابِ التي توجب للعبدِ السُخْطَ على القضاءِ والقدرِ؛ فأخبرَ النبيُ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ أنه-في هذه الحالِ التي يَسْخَطُهُا، كثيرٌ من الناسِ؛ فيتكلمون بما لا يُرضي اللهَ، ويفعلونَه-أخبرَ أنَّه لا يقولُ فيها ولا يفعلُ إلا ما يُرضي اللهَ-تباركَ وتعالى-.
اللهم رضِّنا بقضائِك، وباركْ لنا في قدرِك، حتى لا نُحبَ تعجيلَ شيءٍ أخّرتَه، ولا تأخيرَ شيءٍ عجّلتَه، أستغفرَ اللهَ لي ولكم وللمسلمين...
أما بعدُ: فلقدْ كانَ سلفُنا الصالحُ-رحمَهم اللهُ-تعالى-أهدى الناسِ قلوبًا، يشهدُ بذلك كلُّ منْ نظرَ في حالهم وتأمّلَّ كلامَهم؛ وهذه الهدايةُ جاءت عندما استقرَّ الإيمانُ في قلوبِهم، وعرفوا اللهَ، وقدرُوه، وعَظَّمُوه، فجعلَ اللهُ لهم فرقانًا يميّزونَ به بين الحقِ والباطلِ، وبصيرةً يُدركون بها بواطنَ الأمورِ، تصديقًا لقوله-تعالى-: [مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ]، قالَ علقمةُ-رحمه اللهُ تعالى-: "هي المصيبةُ تصيبُ الرجلَ فيعلمُ أنهَّا مِنْ عندِ اللهِ، فيُسلِّمُ لها ويرضى"، وروُيَ عن عليِ بنِ أبى طالبٍ-رضي اللهُ عنه-أنه زارَ أحدَ المبتلَينَ فقال له: "يا عديُّ، إنَّه من رضيَ بقضاءِ اللهِ جرى عليه كانَ له أجرٌ، ومنْ لم يرضَ بقضاءِ اللهِ جرى عليه حَبِطَ عملُه"، وقالَ ابنُ مسعودٍ-رضيَ اللهُ عنه-: "إنَّ اللهَ-تباركَ وتعالى-بقِسْطِه وعلْمِه جعل الرَوْحَ والفَرَجَ في اليقينِ والرضا، وجعل الهمَّ والحَزَنَ في الشكِ والسُخْطِ"، وقالَ عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ-رحمه اللهُ-تعالى-: "ما كنتُ على حالٍ من حالاتِ الدنيا فيَسُرني أني على غيرِها"، واشتُهرتْ عنه دعواتٌ كان يُكثرُ منها: "اللهم رضّني بقضائِك، وباركْ لي في قدرِك، حتى لا أُحبَ تعجيلَ شيءٍ أخّرْتَه، ولا تأخيرَ شيءٍ عجّلْتَه"، وقالَ عبدُالواحدِ بنُ زيدٍ-رحمه اللهُ-تعالى-: "الرضا بابُ اللهِ الأعظمُ، وجنةُ الدنيا، ومُستراح العابدينَ".
إخواني الكرام: ما أحوجَنا إلى الرضا عن اللهِ وعن قضائِه وقدرِه عامةً في كلِّ وقتٍ، وخاصةً في هذا الوقتِ، اللهمَ لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمدُ إذا رضيتَ، ولك الحمدُ بعدَ الرضا.
[/align]
أما بعد: فحديثُنا اليوم عن جنةِ الدنيا، ومُستراحِ العابدينَ، وقرةِ عيونِ المشتاقين، حديثُنا اليوم عن الرضا بالقضاءِ والقدرِ، ذلك العملُ القلبيُ العظيمُ.
فما قضى اللهُ لا محالةَ آتٍ للعبدِ، وما دامَ الأمرُ كذلك فعلى العبدِ أنْ يرضى بما قدرَ اللهُ-سبحانَه-فقدْ حثَّ المصطفى-صلى اللهُ عليه وآلهِ وسلمَّ-عليهِ فيما رواه ابْنُ عَبَّاسٍ-رضيَ اللهُ عنهما-قال: "كُنْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ-صلى الله عليه وآلهِ وسلمَّ-يَوْمًا فَقَالَ: يَا غُلَامُ إِنِّي مُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظْ اللهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظْ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، تَعَرَّفْ إلَى اللهِ فِي الرَّخَاءِ, يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللهِ..."، إلى أنْ قالَ: "وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ, لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ, وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ, لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ, رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ, وَجَفَّتْ الصُّحُفُ".
لقدْ أكدَ النبيُ-صلى اللهُ عليه وآلهِ وسلمَّ-أنَّ البشرَ لا يضرونَ ولا ينفعونَ إلا بما كتبَه اللهُ، ولذلك قالَ بعضُهم: "لا تقلقْ منْ تدابيرِ البشرِ، فأقصى ما يستطيعونَ فعلَه معك هو تنفيذُ إرادةِ اللهِ"، وقدْ ذكرَ ابنُ القيمِ-رحمَه اللهُ-أكثرَ من ستينَ فائدةً للرضا وإليكم عشرًا منها:
1- أنَّ قضاءَ اللهِ-تعالى-لك خيرٌ لك على كلِ حالٍ، كما قَالَ رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ-: "عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ"، وهذا للمؤمنِ فقط؛ لأنَّه يعلمُ أنَّ كلَّ شيءٍ بقضاءِ اللهِ وقدرِه، ولذا فإنَّ ظاهرةَ التخلصِ من مشكلاتِ الدنيا بالانتحارِ قليلةٌ في المسلمينَ، وكثيرةٌ في غيرِ المسلمينَ؛ لأنَّ الكافرَ لا يؤمنُ بقضاءِ اللهِ وقدرِه، فإذا أُصيب في تجارةٍ، أو أصيب بمرض، أو أصيب بموتِ قريبٍ، أو غيرِ ذلك، فلا يجدُ أمامَه إلا أنْ ينتحرَ هربًا من الدنيا، أما المؤمنُ فيعلمُ أنَّ هذا قضاءُ اللهِ وقدرُه عليه، فيصبرُ عليه؛ فتُمحى سيئاتُه فليس عليهِ حسابٌ، وتُكتبُ له الحسناتُ بغيرِ عدٍ ولا حسابٍ.
2- ومنها: أنّكَ إذا رضيتَ عن اللهِ في جميعِ الحالاتِ رضيَ اللهُ عنك، فإنَّ الجزاءَ من جنسِ العملِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ-صلى اللهُ عليه وآلهِ وسلمَّ: "إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ, مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ، وَإِنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ".
3- ومنها: أنَّ الرضى يفتحُ لك بابَ جنةِ الدنيا قبلَ جنةِ الآخرةِ، ويُخَلِّصُك مما ينتجُ عن السُّخْطِ من الهمِ والغمِ، والحُزْنِ وشتاتِ القلبِ، وكسوفِ البالِ وسوءِ الحالِ، وظنِ السوءِ باللهِ.
4- ومنها: أنَّ الرضى يُعطيك الطمأنينةَ وبردَ القلبِ وسكونَه وقرارَه، والسُخْطَ يعطيك ضدَ ذلك.
5- ومنها: أنَّ الرضى يُنزل على المرءِ نعمةً من أعظمِ نعمِ اللهِ، وهي السكينةُ التي لا أنفعَ له منها، فتصلُحُ أحوالُه وشؤونُه كلَّها.
أما السُخْطُ فيُبعدُه عنها، ويَذهبُ معها السرورُ والأمنُ، والراحةُ وطيبُ العيشِ.
6- ومنها: أنَّ الرضى يفتحُ لك بابَ السلامةِ، فيجعلُ قلبَك سليمًا نقيًا مِنّ الغِشِ والحقدِ والحسدِ وغيرِها من الشرورِ، ولا ينجو من عذابِ اللهِ إلا من أتى اللهَ بقلبٍ سليمٍ، والسُخْطُ يوجب ضدَ ذلك.
7- ومنها: أنَّك إذا ملأتَ قلبكَ من الرضى بالقضاءِ والقدرِ؛ ملأ اللهُ صدرَك غنىً وأمنًا وقناعةً، وفرَّغَ قلبَك لمحبتهِ، والإنابةِ إليهِ، والتوكلِ عليه، وإنْ فاتَك حظُك من الرضى؛ امتلأ قلبُك بضدِ ذلك، واشتغلَ عما فيه سعادتُه وفلاحُه؛ فالرضى يُفَرِّغُ قلبَك للهِ، والسُخْطُ يُفَرِّغُ قلبَك من اللهِ.
8- ومنها: أنَّ الرضى ينتجُ عنه الشكرَ، الذى هو مِن أعلى مقاماتِ الإيمانِ بل هو حقيقتُه، والسُخْطُ ينتجُ عنه ضدُه وهو الكفرُ بالنعمِ، وربما أدى إلى الكفرِ بالمنعمِ اللهِ-سبحانه-.
9- ومنها: أنَّ الرضى يزيلُ عن العبدِ الحرصَ والتكالبَ على الدنيا، الذي هو رأسُ كلِّ خطيئةٍ، وأصلُ كلِّ بليةٍ.
10- ومنها: أنَّ الشيطانَ إنما يظفرُ بكَ وينتصرُ عليكَ عند تَحَكُمِ السُخْطُ والشهوةِ فيك، فهناكَ يصطادُك لأنَّك تقولُ ما لا يُرضي اللهَ وتفعلُه وتنويه، ولهذا قَالَ النبيُ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ-لَمَّا دَخَلَ عَلَى ابنهِ إِبْرَاهِيمَ، عندَ موتِه: "إِنَّ الْعَيْنَ تَدْمَعُ، وَالْقَلْبَ يَحْزَنُ، وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يَرْضَى رَبُّنَا، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ"، لأنَّ موتَ القريبِ خاصةً الولدَ من الأسبابِ التي توجب للعبدِ السُخْطَ على القضاءِ والقدرِ؛ فأخبرَ النبيُ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ أنه-في هذه الحالِ التي يَسْخَطُهُا، كثيرٌ من الناسِ؛ فيتكلمون بما لا يُرضي اللهَ، ويفعلونَه-أخبرَ أنَّه لا يقولُ فيها ولا يفعلُ إلا ما يُرضي اللهَ-تباركَ وتعالى-.
اللهم رضِّنا بقضائِك، وباركْ لنا في قدرِك، حتى لا نُحبَ تعجيلَ شيءٍ أخّرتَه، ولا تأخيرَ شيءٍ عجّلتَه، أستغفرَ اللهَ لي ولكم وللمسلمين...
الخطبة الثانية
إخواني الكرام: ما أحوجَنا إلى الرضا عن اللهِ وعن قضائِه وقدرِه عامةً في كلِّ وقتٍ، وخاصةً في هذا الوقتِ، اللهمَ لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمدُ إذا رضيتَ، ولك الحمدُ بعدَ الرضا.
[/align]
المرفقات
الرضا باب السعادة الكبير-23-11-1437ه-عبدالله الطريف-الملتقى-بتصرف.docx
الرضا باب السعادة الكبير-23-11-1437ه-عبدالله الطريف-الملتقى-بتصرف.docx
الرضا باب السعادة الكبير-23-11-1437ه-عبدالله الطريف-الملتقى-بتصرف.pdf
الرضا باب السعادة الكبير-23-11-1437ه-عبدالله الطريف-الملتقى-بتصرف.pdf